عن
القضاء السوري يحكم ببراءة الطبيب الذي اتهم " باغتصاب مريضة " في حلب
صدرت محكمة الجنايات الأولى بحلب حكمها في قضية الدكتور " مصعب الجسري " الذي اتهم باغتصاب مريضة كانت في غرفة العناية المشددة في مشفى الشهباء التخصصي بحلب .
وجاء قرار المحكمة بناء على أقوال الشهود وعلى الأدلة التي أكدت براءة الطبيب حيث ثبت ان الطبيب كان موجوداً في مشفى آخر وقت وقوع الحادثة " المفترضة " ، بحسب ما نشر عكس السير في وقت سابق .
وكان عكس السير نشر قبل حوالي خمسة أشهر تحقيقاً عن اتهام الطبيب باغتصاب المريضة " إيمان . ش " تضمن أدلة على براءة الطبيب ، وشهادة أطباء أكدوا حينها استحالة قيام الطبيب بهذا العمل خصوصاً وان المريضة التي تكون في العناية تكون في حالة غيبوبة ( شبه ميتة ) إضافة إلى وجود أجهزة تمنع ارتكاب هذا الفعل .
وذاع صيت اتهام الدكتور " الجسري " وهو طبيب تخدير ، حتى أن هذه القضية تحولت إلى قضية رأي عام ، وبدأ أفراد المجتمع يصدرون أحكامهم بـ " غوغائية " بحسب تعقيب الصحافي عبد الله عبد الوهاب رئيس تحرير الموقع على التحقيق المنشور سابقاً .
وتصعدت قضية طبيب التخدير إلى درجة أصبحت فيها " فضيحة الموسم " بالنسبة إلى وسائل الإعلام , لدرجة أنها أصدرت أحكامها بأنه " مغتصب بالدليل القاطع " ، على الرغم من تأكيد كبيرة أطباء التخدير في سوريا الدكتورة " منى عباس " أن أدوية التخدير تسبب الهلوسة وانه من المستحيل إقدام طبيب التخدير على اغتصاب المريضة خصوصاً وأن قسم العناية المشددة هو قسم كبير يحتوي على عدد كبير من الأسرة وليس سريراً منفرداً أو غرفة منزوية .
واستمرت تناول أحد خطباء المساجد حينها قضية الطبيب وأصدر حكمه على الطبيب بأنه مغتصب ، حتى قبل أن تبدأ تحقيقات قاضي التحقيق ، وبعد سبعة أشهر من التحقيقات والجلسات و المرافعات أصدر القضاء السوري حكمه بالبراءة القطعية .
ورداً على وجهة النظر الذي اتهمت عكس السير حينها بعدم المصداقية والوقوف إلى جانب " ذئب بشري " , أكد الصحافي عبد الله عبد الوهاب رئيس التحرير أن عكس السير يبحث عن الحقيقة دائماً , حتى لو عارضت أهواء ومزاجية الرأي العام , وهذا يدخل في صلب سياستنا الإعلامية في الموقع المرتبطة باسمه .
وقال عبد الوهاب " نحن نحترم كل وسائل الإعلام التي نشرت تحقيقات حول هذه الحادثة , لكننا في عكس السير رفضنا أن نكون جزءاً من بروباغندا كان أساسها البحث عن السبق الصحفي , وبنفس الوقت نحترم كل وجهات النظر التي اختلفت معنا وانتقدتنا , لكن في النهاية ثبت صحة النتائج التي وصلنا إليها في تحقيقنا " .
وأشاد رئيس التحرير بنزاهة القضاء السوري , وعدم تأثره بالملابسات الشائكة التي أحاطت بالقضية .
مشاركة أهل الطبيب الفرحة
وبعد سبعة أشهر من توقيف الدكتور " مصعب الجسري " والذي تم توقيفه قبل بدء امتحانات الدراسات العليا بشهر تقريباً , خرج من السجن بريئاً بحكم قضاء اختصره الدكتور " جسري " بكلمة " قضاء عادل ونزيه ".
وزار عكس السير قرية الطبيب ( دير شرقي ) التابعة لمحافظة إدلب ، وأمام منزل أهله نصبت خيمة كبيرة لاستقبال المهنئين الذين ضاقت بهم الخيمة .
وفي أول لقاء صحفي له منذ اتهامه ، قال الدكتور " جسري " لـ عكس السير " لن أسامح من ظلمني ، سأعود إلى عملي في نفس المشفى ، وسأعتبر ما مر بي تجربة وامتحان من الله ، الحمد لله على كل حال ".
وتابع " عندما تم توقيفي كانت زوجتي حامل ، وأثناء فترة توقيفي أنجبت طفلة لم أستطع رؤيتها ، كل ما رأيته كان صورتها فقط ، أسميتها ميسم ".
وأضاف " كنت واثقاً من براءتي ، وواثق بالعدالة السورية ، ولكن مع ذلك كانت أيام عسيرة لن أنساها ، ما أصعب شعور الظلم ، وحكم المجتمع لمجرد اتهام من شخص لم أفهم بعد سبب اتهامه لي ".
قصة التوقيف يرويها الطبيب ..
قال الدكتور مصعب " استدعيت إلى فرع الأمن الجنائي للشهادة ، ولم أكن أعرف حتى القضية التي سأشهد عليها ، لأفاجأ بأنني المتهم ، تعرضت لضغوط كثيرة ، وطلب مني الاعتراف ، ولم أكن أعرف حتى ما الذي يجب أن أعترف به ، وتحت الضغط اعترفت ".
