هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 : الإختصاص القضائي في مادة التَركات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

: الإختصاص القضائي في مادة التَركات Empty
مُساهمةموضوع: : الإختصاص القضائي في مادة التَركات   : الإختصاص القضائي في مادة التَركات Emptyالجمعة أبريل 27, 2012 8:50 pm

: الإختصاص القضائي في مادة التَركات Fo10



* الإشكالية: *هل وفَق المشرع في ضبط معايير الاختصاص القضائي في مادة التركات؟
* المخطَط:
*الجزء الأول: ازدواجية معايير الاختصاص القضائي:
أ) الاختصاص المؤسس على افتتاح التركة بتونس:

ب) الإختصاص المؤسس على وجود الأموال فوق التراب التونسي :


*الجزء الثاني : إشكاليات تطبيق معايير الإختصاص على مستوى فقه القضاء

أ) تباين موقف فقه القضاء في ضبط المعايير:

ب) موقف فقه القضاء في تحديد مجال انطباق معايير الاختصاص:

قرار محكمة الاستئناف بتونس تحت عـدد 56590 صادر بتاريخ 12/02/1964، م.ق.ت، عـدد 7 لسنة 1967، ص 28.
ورد بإحدى حيثيات هذا القرار: " تفتتح التركة بتونس إذا كان المورث مقيما بالبلاد التونسية حتى وإن توفي بالخارج".
قرار تعقيبي مدني عـدد 2830 صادر بتاريخ 07/12/2006 ن.م.ت سنة 2006 (قسم مدني) ص 283 وما يليها.


انظر في هذا المعنى : قرار غير منشور صادر عن محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 29 ماي 2007.
P. Lagarde, « vers un règlement communautaire du droit international privé des régimes matrimoniaux et des successions ».
Ben Achour.(S)p249.
- قرار صادر عن محكمة الاستئناف بتونس تحت عدد 78272 بتاريخ 10/4/2002 غير منشور.
- قرار تعقيبي عدد 5128 مؤرخ في 9 مارس 2006
- تعليق الأستاذة سهيمة بن عاشور
- مبروك بن موسى : تعليق م ق م د خ : عن الأستاذ محمد عبد العال الإجراءات المدنية و التجارية الدولية بنشر مكتبة سعيد رأفت جامعة عين شمس مصر 1984/1985.
- لطفي الشاذلي و المالك غزواني م.ق.د.خ معلق عليها
- حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بتونس تحت عدد 42445 بتاريخ 2/12/2003.
- قرار تعقيبي عدد 18400 مؤرخا في 2/7/2008.
- قرار تعقيبي مدني عدد 28151 مؤرخا في 23 /3/1993: م. القانونية التونسية تعليق الأستاذ نور الدين قار







