إستمرار عقود الشغل بموجب القانون لمحمد الرمضاني
الإهداء
إلى والـــــــــــــديّ العزيزيـــــــــــن
إلى كــــــلّ من علّمني حــــــرفا
إلى كــــــــــــلّ من أحــــــــــــــب
شكرا
لكلّ من ساعدني على إنجاز هذا العمل من قريب أو من بعيد وخاصّة إلى مؤطّري السيد الرئيس الأوّل لمحكمة الإستئناف بسوسة حمدة ميلاد .
قائمة المختصرات :
م إ ع : مجلة الإلتزامات و العقود
م ش : مجلة الشغل
م ش ت : مجلة الشركات التجاريّة
م ق ت : مجلة القضاء و التشريع
ن م ت : نشريّة محكمة التعقيب
D : Dalloz
JCP : Juris classeur périodique
JCS : Juris classeur société
JCE : Juris classeur entreprise
JCT : Juris classeur travail
RDS : Revue du droit social
RDouvr : Revue du droit ouvrier
RJS : Revue de juridiction social
GAZ. PAL : Gazette de palais
BULL. CIV : Bulletin civil
Op. cit. : Option cité
Cass. Soc. : cassation social
Cass. Crim. : Cassation criminelle
éd. : édition
Art. : Article
Chr. : Chronique
إن ديناميكيّة الحياة الاقتصاديّة عامّة و حركيّة رأس المال خاصّة أفرزت حالة من عدم إستقرار المراكز القانونية لمالكيه أو المنتفعين به . ونظرا لأن المؤسّسة الاقتصاديّة هي من أهمّ مظاهر رأس المال، في حاجة إلى أن تتلاءم مع هذه الديناميكيّة حتّى تستوعب مقتضيات التطوّر الاقتصادي و التّقني و متطلّبات المنافسة، سعى المشرّع التّونسي إلى إيجاد الإطار القانوني لتسهيل هذه الحركيّة. فسنّ مجلة الشّركات التّجاريّة التي عالجت مسألة من أهم المسائل المطروحة وبإلحاح على مستوى الإقتصاد الوطني وهي مسألة التكتل لتفعيل الدّور الإيجابي للمؤسسة في النسيج الإقتصادي . كما إعتنى المشرع بالمؤسّسات المريضة و ذلك بإيجاد الآليات الكفيلة بإنعاشها. و تترجم هذا التوجه من خلال قانون إنقاذ المؤسسات التي تمرّ بصعوبات إقتصاديّة2.
إن المتأمّل في هذين القانونين يلاحظ أن المشرّع التّونسي مثلما اهتمّ بالجانب الإقتصادي اهتم أيضا بالبعد الإجتماعي للمؤسّسة، باعتبارها مجموعة منظّمة من العناصر الماديّة و المعنويّة و البشريّة تستقطب يد عاملة مختلفة الأحجام. وعيا منه بالإرتباط العضوي بين هذين البعدين اللّذين تحكمهما علاقة تأثير و تأثّر، تجسّم ذلك أساسا من خلال الفصلين 421 و 422 من مجلة الشّركات التجاريّة و الفصلين 1 و 38 من قانون 17 أفريل 1995 المتعلّق بإنقاذ المؤسّسات التّي تمرّ بصعوبات اقتصاديّة، و التّي يتحصحص منها أن انتقال المؤسّسة سواء بصورة إراديّة أو غير إراديّة كمظهر من مظاهر حركة رأس المال لا يؤثر على إستمرار عقود الشّغل القائمة ساعة الإنتقال .
إن إستمرار عقود الشّغل بموجب القانون عند إنتقال المؤسّسة ليست وليدة القوانين المشار إليها أعلاه، بل وقع تكريسها منذ سن مجلّة الشّغل بتاريخ 1966 وبالتّحديد صلب الفصل 15 منها، الذي ينصّ على أنّه " يبقى عقد الشّغل قائما بين العامل و المؤجّر في صورة تغيير حالة هذا الأخير القانونيّة خاصّة بالميراث أو البيع أو تحويل المحل أو تكوين شركة" .
إنّ القاعدة المذكورة التي كرّسها الفصل 15 من مجلّة الشّغل مفادها أنّ عقود الشّغل القائمة عند حدوث التّغيير في الوضعيّة القانونيّة للمؤجّر تبقى مستمرّة مع المؤجّر الجديد كما هي بنفس مضمونها و شروطها و خصائصها، وذلك بصفة آليّة و تلقائيّة. فليس مطلوبا من العاملين و لا من صاحب العمل الجديد، استيفاء شروط معيّنة بل أنّ صاحب العمل الأصليّ غير ملزم بإعلام العملة بانتقال المؤسّسة إلى الغير، و هم بدورهم لا يملكون حقّ الاعتراض على ما سيقدم عليه المؤجّر الأصليّ.
إن استمرار عقود الشّغل بموجب القانون مع المؤجّر الجديد كقاعدة عامّة في قانون الشّغل لا يختصّ بها التّشريع التّونسي. بل تبنّتها عديد التّشريعات الأخرى من ذلك: القانون الفرنسي: الفصل122-12 من مجلّة الشّغل الفرنسيّة والقانونين الألماني والبلجيكي . وهي نفس القاعدة التي أوردها التوجيه الأوروبي عدد 187 لسنة 1977 الصّادر عن المجلس الأوروبي ، كما تبنّتها بعض القوانين العربية كقانون العمل المصري لسنة 1981.