وتابع " لكنني فوجئت بعد أكثر من 15 يوماً بعدما أحضر لي المحامي أوراق الدعوة وصورة عن الضبط بأنني متهم باغتصاب مريضة ، وبعد أن دققت الضبط عرفت أنني وقعت في فخ ، والمضحك في الأمر أني في التوقيت الذي حدد لوقت ارتكاب الجريمة التي من المفترض أنني ارتكبتها كنت أقوم بتخدير مريضة في مشفى آخر ".
يذكر أنه و بعد أن نشر عكس السير تحقيقاً بين من خلاله أن الدكتور " الجسري " كان في مكان آخر في الوقت المفترض لارتكاب " الجريمة " قامت جهة الادعاء بتغيير أقوالها ليتناسب مع ما نشره عكس السير , وتم تغيير التوقيت إلى وقت يتوافق مع وجود الطبيب في المشفى .
وفي فترة التوقيف قدم الطبيب امتحاناته النظرية من داخل السجن ، ونجح فيها ، كما عمل طبيباً في مستوصف السجن .
وقال الطبيب " الأمر المضحك هو ادعاء المريضة بوجود ممرضة في القسم أثناء ارتكابي للجريمة المتهم فيها ، والممرضة أنكرت ذلك ، وحتى العقل لا يقبل ذلك ".
يذكر أن الدكتور " مصعب الجسري " متزوج ولديه أربعة أطفال ، وهو ابن عائلة ريفية ، ولديه خمسة أشقاء كلهم من خريجي جامعة حلب ، وشهد جميع من التقيناهم أثناء توقيفه بحسن سلوكه وطيب أخلاقه .
وختم الدكتور " الجسري " حديثه بالقول " سأقاضي كل من أساء لي ، بعض الصحف التي تناقلت الخبر ، والجهة المدعية التي حاولت بأي طريقة تلفيق القضية ، حتى أنهم قاموا برفع دعوى ضد مستشاري القاضي بتهمة وجود مشكلات سابقة بينهم وبين المستشارين بهدف عزلهم عن القضية وكسب أكبر وقت ممكن لحين تشكيل محكمة أخرى ، كما أنهم حاولوا تغيبي عن يوم صدور الحكم بإخفاء اسمي وعدم حضوري ولكن مع ذلك ظهر الحق وأصدر القضاء السوري حكمه العادل " .
والد الطبيب " فرحتي بالدنيا "
ومن جهته قال والد الطبيب الذي كانت دموع الفرحة تملأ عينيه لـ عكس السير " كنت واثقاً من انه مظلوم ، وكنت واثقاً بالقضاء السوري ، ولكنني لم أكن أستطيع أن أنام طيلة الشهور السبعة الماضي ، الشعور بالظلم صعب ".
وتابع " على الرغم من كثرة الأقاويل التي أثيرت حول ابني إلا أنني كنت أعرفه ، فهو ابني ، كما أن أبناء القرية وقفوا إلى جانبي ، كانوا واثقين ببراءته بمقدار ثقتي أنا ".
وأضاف " الفرحة التي أشعر بها لا توصف ، هو عرس آخر ، فرحتي بالدنيا ، وشكراً لكل من وقف معنا ، ولن نسامح من ظلمنا ".
محامي الطبيب " سنقاضي كل من أساء إلى سمعته "
ومن جهته قال المحامي " نجدت عفش " الذي دافع عن الطبيب بعد أن قرأت أوراق الدعوى أيقنت أن الطبيب بريء ، هو إنسان مثقف وخلوق ، والاتهام الموجه إليه لا يمكن أن يقدم عليه حتى ابن شارع ".
وتابع " كانت المحكمة منصفة ، وأصدرت قرارها بناء على عدم ثبوت الأدلة ، وعلى التخبط في أقوال الادعاء ".
وروى عدد من أصدقاء وأقرباء الطبيب الذين حضروا جلسة النطق بالحكم أن المحامي دمعت عيناه لحظة النطق بالحكم ، الأمر الذي علق عليه المحامي في حديثه شعرت أثناء النطق بالحكم ان الظلم قد زال أخيراً ، وانتصر الحق ".
واضاف " سنقاضي جهة الادعاء لما لحق للطبيب من ضرر ، كما سنقاضي وسائل الإعلام التي نقلت الخبر وأصدرت الحكم وشهرت بالطبيب " ، وقال خبير قانوني ان الدعوة التي ترفع في هذه الحالة ضد جهة الادعاء تسمى " افتراء جنايات " وتصل عقوبتها إلى سنوات من السجن.
واستغرب أحد الأطباء الذين حضروا استقبال الطبيب عدم تدخل نقابة الأطباء على الرغم من تصريحات نقيب الأطباء التي قال فيها ان النقابة ستساعد في الكشف عن ملابسات هذه القضية .
يشار أن الفترة التي توقف فيها الطبيب تجاوزت السبعة شهور , تم توقيفه خلالها في فرع الأمن الجنائي وفي سجن حلب المركزي ، وتم إصدار حكم البراءة بعد سبعة شهور وثلاثة أيام ، المدة التي اعتبرها خبير قانوني بأنها " قياسية " حيث تمتد فترة إصدار الحكم النهائي في بعض الأحيان إلى سنوات .