تنتهي الشخصية القانونية للإنسان بالوفاة التي تعتبر واقعة قانونية يترتب عنها انتقال ذمته المالية إلى الخلف العام بمقتضى الميراث الذي يعتبر أحد أسباب انتقال الملكية بالخلافة طبق أحكام الفصل 22 من م ج ع.
ويطرح النزاع حول الميراث عدة إشكاليات تتمحور خاصة حول قسمة التركة وإدارتها ويزداد الأمر تعقيدا حينما يكتسي النزاع حول الميراث طابعا دوليا، وينتج عن الطبيعة الدولية للنزاع وجوب حسم القاضي لمسألة الاختصاص القضائي في مادة التركات قبل البت في الأصل.
والاختصاص القضائي هو " السلطة القضائية التي يتمتع بها قاض، أو جهة قضائية، وتخول لها حق النظر والفصل في القضايا المرفوعة إليه".
وعندما يكتسي النزاع صبغة دولية فإننا نتحدث عن اختصاص قضائي دولي ويعرَف بأنه "القواعد القانونية التي تحدَد متى تختصَ المحاكم الوطنية بالمنازعات الخاصة الدولية".إذ ينبغي على المحكمة أن تنظر في مدى اختصاصها وأن تؤسس ولايتها بالنظر في النزاع على قاعدة قانونية مستمدة من مجلة القانون الدولي الخاص وتحديدا من الفصول 3 إلى 8 م.ق.د.ج. ففي مادة التركات مثلا لا يسند الاختصاص للقاضي التونسي إلا وفق معايير محددة وهو ما يجعلنا نتساءل عن تعريف التركة متى يمكن وصفها بالدولية.
وتعرف التركة بأنها ما يتركه المورَث من أموال بعد وفاته، وتصبح هذه الأعيان المالية ملكا للورثة من يوم وفاة المورث إذا لم يتعلق بها حق راجع لدائني المورث أو للموصى لهم. ولا تخضع التركة لأحكام الاختصاص القضائي الدولي إلا إذا تضمنت عنصرا أجنبيا مؤثرا طبقا للفصل 2 م ق د خ (كالجنسية أو توطن الأموال كلها أو بعضها بالبلاد الأجنبية).
ويتمثل الاختصاص القضائي في مادة التركات وذلك وفقا للقانون الدولي الخاص في الاختصاص للمحاكم التونسية في صورة نزاع تعلق بالتركة وقد حدد هذا الاختصاص الفصل 6 فقرة 3 م ق د خ.
ويندرج اختصاص المحاكم التونسية في مادة المواريث الملحقة قانونا بصنف الأحوال الشخصية ضمن الاختصاص القضائي الدولي الممكن.
ولم تعرف المحاكم التونسية اختصاصا دوليَا في مادة التركات إلا مع صدور م.م.م.ت في 5 أكتوبر 1959 حين نص فصلها الثَاني على إسناد الاختصاص للنظام القانوني التونسي إذا كانت الدعوى المرفوعة ضد أجنبي مقيم بالخراج "متعلقة بإرث مواطن تونسي أو بتركة افتتحت بتونس".
أما إذا افتتحت التركة خارج البلاد التونسية فإنَ المحاكم الوطنية لا تكون مختصة إلا إذا كان الجزء الهام من أموال التركة موجودا بتونس. وقد استمدّ الفقه هذا المعيار من أحكام الفصل 34 م.م.م.ت.
وبصدور مجلة القانون الدولي الخاص ألغيت أحكام الفصل الثاني من م.م.م.ت المنظمة للاختصاص الدولي للمحاكم التونسية ليتم استبدالها بالعنوان الثاني من المجلة الجديدة.
ومن الواضح أن أهمية تقنين فصول مجلة ق.د.خ تكمن في إرادة المشرع ضمان حسن سير مرفق القضاء وحماية النظام العام على الإقليم الوطني إلا أن هذا التقنين كان عرضة لعدة انتقادات مؤسسة على تضارب الفصل 6 فقرة 3 والفصل 5 و8 م.ق.د.خ.
وعمليا يكتسي هذا الموضوع عدة إشكاليات أمام فقه القضاء من خلال تكييف الصبغة الدولية للنزاع المتعلق بالتركة نظرا لعدم وضوح معايير تأسيس الاختصاص القضائي للمحاكم التونسية في مادة التركات مما يجعلنا نتساءل:
*هل وفَق المشرع في ضبط معايير الاختصاص القضائي في مادة التركات؟
إن دراسة الاختصاص القضائي في مادة التركات يقتضي التعرض إلى ضبط المعايير المزدوجة (I) ثم إلى تحديد الإشكاليات في تطبيق هذه المعايير التي طرحت على فقه القضاء (II).
*الجزء الأول: ازدواجية معايير الاختصاص القضائي:
تكتسي مسألة تحديد القاضي المختص في مادة المواريث أهمية بالغة ضرورة وأنها تؤثر على كيفية تصفية التركة وضبط الأنصباء.
ويتضح من خلال الفصل 6 فقرة 3 من م.ق.د.خ. أن المشرع منح الاختصاص للمحاكم التونسية في دعوى الميراث في صورتين: صورة فتح التركة بتونس (أ) وصورة وجود الأموال بتونس (ب).
أ‌) الاختصاص المؤسس على افتتاح التركة بتونس:
ينعقد الاختصاص لفائدة المحاكم التونسية في هذه الصورة بتوفر شرطين متلازمين:
- أولهما هو ضرورة تعلق الدعوى بتركة (الفقرة الأولى)
- ثانيهما هو وجوب التصريح بافتتاح التركة بتونس (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: مفهوم الدعوى المتعلقة بالتركة:
تندرج ضمن الدعاوى المتعلقة بالتركة الدعاوى التي تهدف إلى تحديد المستحقين كالدعاوى التي يراد بها إثبات صفة الوارث أو حرمانه منها ودعاوى إدارة التركات مثل دعاوى تسمية مؤتمن عدلي لإدارة التركة و كذلك دعاوى قسمة التركات وتصفيتها.
وقد تدخل فقه القضاء من خلال قرار النعاس لتحديد المقصود بالدعوى المتعلقة بالتركة. والملاحظ أن محكمة التعقيب ضيقت من هذا المفهوم واعتبرت أن الدعوى المتعلقة بالتركة هي الدعوى التي يكون موضوعها أموال موروثة في تاريخ وفاة المورث.
و لقد ورد ضمن القرار المذكور" وحيث تكون الدعوى متعلقة بالتركة وفق مفهوم إجرائي ضيق إذا كانت ترمي إلى أحد الأهداف التالية: * قسمة التركة * إدارة التركة * تصفية التركة ".
ولقد أقصت محكمة التعقيب في نطاق اجتهادها جملة من الدعاوى معتبرة أنها لا تدخل ضمن نطاق الفصل 6 من مجلة القانون الدولي الخاص. من ذلك الدعاوى المرفوعة من دائني التركة العاديين منهم والمرتهنين في المطالبة بحقوقهم على التركة أو في طلب إبطال عقود مدينهم المتوفى وكذلك الدعاوى المرفوعة في نفي نسب أحد الورثة أو في طلب الحكم بثبوته وكذلك الدعوى التي تهدف إلى إبطال عقد هبة أو إلى التشطيب على ترسيم بالسجل العقاري. لئن كان لهذه الدعاوى تأثير ثابت على التركة سواء بالسلب أو بالإيجاب فإنها تبقى غير مشمولة بأحكام الفصل 6 من م.ق.د.خ بل أنها تخضع لمعايير أخرى لمنح اختصاص النظر فيها إما للمحاكم التونسية أو لمحاكم أجنبية. و من بين هذه المعايير نجد مقر المطلوب أو مكان وجود العقار أو مكان تنفيذ العقد.
ويطرح تحديد طبيعة بعض العقود إشكالا حول معرفة أن كانت الدعاوى المتعلقة بها من الدعاوى المتعلقة بالتركات أم لا حيث يتعلق الأمر بتكييف عقود الوصية و الهبة و العقود المبرمة في مرض الموت.
فبالنسبة لعقدي الوصية و الهبة هل يمكن القول بان الدعاوى المتعلقة بهما هي من الدعاوى المتعلقة بالتركات مما يخضع اختصاص المحاكم التونسية بالنظر فيها بناء على أحكام الفصل6 رغم إدراجهما في الباب المتعلق بالمواريث و رغم ان هذا الباب يخص مادة تنازع القوانين إلا أن الاختيار الذي تبناه المشرع يظهر اتجاه موقفه إلى اعتبار عقود الوصية و الهبة من العقود المتصلة بمادة المواريث.
