من أي جنس هي؟ موظفـة بمستشفى استدرجت زوجها المهندس إلى غابة وأحرقته داخل سيّارته
المتهمة عادت إلى البيت وباشرت في اليوم الموالي عملها وكأنّ شيئا لم يحصل
الزوجان عاشا طيلة سنوات في دوّامة من المشاكل والمهدي ظلّ صابرا من أجل أطفاله
والد الضحية يتحدث عن وجود طرف آخر في الجريمة مساكن ـ الاسبوعي ـ القسم القضائي: «راهي مرتي صبّت عليّ الإيسونس وحرقتني..» كانت هذه آخر كلمات المهندس الأوّل بشركة دليس دانون المهدي بوعاشور (40 سنة) قبل ان يلفظ انفاسه الأخيرة بمستشفى عزيزة عثمانة ويوارى الثرى اول امس السبت بمسقط رأسه بمنطقة موردين الريفية التابعة إداريا لمعتمدية مساكن.
وقع الصدمة كان شديدا على رفاقه في العمل الذين عرفوا فيه طوال 15 سنة قضّاها معهم الشهامة والرجولة وطيبة القلب والجدية.. أدركنا هذا لدى إتصالنا بمهندس فلاحي لسؤاله عن مسقط رأس المرحوم فأجهش بالبكاء وصدم لأنه لم يعلم بعد بأن ذلك الإنسان الطيب قد رحل عن هذه الحياة الغادرة بتلك الطريقة الفظيعة.. صاحبنا هذا عدّد مناقب المأسوف عليه ثم راح يهاتف بقية رفاقه لمعرفة الحقيقة.. حقيقة موت المهدي فصدم ثانية وهو يستمع للطريقة التي رحل بها المأسوف عليه الى الدار الآخرة من أصدقائه.
بكى صاحبنا ثانية ثم دعا للمرحوم بالرحمة ورفع يديه للسماء سائلا الله لا يضيع أطفال المهدي الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين العامين والثمانية أعوام حكمت عليهم الأقدار او لنقل الشيطان باليتم.
مصير آمن للأطفال
ولكن بتحولنا الى مسقط رأس عائلة بوعاشور التي ينحدر منها المهدي أدركنا ـ والحمد للّه ـ أن مصير العصافير الأربعة في آمان.. كيف لا والجدّ أحتضنهم دفعة واحـدة بـين ذراعيه وبكى.. بكى قسوة الحياة وظلمها وغدرها وتقلبها.. احتضن البنات الثـلاث والولد الوحـيد بكل قوة ثم ضمّهم الى صدره بعطـف وكأنـه يوجـه رسالة الى من حـرمتـه من فلـذة كبـده بـأن فلـذات اكباده الأربـع لن يضيعوا.. لن يتشـرّدوا «فالمهـدي عزيز» وأبنـاؤه أعزّ.
ألم وحزن في موردين
هناك في موردين كان اللقاء بعائلة بوعاشور والأهل والأقارب.. المنطقة الهادئة ظلّت على هدوئها.. خلت شوارعها من المارة وظل بيت عائلة المهدي قبلة الجميع.. الكل يريد معرفة ما جرى.. مواساة الأب والأم والإخوة وتقبيل الأبناء.. الكلّ عرّجوا على منزل العائلة المنكوبة.. القلوب هناك كانت تبكي بحرقة رحيل أحد شرايينها النابضة.. ولا تسمع سوى «الله يرحمو».. «مسكين صغير مارا شيء من الدنيا».. «ربّي يرزقكم الصبر».
تساؤلات
هذه هي الصورة التي خلفتها الجريمة البشعة التي شهدتها إحدى الضيعات الفلاحية بسيدي ثابت من ولاية أريانة خلال إحدى ليالي الأسبوع الفارط.. زوج في القبر.. زوجة رهن الإيقاف.. اربعة أطفال بلا أب ولا أم.. وبقية عائلة مزّق الحزن قلوب أفرادها.. ولكن ماذا جرى؟ كيف قتل المهدي؟ ومن قتله؟ ولماذا؟
كل هذه الأسئلة بحثنا عن إجابات لها من عائلة المرحوم ومصادر أخرى.
نجاح واستقامة
«ولدي يخاف ربّي.. يصلّي ومتلاهي بصغيّراتو» بهذه الكلمات المؤثرة بادر والد المهدي حديثه إلينا قبل ان يضيف: «المهدي كان مستقيما منذ طفولته، ناجحا في دراسته وهو ما مكنه من ان يصبح مهندسا قبل ان يرتقي الى رتبة مهندس أوّل بشركة دليس دانون التي قضى بها حوالي 15 سنة عمل خلالها بكل تفان وهذا بشهادة رفاقه الذين حضروا لتشييع جنازته».
