المغرب:محاكمة امرأة تتزعم شبكة لتهجير قاصرات نحو الخليج
امتلأت القاعة رقم 8 بالمحكمة الابتدائية بالمحمدية بالحضور، أكثرهم من عائلات السجناء، التي تقاطرت على المحكمة لمؤازرة أبنائها.
وتزاحم أغلب الخاضرين على الكراسي الخشبية للاحتماء من البرد القارس، رغم أشعة الشمس، التي مسحت البهو المقابل للباب الكبير لقاعة الجلسات. استسلم البعض للنوم، كان من بينهم رجل ذو لحية بيضاء، جلس في الزاوية اليمنى، أرخى رأسه في سكون وأغمض عينيه، في حين اجتمع البعض الآخر في حلقات يحكي كل منهم عن سبب قدومه إلى المحكمة، مصدرين ضجيجا، ما أثار غضب الشرطي، الذي دخل إلى القاعة مسرعا وأمر الجميع بالالتزام بالهدوء.
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة بعد الظهر حين دخلت هيئة الحكم، وبدأ القاضي يتصفح الملفات الخضراء المتراصة أمامه، فاختار أولها، ونادى على المتهمين، الذين كانوا يجلسون في الكراسي الأمامية. تقدمت امرأة متوسطة الجمال، تجاوزت الأربعين من عمرها، كانت ترتدي جلبابا صوفيا أحمر، وتلف شعرها المتناثر بمنديل أسود، وتبدو من ملامحها أنها من عائلة ميسورة.
سألها القاضي: ما اسمك وماذا تعملين؟
المتهمة: فتيحة (غ)، ولا عمل لدي، فأنا غادرت الدراسة في المستوى الثاني ابتدائي، وتزوجت بعدها في 17 من عمري، وأنجبت 5 أطفال.
القاضي: ما تهمتك ؟
المتهمة: تهجير فتيات نحو دول الخليج ؟
القاضي: وكم بلغ عددهن ؟
المتهمة : 7 فتيات.
القاضي: ومن كان يساعدك.
المتهمة: صهري المصري، الذي يسكن بسلطنة عمان، وشخص يحمل الجنسية نفسها.
القاضي: وما نوع العمل، الذي كن مطالبات بإنجازه.
المتهمة: كن يعملن نادلات في المقاهي.
القاضي: لكن ضحاياك يقلن إنهن كن مطالبات بممارسة البغاء، كما تعرضن للتحرش والاغتصاب الجنسيين؟
المتهمة: لا أسيدي، غير تيكذب علي.
القاضي: كيفاش ؟
المتهمة: عقود العمل تؤكد صحة كلامي، وتبطل ما يدعون، وزيدون اللي قلب على شي حاجة تيلقاها وأنا درت فيهم غلخير.
القاضي: ماذا تعنين ؟
المتهمة: عملهن يقتصر على خدمة زبناء المقهى، وبعضهن يطمع في الحصول على أجر أكبر، فيقدم خدمات أكثر، وأنا لست مسؤولة عما يحدث لهن هناك، أعترف أنني ساعدتهن للحصول على عقود عمل في الخليج بهدف مساعدتهن، فهن يعانين الفقر المدقع، ومعظمهن يسكن بدور الصفيح، كن يقفن بالقرب من منزلي لمدة ساعات في انتظار قدومي، وكن يتوسلن إلي، كي أساعدهن، والآن يتهمونني بالقوادة.
أمر القاضي المتهمة بالعودة إلى مكانها، ونادى على إحدى الضحايا، كانت فتاة في العشرين من عمرها، بارعة الجمال، يغطي شعرها الأسود الطويل نصف ظهرها. تقدمت بخطى متثاقلة للمثول أمام القاضي، الذي سألها عن هويتها، فأجابت بصوت ناعم: لمياء (ص). ثم قالت، ردا على أسئلة القاضي، إن فتيحة احتالت عليها، وسهلت سفرها مقابل مبالغ مالية، قدمت لها قسطا منها قبل أن تسافر، وجزأت باقي الأقساط إلى حين حصولها على التأشيرة، موضحة أن المعنية بالأمر أوهمتها بأنها ستسافر للعمل نادلة بأحد الفنادق المصنفة بسلطنة عمان، وأن صهرها المصري، الذي يقيم في البلد نفسه، سيساعدها على الحصول على وثائق الإقامة، لكنها، وبعد وصولها إلى الفندق المزعوم، اكتشفت خداع المتهمة وصهرها، الذي لم تلتق به، والذي اكتفى بمكالمتها هاتفيا، معتذرا لعدم تمكنه من استقبالها، وطلب منها الالتحاق بعملها بالفندق. وأضافت، في محضر أقوالها، أنها تفاجأت برد فعل مشغليها، الذين طلبوا منها الاشتغال راقصة، و"مجالسة" الزبناء، ما رفضته بشدة، مصرة على العودة إلى المغرب، إلا أنها أرغمت على الرضوخ لأوامرهم، بعد أن انتزعوا منها وثائقها الشخصية، من بينها جواز سفرها للضغط عليها.
عم صمت رهيب قاعة الجلسات، وأثارت تصريحات لمياء دهشة الحاضرين، الذين تتبعوا أقوالها باهتمام، فهمهمت إحدى النساء قائلة "مزينها بنية، ما تساهل هاذ المحنة"، ثم صمتت، بعد أن نهرها الشرطي، وطلب منها السكوت.
ومثلت ضحية أخرى أكدت ما قالته سابقتها، وأضافت أنها تعرضت للتحرش الجنسي من طرف مسير المقهى، حيث كانت تعمل راقصة و"مجالسة" للزبناء، وبعد أن رفضت، احتجزها بإحدى الغرف بقبو المقهى لمدة أسبوع، تعرضت خلاله إلى معاملة قاسية من ضرب وشتم.
تابع القاضي شهادة باقي الضحايا، من بينهم فتيات قاصرات، وأمر برفع الجلسة للاستراحة، بعد أن استمع إلى دفاع المتهمة، وأدرج الملف في المداولة من أجل الحكم فيه الأسبوع المقبل.