يبدو من الصعب الأخذ بهذا الموقف بالنسبة لعقود الهبة لأنه لا علاقة لها بمسالة الميراث فالهبة عقد ينتج مفعوله في حياة الواهب و بمجرد أن يستكمل العقد شروط صحته فلا يمكن الاعتداد بتعرض المشرع لها في باب المواريث كحجة كافية لإخضاعها إلى قاعدة الاختصاص المتعلقة بالتركات.
و في مقابل ذلك يطرح تكييف الوصية مشاكل جدية لمعرفة إن كانت تنضوي تحت طائلة دعاوى التركات ام لا ذلك ان الوصية لا تنقل الملكية إلى الموصى له إلا عند وفاة الموصي.
هذا فضلا عن ان المشرع يربط القواعد المنظمة لها بقواعد الميراث و ذلك بحصرها في الثلث من التركة مما يظهر ما بينهما من اتصال وثيق فالمشرع يحمي الورثة من الوصايا التي يمكن أن يبرمها مورثهم وهو ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف بتونس من خلال إدراج الوصية تحت قاعدة الاختصاص القضائي المتعلقة بالتركات.
أخيرا بالنسبة للعقود المبرمة في مرض الموت فلقد تمثل الإشكال المطروح على محكمة التعقيب في معرفة ماإذا كانت الدعاوى التي تهدف إلى إبطال مثل هذه العقود تندرج ضمن الدعاوى المتعلقة بالتركة أم لا.
بعبارة أخرى هل يتأسس اختصاص المحاكم التونسية بالنظر في تلك الدعاوى على أحكام الفصل 6 فقرة 3 من م.ق.د.خ أم على قاعدة أخرى من قواعد الاختصاص القضائي؟
تولت محكمة التعقيب الإجابة عن السؤال بإتباع منهجية علمية دقيقة ذات مراحل متعددة انطلقت بمرحلة التشخيص من خلال تحديد الهدف من عملية تكييف الدعوى ألا وهو معرفة إن كانت المحاكم التونسية تختص بالنظر فيها وطبقا لأي معيار من المعايير الواردة بمجلة القانون الدولي الخاص.
كما أكدت المحكمة بأن قيامها بعملية تكييف الدعوى المرفوعة أمامها ليس من شأنه تغيير طبيعتها القانونية كيفما حددها القائمون بها من كونها دعوى إبطال.
وأنهت المحكمة هذه المرحلة بمسألتين: أولهما هو أن عملية التأويل تطال بالأساس مفهوم الدعوى المتعلقة بالتركة الوارد ضمن الفصل 6 فقرة 3 من م.ق.د.خ.
وثانيهما هو أن تصنيف الدعوى يجب أن يتم وفقا لقانون القاضي أي القانون التونسي باعتبار أن الأمر يتعلق بتأويل قاعدة من قواعد الاختصاص القضائي للمحاكم التونسية.
وفي مرحلة ثانية قامت المحكمة بحصر المفهوم المعتمد للدعوى المتعلقة بالتركة في دعاوى قسمة التركة وتصفيتها وإدارتها قبل أن تستعرض الطبيعة القانونية لمؤسسة مرض الموت لتصل إلى نتيجة مفادها أن تصرفات المورث أثناء مرض موته تعتبر نافذة منذ تاريخ إبرامها ولا تعد من قبيل التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت.
بعبارة أخرى، رغم تعلق تصرفات المريض خلال مرض موته بحقوق الورثة وتأثيرها السلبي على التركة قبل انتقال الميراث فإن الدعاوى الهادفة إلى إبطال تلك التصرفات لا تدخل تحت طائلة الفصل6 فقرة 3 من م.ق.د.خ. ولا تخرج عن كونها دعاوى تتعلق بالالتزامات والعقود.
وبناءا على ما سبق بيانه نقضت محكمة التعقيب القرار المطعون فيه على أساس الخطأ في تأويل الفصل 6 فقرة 3 من م.ق.د.خ معتبرة أن قضاة الأصل قاموا بخلط بين معايير الاختصاص الدولي لما استندوا إلى أحكام الفصل المذكور لتبرير اختصاصهم بالنظر في الدعوى الهادفة لإبطال عقود البيع التي أبرمها المورث أثناء مرض موته.
يتضح بالرجوع إلى قرار النعاس أن محكمة التعقيب لعبت دورا أساسيا في ضبط نطاق الدعوى المتعلقة بالتركة فهل تدخل فقه القضاء في تحديد المقصود بافتتاح التركة بتونس.
الفقرة الثانية:التصريح بافتتاح التركة بتونس:
تفتتح التركة بوفاة المورث أو التصريح قضائيا بفقدانه وهو ما يعبر عنه بالموت الحكمي. إلا أن المكان الذي حصلت به الوفاة بصورة فعلية لا يأخذ بعين الاعتبار ضرورة وأن التركة تفتتح في مكان إقامة المورث قبل وفاته. وينبني هذا التأويل على قرينة مفادها أن مكان حصول الوفاة هو نفس المكان الذي كان يقيم فيه المورث.ولقد استقر فقه القضاء على هذا الرأي سواء قبل صدور مجلة القانون الدولي الخاص بمقتضى القانون عدد 97 لسنة 1998 المؤرخ في 27/11/1998 أو بعد دخولها حيز التنفيذ.
فقبل صدور المجلة المذكورة إعتبرت محكمة الاستئناف بتونس في قرارها المؤرخ في 12/02/1964 أن وفاة المورث بالخارج لا يحول دون التصريح بإفتتاح تركته بتونس إذا كان المتوفى يقيم بالبلاد التونسية .
و يمكن تبرير هذا الحل من جهتين :
فمن جهة أولى لا يمكن اعتماد واقعة الوفاة كعنصر محدد للاختصاص حتى و ان كانت هي الشرط الجوهري لاستحقاق الإرث عملا باحكام الفصل85 م.ا.ش. ذلك ان مكان الوفاة لا يحمل في حد ذاته اي مدلول حول تحديد الدولة التي لها علاقة بالتركة.
و من جهة ثانية يحمل مكان اقامة المورث دلالات جدية على وجود علاقة قوية بين التركة و محاكم الدولة التي توجد فيها مكوناتها.
أما بالنسبة للفترة اللاحقة لدخول المجلة حيز التنفيذ فقد ورد ضمن قرار النعاس: "حيث يعتمد في تحديد مكان افتتاح التركة آخر مقر للمتوفى وليس مكان وفاته أو البلاد التي يحمل جنسيتها". و نجد صدى لهذا الرأي في القانون المقارن من ذلك ما ورد بالفصل 86 من القانون الدولي الخاص السويسري.
إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن محكمة التعقيب في قرارها المؤرخ في 13 ماي 2003 وهو القرار الأول الصادر في قضية النعاس ذهبت إلى منح الاختصاص للمحاكم التونسية في مادة المواريث على أساس مكان حصول وفاة المورث ولم تعتمد معيار آخر مقر للمتوفى.
ويكتسي تركيز العلاقات القانونية المتعلقة بالإرث في إطار المقر الأصلي للمورث قدرا كبيرا من الواقعية ضرورة وأنه مؤسس على قرينة قوية ومتضافرة تتمثل في وجود جل أموال المتوفى بمقره الأصلي أين تعامل المورث مع أغلب دائنيه. كما ينسجم هذا الحل مع إرادة المورث في إخضاع أمواله لولاية النظام القضائي للدولة التي إختار الإقامة بها
إلا أن منح الاختصاص بالنظر في دعاوى التركات إلى محاكم بلد آخر مقر للمتوفى قد تواجهه صعوبة حقيقية تتمثل في تشتت عناصر التركة بين دولتين فأكثر الأمر الذي من شأنه أن يطرح على النقاش في إعمال هذا المعيار.
إضافة إلى معيار إفتتاح التركة بتونس،أقرَت مجلَة القانون الدَولي الخاص ضابطا آخر يتأسَس بمقتضاه إختصاص المحاكم التونسية في حدود وجود الأموال فوق التراب التونسي.

