تقــــــــــــديم :
تحرير التجارة العالمية أثر بشكل كبير ولكن متفاوت على كل دول العالم التي أصبحت في سباق مفتوح ودائم لتحقيق قدرة تنافسية أعلى.
ولكن على عكس الدول المتقدمة والغنية التي سلكت طريق الاستثمار في التكنولوجيا العالية لتحقيق هذا الهدف فإن الدول النامية بما في ذلك تونس غير قادرة على انتهاج هذا الحل نظرا لكلفته المرتفعة على المدى القصير خاصة وأن هذه التكنولوجيات العالية تتطور باستمرار مما يستدعي تغييرها للمحافظة على القدرة التنافسية.
وبعض البلدان النامية كتونس لا تمتلك ثروات طبيعية وبالتالي عليها اقتناؤها من السوق العالمية بنفس السعر الذي تقتني به الدول الغنية.
فلم يبق إذن للبلدان النامية إلا مواردها البشرية كعنصر تنافس أساسي ليس فقط بدفع أجور أقل من تلك المعتمدة في الدول المتقدمة بل وكذلك عن طريق وضع قانون شغل يجعل من النزاع الجماعي داخل المؤسسة في شكله المفتوح أي الإضراب كآخر حل يمكن اللجوء إليه عندما يستحيل التوصل إلى حل تفاوض.
لقد أصبح السلم الاجتماعي عنصرا تنافسيا لدى الدول النامية سواء للضغط على كلفة إنتاجها الوطني أو لجلب الاستثمارات الخارجية فكيف للمؤسسة الاستفادة من قانون النزاعات الجماعية للعمل الذي من المفروض أن يوفر حلولا لمختلف أنواع النزاعات الجماعية.
فما هي أهم أسباب النزاعات الجماعية والمنظومة القانونية الوقائية منها وكذلك آليات إدارة هذه النزاعات في حالة تحولها إلى إضرابات أو صد عن العمل بالرغم من أننا سنقتصر على الإضراب ؟
الجـــــــــــــــزء الأول : أهم أسباب النزاعات الجماعية للعمل
قبل التعرض لأهم الإشكاليات التي قد تؤدي إلى نزاعات جماعية للعمل يتعين تعريف هذه النزاعات ففي غياب تعريف قانوني سواء في مجلة الشغل أو في الاتفاقيات المشتركة والأنظمة الأساسية لأعوان المنشآت العمومية.
نعرّفها على أنها النزاعات التي موضوعها العلاقات الشغلية مباشرة أو غير مباشرة ولها انعكاس على مجموع العملة أو جزء منهم.
وأسباب النزاعات الجماعية متعددة من ذلك :
الأجور وملحقاتها
التصنيف المهني
الترسيم
طرد النائب النقابي
التسريح الجماعي
1. الأجور وملحقاتها :
الأجور تحدد حسب طرق عدة:
نص ترتيبي : حيث يصدر أمر يحدد الأجر الأدنى المضمون سنويا منذ سنة 1990
اتفاقيات جماعية: سواء قطاعية أو اتفاقيات مؤسسات أو أنظمة أساسية خاصة بأعوان المنشآت العمومية
اتفاقات جماعية : وهي تختلف عن الاتفاقيات الجماعية إذ هي تبرم عادة بين نقابة المؤسسة والمؤجر في المؤسسات غير المشمولة باتفاقيات جماعية قطاعية أو مؤسساتية ولهذه الاتفاقات الصبغة الإلزامية بالرغم من أن طبيعتها القانونية مختلفة عن الاتفاقيات القطاعية ولا تخضع لنفس الشروط الشكلية التي تخضع لها اتفاقيات المؤسسات ولذلك يمكن تسميتها اتفاقات أجور.
العقود الفردية للشغل : هذه الطريقة أصبحت كثيرة الانتشار سواء وجدت اتفاقيات جماعية أو مؤسساتية أو اتفاقات أجور أم لا توجد.وهي تقوم على التفاوض الفردي بين الأجير والمؤجر على الأجر صلب عقد الشغل مقابل أهداف يتعين على الأول تحقيقها.
والتفاوض على مستوى العقود الفردية مازالت مقتصرة على الإطارات العليا.
وكذلك الشأن بالنسبة لملحقات للأجور من منح قارة أو متغيرة فهي مضبوطة عادة في إطار المصادر القانونية والتعاقدية المذكورة.
والسبب الرئيسي للنزاعات الجماعية في هذا المجال يتعلق بدفع الأجور بعد الآجال المحددة لها عادة بسبب صعوبات اقتصادية تمر بها المؤسسة.