إنّ عقد الشّغل الذي يعرّفه المشرّع صلب الفصل 6 من مجلّة الشّغل من كونه "اتفاقيّة يلتزم بمقتضاها أحد الطرفين و يسمّى عاملا أو أجيرا بتقديم خدماته للطرف الآخر و يسمّى مؤجّرا و ذلك تحت إدارة و مراقبة هذا الأخير و بمقابل أجر"، هو عقد يقوم على الاعتبار الشّخصي بامتياز ممّا يفيد أنّ العلاقة الشغليّة لا تنتقل إلى الغير مادام شخص المتعاقد محل اعتبار لدى الطرف الآخر. كما أنّه يخضع مبدئيّا لقاعدة النسبيّة من حيث الأشخاص باعتبار أن عقد الشّغل قد نشأ بطبيعته كأغلب العقود المدنيّة في ظلّ النظريّة العامّة للعقد. فقبل عام 1966 تاريخ سنّ مجلة الشّغل كان يخضع هذا العقد للقواعد الواردة بمجلة الالتزامات و العقود، خاصّة منها القواعد المنظّمة للإجارة على خدمة الآدميّ ( الفصول 828 إلى 865 من م.إ.ع ). و بالتأمل في هذه القواعد فإننا نلاحظ أنها لا تنظّم إشكاليّة انتقال المؤسّسة الشغليّة و تأثيراته على عقد الشّغل إلاّ عند انتقال المؤسّسة بموت المؤجّر. و في هذه الحالة فإن الورثة لا يمكنهم فسخ العقد، ممّا يعني أنّ الورثة يواصلون الاستمرار في العلاقة الشغليّة، و بالتّالي فإنه عندما تتغير الوضعية القانونية للمؤجر بسبب إرادي كالبيع أو الكراء… فانه يقع تطبيق القواعد العامّة، ممّا يؤول إلى القول بأنّ عقد الشّغل لا ينتقل إلى المالك الجديد أو المنتفع بالمؤسسة باعتباره أجنبيا عنه فهو لم يكن طرفا في إبرامه تطبيقا للفصل 240 من م.إ.ع، الذي ينصّ على أنّه "لا يلزم العقد إلا العاقدين و لا ينجرّ منه للغير ضرر ولا نفع إلا في الصّور التي نصّ عليها القانون"، فينجر عن ذلك انتهاء العلاقة الشغليّة إلاّ إذا اتّفق المؤجران المتعاقبان على نقل عقود الشّغل مع المؤسّسة.
لكن نظرا للحساسيّة البالغة التي تكتسبها العلاقة الشغليّة أفردها المشرّع بقواعد تراعي هذه الخصوصيّة، و إن إقتضى الأمر الخروج عن القواعد العامّة المنظّمة للإلتزامات ، كما هو الحال عند تكريسه لقاعدة استمرار عقود الشّغل بموجب القانون صلب الفصل 15 من مجلة الشّغل. بمعنى أنّ العلاقة الشغليّة التي شارك في قيامها المؤجّر الأصليّ تستمرّ مع المؤجّر الجديد رغم أنّه لم يكن طرفا فيها، وهذا الاستمرار يكون بقوّة القانون دون التوقّف على إرادة الأطراف المتداخلة في هذه العلاقة. فهي قاعدة آمرة تهمّ النّظام العامّ الاجتماعي كما أكدت على ذلك محكمة التعقيب في قرارها عدد 12647 مؤرّخ في 19 نوفمبر 1985 .
و من هنا نتحسّس أهميّة قاعدة استمرار عقود الشّغل بقوّة القانون وتتجلى هذه الأهميّة على المستوى النّظري و كذلك على المستوى التّطبيقي.
فعلى المستوى النّظري تشكل قاعدة استمرار عقود الشّغل بموجب القانون مع المؤجّر الجديد عند انتقال المؤسّسة إليه استثناء للمبدأ العامّ وهو مبدأ الأثر النّسبي للعقد من حيث الأشخاص .
فمن المعلوم " أن أهم أثر يحدثه العقد هو إنشاء رابطة قانونية بين طرفيه، تتولّد عنها لكليهما حقوق و واجبات، و لا يكون لأحد غيرهما فيه صفة المدين والدائن" . لكن، تطبيقا لقاعدة الفصل 15 من م ش، يبقى عقد الشّغل منتجا أثاره تجاه المؤجّر الجديد الّذي يحلّ محلّ المؤجّر السابق في الحقوق و الإلتزامات التي تنشئها العلاقة الشغليّة .
كما تكمن أهمية هذه القاعدة في كونها أعطت بعدا جديدا لعقد الشّغل ، فبعد أن كان يقوم على الإعتبار الشخصيّ، أصبح يرتكز على إعتبار موضوعيّ . فلم تعد العلاقة الشخصيّة التي تربط الأجير بالمؤجّر هي المسيطرة على عقد الشّغل ، بل أصبحت هناك مصلحة موضوعية تنصهر فيها المصلحتان المتصادمتان ( مصلحة كل من الأجير و المؤجّر ). هذه المصلحة الموضوعيّة تتمثّل في مصلحة المؤسّسة، التّي أصبحت معيارا محدّدا في العلاقة الشغليّة ، فما دامت المؤسّسة موجودة فإنّ عقود الشّغل تبقى قائمة بقطع النظر عن مالكها أو المنتفع بها . فهذه القاعدة تظهر في نظر الفقه أهم مظهر يعكس توجه المشرّع نحو تكريس مفهوم موضوعي للمؤسّسة ، فهي وحدة موضوعيّة يظهر فيها الأجير عضوا مرتبطا بها بقطع النّظر عن وضعها القانوني . فالمشرّع يعتبر عقد الشّغل مرتبط بالمؤسّسة أكثر منه بالمؤجّر، فيكون من الطّبيعي أن التغيّير الحاصل في مستوى شخص المؤجّر لا يدخل تغييرا على العلاقة الشّغلية .
إن قاعدة إستمرار عقود الشّغل بموجب القانون حسبما ينظّمها الفصل 15 من م ش فيه مساس ببعض المفاهيم الأساسيّة الحاكمة لقانون الشّغل، كحقّ الملكيّة الذي يمكن صاحبه من حقّ تشغيل من يريد، و متى يريد، و ما ينجر عن ذلك من حقوق: كحقّ إغلاق المؤسّسة و إحالتها. كذلك حريّة الصّناعة و التّجارة التي تمكّن صاحب المؤسّسة من تغييرها أو تغيير طريقة إدارته لها أو تحديد شروط العمل بها و ظروفه . و أخيرا التبعيّة التّي تمنح صاحب العمل بالإضافة إلى السّلطة على الأشياء، سلطة على الأشخاص و التي تتبلور أساسا من خلال التراتيب الداخلية للمؤسّسة و التي يحددها المؤجر.