ب) الإختصاص المؤسس على وجود الأموال فوق التراب التونسي :

ينص الفصل 6 فقرة 3 من م.ق.د.خ. على ما يلي: " كما تنظر المحاكم التونسية في الدعاوى المرتبطة بانتقال الملكية بموجب الإرث لعقار أو منقول كائن بالبلاد التونسية ".
ويفترض تحقَق هذا المعيار افتتاح التركة بالخارج باعتبار أن افتتاح التركة بتونس يكفي لوحده لانعقاد الاختصاص لفائدة المحاكم التونسية.
= <وهنا تجدر الإشارة أنَ مقتضيات هذا الفصل عند إسناد الإختصاص للمحاكم التونسية على أساس وجود المال الإرثي بتونس إثرى إفتتاح التركات بالخارج يتوقف عند العقارات والمنقولات الكائنة بالتراب التونسي لذلك يجب التمييز بين النزاعات المتعلقة بالمنقولات و النزاعات المتعلقة بالعقارات .
الفقرة الأولى: النزاعات المتعلقة بالمنقولات
يميز المشرع التونسي بين نوعين من المنقولات في الفصل 13 م.ح.ع المنقول بطبيعته والمنقول بحكم القانون، و بالرجوع إلى الفصل 6 م. ق. د. خ فقرة 3 يتبيَن أنَ عبارة المنقولات جاءت مطلقة.
واستنادا إلى ما تقدَم تنظر المحاكم التونسية في الدعاوى المتعلَقة بالمنقولات الإرثية سواء كانت منقولات بطبيعتها أو بحكم القانون.
إنَ وجود المنقول فوق التراب الوطني من شأنه أن يجعل القاضي التونسي قريبا من محل التداعي علما وأن معيار القرب (la proximité) يعد أحد أهم المعايير المؤسسة للاختصاص الدولي.
ويبدو من خلال الفصل 6 فقرة 3 من م.ق.د.خ أن منح الإختصاص للقاضي التونسي للنظر في النزاعات المتعلقة بالمنقولات يستوجب توفر شرطين :
يتعلق الشرط الأول بموضوع الدعوى إذ يجب أن تكون هذه الأخيرة مرتبطة بإنتقال الملكية بموجب الإرث فيما يتمثل الشرط الثاني في ضرورة وجود المنقول بتونس.
يعد الفصل 6 فقرة 3 امتداد للقاعدة المكرسة صلب الفقرة 3 من الفصل 5 من م ق د خ والتي تنص على أن المحاكم التونسية تنظر " في النزاعات التي يكون موضوعها حقا منقولا موجودا بالبلاد التونسية."
و من هذا المنطلق يمكن القول انه في كل الحالات التي يكون فيها المنقول كائن بالبلاد التونسية سواء تعلق الأمر بنزاعات متعلقة بالتركة أو بغيرها فان القضاء التونسي يمكن له النظر في الدعوى وهو نفس التوجه المعمول به صلب مجلة المرافعات المدنية والتجارية والمضمنة بالفصل 36 فقرة 2 والتي تنص على انه يمكن للطالب أن يرفع دعواه في صورة الدعوى المتعلقة بمنقول لدى المحكمة التي بدائرتها وجد المنقول المتنازع فيه.
لكن يجب أن يفهم نصَ الفصل 6 م.ق.د.خ على أنَه إعترف بسند مستقلَ للإختصاص الدولي على أساس مكان تواجد المال المنقول التابع لتركة إفتتحت بالخارج ذلك أنَه لو تعلَق الأمر بتركة إفتتحت بالبلاد التونسية لما إحتاج المشرع إلى التنصيص على هذه القاعدة الإضافية.
إنَ اكتفاء المشرَع التونسي بعنصر تواجد المنقول على الإقليم التونسي كضابط لإختصاص المحاكم التونسية في الدعاوى المتعلَقة بالتركة يؤكد على نزعته إلى توسيع مجال الإختصاص القضائي في مادَة الأموال وذلك بهدف بسط رقابة الدَولة عليها كلَما وجدت بالبلاد التونسية.
هذا التوجه كان محل نقد من قبل العديد من الفقهاء على اعتبار أن الاختصاص المرتبط بمكان وجود المنقول هو اختصاص مصطنع وأن تموضع المنقول يمكن أن لا يكون له أي ارتباط بالنظام القضائي التونسي إذ يمكن لإطراف النزاع وبكل بساطة تغيير مكان المنقول لإخراج النزاع عن أنظار القضاء المعين للنظر فيه لان طبيعة المنقول تسمح بنقله من مكان لأخر ومن بلد لأخر مما يجعل مما يلغي اختصاص القضاء بالنظر في الدعوى بمجرد إخراج المنقول من تونس.
مبدئيا تواصل المحكمة التونسية النظر في الدعوى الإرثية باعتبار أنه يكفي أن يتوفر هذا المعيار عند رفع الدعوى . " و كل تغيير لاحق على هذا الوقت ليس من شأنه سلب ولاية المحاكم الوطنية طالما توفر سبب من أسباب اختصاصها عند رفع الدعوى ".
ولقد كان للتشريع الفرنسي توجها مغايرا صلب مجلة الإجراءات المدنية وبالتحديد صلب الفصل 45 الذي يخول للقضاء الفرنسي النظر في النزاع كلما افتتحت التركة بفرنسا بقطع النظر عن مكان وجود المنقول وهو نفس التوجه الذي توخاه المشرع اللبناني صلب الفصل 105ؤ من مجلة الإجراءات المدنية.
يستخلص من كل ما تقدًم أنَه في صورة إفتتاح التركة بالخارج فإن القضاء الوطني يختصَ بالنَظر في المنقولات الإرثية الكائنة بالبلاد التونسية. على أنَ المشرَع لم يكتف بذلك بحيث خوَل للمحاكم التونسيَة إمكانية النَظر إذا تعلَقت الدعوى بتركة عقارية كائنة بالبلاد التونسية.


