المغرب:قضية نصب وتزوير وثائق المتهم للقاضي: الله ينجيك من المشتاق إلا ذاق
كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، عندما فتحت أبواب المحكمة الابتدائية بمراكش في وجه المتقاضين، الذين توافدوا من مختلف أحياء المدينة، أغلبهم جاؤوا لمتابعة مجريات الملفات الجنحية التلبسية، التي يتابع أصحابها في حالة اعتقال أو سراح مؤقت، وكل حسب المنسوب إليه.قبل ولوج ردهات المحكمة، يسأل العون المكلف بحراسة الباب الرئيسي للمحكمة كل متقاض، يريد الدخول إلى المحكمة مستفسرا "واش عندك شي استدعاء"، وهي عبارة يرددها يوميا، كي يسمح للمتقاضي بالدخول قبل أن يسلم له بطاقة تعريفه الوطنية، ويمنحه "بادج" مكتوبا عليه كلمة زائر.
دخلت امرأة في عقدها الخامس رفقة ابنتيها إلى بهو المحكمة، وقصدت أحد المحامين المتمرنين، الذي كان يتبادل أطراف الحديث مع زملائه في المهنة. وسألته قائلة: اسمح ليا يا أستاذ فين تيدوزو الناس اللي تيقبطوهم البوليس؟.
المحامي: في القاعة رقم 2.
اتجهت المرأة وتدعى مليكة رفقة ابنتيها إلى قاعة الجلسات الثانية لمتابعة أطوار محاكمة ابنها المتابع في حالة اعتقال من أجل تهم التزوير واستعماله، والنصب وانتحال هوية، فوجدت القاعة مملوءة عن آخرها، واستفسرت إحدى المتقاضيات عندما لاحظت هيئة الحكم متكونة من قاض واحد، وممثل النيابة العامة وكاتب الضبط، يتدارسون الملفات المدرجة في الجلسة، وقالت "واش غير قاضي واحد اللي تيحكم في هاد الجلسة؟"، فأجابتها المتقاضية التي كانت تجلس في الصف الأخير من المكان المخصص للنساء "والله اللا ما نكذب عليك حتى أنا بحالي بحالك، معرفتش".
خرجت المرأة من قاعة الجلسات، وتركت ابنتيها تتابعان مناقشات أحد الملفات المعروضة على أنظار هيئة الحكم، وتوجهت بالسؤال نفسه إلى أحد المحامين، الذي كان يهم بارتداء بذلته السوداء، فأجابها أن الأمر يتعلق بالقضاء الفردي، الذي تبتدئ جلساته من الساعة التاسعة صباحا إلى حدود العاشرة.
رفعت الجلسة من طرف القاضي بعد الانتهاء من تدارس كل الملفات المدرجة بالقضاء الفردي، لتعم الفوضى في القاعة بين المتقاضين والمتقاضيات، الحاضرين لمتابعة محاكمات ذويهم بعد تدافعهم للظفر بالجلوس بمكان لتتبع أطوار المحاكمات في ظروف مريحة تعفيهم من الوقوف إلى جنبات القاعة.
فتحت مليكة حديثا مطول مع إحدى المتقاضيات، فصرحت لها أنها تأتي لأول مرة إلى هذه المحكمة لمتابعة محاكمة ابنها، الذي اعتقل بتهمة إدلائه بوثائق مزورة لوكالة سلف الشعبي من أجل الاستفادة من قرض مالي على أساس أنه موظف تابع لبلدية مراكش المنارة.
ظل جل الحاضرين ينتظرون ويترقبون دخول هيئة الحكم، المكلفة بالقضاء الجماعي إلى الجلسة، وأثناء دخول الهيئة المكونة من ثلاثة قضاة وممثل النيابة العامة وكاتب الضبط، صاح عون المحكمة بصوت مرتفع "محكمة "، فوقف المتقاضون تحية لهيئة الحكم.
نادى رئيس الجلسة على المتهم شكيب، ابن مليكة فدخل إلى القاعة ووقف في قفص الاتهام، وبدأ القاضي يستفسره عن اسمه ونسبه وحالته العائلية، أثناء إدلائه بأجوبته عن كل الأسئلة، كان شكيب يطأطئ رأسه أمام القاضي، معبرا على ندمه على الفعل الذي ارتكبه، فتوجه إليه القاضي بالسؤال: كيفاش حصلتي على الوثائق المزورة؟.
المتهم: كنت جالس في القهوة مابيا ماعليا حتى تجبدت الهضرة مع واحد الموظف تيعمل ببلدية مراكش.
القاضي: واسبق ليك حصلتي على شي قرض مالي بهاد الطريقة؟
المتهم: 2 ديال المرات بانتحال هوية شخصين مستخدمين ببلدية المنارة
القاضي: وماخفتيش تحصل خلال تقديم طلب الاستفادة من القرض المالي؟.
المتهم: اش بغتي نكوليك اسعادة الرئيس الله ينجيك من المشتاق إلا داق.
القاضي: شحال حصلتي في كل عملية؟
شكيب : 6000 درهم في كل عملية.
نظر القاضي إلى المتهم مطولا، ثم قلب صفحات ملفه، قبل أن يتوجه إليه بالسؤال من جديد: هي أنت كتعترف بهادشي الي منسوب ليك؟
المتهم: ايه السي القاضي.
وبعد تسجيل اعترافات المتهم من طرف كاتب الضبط، نادى القاضي ممثل مدير وكالة "سلف الشعبي"، المشتكية، فتبين تخلفه عن حضور الجلسة، ليقرر رئيس هيئة الحكم تأجيل النظر في القضية، وأمر بإعادة استدعائه لمناقشة القضية في الأسبوع المقبل.