أمّا الأهمّية العمليّة لقاعدة استمرار عقود الشّغل بموجب القانون عند تغيير الوضعية القانونية للمؤجر ، يمكن أن تتلخص في قول الفقيه ANDRE ROVAST بمناسبة تعريفه لعقد الشغل بكونه " الوسيلة القانونية التي تمكّن الأغلبية العظمى من البشر من العيش " . فغاية الأجير من عقد الشغل هي كسب قوت عيشه ، لذلك سعى المشرع لا إلى حماية حق الأجير في الشغل فقط بل إلى ضمان استمرار مورد رزقه . لأن ذلك يشكّل الأساس الحقيقي لتحقيق سلم اجتماعية . فإقصاء الأجير من المؤسسة بعد سنوات من العمل و التعب و الإجهاد لغاية إنمائها ، و حرمانه من أقدمية تلك السنين الطوال عند كل عملية انتقال لها - في ظلّ نظام اقتصادي ليبرالي تتدعّم فيه حركية رأس المال يوما بعد يوم - من شأنه أن يؤثر سلبا على استقرار العلاقات الاجتماعية ، كما من شأنه أن يخلق وضعية تصادمية بين الأجير و صاحب المؤسسة ، نتيجة إحساس العامل بالضيم و الغبن . فكان من الضروري تفعيل الدور الاجتماعي للمؤسسة و جعلها في خدمة الصالح العام
و على هذا الأساس أوجد المشرع إطارا قانونيا ينظّم وضعية العمال عند تغيير الوضعية القانونية للمؤجر و يضمن حقوقهم ، و ذلك بأن أوجب استمرار عقود الشغل مع المؤجر الجديد . تحكمه في ذلك غاية أساسية ، هي تأمين استقرار الاستخدام . لكن ، إلى جانب هذه الغاية الاجتماعية هناك غاية اقتصادية ذات أولوية بالنسبة للمشرع ، تدعّمت خاصة في السنوات الأخيرة من خلال القوانين الحديثة كقانون إنقاذ المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية ومجلة الشركات التجارية . و تتمثل هذه الغاية الاقتصادية في ضمان استمرار نشاط المؤسسة عند انتقالها للمؤجر الجديد . لأن قاعدة الفصل 15 من م ش كما تلزم المؤجر الجديد بقبول عقود الشغل التي أبرمها سلفه ، فهي كذلك تلزم الأجير بالبقاء في المؤسسة و مواصلة نشاطه فيها . لأنه في ظل نظام ليبرالي تشتد فيه المنافسة ، يكون أي توقف و لو لوقت قصير عن النشاط عاملا يفقد المؤسسة مناعتها و قدرتها التنافسية . فاليد العاملة تعتبر عنصرا رئيسيا داخل المؤسسة ، بل هي الضامن الوحيد لاستمرار نشاطها ، و بالتالي فإن مغادرة العملة لها في ذلك الظرف بالذات ستكون له انعكاسات خطيرة على إنتاجها و يعرقل نشاطها العادي .
إن أهمية دراسة موضوع استمرار عقود الشغل بفعل القانون عند انتقال المؤسسة وتغير الوضعية القانونية للمؤجر تكتسب أهميتها من خلال تعامل فقهي القضاء التونسي و خاصة الفرنسي معها . أقول خاصة فقه القضاء الفرنسي، لأن فقه القضاء التونسي ليس بغزير في موضوع هذا البحث بإستثناء حالات عادية لا تثير الكثير من الإشكاليات ، و ربما يعزى ذلك إلى أن انتقال المؤسسات لم يصبح بعد من تقاليد النظام الاقتصادي التونسي بدليل أن التنظيم القانوني لعمليات الاندماج و التجمع و الانقسام لم يظهر للوجود إلا في سنة 2000 بمناسبة إصدار مجلة الشركات التجارية . و يرجع ذلك إلى أن الاقتصاد الوطني تغلب على نسيجه المؤسسات الصغرى و المتوسطة ، و التي في أغلبها إما مؤسسات فردية أو شركات عائلية ، فتكون عمليات انتقالها غير ذات بال على المستوى الاجتماعي ، إلا أنّ ذلك لا يمنع من القول أن التطورات الاقتصادية و التشريعية الحديثة من شأنها أن تخلق إشكاليات على المستوى الاجتماعي بصفة عامة و قانون الشغل بصفة خاصة ، و سيكون لفقه القضاء القول الفصل في معالجتها .
إن تعامل فقه القضاء مع قاعدة استمرار عقود الشغل بفعل القانون عند انتقال المؤسسة كان تعاملا إيجابيا و بناءا . فقد ضبط شروطها و حدد آثارها ووسع من حالات انطباقها بقطع النظر عن وجود علاقة قانونية بين المؤجر الأصلي و المؤجر الجديد ، و ذلك لتحقيق المصلحة التي أراد المشرع حمايتها وهي خصوصا ضمان استقرار مواطن الشغل . لكن ، هل بالفعل أن القاعدة المذكورة قادرة واقعيا على حماية استقرار الاستخدام ؟
يرى الفقيه H. SINAY أن سنّ قاعدة استمرار عقود الشغل بموجب القانون لم يغير من الوضع شيئا لأنه قبل صدور قانون 18 جويلية 1928 الذي قنن القاعدة المذكورة بالفصل 122 – 12 من مجلة الشغل الفرنسية ، و رغم القطع الآلي لعقد الشغل اعتمادا على نظرية القوة القاهرة ، فإن المؤجر نادرا ما يلجأ للطرد إلا في حالة ما إذا تراءى له أن وجود الأجير داخل المؤسسة غير ضروري . كما أنه بعد صدور القانون المذكور فإنه لا شيء يمنع المؤجر من اللجوء إلى قطع العلاقة الشغلية مع الأجير بتعلّة الأسباب الاقتصادية و الفنية . في حين أن احتفاظه ببقية العملة ليس نابعا من احترامه لقاعدة الفصل المذكور بل لأنه في حاجة إليهم . كما أنه لا شيء يمنع المؤجر الجديد من أن يغير نشاط المؤسسة المنتقلة إليه حتى يصبح في حل من الموجبات التي تفرضها قاعدة استمرار عقود الشغل بموجب القانون ، باعتبار أن فقه القضاء يشترط لأعمال القاعدة المذكورة أن تشكل المؤسسة المنتقلة وحدة اقتصادية مستقلة حافظت على ذاتيتها .
فتكون بذلك الفائدة العملية من وراء سن قاعدة استمرار عقود الشغل بموجب القانون عند تغيير الوضعية القانونية للمؤجر بانتقال المؤسسة تكمن في مستوى احتساب الأقدمية عند حصول الطرد التعسفي أو الإحالة على التقاعد .
لأجل ذلك أعتبر الفقيه H. SINAY أن نجاعة هذه القاعدة لا ترقى إلى مستوى الحجم الذي أعطي لها ، لأن من ينتفع بها هم فقط الأجراء الذين حافظوا على مراكز عملهم و واصلوا نشاطهم بعد انتقال المؤسسة .