الفقرة الثانية : النزاعات المتعلقة بالعقارات

يترتَب من وجود التركة العقارية بالبلاد التونسية إختصاص المحاكم الوطنية بالنَظر في النزاعات الإرثية المتعلقة بالعقار موضوع التركة.
ويستمد المال وصفه بعقار من القانون التونسي بإعتبار أن الأمر يتعلق بتعريف إحدى مكوَنات قاعدة من قواعد الإختصاص القضائي الدولي.
حيث عرف الفصل 3 من م. ح. ع العقار بأنَه كل شيء ثابت في مكانه لا يمكن نقله منه دون تلف وهو يمكن أن يكون طبيعيا أو حكميا أو تبعيا. و وفقا لذلك فإنَ المحاكم التونسية تكون مختصة بالنظر في الدعاوى المتعلقة بإنتقال الملكية بموجب الإرث لعقار كائن بالبلاد التونسية بقطع النَظر عن طبيعته القانونية.
و يعزى ذلك الإجماع إلى عدة مبررات لعل أهمها ضمان حسن سير القضاء الذي يستوجب منح الاختصاص في مادة العقارات إلى محاكم البلد التي تقع فيه العقارات المتنازع حولها من ناحية وفكرة سيادة الدولة من ناحية أخرى لتبرير تفوق معيار مكان وجود العقار على بقية المعايير مما أدى إلى تكريسه من قبل جل الأنظمة القانونية ذلك أن العقار يشكل جزء من إقليم الدولة. ونجد لهذا الرأي صدى في قرار "النعاس" الصادر عن محكمة التعقيب في 7 ديسمبر 2006.
بالإضافة إلى التداخل القائم بين مادة الحقوق العينية والمسائل المتصلة بالتركة يؤدي إلى منح الاختصاص بصورة حتمية إلى قاضي مكان وجود العقار. لأن انتقال ملكية العقارات يقتضي بالضرورة إجراء ترسيمات بالسجل العقاري. كما أن البت في الدعاوى العقارية يستلزم الإذن بتسمية خبير والتوجه على العين لإجراء بحث حوزي ولتلقي بينة طرفي النزاع وهي إجراءات لا يتسنى اتخاذها إلا متى كان القاضي المختص قريبا من العقار محل التداعي .
لكن تجدر الإشارة إلى أنَ الاختصاص الدولي للمحاكم التونسية في الدعاوى الإرثية العقارية يثير إشكالا يتعلق بتحديد طبيعته هل هو اختصاص ممكن أم اختصاص إقصائي لتعلقه بعقار كائن بالبلاد التونسية ؟
ينص الفصل 6 فقرة 3 من م ف د خ على أن المحاكم التونسية تختص بالنظر" إذا تعلقت الدعوى بتركة افتتحت بالبلاد التونسية أو كانت مرتبطة بانتقال الملكية بموجب الإرث لعقار أو منقول كائن بالبلاد التونسية".
إن تأكيد المشرع من خلال اعتماده لمصطلح "عقار" صلب هذا الفصل يطرح إشكالية التضارب بين إحكام مجلة القانون الدولي الخاص باعتبار أن الفصل 8 م ق د خ يمنح الاختصاص المطلق للمحاكم التونسية كلما تعلقت الدعوى بعقار كائن بالتراب التونسي بحيث ينص على أن :" تختص المحاكم التونسية دون سواها بالنظر:
2) إذا تعلقت الدعوى بعقار كائن بالبلاد التونسية "
وقد اجمع شرّاح القانون في تونس على أن عدم تعهدّ المشرع التونسي بحالة الاختصاص الدولي المتعلقة بالدّعاوى التي يكون موضوعها عقارا ارثيا ضمن حالات الاختصاص الإقصائي يجعل من تصنيف هذه الدعاوى ضمن حالات الاختصاص الممكن للمحاكم التونسية اقرب لعبارة الفصل 6 م.ق.د.خ و إذا انعقد الاختصاص الدولي للمحاكم الوطنية على أساس معيار وجود العقار الارثي بالبلاد التونسية فانّ المحكمة المختصة ترابيا هي المحكمة التى توجد بدائرتها العقار الارثي . أما إذا تعددت العقارات الارثية داخل البلد التونسية فانّه يتمّ القيام لدى المحكمة التي بدائرتها جلّ العقارات طبق الفصل 34 م .م.ت .
و يستخلص من كل ما تقدّم انه في صورة افتتاح التركة بالخارج فإن المحاكم الوطنية تختص بالنظر في التركة العقارية الكائنة بالبلاد التونسية..
إن قاعدة اختصاص محاكم الدولة التي يوجد بإقليمها العقار الارثي مكرسة في عديد الأنظمة القانونية إلا أن أعمالها يؤدي إلى تجزئة التركة و تشتيت عملية تصفيتها في صورة تعدّد تصفيتها في صورة تعدّد العقارات الارثية و انتشارها على أقاليم دول مختلفة .
وتبعا لذلك فإن القاضي الوطني يحتفظ لنفسه آليا بسلطة التعهد بجميع النزاعات التي يكون موضوعها انتقال الملكية بموجب الإرث لأموال كائنة فوق التراب التونسي.
و في هذا الإطار يمكن القول بأن النظام القانوني للدولة التي توجد بها الأموال يحدد نطاق اختصاص محاكمة وذلك عن تقنية التكييف الأحادي. وفي نفس السياق جاء بالفصل 57 من م.ق.د.خ. بأن وصف المال بكونه عقار منقول يخضع لقانون الدولة التي يوجد فوقها المال.
و تجدر الإشارة إلى أن اختصاص المحاكم الوطنية المبني على مكان وجود الأموال بتونس ينسحب على جميع عناصر المخلف الكائنة فوق التراب الوطني وذلك دون اعتماد التفرقة بين العقارات و المنقولات. بمعنى أن الأموال الموجودة بتونس ينظر إليها باعتبارها وحدة ترجع بالنظر إلى المحاكم التونسية .
وبذلك فقد خالف المشرع التونسي ما درجت عليه الأنظمة القانونية المقارنة من تمييز بين العقارات والمنقولات ضرورة وأن تلك الأنظمة منحت الاختصاص فيما يتعلق بالعقارات الموروثة إلى محاكم الدولة التي توجد بها تلك العقارات بينما تختص محاكم دولة آخر مقر للمورث بالنزاعات المتعلقة بالمنقولات.
ولقد برر أحد الفقهاء هذه التفرقة بمقولة أن قاعدة الاختصاص القضائي تكون منسجمة مع الطابع المزدوج لقاعدة تنازع القوانين. وتبعا لذلك فإن القاضي الوطني يحتفظ لنفسه آليا بسلطة التعهد بجميع النزاعات التي يكون موضوعها انتقال الملكية بموجب الإرث لأموال كائنة فوق التراب التونسي ، إذا إفتتحت التركة بالخارج .و من هنا يكون تعهد القاضي الوطني تعهدا جزئيا في حدود العقارات والمنقولات الموجودة بالتراب التونسي.
بالرغم من أن المشرع التونسي قام بتحديد معايير الإختصاص ضمن الفصل 6 فقرة 3 م. ق. د .خ فإن هذا الفصل لم يكن واضحا بما فيه الكفاية خصوصا في كيفية إعمال المعايير وهو ما طرح إشكالا على مستوى فقه القضاء.
الجزء الثاني : إشكاليات تطبيق معايير الإختصاص على مستوى فقه القضاء :*
