الجزء الأول :
حماية المساهم من إمكانيّة تعسّف الأغلبيّة
اقر المشرع التونسي للمساهم ضمانا لحمايته من إمكانيّة اتخاذ الأغلبيّة لقرار يضر بمصالح الشركة ويضرّ تبعا لذلك بمصالحه كمساهـم فيهـا مجموعة من الحقوق لعل من أهمها حقه في الحصول على المعلومة (le droit de s’informer) وهو ما سنتعرض إليه في مبحـث أول و حقه في المشاركة في اتخـاذ القـرار (le droit de participer) الذي سنعنى به في مبحث ثان.
* المبحث الأول : من خلال حقه في الحصول على المعلومة :
إنّ تكريس حق المساهم في الحصول على المعلومات المتعلقة بنشاط الشركة وسير أعمالها والقرارات التي تتخذها الجمعية العامة للمساهمين يضمن له دون شك حماية اكبر من إمكانيّة اتخاذ الأغلبيّة لقرار مضرّ بمصالح الشركة, ولكن هذه الحماية مرتبطة بمدى اهتمام المساهم بنشاط الشركة فهي لا تشمل المساهمين المتقاعسين و غير المكترثين بما يحدث في الشركة و إنّما فقط أولئك الذين يسعون للحصول على المعلومات التي تمكنهم من الإلمام بمختلف أنشطتها و حساباتها ووثائقها ويوظفون ما حصل لهم من علم للدفاع عن المصلحة الجماعية للمساهمين أو عن مصلحتهم الشخصية من خلال حضور الجلسات العامة و المشاركة في التصويت على قراراتها ذلك أن العلم بمختلف جوانب سير هياكل الشركة يمنح المساهم قدرة على مجابهة الأغلبيّة بما توفر لديه من معلومات و هذه المجابهة أو المواجهة قد تؤدي في صورة غياب كتل النفوذ ونزاهة المداولات وشفافية عملية التصويت إلى تغيير بعض المساهمين لآرائهم في اتجاه ضمان تحقيق المصلحة الجماعية و يحول دون إمكانيّة اتخاذ الجلسة العامة لقرار مضر بتلك المصلحة و يقـي المساهم بذلك من إمكانيّة تعسف الأغلبيّة, تكريسا للحكمة الفرنسيّة القائلة بأن "في العلم مقدرة"1(Savoir c’est pouvoir) ولتكريس مبدأ حق المساهم في الحصول على المعلومة اقر المشرع التونسي سواء في التشريع السابق أو في مجلة الشركات التجارية الجديدة جملة من الأحكام التي تضمن حق المساهم في الحصول على المعلومات المتعلقة بمختلف أنشطة الشركة ( فقرة أولى) وواجب إعلامه بموعد اِنعقاد الجلسات العامة وجدول أعمالها ( فقرة ثانية ).
الفقرة الأولى : حق المساهم في الحصول على المعلومات المتعلقة بمختلف أنشطة الشركة:
كرّس المشرع هذا الحق لفائدة لكل شريك في أية شركة تجارية مهما كان شكلها و ذلك بالفقرة الرابعة من الفصل 11 من مجلة الشركات التجارية التي اقتضت أن لكل شريك في كل وقت من السنة الحق في الاطلاع بنفسه أو بواسطة وكيل على جميع الوثائق المعروضة على الجلسات العامة خلال السنوات الثلاث المنقضية و على محاضر جلساتها أو اخذ نسخ منها وهو الحق الذي كان المشرع التونسي قد خوله للشركاء غير المباشرين لإدارة الشركة بموجب الفصل 1295 من مجلة الالتزامات و العقود الصادرة سنة 1906 والذي اقتضى أن لأولئك الشركاء"الحق في السّؤال عن تفاصيل إدارة الشركة وأحوال ماليتها و الاطلاع على دفاترها و محرّراتها وانتساخ ما به الحاجة منها و كل شرط مخالف لهذا لا عمل عليه ...الخ", ثم جاء الفصل 88 من المجلة التجارية الصادرة سنة 1959 ليخول في فقرته الثالثة لكل مساهم في شركة خفية الاسم الحق في كل وقت من السنة في الاطلاع بنفسه أو بواسطة وكيل على جميع الوثائق المعروضة على الجمعيات العامة في خلال الثلاثة أعوام المنقضية و على محاضر جلساتها أو اخذ نسخ منها, مما تكون معه الفقرة الرابعة من الفصل 11 من مجلة الشركات التجارية هي تقريبا نقل حرفي لمقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 88 من المجلة التجارية الواقع إلغاؤه بموجب الفصل الثّاني من القانون عدد 93 لسنة 2000 المؤرخ في 3 نوفمبر 2000 المتعلق بإصدار مجلة الشركات التجارية و لكن مع فارق هام يتمثل في كون الفقرة الرابعة من الفصل 11 المشار إليه تتعلق بجميع الشركات التجارية مهما كان شكلها أما الفقرة الثالثة من الفصل 88 الملغى فتتعلق فقط بالشركة خفية الاسم و يقابل هذه الفقرة في التشريع الجديد ما اقتضته الفقرة الأولى من الفصل 284 من مجلة الشركات التجارية من أنه " يحق لكل مساهم يملك على الأقل عشرة بالمائة من رأسمال الشركة أن يحصل, في كل وقت على نسخ من وثائق الشركة المشار إليها بالفصل201... و المتعلقة بالثلاث سنوات الأخيرة و كذلك على نسخ من محاضر و أوراق حضور الاجتماعات التي تم عقدها خلال السنوات المالية الثلاث الأخيرة " ويلاحظ المتأمل في نص الفقرتين فارقا جوهريا بين مقتضياتهما فبينما خوّلت الفقرة الثالثة من الفصل 88 الملغى من المجلة التجارية حق الاطلاع لكل مساهم في الشركة خفية الاسم قصرت الفقرة الأولى من الفصل 284 من م. ش. ت هذا الحق على المساهم الذي يملك على الأقل عشرة بالمائة من رأسمال الشركة و هذا التحديد وإن كان يمسّ من مبدأ تخويل الشريك الحق في الاطلاع على الوثائق المتعلقة بنشاط الشركة وهو المبدأ المكرس بالفصل 11 من مجلة الشركات التجارية فإن الواقع العملي هو الذي اقتضاه ضرورة أن الشركات خفية الاسم يمكن أن يبلغ عدد المساهمين فيها الآلاف خاصة تلك التي تطرح أسهمها للاكتتاب العام , و يصعب تبعا لذلك تمكين كل أولئك المساهمين من وثائق الشركة إن رغبوا في الاطلاع عليها. و قد يدفع هذا التحديد الذي اقتضته الضرورة العملية صغار المساهمين إلى "الاتّحاد.... لتكوين ذات معنوية يكون لها صفة المساهم وتتولى في نفس الوقت المراقبة بصورة ناجعة نظرا لما تتطلبه ممارسة هذا الحق من خبرة..."1. فضلا عن أن المشرع وللتخفيف من وطأة هذا التحديد أبقى للمساهمين الحريصين على حضور الجلسات العامة للشركة والمشاركة فيها و المهتمين بنشاطها و المتتبعين لسير أعمالها, الحق في الاطلاع و ذلك بأن أوجب "على مجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعية أن تضع قبل خمسة عشر يوما على الأقل من موعد الجلسة الوثائق اللازمة على ذمة المساهمين بمقر الشركة لتمكينهم من اتخاذ قراراتهم وهم على بينة من الأمر و إبداء رأيهم في إدارة وسير أعمال الشركة "بالفصل 280 من مجلة الشركات التجارية، و هذا النص يخول لكل مساهم مهما كان مقدار الأسهم التي يملكها من رأسمال الشركة حق الاطلاع على الوثائق اللازمة ليتخذ قراره و يبدي رأيه في إدارة وسير أعمال الشركة وهو على بينة من الأمر و لكن مع تحديد من نوع آخر وهو تحديد للزمن الذي يمكن الاطلاع فيه على تلك الوثائق وهو الخمسة عشر يوما السابقة لموعد اِنعقاد الجلسة العامة,و بذلك يكون المشرع قد كرس حق الاطلاع على الوثائق المتعلقة بنشاط الشركة لكل مساهم حريص وذلك خلال الخمسة عشر يوما السابقة لموعد اِنعقاد الجلسة العامة و لكل مساهم و لو لم يكن حريصا شريطة أن يكون مالكا لعشرة بالمائة من رأسمال الشركة على الأقل كما اقر حماية قضائية لهذا الحق المخول لهذا الصنف الأخير من المساهمين بأن منحهم ضمن الفقرة الثّانية من الفصل 284 من مجلة الشركات التجارية حق اللجوء إلى القضاء الاستعجالي لإجبار الشركة على تسليم الوثائق التي يحق لهم الاطلاع عليها و التي رفضت تمكينهم منها. و الوثائق التي يحق لهؤلاء المساهمين الاطلاع عليها هي حسب الفصل 284 تلك المشار إليها بالفصل 201 من نفس المجلة وهي حسب الفصل المذكور القوائم المالية طبق قانون نظام المحاسبة للمؤسسات الصادر في 30 ديسمبر 11996 والتي تشتمل حسب الفصل 18 منه على الموازنة و قائمة النتائج و جدول التدفّقات النقدية والإيضاحات حول القوائم المالية و تمثل القوائم المالية حسب نفس ذلك الفصل وحدة متكاملة،
ويجب أن تبرز بصفة وفية الوضعية الحقيقية للمؤسسة و نتائج نشاطها و كل تغيير في وضعيتها المالية و أن تعكس مجموع العمليات الناتجة عن معاملات المؤسسة و اِنعكاسات الوقائع المرتبطة بنشاطها, و بالإضافة إلى القوائم المالية أشار الفصل 201 إلى قائمة في الكفالات و الضّمانات والتأمينات المقدمة من الشركة و التي يجب أن ترفق بالموازنة التي تشتمل عليها القوائم المالية كما جاء بالفصل 18 من قانون 30 ديسمبر 1996 , و بذلك تكون قائمة الكفالات و الضّمانات والتأمينات المقدمة من الشركة من بين الوثائق التي يحق للمساهم الذي يملك عشرة بالمائة على الأقل من رأسمال الشركة الاطلاع عليها والحصول على نسخ منها عملا بأحكام الفصل 284 من مجلة الشركات التجارية, كما يحق له عملا بنفس الفصل الاطلاع على التقرير السنوي المفصل الذي يعده مجلس إدارة الشركة أو هيئة إدارتها الجماعية حول تصرف الشركة و الذي أوجب الفصل 201 أن يعرض على مراقب الحسابات ثم يرفق بوثائق المحاسبة، أما في خصوص الوثائق التي يحق لكل مساهم الاطلاع عليها بمقر الشركة خلال الخمسة عشر يوما السابقة لموعد اِنعقاد الجلسة العامة فهي عملا بأحكام الفصل 280 من مجلة الشركات التجارية الذي يقر هذا الحق "الوثائق اللازمة لتمكين المساهمين من اتخاذ قراراتهم وهم على بينة من الأمر و إبداء رأيهم في إدارة و سير أعمال الشركة "، و يلاحظ من خلال هذا النص أن المشرع ارتأى عدم تحديد تلك الوثائق وإنما وضع معيارا لتحديدها وهو أن تكون لازمة لتمكين المساهمين من اتخاذ قراراتهم وهم على بينة من الأمر, وهذا المعيار غير دقيق و سيؤدي عمليا إلى تحكم مجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعية في المعلومات انطلاقا من فهم أعضاء ذلك المجلس أو تلك الهيئة لعبارة "الوثائق اللازمة". ومهما يكن من أمر فإنّ المشرع قد اقر حق المساهم في الاطلاع أو الحصول على المعلومات المتعلقة بنشاط الشركة و اقر جملة من الهياكل كمراقبي الحسابات ومجلس المراقبة وهيئة السوق المالية للتثبت من سلامة المعلومات وهو ما لا يتسع المجال في هذه المداخلة للحديث عنه, و لكن ذلك كله شرع لحماية المساهم من إمكانيّة تلاعب أعضاء مجلس الإدارة أو هيئة الإدارة الجماعية برأسمال الشركة من جهة ومن إمكانيّة تعسف الأغلبيّة من جهة أخرى لأن جهل المساهم بحقيقة سير أعمال الشركة يجعله عرضة إلى الاستغفال و يفتح المجال أمام الأغلبيّة لتتعسف وتجور أمّا علمه بتلك الحقيقة فمن شأنه أن يقيه من مثل تلك المخاطر ويجنبه مساوئ الجهل.