لكن و بالرغم من أن هذا الرأي فيه الكثير من المنطق ، إلاّ أن ذلك لا يحجب الدور الكبير الذي لعبه فقه القضاء في تفعيل دور هذه القاعدة في حماية استقرار الاستخدام . فإلى أي حد تضمن القاعدة المنصوص عليها بالفصل 15 من م ش التوفيق بين مقتضيات استقرار العلاقة الشغليّة و مقتضيات المرونة التي تتطلبها مصلحة المؤسسة ؟
لقد أورد المشرع قاعدة استمرار عقود الشغل بموجب القانون صلب الفصل 15 من م ش في شكل قاعدة عامة دون أن يحيطها بالدقة المطلوبة فيما يتعلق بمجالها أو لشروطها أولآثارها مما يتجه و الحالة ما ذكر حول إنطباق القاعدة المذكورة من حيث مجال انطباقها و شروطها ( الجزء الأول ) ، و تحديد آثارها القانونيّة ( الجزء الثاني ) .
الجزء الأول :
إقرار قاعدة إستمرار عقود الشغل بموجب القانون حسب مقتضيات الفصل 15 من م ش
بقراءة الفصل 15 من م ش نستشف أنه أورد قاعدة عامة تقتضي أن عقود العمل تظل قائمة ومستمرة عند إنتقال المؤسسة إلى الغير و ذلك إستثناء للقاعدة العامة الواردة بالفصل 240 من م إ ع المتمثلة في نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص . بمعنى أنه عندما تتغير الوضعية القانونية للمؤجر فإن العلاقة الشغلية لا تنقضي بل تتواصل مع المؤجر الجديد رغم أنه لم يكن طرفا فيها لكنها تنتقل إليه كعنصر من العناصر المكونة للمؤسسة التي آلت إليه ملكيتها أو الإنتفاع بها . و ذلك حماية لمصلحة المؤسسة التي يفترض أن تنتقل بصفة سليمة لضمان إستمرارها من جهة و حماية إستقرار الإستخدام من جهة أخرى .
و من هنا تتضح خصوصية هذه القاعدة المتمثلة في إستمرارية عقود الشغل بموجب القانون مما يتجه معه تأطيرها ( الفرع الأول ) ثم تحديد شروطها ( الفرع الثاني ) .
الفرع الأول :
تأطير قاعدة إستمرار عقود الشغل بموجب
القانون حسب مقتضيات الفصل15من م ش
ورد الفصل 15 من مجلة الشغل ضمن الباب الثالث بعنوان " إنتهاء عقد الشغل ". فبعد أن أورد المشرع الصور التي ينتهي فيها عقد الشغل ،جاء ليقرر قاعدة إستثنائية بالمقارنة مع القواعد الحاكمة في القانون المدني. و ذلك بأن جعل العلاقة الشغلية تتواصل مع طرف كان أجنبيا عنها و هو المؤجر، الذي إنتقلت إليه ملكية المؤسسة أو إنتقل إليه الإنتفاع بها، بعد أن إنسحب المؤجر الأول من هذه العلاقة وهو الذي كان طرفا في نشأتها و في تنفيذها .
و نظرا لأن عقد الشغل يهم النظام العام الإجتماعي من ناحية ،و النظام العام الإقتصادي من ناحية أخرى. لذلك وردت أحكام الفصل 15 المذكور في شكل قاعدة عامة و آمرة ساهم فقه القضاء في بلورتها و تدعيم مجال تطبيقها (المبحث الثاني¬¬) وذلك محافظة على خصوصيتها التي تكتسبها أيضا من أساسها النظري و القانوني ( المبحث الأول ) .
المبحث الأول : أساس قاعدة إستمرار عقود الشغل بموجب
القانون حسب مقتضيات الفصل 15 من م ش
تستمد القاعدة الواردة بالفصل 15 من م ش خصوصيتها، سواء من حيث أساسها القانوني ( فقرة أولى )، بإعتبار أنها تمثل خروجا عن المبدأ العام في القانون المدني، المتمثل في نسبية آثار العقد من حيث الأشخاص ،أو من حيث أساسها الموضوعي ( فقرة ثانية )، بإعتبار أنها تضمن السير الطبيعي للمؤسسة عند إنتقالها و في نفس الوقت تؤمن إستقرار مراكز العمل .
الفقرة الأولى : الأساس القانوني لقاعدة إستمرار عقود الشغل
بموجب القانون حسب مقتضيات الفصل 15 من م ش
ينصّ الفصل 37 من م إ ع على أنّه " ليس لأحد إلزام غيره أو قبول إلتزام له … " وعقد الشغل كعمل إرادي يقتضي مبدئيا أن ما ينشؤه من إلتزامات لا يلزم مبدئيا سوى طرفيه و ذلك عملا بالقواعد الحاكمة للنظريّة العامة للإلتزامات و حسبما يقرره الفصل 240 من م إ ع الذي ينصّ على أنه " لا يلزم العقد إلا العاقدين و لا ينجر منه للغير ضرر و لا نفع إلا في الصور التي نصّ عليها القانون " .
و تطبيقا لهذه القاعدة العامة في قانون الشغل فإن عقد الشغل ينقضي بمجرد إنتهاء صفة المؤجر عن معاقد الأجير فلا يستمر مع المؤجر الجديد بإعتبار أنه لم يكن طرفا فيه خاصة و أن عقد الشغل من العقود التي تقوم على الإعتبار الشخصي بإمتياز أي أن كل معاقد يختار معاقده على أساس مجموعة من الخصائص الشخصيّة و الفنيّة و الماديّة … وبالتالي فإنذ الحقوق و الإلتزاماتالناشئة عن العقد لا تكون قابلة للإنتقال إلى الغير فيكون أي تغير في صفة أحد طرفي عقد الشغل يفترض مبدئيا إنتهاء العلاقة الشغليّة .
و لكن نظرا لحساسيّة المادة الشغلية بصفة عامة و التي تفترض إفرادها إن إقتضى الأمر بقواعد خاصة تتماشى و مقوماتها من ذلك ما قرره المشرع صلب الفصل 15 من م ش من أن عقود الشغل تبقى قائمة عند تغير الوضعيّة القانونيّة للمؤجر ، فعند إنتقال المؤسسة من شخص إلى آخر تكون إزاء مصلحتين يجب أخذهما بعين الإعتبار : مصلحة أولى تهم النظام العام الإقتصادي تتمثل في تواصل نشاط المؤسسة عند إنتقالها تواصلا طبيعيا . و مصلحة ثانية تهم النظام العام الإجتماعي وهي تأمين الإستقرار الإستخدام .