تبرز إشكاليات تطبيق معايير الإختصاص من خلال تباين موقف فقه القضاء في ضبط المعايير(أ) وكذلك في تحديد مجال إنطباق معايير الاختصاص (ب)
أ) تباين موقف فقه القضاء في ضبط المعايير:
لقد اختلفت قراءات في فقه القضاء ضمن أحكام الفصل 6 ثالثا من م.ق.د.خ . حيث ظهر اتجاه أولي يقر بجمع المعيارين أي أن المحكمة التونسية في نزاع التركات إذا كان مكان افتتاح التركة بتونس و كذالك مكان وجود الأموال أي الميراث أي مكان وجود الأموال بتونس وافتتاح التركة (1) إلا أن هنالك اتجاه 2 وهو موقف يقر بإمكانية منح اختصاص للقاضي للتونسي بناءا على وجود عنصر واحد من كلا عنصرين (2).
1) موقف 1: ضم كلا معيرين
يتمثل الموقف في تباين في قراءات فقه القضاء للفصل 6 ثالثا و الذي يكرس عنصرين افتتاح التركة بتونس و كذالك وجود الأموال بتونس بالتالي فإن اختصاص المحاكم التونسية كاختصاص دولي يعود لتوفر كلا شرطين وهما افتتاح التركة بتونس و كذالك وجود أموال المورث بتونس.
هذا الموقف يعود لتأويل عبارة " أو " الوارد بالفصل 6 ثالثا و التي أدت بتبني موقف من فقه القضاء في قضية نعاس في إطار اتجاه أنها تكرس معيارا واحدا لاختصاص المحاكم التونسية في النزاعات المتعلق تركة فوق هذا التأويل فإن المحاكم الوطنية لا تتعهد بالدعاوى الارثية على أساسا معيار افتتاح التركة إلا إذا وجدت عقارات أو منقولات بالبلاد التونسية . معنى ذلك أن ضابط لا يكفي لإسناد الاختصاص للقضاء الوطني بل يجب أن يكون مسنودا بأموال ارثية كائنة بالبلاد التونسية ( ).
كما أن هذا الموقف يقوم أساسا على إمكانية افتتاح التركة معيار ناقص لا يمكن أن يكرس اختصاص بل حتى يتعهد القاضي التونسي بقضية يجب أن تكون التركة موجودة في التراب التونسي .
كما أن التركة يمكن أن تشمل عقارات و المنقولات فلا يمكن للقاضي التونسي أن يبت في قضية التركة في أموال هي غير موجودة على تراب الوطن خاصة و إن كانت متعلق بعقارات فإنها تصبح حكم غير قابل لتنفيذ كما ورد صلب فصل 8 .م.ق.د.ج.
كما قد سايرت هذا التوجه محكمة الاستئناف بتونس ضمن قرار مؤرخ في 10/4/2002 جاء فيه ما يلي: " اشترط الفصل 6 فقرة ثالثة في حالة افتتاح التركة بالبلاد التونسية أن يكون العقار أو المنقول كائنا بالبلاد التونسية وهو غير صورة الحال و بذلك و عملا بأحكام الفصل 5 ،4،6 م.ق.د.ج فإن المحاكم التونسية تعد غير مختصة ( ).
كما سايرت محكمة التعقيب فهي قرارها المؤرخ في 9.مارس 2006 هذا التأويل حيث اعتبرت :"أن المحاكم التونسية لا تكون مختصة وفق أحكام الفقرة الثالثة من الفصل 6 م.ق.د.خ إلا عند توفر عنصري وجود المال الارثي بتونس وافتتاح التركة بالبلاد التونسية مستخلصة أن القاعدة العامة المنغلقة بالمنقولات و الوارد صلب الفصل 6 م.ق.د.خ و التي تمنح الاختصاص بالنظر للمحاكم التونسية إذا تعلقت الدعوى بتركة افتتحت بالبلاد تجعل للطلب في التصريح فافتتاح التركة الهالك و تعيين معنى لها طلبا وجيها ومؤسسا قانونا في خصوص المنقول المتواجد بالبلاد التونسية .
كما اعتبر بعض من الفقهاء أن محكمة التعقيب في تأويل للفصل 6 ثالثا تكتفي بمعيار افتتاح التركة بتونس لعقد اختصاص المحاكم الوطنية في مادة التركات الدولية بل يجب أن يكون مرتبطا بوجود أموال ارثية سواء كانت عقارات أو منقولات مما جعل هذا التأويل لا يكفي لعقد الاختصاص القضائي للمحاكم التونسية لا يتطلب أن تكون هاته الأموال كلها أو بعضها على الأقل في الأراضي التونسية .
المنتقد بأنه غير مؤسس على قيام رابطة حقيقية بين النزاع و النظام القانوني التونسي لأنه يعطي للمحاكم التونسية الاختصاص و لو كانت أموال التركة غير موجودة بتونس. لكن المشرع اعتبر أن محكمة افتتاح التركة هي الأقدر على حل كل نزاع يتعلق بهذا المعيار .
رغم الانتقادات التي وجهت للمحكمة التي تبينت هذا الاتجاه إلا أن جانب من الفقه يقر بأنه حل مؤسس على تركيز موضوعي واضح يتمثل في أن إسناد الاختصاص لمحكمة بآخر مقر للمورث و هنا الحل مؤسسا على أن هذا المكان عادة ما ترتكز فيه معظم أمواله و توجد بها مكاسب المورث من بينها بيته ومن ثم تكون محاكم الدولة الأكثر قدرة على الفصل في الدعاوى المتعلق بالتركة الكائنة بها( ) .
لكن في الحقيقة فإن هذا المعيار المنتقد بأنه غير مؤسس على قيام رابطة حقيقية بين النزاع و النظام القانوني التونسي لأنه يعطي للمحاكم التونسية الاختصاص و لو كانت لأموال التركة غير موجودة بتونس ، لكن المشرع اعتبر أن محكمة الافتتاح التركة هي الأقدر على حل كل نزاع يتعلق بها .
إلا أن هذا الحل تعارض مع منطوق الفصل 6 الذي يقر صراحة وجود المعياريين.
2) وجود المعيارين لتكريس الاختصاص الدولي للمحاكم التونسية في مادة التركات:
يأخذ أنصار هذا الرأي لتأويل حرفي للفصل 6 ثالثا و الذي يقوم أساسا على تركيزه عبارة "ou" الوارد ينصّ بلغة الفرنسية و التي تفيد " أو " باللغة العربية و هي تعني تعدد ليست وحدة المعيار النص بالغة العربية يشمل عنصرين و التي من خلالها منحها المشرع التونسي إمكانية تكريس كل من عنصر على حدا بمعنى أم بمجرد وجوب افتتاح التركة بتونس أي وجود مقر الهالك بتونس فإن القاضي التونسي هو المختص في بت في النزاع. وكذالك المنقولات فتصبح القاضي التونسي هو المختص بالنظر في قضيته. و يفهم من هذا النص المذكور أن المشرع استند في منح الاختصاص القضائي للمحاكم التونسية في النزاعات المتعلقة بالتركة على عنصرين مشغلين كل واحد يقوم بذاته .
كما نجد صدى هذا التأويل الثاني للفصل 6 ثالثا صلب جانب من فقه القضاء و ذالك ضمن حكم للمحكمة الابتدائية بتونس في 02/12/2003 جاء فيه ما يلي:" حدد الفصل 6 م.ق.د.خ اختصاص المحاكم التونسية في مادة التركات بناءا على معيارين اثنين الأول افتتاح التركة بالبلاد التونسية وهذين المعيارين غير متلازمين بمعنى إن توفرا حدهما يغني عن الأخر".