ولكن باعتبار أن الأجر هو مبدئيا المصدر الرئيسي لعيش الأجراء فقد يضطرون للتهديد بإضراب أو شنه بصفة فجئية للمطالبة بأجورهم.
كما قد يمتنع المؤجر عن منح بعض ملحقات الأجر من منح قارة أو متغيرة لأي سبب وخاصة بسبب الحالة الاقتصادية للمؤسسة.
2. التنصيف المهني :
يتعين التمييز بين التدرج بالأقدمية من درجة إلى أخرى في نفس الصنف أو الصنف الفرعي وهو حق للأجير بصرف النظر عن ملفه التأديبي أو أي شرط آخر حيث أن هذا الحق مصدره الوحيد الأقدمية وبين الترقية من صنف إلى آخر أو من صنف فرعي إلى صنف فرعي آخر والتي تعتمد عدة عناصر أخرى .
وخلافا للأجور فإن التصنيف المهني لا يمكن تنظيمه بنصوص ترتيبية لأنه يختلف من قطاع لآخر ومن مؤسسة لأخرى وبالتالي فلا يمكن تنظيمه إلا باتفاقيات مشتركة سواء قطاعية أو اتفاقيات مؤسسات أو أنظمة أساسية خاصة بأعوان المنشآت العمومية.
ومختلف هذه الاتفاقيات والأنظمة الأساسية تضبط شروط التصنيف المهني ودوريته ونسبه وبالرغم من ذلك فإن هذا التصنيف يمثل مصدرا من مصادر النزاعات الجماعية سواء لأن المؤجر لا يحترم شروطه وقواعده أو لأنه يمتنع عن إجرائه لأنه قد يكلف المؤسسة أعباء مالية إضافية.
3. الترسيم :
مازال الترسيم يمثل طلبا نقابيا أساسيا وبالتالي مصدرا هاما للنزاعات الشغلية الجماعية بالرغم من محاولة المشرع تنظيم ذلك بالفصل 6 رابعا من مجلة الشغل بالتنصيص على الترسيم بعد انقضاء 4 سنوات تعاقد لمدة معينة إلا في حالات خمسة تتميز بأعمال وقتية سواء بطبيعتها أو بحكم العرف.
غير أن بعض المؤسسات يلجأ إلى المناولة والبعض الآخر تواصل التعاقد إلى ما بعد هذه المدة خاصة المنشآت العمومية التي تستند في ذلك إلى الفقرة الأخيرة من المنشور عدد 13 المؤرخ في 10 ديسمبر 1997 التي تخرج هذه المنشآت من مجال تطبيق الفصل 6 رابعا من مجلة الشغل وبالتالي لا تقيدها بسقف الأربع سنوات تعاقد للترسيم.
وهذه الوضعية التي تؤدي إلى نزاعات جماعية تحل عادة بإبرام اتفاقات ترسيم لنسبة معينة من الأجراء سنويا
4. طـــرد النائب النقابي :
بالرغم من المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 135 بشأن حماية ممثلي العملة وتنقيح مجلة الشغل لتتلاءم مع هذه الاتفاقية وذلك بتوسيع الحماية لتشمل النائب النقابي فقد لا يحد ذلك من النزاعات الجماعية المترتبة عن طرده.
وبالرجوع إلى الحماية المنصوص عليها في مجلة الشغل بمقتضى الفصل 166 (جديد) وما يليه نتبين أنها حماية شكلية وإجرائية بالأساس وبالتالي فقد تلجأ النقابات إلى الإضراب لتعويض هذه الحماية الإجرائية بحماية أصلية وفعلية.
ونرى أن التنقيح الأخير لمجلة الشغل حمل المدير العام لتفقدية الشغل والمصالحة مسؤولية جسيمة لإحلال السلم الاجتماعي بالحد من النزاعات الجماعية المترتبة عن طرد النائب النقابي.
5. التسريح الجماعي :
التسريح الجماعي للعمال لأسباب اقتصادية أو فنية من أسباب النزاعات الجماعية إذا تم دون موافقة الأجراء المعنيين وهو ما يفسر ما يسمى بظاهرة التسريح الاتفاقي تجنبا لهذه النزاعات.
غير أن هذه الصيغة ليست دائما ممكنة خاصة بالمؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية أو فنية وبالتالي يتم إحالة الملف على لجنة مراقبة الطرد وقد تتحول طبيعة النزاع إلى نزاع حول مدى وجود أسباب اقتصادية أو فنية حقيقية وجدية وربما إلى اعتصام داخل المؤسسة خوفا من غلقها من طرف المؤجر.