و نظرا لأن تطبيق قواعد القانون المدني و بالتحديد قاعدة نسبيّة آثار العقد منحيث الأشخاص سوف تؤدي إلى نتائج عكسيّة لا تتماشى و الغايتين ، خاصّة على إستقرار المراكز الشغليّة حتى أن الفقيه PATRICK MORVAN عبر عن ذلك بقوله أن " عدو – إستقرار الإستخدام – يوجد في المجلة المدنيّة مشيرا بذلك للفصل 1165 من المجلة المدنيّة الفرنسيّة الذي يكرس مبدأ الأثر النسبي للعقد .
لقد كان لزاما على المشرع الخروج عن مبدأ الأثر النسبي للعقد من حيث الأشخاص و تكريس قاعدة مستقلّة في قانون الشغل تتماشى وخصوصيّة هذا الفرع القانوني مفادها أنه عند إنتقال المؤسسة للغير فإنّ عقود الشغل المبرمة مع المؤجر الأصلي والقائمة ساعة هذا الإنتقال تستمر مع المكتسب الجديد ، فيكون حاملا لصفة المؤجر رغم أنه لم يكن طرفا في هذه العقود .
تبدو إذا قاعدة إستمرار عقود الشغل قاعدة خاصة تذكرنا ببعض القواعد والمؤسسات المدنيّة القريبة منها فهل يمكن أن تجد أساسها في إحداها ؟ إنّ الإجابة عن هذا السؤال تفترض مبدئيا التعرف على هذه المؤسسات ثمّ مقارنتها بقاعدة إستمرار عقود الشغل بموجب القانون .
1) فهل يمكن أن يكون الإشتراط لمصلحة الغير أساسا لقاعدة الفصل 15 من م ش ؟
ينظم الفصلان 38 و 39 من م إ ع مؤسسة الإشتراط لمصلحة الغير والتي يعرفها الأستاذ محمد الزين بكونها " عمل قانوني يشترط فيه شخص يسمى المشترط على شخص آخر يسمى المتعهد أو الملتزم بأن يقوم بأداء معين لمصلحة شخص ثالث يسمى المنتفع " فهل يمكن على هذا الأساس إعتبار المؤجر الأول عند إحالته للمؤسسة يشترط على المؤجر الثاني بأن يلتزم بمواصلة تنفيذ عقود الشغل عند إنتقال المؤسسة إليه وذلك لمصلحة العمال ؟
إنّ الإشتراط لمصلحة الغير يقر حقا مباشرة لهذا الغير إستنادا إلى العقد الرابط بين المشترط و المتعهد من آثاره أن المستفيد يكتسب حقا يحدد نطاقه بالرجوع إلى ذلك العقد و من هذا المنطلق و لئن كانت القاعدة الواردة بالفصل 15 من م ش تنشئ حقا مباشرا لفائدة العملة إزاء المؤجر الجديد و هو مواصلة تنفيذ عقود الشغل و ما يترتب على ذلك من إلتزامات إلاّ أنّ هذه الحقوق لا تتوقف على إتفاق بين المؤجر الأصلي والمؤجر الجديد فهي تستمر بموجب القانون كما أنّ نطاقها لا يحدد بالرجوع إلى العقد الرابط بين المؤجرين المتعاقبين بل إلى القانون .
2) هل يمكن أن تكون حوالة الدين أساسا لقاعدة الفصل 15 من م ش ؟
ينظم المشرع التونسي حوالة الحق ضمن الفصل 229 و ما بعده من م أ ع دون حوالة الدين و إن لم يذهب المشرع التونسي إلى حد الأخذ بحوالة الدين ذلك لأن شخصيّة المدين غالبا ما تكون ذات إعتبار لدى الدائن لذلك نجد أنّ القوانين التي أباحت حوالة الدين من المدين الأصلي إلى المدين الثاني بمقتضى إتفاق بينهما أولا ، و موافقة الدائن ثانيا فيصبح المدين الثاني هو المدين المباشر للدائن و على هذا الأساس لا يمكن إعتبار إستمرار عقود الشغل بموجب القانون مع المؤجر الثاني الذي إنتقلت إليه المؤسسة من قبيل حوالة الدين لأن إنتقال الإلتزامات التي تتضمنها عقود الشغل تتم مباشرة وبصفة آليّة وتلقائيّة دون تدخل لإرادة الأطراف سواء المؤجرين أو العملة .
3) هل يمكن أن يكون تجديد الإلتزامات أساسا لقاعدة الفصل 15 من م ش ؟
نظّم المشرع التونسي مؤسسة تجديد الإلتزامات ضمن الفصل 357 وما بعده من م إ ع ، فعرّفها بكونها " عبارة عن إنقضاء إلتزام بأنّ يجعل عوضه إلتزام آخر " ، فهو إذا " عبارة عن إتفاق يقع بمقتضاه تعويض إلتزام قديم بآخر جديد مغاير له في عنصر من عناصره الجوهريّة " ، و من صور التجديد حسب الفصل 361 أن يحلّ مدين جديد محّل القديم وتطبيق هذه القاعدة على صورة الفصل 15 من م ش يؤدي إلى القول أنّه بحلول المؤجر الثاني محلّ المؤجر الأول بوصفه مدينا تجاه العملة فيكون هناك تجديد لعقد الشغل فينقضي العقد المبرم مع المؤجر الأصلي و يحلّ محله عقد شغل جديد ينشأ مع المؤجر الجديد و هو ما يتنافى مع جوهر قاعدة إستمرار عقود الشغل بمفعول القانون بإعتبار أنه في حالة الفصل 15 من مجلة الشغل يستمرّ نفس عقد العمل المبرم مع المؤجر الأصلي مع المؤجر الجديد فلا وجود لعقدين بل هو عقد واحد يتواصل يتواصل معهما كما هو .
4) هل يمكن أن يكون الحلول القانوني أساسا لقاعدة الفصل 15 من م ش ؟
ينظّم المشرع الحلول ضمن الفصل 223 و ما بعده من م أ ع و يمكن أن يكون قانونيا أو إتفاقيا ، و يعتبر الحلول سواء كان قانونيا أو إتفاقيا وسيلة من وسائل إنتقال الإلتزام ينجرّ عنه حلول الغير محلّ الدائن أو المدين فيما له من حقوق و ما عليه من إلتزامات . بهذا المعنى يحلّ المؤجر الجديد محلّ المؤجر الأوّل بموجب القانون في كل ما ينتجه عقد الشغل من آثار إذ أنّ المؤجر الجديد ملزم بموجب الفصل 15 من م ش بمواصلة تنفيذ عقد الشغل القائم عند إنتقال المؤسسة إليه فهو يحلّ محلّ المؤجر الأول فيما له من حقوق من ذلك أساسا مطالبة العامل بالنشاط المتفق عليه بموجب عقد الشغل كما يكتسب بموجب الحلول كل ما كان للمؤجر الأول من سلطات يتمتع بها كما أنه ملزم بمواصلة تنفيذ الإلتزامات التي كانت محمولة على المؤجر الأوّل بموجب عقد الشغل أو القانون أو الإتفاقيات كدفع الأجر و الإمتيازات و المنح المخولة للعامل . فيكون هذا الحلول القانوني شاملا لكافة خصائص و مقومات و توابع الإلتزامات التي يفرضها عقد الشغل ، لكن و بإعتبار أن عقد الشغل من العقود الممتد تنفيذها في الزمن فإنّ التسليم بهذا التحليل تعترضه صعوبة تتمثل في أن الحلول طريقة من طرق الوفاء و الوفاء سبب من أسباب إنقضاء الحق أو الإلتزام بل هو أهمّ أسبابه ممّا يعني أن المؤجر الأوّل سيتحلّل من كامل الإلتزامات المنجرّة عن عقد الشغل بمجرد حلول المؤجر الثاني محله ، فمثلا لو نشأ حق العامل في منحة من المنح المتفق عليها أو التي يفرضها القانون قبل إنتقال المؤسسة ثمّ حل الوفاء بها بعد الإنتقال يفترض أن تكون محمولة على عاتق المؤجر الجديد في حين أن الصياغة الحاليّة للفصل 15 من م ش لا تمكننا من الإطمئنان إلى ذلك فهو لا ينظم مسألة توزيع الإلتزامات بين المؤجرين المتعاقبين حتى نعتبر أن المؤجر الجديد يحل محلّ المؤجر الأول في الوفاء بتلك المستحقات للعملة مادام الحلول كوسيلة إستثنائيّة للوفاء بالإلتزامات يفترض أن تكون بصريح النصّ أو بإتفاق الأطراف و على هذا الأساس لا يمكن الجزم بأن قاعدة إستمرار عقود الشغل القائمة مع المؤجر الجديد بموجب القانون عند إنتقال المؤسسة إليه صورة من صور الحلول القانوني ، ذلك لأنّ الآثار القانونيّة للحلول لا يمكن أن يستوعبها الفصل 15 من م ش بإعتبار أن الحلول يفترض أن يرجع الأجير على المؤجر الجديد للمطالبة بمستحقاته التي قد نشأت قبل إنتقال المؤسسّة و حلّ أجلها بعد ذلك و هو ما لا يتماشى والصياغة الحاليّة للفصل 15 من م ش ممّا يؤول إلى القول بأنّه من الصعب إيجاد تقنية قانونيّة مدنيّة تتناسب و خصوصيّة قاعدة الفصل 15 نظرا وأن هذه المؤسسات والتقنيات كالحوالة أو الحلول أوتجديد الإلتزامات أو الإشتراط لمصلحة الغير ترتكز في جوهرها على إرادة الأطراف و الغاية الأساسيّة منها تسهيل حركة الديون و تجديد طرق الوفاء بها ، في حين أن إستمرار عقود الشغل عند تغير الوضعيّة القانونيّة للمؤجر يكون بحكم القانون والهدف الأساسي منه تأمين إستقرار الإستخدام و المحافظة على نشاط المؤسسّة فهذه القاعدة تظهر كإحدى التجليات التي تعكس توجه قانون الشغل نحو تكريس المفهوم الموضوعي للمؤسسّة فالأجير لا يرتبط شغليا بالمؤجر بل بمؤسسّة بقطع النظر عن تقلب وضعها القانوني الذي يمكن أن يمسّ شكلها أو إدارتها .
الفقرة الثانية : الأساس الموضوعي لقاعدة إستمرار عقود الشغل
بموجب القانون حسب مقتضيات الفصل 15 من م ش
ترتكز العلاقة الشغلية على ثنائية جوهرية تقوم على المراوحة بين الجانب الإقتصادي و الجانب الإجتماعي. لذلك فهي تكتسي حساسية بالغة تتمظهر في سعي المشرع إلى إيجاد نوع من الموازنة بين المصالح المتناقضة ،التي يمثلها كل من الأجير و المؤجر،وصولا إلى إيجاد نوع من التناغم و التكامل جسدته قاعدة الفصل 15 من م ش .فالمشرع يهدف من جهة ،إلى ضمان حسن إنتقال المؤسسة، مراعاة لمصلحتها كخلية إقتصادية ( أ )، تلعب دورا مهما في توازن النسيج الإقتصادي. و من جهة أخرى تأمين إستقرار مراكز العمل ( ب ) كعنصر من عناصر السلم الإجتماعية .
أ. مصلحة المؤسسة .
إن البحث عن تأسيس موضوعي لقاعدة الفصل 15 من م ش، يقتضي البحث في الدلالات التي تعكسها جملة من القواعد القانونية ’،بإعتبار أن النسيج القانوني يفترض فيه أن يكون منسجما لأنه تحكمه روح تشريعية واحدة .
إن تكريس المشرع لقاعدة إستمرارية عقود الشغل بمفعول القانون عند تغيير الوضعية القانونية للمؤجر صلب الفصل 15 من م ش ، يمكن فهمها من خلال نظرية المؤسسة ، التي يمكن إستجلاءها من الفصل المذكور و جملة من الفصول الأخرى تتوزع داخل مجلة الشغل ، فضلا عن بعض القوانين الجديدة كقانون إنقاذ المؤسسات أو مجلة الشركات التجارية ، التي يتبيّن من خلالها مراعاة المشرع لمصلحة المؤسسة الفضلى .