كما سايرت محكمة التعقيب هذا التوجه ضمن قرار مؤرخ في 2008 و الذي جاء فيه : يؤخذ من ذلك أن المحاكم التونسية تنظر في الدعاوى المتعلق بتركة في صورتين الأولى إذا افتتحت بالبلاد التونسية وصورة الثانية وجود عقار أو منقول مشمول بالتركة انتقلت ملكيته بالإرث بالبلاد التونسية.
هذا التأويل نابع مع مراد واضح القانون لأنّ القول بعكس ذالك يؤدي غلى تحريف أحكام النص المذكور. كما اعتبرت محكمة التعقيب في قرار مؤرخ في 18/2/1969:" من الممنوع قانونا تغيير حكم النص ذاته إذا كان صريحا في مدلوله (قرار عدد 6396 مؤرخ في 18/2/1969 يمكن أن يقوم لوحده كمعيار وحيد لإسناد الاختصاص لفائدة القاضي التونسي".
ففي القرار تعقيبي مدني عدد 28151 مؤرخ في 23 /3/1993 تبت محكمة التعقيب موقف بخصوص افتتاح التركة بتونس و التي تضمنت "طالما ثبت أن المورث الفرنسية الجنسية تقيم بتونس و مقرها عند الوفاة كان بها فإن المحكمة المختصة بالنظر ترابيا و حكميا في النزاع في المحكمة التونسية وفقا لمقتضيات فصل 2 م.م.م.ت...
وهو ما أكده الفصل 34 م ق د ج أن دعاوى المتعلق بالتركة ترفع لدى المحكمة التي افتتحت بدائرتها التركة و إن هذا الاختصاص المتعلق بمرجع النظر واجب إتباعه باعتباره يهم النظام العام و مرتبط بسيادة البلاد.
من خلال هذا الموقف الذي تثبته محكمة التعقيب فيه دليل واضح و صريح لتكريس هذا التوجه القائم على التفريق بين عنصرين أو معيارين الفصل 6 ثالثا.
كما أن القول بأن اختصاص القاضي التونسي بالنظر في النزاع متعلق بعبارات موجودة على تراب التونسي هو امتداد واضح للفصل 8 المتعلق باختصاص الإقصائي القاضي التونسي في مادة التركات بالتالي إذا كانت الموال التركة موجودة بتراب الوطني فهو اختصاص القاضي الوطني لأنها مسألة متعلق سيادة الوطنية للقانون الوطني على الأموال الوارد في تراب الوطني.
إن الإقرار بوجوده معياري اختصاص صلب فصل 6/3 م.ق.د.خ قد يؤدي إلى بروز بعض الإشكاليات المتعلقة بإعمالها خاصة عندما يثبت أن التركة قد افتتحت بتونس و أن المورث قد ترك عقارا أو منقولا بالبلاد التونسية فهل يمكن الاستعاضة عن ضابط افتتاح التركة و تطبيق معيار وجود المال الإرثي بتونس .
ب) موقف فقه القضاء في تحديد مجال إنطباق معايير الاختصاص:
اختلف فقه القضاء في تحديد مجال انطبقا معياري الاختصاص الوارد بالفصل 6 ثالثا م.ق.د. حيث رأى جانب من فقه القضاء أن معيار افتتاح التركة ينطبق على كل الأموال الإرثية أينما وجدت ضمانا لمبدأ وحدة التركة أما الجانب الآخر عند ضبطه لمجال الانطباق اعتمد على نظام تجزئة التركة وذلك باستبعاد العقارات الإرثية الكائنة بالخارج وبالتالي يمكن القول بان مجال انطباق هذا المعيار ضيّق (1)،أمَا فيما يخصَ مجال قاعدة الاختصاص المؤسَسة على وجود الأموال بتونس فإن جانب من فقه القضاء اختار التوسيع في مجال انطباقه مما يجعل تطبيقه يشمل كل العقارات والمنقولات حتى خارج البلاد التونسية رغم وضوح عبارات الفصل 6 ثالثا ق.د.خ التي تحصر مجال تطبيقه على الإقليم التونسي دون اعتبار للأموال الكائنة خارج البلاد التونسية (2).
1) مجال ضيق لإعمال معيار افتتاح التركة:
يقصد بالمجال الضيق لمعيار افتتاح التركة بان هذا الأخير لا يسند الاختصاص للمحاكم التونسية إذا تعلق موضوع النزاع الإرثي بأموال كائنة بالخارج ويتوقف اختصاص المحاكم التونسية في هذه الحالة على العقارات والمنقولات الموجودة بالبلاد التونسية.
وفي هذا الإطار أقرت محكمة القانون في قراريها الصادرين في قضيتي "النعاس" و"زينال زاد" أن اختصاص المحاكم التونسية يقتصر على المنقولات والعقارات الموجودة فوق إقليم الدولة التونسية.
ومن ذلك مثلا أن محكمة التعقيب قد خالفت في قرارها الصادر في 09 مارس 2006 محكمة الاستئناف التي تولت تعيين مصف لتركة شخص أجنبي حامل للجنسية السويسرية والجنسية الإيرانية ويقيم بتونس دون أن نقوم بتحديد مأموريته بالعقارات والمنقولات الكائنة بتونس.
ولقد ورد بإحدى حيثيات القرار المذكور: "وعلى هذا الأساس فإن محكمة القرار المطعون فيه لما تولت تسمية مصفي التركة دون حصر مأموريته في المنقولات والعقارات الكائنة بالبلاد التونسية لا غير تكون قد أساءت تطبيق القانون وخالفت أحكام الفصلين 4 و 58 م.ق.خ وتجاوزت حدود اختصاصها".
كما تبنت محكمة التعقيب نفس التأويل في قرارها الصادر في قضية النعاس بتاريخ 7 ديسمبر 2006 حيث تعلق الأمر بنزاع حول تركة شخص تونسي خلف عدة عقارات ومنقولات موزعة على أكثر من دولة.
اعتبرت المحكمة في هذا القرار أن القضاء التونسي لا يكون مختصا في الدعاوى المتعلقة بقسمة أو إدارة أو تصفية التركة التي افتتحت بتونس بصفة مطلقة إلا عند وجود كافة عناصر المخلف بالبلاد التونسية.
ولقد استندت المحكمة لتبرير رأيها على أن المشرع التونسي خلافا للقوانين الأجنبية المقارنة كالقانون الفرنسي لم يبين نظرية وحدة التركة الأمر الذي يترتب عنه عدم سريان قاعدة تعهد محاكم بلد افتتاح التركة على جميع عناصر المخلف إذ تستثنى منها الحقوق العينية المتعلقة بالعقارات الكائنة خارج البلاد التونسية تماشيا مع أحكام الفصل 4 م.ق.د.خ كما اعتبرت "النزاعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية من المسائل السيادية ترجع بالاختصاص المطلق بالنظر فيها لمحاكم الدولة التي يوجد بها العقارات المتعلقة به وأن البت فيها من المحاكم الأجنبية سيؤول حتما على رفض الاعتراف بها كما هو متفق عليه بالجزم المطلق في القانون الدولي الخاص المقارن".