الاتصالات الأخيرة والخبر المشؤوم
وعن آخر إتصال للمهدي بالعائلة أعلمنا العمّ إدريس (الوالد) أن إبنه إتصل بشقيقه في حدود الساعة العاشرة والنصف من ليلة الخميس ثم اتصل بوالدته واطمأن عليها الى ان تلقينا بعد ظهر يوم الجمعة مكالمة هاتفية من صديق له يعلمنا فيها بأن أعوان الحماية المدنية عثروا على السيارة الإدارية المسلّمة لمهدي محترقة وسط غابة بسيدي ثابت وأن أبني نقل الى مستشفى عزيزة عثمانة بالعاصمة وما هي إلا دقائق حتى اتصل بنا نفس الصديق ليعلمنا بالنبأ..» (يصمت هنا محدّثنا ويذرف دموع الرحمة ثم يكفكفها ويواصل حديثه): «لقد علمنا أن المهدي فارق الحياة فتحولنا الى المستشفى لمعرفة ما حدث له ولكن الإطار الإداري أفادنا بأن جثمانه نقل الى مصلحة الطب الشرعي بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة لذلك اتصلنا بالسلط الأمنية التي أكدت لنا الخبر».
دوامة من الخلافات
وعن أطوار الجريمة أفادنا الأب الملتاع بأن المهدي ظل يعيش منذ زواجه في دوامة الخلافات مع زوجته التي رفضت زيارتنا كما منعته من زيارتنا ومنعتنا من رؤيته ورؤية أطفاله الأربعة.. تصوروا منذ ثلاثة أسابيع توفيت والدتي وشقيقتي في نفس اليوم فاتصلنا به هاتفيا لإبلاغه بالخبر ففوجئنا بزوجته ترد مكانه وتعلمنا بأنه غير موجود».
وأضاف: «حين جاء الى هنا لحضور الجنازة أعلمنا بأنه أفتك منها مفاتيح سيارته الإدارية للمجيء فأصابته بسكين وألحقت به جروحا في يده.. لقد عاش ـ رحمه الله ـ منذ زواجه مشاكل كبيرة مع زوجته التي كانت تعمل مفتشة في الأمن قبل ان تسند لها خطة إدارية بمستشفى بالمرسى ولكنه كان يرفض الطلاق وتحلى بالصبر من أجل أطفاله الأربعة.. كان يقول لي بأستمرار: «يابابا راهم أربعة صغار.. علاش نيتمهم وأنا موجود».
ولكن كل هذه التضحيات التي أقدم عليها آبني تنكرت لها زوجته (من مواليد 1970) وكافأته بالجحود والنكران وبالمزيد من المشاكل والخلافات التي ختمتها بقتله ببشاعة».
إستدراج وقتل
وأضاف عم إدريس: «لقد علمنا أنها طلبت منه الصعود معها في سيارته وإستدرجته الى غابة بسيدي ثابت حيث سكبت البنزين عليه داخل السيارة وأضرمت فيها النّار ثم تركته يواجه مصيره ولاذت بالفرار إذ لمحها حارس الغابة تفر من السيارة المشتعلة فسارع بإشعار أعوان الحماية المدنية خشية ان تمتد النيران الى الأشجار المحيطة بموقع الجريمة».
وذكر محدثنا أن أعوان الحماية المدنية عثروا لدى حلولهم بالمكان على المهدي في حالة حرجة ويحترق فأخمدوا ألسنة اللهب المشتعلة في جسمه واستفسروه عن صاحب الفعلة فأكد لهم أن زوجته سكبت عليه البنزين وأحرقته.. ثم أغمي عليه الى ان فارق الحياة بعد عدّة ساعات من الاحتفاظ به تحت العناية المركزة بقسم الحروق بمستشفى عزيزة عثمانة بالعاصمة».
إيقاف الزوجة
وفي السياق ذاته علمنا ان أعوان الأمن ألقوا القبض إثر وفاة المهدي ـ على زوجته بينما كانت تباشر عملها بمستشفى بالمرسى وكأن شيئا لم يحصل.
ويتردد حاليا ان الزوجة قد تكون تشكو من خلل نفسي ولكن والد المأسوف عليه تساءل حول قدرة مريض نفسي على التخطيط المحكم لتنفيذ جريمة وأكد ان المظنون فيها غير قادرة على قتل ابنه بمفردها ورجح وجود طرف آخر في الجريمة وطالب السلط الأمنية بالبحث في ملابسات الحادثة وإحالة من تثبت إدانته على العدالة لينال جزاء فعلته المشينة.