فإذا كانت أبرز سمات النشاط الاقتصادي الحديث ، هي ظهور فكرة التجمعات الاقتصادية و ما يتطلبه ذلك من ضرورة إيجاد قواعد مرنة ، تسهل حركة رأس المال ، الذي تعتبر المؤسسات الاقتصادية أحد أبرز مظاهره . و لأن هذه المؤسسات تستقطب يد عاملة مختلفة الأحجام ، فإن لعملية انتقال المؤسسة ، تأثيرا كبيرا على استقرار المراكز الشغلية ، و على استقرار المؤسسة في حد ذاتها . باعتبار أنها مجموعة من وسائل الإنتاج المادية و المعنوية ، المنظمة بغرض تحقيق هدف معين . و تعتبر اليد العاملة عنصرا مهما في وسائل الإنتاج مهما كانت متطورة تقنيا فانتقال المؤسسة بدون يد عاملة عبارة عن نقل مؤسسة " مشلولة " ، لذلك جاءت أحكام الفصل 15 من م ش ملزمة على حد السواء ، الأجراء و المؤجرين بأن يستمرا في علاقتهم الشغلية على حالتها أثناء انتقال المؤسسة ، ضمانا لإستمراريتها في نشاطها ، خاصة في ظل نظام اقتصادي يتسم بشدة المنافسة .
و وعيا منه بهذا المعطى ، أعاد المشرع تكريس نفس القاعدة الواردة بالفصل 15 من م ش صلب مجلة الشركات التجارية الواقع سنها بالقانون عدد 39 لسنة 2000 المؤرخ في 3 نوفمبر 2000 و خاصة منها الفصل 422 الذي ينص على أنه " تنتقل بصفة قانونية عقود عمل الأجراء و الإطارات لكل الشركات التي تشارك في الإندماج إلى الشركة المكونة حديثا أو المستوعبة " .
كما نص الفصل 421 من نفس المجلة في فقرته الأخيرة "…و تستمر عقود الشغل نافذة قانونا إزاءها " – الشركة المتولدة عن الاندماج - . فالمؤسسة كوحدة اقتصادية واجتماعية متكاملة ، لا توفر مصلحة المؤجر فقط ، بل يستوجب أن توفر المصلحة لجميع أفرادها، بما في ذلك الإجراء . لأن قانون الشغل عامة ، كما يهتم بالمجموعات الشغلية ، يهتم بالمجموعات الاقتصادية . و نلمس هذا الاهتمام سواء من خلال التشريع ، أو من خلال تعامل فقه القضاء مع هذه المادة . فقد اعتبرت محكمة التعقيب أن المرض يوقف عقد الشغل ولا يكون سبب قطع له إلا إذا كانت مدته طويلة و بالغ الخطورة و كانت مصلحة العمل تقتضي تعويض العامل المريض . فالأولوية تعطى لمصلحة العمل أو المؤسسة في تقدير عملية تعويض العامل المريض . فهذه المصلحة ، هي إذا المعيار المحدد في الالتجاء إلى قطع عقد الشغل .
كما كرّس فقه القضاء الفرنسي هذا الاتجاه . من ذلك أنّ محكمة الاستئناف بباريس ، اعتبرت أن قرار أغلبية المساهمين في شركة تجارية بإلغاء صفقة تجارية مربحة هو قرار ، تعسفيا و بالتالي تعين إبطاله ، لأنه يتسبب في خسائر مالية للشركة كما يضر بسمعتها و يؤدي إلى طرد عملتها أو بعضهم .
كما أن مفهوم مصلحة المؤسسة دفع إلى تجاوز الإطار العقدي ، حيث لم تعد العبرة بمدى تنفيذ الالتزامات التعاقدية ، بل إن مصلحة المؤسسة هي التي تدفع إلى إنهاء عقد الشغل أو تغيير بنوده . فلقد اعتبرت محكمة التعقيب التونسيّة أنّ تغيير عمل الأجير من عمل أعلى إلى آخر دونه في الإعتبار و السلم مع بقاء الأجر قائما وذلك لحاجة سير العمل داخل المعمل أو لظروف اقتصادية أوجبت ذلك لا يعد من قبيل تسليط العقاب بدون موجب . و بالتالي فإن مصلحة المؤسسة و حاجة العمل هي العنصر المبرر في منح المؤجر سلطة تغيير بنود العقد .
و تبدو نظرية السبب الاقتصادي و الفني نفسها من صميم مفهوم مصلحة المؤسسة. باعتبار أن الطرد يكون مبررا إذا كانت الغاية منه هي الحفاظ على استمرار المؤسسة ، و هو ما تهدف إليه الأحكام التي جاء بها قانون إنقاذ المؤسسات المؤرخ في 17 أفريل 1995 و المنقح بالقانون عدد 63 لسنة 1999 المؤرخ في 15 جويلية 1999، و الذي ورد بفصله الأول : " يهدف نظام الإنقاذ أساسا إلى مساعدة المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية على مواصلة نشاطها و المحافظة على مواطن الشغل فيها و الوفاء بديونها " . فالأولوية تعطى إذا لمصلحة المؤسسة و لو أدى ذلك إلى التخلص من بعض عقود الشغل ( الفصل 39 من القانون المذكور ) . كما أنّ الالتجاء إلى نظرية الخطأ الفادح للقيام بعملية الطرد لا يمكن أن يتم إلا إذا كان هذا الخطأ قد ألحق ضررا بمصلحة العمل . و قد أكد فقه القضاء أنه إذا لم يحصل أي ضرر للمؤسسة من خطإ الأجير فإن المضرة لا تكون خطيرة و مبررة للإنهاء .
إن ما كرسه الفصل 15 من م ش ، يستنتج منه أن النظرة إلى العلاقات الشغلية أصبحت مرتبطة وثيق الارتباط بإستمراريّة المؤسسة ككل لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي . كما فيه تجاوز للنظرة التقليدية لعقد الشغل ، الذي يقوم على الإعتبار الشخصي بين الأجير و المؤجر ، بل إن الأجير أصبح مرتبطا أكثر فأكثر بالمؤسسة ، ينتقل معها أينما انتقلت ملكيتها أو أي كان المنتفع بها.
فالمؤسسة لا تتماشى و لا تتطابق مع شخص المؤجر . لكنها ، و بحكم أنها مجموعة من العناصر المادية و المعنوية المنظمة ، هدفها تحقيق إنتاج أو تقديم خدمة ، فهي وحدة مستقلة ومتميزة تتكون عناصرها من صاحب العمل و العملة لتحقيق مصالح مشتركة تصبّ في مصلحة المؤسسة . فالعملة يرتبطون بواسطة عقود الشغل لا بشخص معين بل بمجموع إنتاجي ، يعيش تحت صيغ قانونية مختلفة ، و هذه هي الرابطة المسماة برابطة المؤسسة .