كما بررت موقفها من خلال ما جاء بمناقشة مشروع مجلة القانون الدولي الخاص بمجلس النواب حيث اعتبرت "وزارة العدل" أن المحاكم التونسية لا تكون مختصة في مادة التركات بصفة مطلقة إلا عند وجود كافة عناصر التركة بالبلاد التونسية. واعتمادا على ذلك استخلصت محكمة التعقيب أن المشرع التونسي لا يتبنى نظرية وحدة التركة مما يجيز إمكانية استبعاد العقارات الموجودة بالخارج من نطاق تطبيق معيار افتتاح التركة.
وقد تأكد هذا الموقف في القرار الاستئناف المؤرخ في 29 ماي 2007 الذي اعتبر أن "طلب شمول الدعوى لكامل التركة المخلفة عن المتوفى على أساس أنها تمثل وحدة لا تتجزأ هو طلب يتنافى والخيارات الأساسية التي أرادها المشرع صلب مجلة القانون الدولي الخاص من خلال إقراره انعقاد المحاكم التونسية على أساس ارتباط الدعوى بالمنقول أو العقار الموجود بالبلاد التونسية، وتبعا لذلك فإن هذا الاختصاص لا يجوز أن يتعدى حدود فصول التركة المتواجدة بالبلاد التونسية تطبيقا لمقتضيات الفصل 6".
ومن هنا يتبين موقف فقه القضاء في أن تعهد القاضي الوطني يكون تعهدا جزئيا في حدود التركة الموجودة بالبلاد التونسية، وذلك تكريسا لمبدأ التنسيق بين الأنظمة القانونية.
يبدو موقف فقه القضاء منفتحا إذ لا يعترف هذا الاتجاه بوحدة التركة وهذا الحل يستمد مشروعيته من إحتفاظ الأنظمة القانونية باختصاص إقصائي في الدعاوى المتعلقة بعقارات إرثية توجد بإقليمها.
"هذا فضلا عن أن قسمة العقار الموجود بالخارج قد يستوجب إعمالا لا يمكن للمحكمة التونسية القيام بها مثل التوجه لمعاينة العقار أو الإذن لخبير لإعداد مثال لقسمة أو بتقدير قيمته" .
ويتأسس إختصاص المحاكم التونسية على أساس تواجد المنقول الإرثي بالبلاد التونسية على اعتبارات عملية إذ أن إختصاص محكمة الموقع ييسر قسمة وتصفية المنقولات الإرثية، كما انه يضمن تنفيذ الحكم دون المرور بإجراءات الإكساء بالصبغة التنفيذية إلاَ أنَ تعهد المحاكم التونسية طبق هذا المعيار يتوقف عند المنقولات الكائنة بالإقليم دون بقيَة فصول التركة المتواجدة بالخارج.
لئن ضيّق جانب من فقه القضاء في نطاق إعمال معيار افتتاح التركة بتونس بأن حصره في العقارات أو المنقولات الموجودة بتونس فإنه ظهر اتجاها في فقه القضاء التونسي يميل إلى توسيع مجال انطباقه ليشمل كافة مكونات التركة سواء كانت كائنة بتونس أو بالخارج.
2) مجال واسع لإعمال معيار وجود الأموال بتونس :
يبدو من خلال قرارات محكمة التعقيب أنَ فقه القضاء غير مستقر حيث كان متناقضا فلئن ضيقت في إعمال معيار افتتاح التركة حتى تستبعد الأموال الكائنة خارج التراب التونسي نجد اتجاه دائرة أخرى وسع من نطاق إعمال معيار وجود المال الإرثي بتونس حتى تسلك اتجاها مخالفا على مبادئ أساسية لوحدة التركة كوحدة لا تتجزأ حيث تصبح المحاكم التونسية هي المختصة بالنظر ذلك أن وجود أملاك أخرى بالخارج لا ينفي اختصاصها،وفي هذا المنوال جاء بالقرار28 افريل2005 العبرة في اختصاص المحاكم التونسية أم لا هو ما إذا كانت هناك بعض أجزاء التركة تكون المحكمة التونسية هي المختصة وهو ما يستمد من الفصل السادس الذي اقتضى "أو كانت مرتبطة بانتقال الملكية بموجب الإرث لعقار أو منقول كائن بالبلاد التونسية".
وقد برز ذلك بوضوح في القرار التَعقيبي المؤرَخ في2 جويلية 2008 الذي أكَد على أن "الاختصاص المنصوص عليه بالفصل 6 ثالثا هو اختصاص شامل يتعلق بالتركة كوحدة لا تتجزأ بالاعتماد على عنصري الإسناد المذكورين في الدعوى المتعلقة بالتركة ككل تكون من أنظار المحاكم التونسية وليس فقط الدعوى المتعلقة بعناصر التركة الموجودة بتونس ".
ويفهم من هذا القرار أن انعقاد الاختصاص الدولي للمحاكم التونسية على أساس وجود العقار الإرثي بتونس يؤدي إلى النظر في كل مكونات التركة حيثما وجدت ضمانا لمبدأ وحدة التركة. على أنه وان صياغة الفصل 6-3 م.ق.د.خ لا يسمح بهذا التأويل باعتبار أنها تحصر تعهد المحاكم الوطنية في حدود العقارات الكائنة بالبلاد التونسية لا غير وهو ما عرض هذا الموقف إلى العديد من الانتقادات.
إن موقف فقه القضاء فيما يخص مجال التركات مشتت، فلئن جاء في قرار 29 ماي 2007 أن طلب شمول الدعوى لكامل التركة المخلفة عن المتوفي على أساس أنها تمثل وحدة لا تتجزأ يتنافى والخيارات الأساسية التي أرادها المشرع صلب م.ق.د.خ ... وبالتالي فإنَ هذا الاختصاص لا يجوز أن يتعدى حدود فصول التركة الموجودة بالبلاد التونسية تطبيقا للفصل 6-3 ق.د.خ . ثم جاءت في قرار لاحق 2 جويلية 2008 تقرَ وحدة التركة.
لذلك لابد من تدخل المشرع مرة ثانية وذلك لوضع حدّ من هذا التذبذب الفقه القضائي.
وتجدر الإشارة أن فقه القضاء التقليدي لم يتعرض إلى تحديد الاختصاص حيث أنَ المسائل التي طرحت جدل فقه قضائي في مجال التركات هو تحديد القانون المنطبق خصوصا قضية الطبيب الكندي وقضية كاكاكيا حيث أثارت محكمة التعقيب في قرار 1993/23 مارس 1993 بمناسبة قضية كاكيا مسألة الاختصاص من تلقاء نفسها ودون أي مبرر ونظرا لعدم المنازعة في الاختصاص من قبل الأطراف ولثبوت هذا الاختصاص أما على أساس وجود العقارات بتونس او وجود مقر المدعى عليه كذلك بتونس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
 
: الإختصاص القضائي في مادة التَركات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تطور الجهاز القضائي الأردني من وجهة نظر وزارة العدل
» شكوي للتفتيش القضائي تطالب بمراجعة دعوي قضية العبّارة
» دورة عن "تنمية مهارات الضبط القضائي والإداري في الرقابة والتفتيش وضبط المخالفات"
» بعد الحكم القضائي الايطالي بسجن طيار تونسي: الجمعية الدولية للطيارين تدين هذه التتبعات العدلية
» إثبات النّسب بين م أ ش والقانون عدد75 لسنة 1998 . رسالة تخرّج من المعهد الأعلى للقضاء إعداد الملحق القضائي : أنيس سكمة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: 1-1- بحوث عامة في القانون التونسي :: أبحاث و مقالات و ملتقيات-
انتقل الى: