الفقرة الثانية
التوازن بين مصلحة المؤسسة ومصالح المتعاملين معها
تضمن القانون عدد 34 لسنة 1995 عديد الإستثناءات التي كرّست حماية بعض الأطراف على حساب مصلحة المؤسسة وهي :
- تتبع الكفيل والضامن،
- حامية مستحقات العملة،
- حماية الدائنين.
أ – تتبع الكفيل أو الضامن :
يعتبر الكفيل والضامن مدينا تبعيا أي غير أصلي فلا يمكن تتبعه إلا عند تعذّر إستخلاص الدين من الدين الأصلي، وتبعا لذلك فإن تعليق إجراءات التقاضي والتنفيذ في حق المدين الأصلي يؤدي إلى تعليق إجراءات التقاضي والتنفيذ في حق الكفيل والضامن وهو ما يؤدي إلى الإضرار بحقوق الدائنين الذين يتعذر عليهم تتبعه رغم إعسار المدين الأصلي.
ولتجنب هذه الوضعية تدخل المشرع بموجب تعديل سنة 2003 وأقر مبدأ عدم تعليق إجراءات التقاضي والتنفيذ في حق الكفيل أو الضامن ما لم يوافق الدائنون على ذلك.
ب :حماية مستحقات العملة :
ورغم صعوبة التوفيق بين مصلحة المؤسسة الّتي تمرّ بصعوبات اقتصادية ومصالح العمال فقد أقر المشرع عددا من القواعد الحمائية الّتي من شأنها ضمان خلاص أجور العملة ومستحقاتهم :
1 - منع تعليق إجراءات التقاضي وتنفيذ الأحكام :
أقر المشرع عديد القواعد الاستثنائية الّتي من شأنها مساعدة المؤسسة على تجاوز الصعوبات الاقتصادية الّتي تواجهها, ويعتبر تعليق إجراءات التقاضي وإجراءات تنفيذ الأحكام من أهم هذه الاستثناءات إذ يمكن لرئيس المحكمة - إذا رأى أنّ في أداء هذه الديون تعكير لوضع المؤسسة - الإذن بتعليق إجراءات التقاضي وإجراءات التنفيذ سواء تعلّق الأمر بالتسوية الرضائية أو بالتسوية القضائية أو خلال فترة المراقبة (2)، غير أنّه ولضمان استخلاص أجور العملة فقد منع المشرع تعليق إجراءات التقاضي المتعلقة بالمستحقات الراجعة للعملة خلال كافة مراحل إنقاذ المؤسسة، كما منع المشرع تعليق إجراءات تنفيذ الأحكام المتعلقة بمستحقات العامل إلا إذا كان من شأن التنفيذ أن يؤدي إلى منع إنقاذ المؤسسة.
أما إذا تعلق الأمر بتنفيذ هذه الأحكام خلال فترة المراقبة فإن تنفيذ الحكم يتم بموجب إذن من المحكمة المتعهدة بقضية التسوية ويشترط أن لا يكون من شأن التنفيذ أن يؤدي إلى منع إنقاذ المؤسسة (1).
2 - منع تأجيل دفع الديون الممتازة
خوّل الفصل 43 جديد من قانون إنقاذ المؤسسات الّتي تمر بصعوبات اقتصادية إمكانية تأجيل دفع الديون وفق ما تضمنه برنامج الإنقاذ بعد سماع رأي الدائنين، غير أنّه ومراعاة من المشرع للصبغة المعاشية لأجور العملة فقد استثنى الديون الممتازة وخاصة منها أجور العملة من قاعدة تأجيل الدفع، وتبعا لذلك فإن أجور العملة والخدمة عن الستة أشهر الأخيرة تكون غير مشمولة بقاعدة تأجيل الدفع كما يستثنى من قاعدة تأجيل الدفع أجور ومستحقات العملة سواء في جزئها غير القابل للحجز أو القابل للحجز في صورة الإفلاس طبق أحكام الفصلين 564 و 566 من المجلة التجارية (2).
3 - التخفيض من الأجور
أسند الفصل 36 جديد من قانون إنقاذ المؤسسات الّتي تمر بصعوبات اقتصادية مهمة إعداد برنامج الإنقاذ إلى المتصرف القضائي، ويتضمن برنامج الإنقاذ وجوبا وسائل النهوض بالمؤسسة الّتي يمكن أن تشمل جدولة الديون ونسبة التخفيض من أصلها أو من الفوائض المترتبة عليها ...
غير أن التخفيض يمكن أن يشمل الأجور والامتيازات وفي هذه الحالة يتولى المتصرف إعلام تفقدية الشغل المختصة ترابيا لتباشر المساعي الصلحية.
ولئن أجازت الفقرة الثانية من الفصل 36 من القانون المتعلق بإنقاذ المؤسسات الّتي تمر بصعوبات اقتصادية التخفيض في الأجور والامتيازات فإنّه لا يمكن النزول بالأجور إلى ما دون الأجر الأدنى الواقع ضبطه بالأحكام التشريعية أو الترتيبية أو العقود المشتركة أو الاتفاقيات أو المقررات التحكيمية المعمول بها باعتبار أن الفصل 3 من م ش رتّب عقوبات جزائية عن دفع أجور دون المقدار الأدنى طبق ما سلف بيانه.
وتبعا لذلك فلا يمكن التخفيض من الأجور دون الأجر الأدنى المضمون أو الأجر الأدنى المحدد بالاتفاقيات المشتركة القطاعية أو الأجر المحدد بموجب قرار تحكيمي. أما بالنسبة إلى الامتيازات فإنها يمكن أن تكون محلّ تخفيض باعتبار أن المنع المشار إليه بالفصل 3 من م.ش. لا يتعلق سوى بالأجور وتبعا لذلك يمكن التخفيض من الامتيازات بموافقة ممثلي العملة ومصادقة المحكمة على برنامج الإنقاذ.
ج - خلاص الديون المتمتعة بالامتياز العام المدعم :
لضمان استمرار نشاط المؤسسة مكّن المشرع الديون الجديدة المترتبة على المؤسسة بداية من انطلاق فترة المراقبة من الأولية في الخلاص، غير أنّ الأولوية في الخلاص لا يمكنها التأثير على حق العامل في استخلاص الأجور المتخلدة بذمة مؤجره باعتبار أن أجزاء الأجور والمستحقات المنصوص عليها بالفصلين 534 و 566 من المجلة التجارية تحظى بامتياز مدعّم وتستخلص قبل غيرها من الديون إلى جانب الديون الذكورة بالأعداد 1 و 2 و3 من الفصل 199 من م.ح.ع. عملا بأحكام الفقرة الثانية من الفصل 34 من القانون عدد 34 لسنة 1995 المتعلق بإنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات إقتصادية (1).
وتنتفع أجور العملة بالامتياز العام المدعّم في صورة بيع مال المؤجر الموظف عليه امتياز خاص أو رهن إذ لا يتم خلاص الدائن الراهن أو المنتفع بامتياز خاص إلا بعد خلاص الديون الممتازة المنصوص عليها بالفصلين 564 و 566 من م.ت. والفصل 199 من م.ح.ع. (2).
د- مفهوم الصعوبة الإقتصادية :
يعتبر توفر الصعوبة الإقتصادية شرط أساسي للإنتفاع بنظام التسوية عملا بأحكام الفصل 3 من القانون عدد 34 لسنة 1995، وأثيرت عمليا عديد الصعوبات القانونية في تحديد هذا المفهوم وبالتالي تحديد المؤسسات المنتفعة بنظام التسوية وهو ما دفع المشرع إلى التدخل بموجب القانون عدد 79 لسنة 2003 المؤرخ في 29 ديسمبر 2003 لتعديل أحكام الفصل 3 ومزيد تدقيق مفهوم الصعوبات الإقتصادية ووضع بعض المعايير الموضوعية.
ويري بعض الدارسين لقانون إنقاذ المؤسسات أن هذا التدخل التشريعي لم يكن موفقا بالقدر المطلوب بإعتبار أن المشرع تدخل لتقنين مسائل فنية دقيقة لم تكن محل إجماع من قبل المختصين بإعتبار أن المشرع وضع :"أمام حتمية إختيار أسلوب التنظيم الدقيق ووضع تعريف قانوني لمفهوم يحتاج إلى ذلك ضمانا لحسن التطبيق وتفاديا لتشتت التأويلات في ميدان يفترض أناسه أن يكونوا على بينة من أمورهم أو العزوف عن الدخول في تفصيلات إقتصادية وتقنية قد لا يُحسن المشرع الخوض فيها خاصة أنها ذات تبدل سريع" (3) .
والصعوبة الإقتصادية تمثل حسب قانون إنقاذ المؤسسات الحدّ الفاصل بين مصلحة المؤسسة ومصالح مختلف الأطراف المتعاملين معها، فعدم ثبوت الصعوبة الإقتصادية وفق المعايير المحددة بالفصل 3 من القانون المذكور ينفي إمكانية الإنتفاع بالتسوية ويغفل بالتالي مصالح المؤسسة التي قد تكون في حاجة إلى بعض الإجراءات التي من شأنها تحسين قدرتها التنافسية ضمانا لبقائها في سوق تتميز بالمنافسة الشرسة. وفي مقابل ذلك فإن إستفحال الصعوبة الإقتصادية وتوقف المؤسسة عن النشاط لمدة تفوق السنة يؤدي أيضا إلى حرمانها من الإنتفاع بالتسوية إعتبارا لإستحالة إنقاذها أو إنتفاء الجدوى من ذلك.
وتأسيسا على ذلك فإنه يتجه التحري في تحديد مدى توافر العناصر المثبتة للصعوبة الإقتصادية والمتمثلة في :
- المماطلة في دفع الديون مع عدم القدرة على ذلك وهو ما يعبر عنه بالتوقف عن الدفع.
- التوقف نهائيا عن النشاط لمدة لا تقل عن السنة.
- خسارة كامل الأموال الذاتية أو تسجيل خسائر تتجاوز 3/4 الأموال الذاتية للمؤسسة.
- توفر الفرصة الجدية لإنقاذ المؤسسة.
ولئن كان من آثار الصعوبة الإقتصادية على معنى قانون إنقاذ المؤسسات إنهاء عقود الشغل وإعتبار الإنهاء واقعا لأسباب إقتصادية فإن مفهوم الصعوبة لا يتطابق مع الصعوبات الإقتصادية المبررة للطرد لأسباب إقتصادية في إطار الفصل 21 من مجلة الشغل.
بإعتبار لجنة مراقبة الطرد تنظر في ملف الطرد أو الإيقاف عن العمل على ضوء الوضعية العامة للنشاط الطي تنتمي إليه المؤسسة والوضع الخاص لهذه الأخيرة (الفصل 21/9 من م.ش).
وتبعا لذلك فلا يشترط في إطار مجلة الشغل ثبوت التوقف عن الدفع ولا التوقف عن النشاط كما لا يشترط تسجيل قدر معين من الخسائر وإنما ينظر إلى الوضع العام للنشاط ومدى حاجة المؤسسة للتخفيف من الأعباء الإجتماعية.
وقد أدى إعتماد هذا المفهوم للصعوبات الإقتصادية في إطار إجراءات الطرد لأسباب إقتصادية أو فنية إلى توسيع مفهوم الصعوبات الإقتصادية ليشمل المحافظة على القدرة التنافسية للمؤسسة ويصبح بذلك الطرد إجراء وقائيا في إطار التصرف الرشيد والمتوقع لمواطن الشغل. وهو ما أقرته محكمة التعقيب الفرنسية عدد U0540977 بتاريخ 11 جانفي 2006.
وفي محاولة للتنسيق بين نظام إنقاذ المؤسسات والنظام القانوني للطرد لأسباب إقتصادية يمكن التفكير في توسيع مفهوم الصعوبات الإقتصادية في إطار قانون الإنقاذ لتمكين المؤسسات التي لم تتوقف بعد عن الدفع أو لم تتوقف عن النشاط من الإنتفاع ببعض أحكام قانون الإنقاذ بصفة وقائية وقبل إستفحال الأزمة وهو ما يدعم فرص إنجاح برنامج الإنقاذ بما يسمح بمراعاة مصلحة المؤسسة والموازية بينها وبين بقية المصالح.