المغرب: سجال حول مدونة السير
ما أن تقدم كريم غلاب، وزير النقل والتجهيز، بمشروع مدونة السير الجديدة، حتى قامت الدنيا ولم تقعد، وبدأت حرب شاركت فيها النقابات واستعملتها أحزاب في المعارضة لمعاكسة الوزير وحزبه واتهام الحكومة بالسير عكس حاجيات ومطالب المغاربة
.
وقال سائقو الشاحنات تعليقا على مشروع المدونة، "آش خصك آ العريان، قالو خاتم آمولاي". وظهر الوزير الوسيم غلاب، في اجتماعات ماراطونية، برفقة زعماء نقابات النقل بشعرهم الأشعث ولحيهم المشتتة، وتمتع متتبعوا الصحف الوطنية بصورة ذلك النقابي، الذي رفع يده في وجه غلاب، مهددا إياه باستمرار الإضراب وشل حركة السير في الطرق المغربية، إن لم يسحب المشروع من المؤسسة التشريعية.
لم يحدث أن صاحب تقديم مشروع قانون ضجة إعلامية وسياسية ونقابية، مثل تلك التي أحدثها مشروع مدونة السير، والسبب يكمن في التعديلات، التي طالت المشروع، وحملت السيف فوق رقاب السائقين تتوعدهم بغرامات مالية تصل إلى أربعة آلاف درهم، وعقوبات حبسية طويلة، والحرمان من شهادة السياقة فالسائق المغربي لم يتقبل الإجراءات الزجرية لأنها استهدفت جيبه وجعلته يشعر بالخوف من ارتكاب حادثة سير ولو كانت قدرا مقدرا.
وعللت النقابات رفضها لهذا المشروع بأنه لن يحد من نسبة حوادث السير، إذ السبب في نظر معارضي المشروع يرتبط بعوامل أخرى، منها وضعية الطرق، والحالة الميكانيكية للشاحنات والسيارات، وتفشي الرشوة، واعتبر نقابيون رفع سقف الغرامات، حافزا لتشجيع رجال الدرك والشرطة والسائقين على التعامل بالرشوة أكثر.
من جهته دافع غلاب عن مشروع المدونة، مستنيرا بقرار فرض حزام السلامة على المغاربة، وقال ذات مرة في مجمع ضم صحافيين إنه "فخور بكون السائق المغربي اهتدى أخيرا إلى وضع حزام السلامة، وهي عادة ترتقي به إلى مصاف السائقين في الدول الراقية التي تحترم القانون". وأصر الوزير على الدفاع عن مشروعه رغم ارتفاع أصوات المعارضين وتزايد المضربين، خاصة في صفوف النقل البري، الذين عطلوا الحركة في عدد من الموانئ والمحطات وتسببوا للحكومة في أزمة بلغت خسائرها عشرات ملايين الدراهم حسب بعض التقديرات.
ورغم احتدام موجة المعارضة لمشروع قانون السير، استمر غلاب في مسلسل الحوار، وحاول استقطاب بعض الجمعيات والنقابات إلى جانبه، وحصل انشقاق في صف المعارضين، وتضاربت نسب نجاح الإضراب، في الوقت الذي كان مشروع المدونة دخل فترة السبات في مجلسي النواب والمستشارين، وأقفلت الدورة التشريعية أبوابها، العام الماضي، دون البت في المشروع، وهو ما جعل غلاب يستغل عامل الوقت لتقسيط المدونة وتمريرها، داخل المؤسسة التشريعية، كما وصفته بعض الصحف.
بنى غلاب رغبته في فرض مدونة سير متشددة جدا، على أساس الحد من حوادث السير، التي تفاقمت في المغرب إلى حد اعتبارها حرب استنزاف متواصلة، وحسب تقارير صادرة عن لجنة الوقاية من حوادث السير، ترجع نسبة 70 في المائة من الحوادث، التي تقع في الطرق المغربية، إلى مسؤولية السائقين، بسبب الإفراط في السرعة، وعدم احترام قانون السير، والسياقة في حالة سكر، وتجرد بعض السائقين من الأخلاق، إضافة إلى الحالة الميكانيكية للسيارات والشاحنات والحافلات، وهي مسؤولية تقع على عاتق أصحابها.
فالعنصر البشري في رأي غلاب، هو مربط الفرص، وللحد من نسبة حوادث السير، يتوجب على الحكومة أن تتوجه بحزم إلى السائقين وتضع أمامهم عقوبات زجرية قاسية، لثنيهم عن التمادي في خرق القانون، لكن معارضي غلاب واجهوا المشروع بكونه مستوردا من بلاد اسكندينافية، وقالوا إن "غلاب يستورد كل شيء، القطارات والكاميرات ومدونة السير"، وقال بعض المعلقين، ساخرا من مشروع المدونة، "أنا مع استيراد قانون السير من ستوكهولم، ولكن على غلاب أن يستورد لنا أيضا الطرق من السويد"، مستدلا بالحالة المزرية للطرق في المغرب، التي تعتبر سببا مهما في وقوع حوادث السير، إما لضيقها أو اهترائها.
لم يفلح وزير النقل في إسكات المعارضين، ولم تتوقف بعض الصحف عن توجيه نقد لاذع له بسبب مشروعه، خاصة أنه استبق الأحداث واستورد من الخارج، بالعملة الصعبة كاميرات مراقبة السرعة، وثبتها في بعض شوارع وطرق المغرب، حتى قبل أن يصدر قانون يسمح بتشغيلها، الأمر الذي حول وزارة النقل والتجهيز إلى ميدان للرماية في وجه انتقادات أحزاب المعارضة والنقابات والصحف الوطنية، لكن غلاب لم يفقد الأمل وظل متشبثا بالمشروع، واجتذب إلى جانبه أصوات بعض النقابات والجمعيات المعنية بالنقل الطرقي، واستطاع أن يحصل على رأي مساند مفاده أن المغاربة بحاجة فعلا إلى تشديد الإجراءات، خاصة في ضوء تدني أخلاق السير وغياب التسامح وتعنت بعض السائقين، الذين جعلوا عرباتهم دبابات وحولوا الطرق إلى ساحات حرب.
غير أن المعركة حول مشروع مدونة السير لم تنته لصالح غلاب مائة في المائة، ولم تجر المصادقة على النصوص، التي تضمنت العقوبات الحبسية والغرامات الكبيرة، الأمر الذي تطلب تدخلا لسحبها، لكن البعض يرى أن غلاب مستمر في تمريرها ولو بالتقسيط، وأن المغرب سيكون مضطرا لتشديدها في وقت لاحق، خاصة إذا استمرت حرب الطرق في حصد أرواح المغاربة.