حرب المخدرات تستعر
الجبلية... حسناء وسط البارونات
لم تكن فتيحة حمود الشهيرة بالجبلية، تدرك أنه سيطلع عليها النهار ذات يوم، وهي تقاسي الحر والبرد في زنازن جناح النساء، بسجن سوق الأربعاء الغرب.
بعدما ظنت أن نسج حصانة لأنشطتها المحظورة، من خيوط جريمة الرشوة، والجلسات الساهرة، ستجعلها في مأمن من الملاحقة الأمنية إلى الأبد.
ففي السابع من شهر أبريل من عام 2005، ستعلم الجبلية علم اليقين، أن حساباتها لم تكن مضبوطة بالشكل المطلوب، عندما قضت محكمة الاستئناف بالرباط، بعد جلسات ماراثونية، بحبسها 10 سنوات ومصادرة أموالها وعقاراتها، وتغريمها 20 ألف درهم لفائدة خزينة الدولة، و520 ألف درهم لفائدة إدارة الجمارك، مع تبرئتها من تهمة تكوين عصابة إجرامية.
كان هذا الحكم مزلزلا تحت أقدام الجبلية، التي طالما حافظت على اتزانها وقوتها، وهي تواجه أسئلة للقضاء ومساعديه، ظلت تتهاوى على رأسها كالمطارق الغليظة طوال جلسات محاكمتها، دون رحمة أو شفقة، أو حتى صكوك غفران.
يصدر حكم الإدانة وتنهار الجبلية، بعدما هوت من فوق كرسي خشبي، يوجد في آخر قفص زجاجي، خاص بالمتهمين، في قاعة الجلسات الكبرى، باستئنافية الرباط الشهيرة بالمحاكمات التاريخية، قبل أن ترثها ملحقتها بمدينة سلا، وهي المدينة التي احترفت فيها المتهمة الاتجار في المخدرات على نطاق واسع.
تترنح الجبلية على الأرض كالطير المذبوح غدرا، ويسقط وشاحا أسود من فوق رأسها، لينكشف شعرها الأشقر متمردا على كتفيها، لأول مرة، بعدما ظلت حريصة على إخفاء، ما يجذب من زينتها طوال شهورالمحاكمة.
فمن تقادير القدر أن يتزامن الحكم بحبس الجبلية 10 سنوات كاملة، بلوغها الأربعين من العمر، بعدما أبصرت النور عام 1965، بحي يعقوب المنصور الشعبي وسط الرباط، عقب نزوح والديها من إحدى قرى الشمال إلى العاصمة، بحثا عن لقمة العيش.
عاشت الجبلية طفولة قريبة من الحرمان، إن لم يكن الحرمان نفسه، وسط أسرة تتكون من أب وأم وثمانية إخوة، أسرة، إن أمنت الغذاء لا تدرك الدواء، وإن وفرت الغطاء لا تستطيع توفير الكساء.
بيد أن هاته الأسرة، التي قدمت من أبنائها، إطارا للدولة في وزارة العدل، كانت تمني النفس في أن تكون فتيحة، فاتحة خير على وضعهم الاجتماعي البسيط، خاصة عندما برز نجمها في مسارها الدراسي، الذي بدأ بحي يعقوب المنصور، حين نالت الشهادة الابتدائية باستحقاق، لتلتحق وهي الزاهية بعبث المراهقة، بإعدادية حليمة السعدية بالمدينة نفسها.
التحاق الجبلية بالمرحلة الإعدادية، اتسم بالتذبذب منذ البداية، ما كان مؤشرا على نهاية عكس التوقعات، حين غادرت الجبلية إعدادية حليمة السعدية والرباط نفسها، على غفلة من الزمن، قاصدة حيا بمدينة سلا، وأي حي إنه حي وادي الذهب الهامشي، المعروف شعبيا بـ" الواد الخانز".
حلت الجبلية بهذا الحي العشوائي سيئ المنظر والسمعة، الذي احتضن اغتصاب قرار عائلي يقضي بتزويجها قسرا، ورغبتها في متابعة دراستها بإعدادية ابن الهيثم بسلا، حين جرها القرار ذاته من فصل التحصيل العلمي بالثانية إعدادي، للرمي بها في أحضان زواج لم يعمر سوى ثلاثة أشهر، ليحصل أبغض الحلال عند الله.
تستجمع الجبلية، قواها بعد خروجها للتو من تجربة لا تحسد عليها، وتعود إلى مقاعد الدراسة، لكن هذه المرة في التعليم الخصوصي، قسم الإعلاميات والرقن على الآلة الكاتبة، ما أهلها للاشتغال كاتبة لدى مكتب محام بالرباط.
خروج الجبلية إلى سوق الشغل، جعلها محط أنظار الطامعين في زينتها، بيد أن الشاطر من بينهم لم يستمر في معاشرتها زوجة أكثر من عام، لتقف من جديد أمام منصة القاضي الشرعي، طلبا للطلاق.
فبعد طلاق ثان ، شمرت الجبلية على ساعديها، سعيا منها إلى إغلاق باب الزواج إلى الأبد، بعدما حصلت على عمل بوكالة عقارية بالرباط، بيد أنه، رغم أن اكتوائها بنار الزواج مرتين، لم تتب، وتزوجت تاجر مخدرات مغمور يدعى "م.ر"، الذي أنجبت منه ابنا واحدا، كان ذلك عام 1990.
حصل الزواج إذن، وجاء المولود، وتأقلمت الجبلية مع عائلة تحترف الاتجار بالمخدرات على مستويات عدة، وفهمت حكاية "اللعبة"، ومسالكها السرية، ودروب تحصين أنشطتها المحظورة من ملاحقة عيون "أصحاب الحال"، إلى سقط زوجها في قبضة العدالة وحكم عليه بـ 5 سنوات حبسا.
وجدت الجبلية نفسها ترث تجارة تذرعليها أموالا طائلة، كل شهر، فاستطعمت ذوقها الحلو، وصارت تبحث عن منافذ إلى النافذين والممونين والمروجين، فكان المدعوان "الضب" و"دراكيلا"، بمثابة نور اهتدائها إلى مبتغاها.
بفضل "الضب" وهو تاجر مخدرات و"دراكيلا" مروج مخدرات ومخبر أمني، وما ورثه عن زوجها، من فك لرموز الاتجار في المخدرات، وتستر لمصالح أمنية بسلا...، أصبحت الجبلية بين عشية وضحاها، "الحرايفية رقم 1 " بالعدوتين، إلى أن فتحت عينيها ذات صباح بإحدى فيلات شاطئ المهدية المجاور، بعناصر من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي جرتها إلى غرف التحقيق لتنطلق أكبر محاكمة بارونة مخدرات بالمغرب.