فالمشرع تجاوز الرابطة الشخصية في عقد الشغل ، لتكريس علاقة موضوعية تربط بين الأجير و المؤسسة مادامت هذه الأخيرة في طور النشاط بقطع النظر عن شخص المؤجر و ذلك سعيا إلى تكوين ما يسمى بعقلية المؤسّسة .
فلئن كانت مصلحة الأجير ترتبط باستمرار العلاقة الشغلية و باستقرار موطن العمل فإن مصلحة المؤسسة هي المعنيّة في المقام الأول لا تقل تعلقا بهذا الاستقرار ، تدعيما لإحساس الأجير بأن هذه الأخيرة موطن شغله و مورد رزقه ، و لا شك في أن تدعيم هذا الارتباط من شأنه أن يساهم في دفع النجاعة و المردوديّة الإنتاجية ، مما يؤدي إلى تحقيق النّمو سواء من النّاحية المالية أو المنافع المسداة للأجراء . و الواضح أن قانون الشغل الذي ينحو إلى تحسين علاقات العمل وظروفها من جهة ، مع المساهمة في دفع النمو الاقتصادي من جهة ثانية ، أصبح يتجه شيئا فشيئا نحو هذا الارتباط للعامل بالمؤسسة ، حتى يجعل ذلك إطارا جديدا للعلاقات الشغلية .
و يتأكد هذا التوجه سواء من خلال قانون إنقاذ المؤسسات المؤرخ في 17 أفريل 1999 أو الفصلين 421 و 422 من م ش ت ، أو إقرار إمكانية أن تكون المؤسسة الفردية في شكل شركة فردية تتمتع بالشخصية القانونية ، و بالتالي تكون علاقة الأجير مع الشخص المعنوي المتمثل في هذه الشركة و ليس مع شخص مالكها . وهي كلها أحكام تدعم ارتباط العامل بالمؤسسة التي يكرسها الفصل 15 من م ش باعتبار أن العامل ينتمي إلى وحدة متكاملة من العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية التي تمثلها المؤسسة . فارتباط العامل بها يتجاوز إطار الالتزامات الناشئة عن عقد الشغل . إذ باستقراءالأحكام المنظمة للعلاقات الشغلية نجد أن هذا الارتباط يتجاوز مجرد التواجد داخل المؤسسة و بذل نشاط معين بها والحصول على أجر مقابل ذلك ، ليصل حد مشاركة العامل فيها و هذه المشاركة قد تتخذ أحد وجهين : فقد تكون مشاركة و لو نسبية في الإدارة من خلال اللجان الممثلة للعملة ( الفصل 160 من م ش ) من جهة . وقد تكون مشاركة في نتائجها و أرباحها عن طريق إقرار بعض المنح التي نصت عليها الاتفاقيات المشتركة القطاعية كمنحة الإنتاج والإنتاجية أو منحة الشهر الثالث عشر فما فوق و هي منح تمثل غالبا جزءا من أرباح المؤسسة و تمنح للعملة بصفة مستقلة عن أجورهم .
إلا أن أهم مظهر من مظاهر ارتباط العامل بالمؤسسة ، يكمن قطعا في مكافأة نهاية الخدمة ( الفصل 22 من م ش )، و التي يكون المعيار المعتمد في تقديرها إلى جانب الأجر ، عنصر الأقدمية . حيث تعبر هذه الأقدمية عن وجود العامل في خدمة المؤسسة لا في خدمة المؤجر ، و في هذا الإطار تتنزل الأهمية العلمية للفصل 15 من م ش ، باعتبار أن العامل عند تغيير الوضعية القانونية للمؤجر لا يبرم عقدا جديدا مع المؤجر الجديد ، إنما يتواصل نفس العقد المبرم مع المؤجر السابق إزاء المؤجر اللاحق مما يدعم فكرة ارتباط العامل بالمؤسسة . فعقد عمل واحد يشمل كل نشاط الأجير . فالقاضي في مثل هذه الحالة يبحث عن المؤجر المطالب بدفع هذه المكافأة عندما ينشأ الحق فيها . وفي هذا الإطار اعتبرت محكمة التعقيب الفرنسية أن خلاص مثل هذه المنحة يجب أن يتم من قبل المؤجر الذي يعمل لديه الأجير عند استحقاقه لها .
وعلى هذا الأساس شبّه الفقيه Camerlynck ارتباط العامل بالمؤسسة بملكية موطن الشغل . إن هذا الإتجاه أفرزه في الواقع النظر إلى مصلحة المؤسسة كمصلحة مستقلة ، باعتبارها تركيب خاص من مجموع مصالح متعارضة ( مصلحة العمال ومصلحة المؤجر ) . لكن ، بفضل محاولات التوفيق بين هذه المصالح المتعارضة أمكن الوصول إلى هذا التركيب المستقل و المتميز . إلا أنه يبدو أن فقه القضاء وخاصة الفرنسي لم كن متحمسا لهذا الأساس إذ نجده يميل إلى مفهوم المصلحة الاجتماعية المتمثل في تأمين استقرار الاستخدام لتبرير قاعدة الفصل 122 – 12 من مجلة الشغل الفرنسية .
ب. تأمين إستقرار الإستخدام ( المصلحة الإجتماعية )
إن التفسير الواسع الذي تبناه فقه القضاء و خاصة الفرنسي لهذه القاعدة الواردة بالفصل 122 – 12 من المجلة الشغل الفرنسية و ذلك بأن حمى عقد الشغل فأبقاه قائما في حالة التنازل الجزئي في إطار مشروعين مختلفين ، يجرّنا إلى القول بأنّ الأهمّ في نظر القضاء هو استمرار النشاط و تماثله و هو ما يتطلب استمرارية نفس الخطط والوظائف و التي كانت موجودة قبل تغيير المؤجر ، مما يؤدي إلى القول بأن قاعدة استمرار عقود الشغل بحكم القانون إنما تهدف إلى تأمين استقرار مراكز العمل ، و هو ما يكسبها أهمية قصوى خاصة في المحافظة على السلم الاجتماعية و حماية حق الشغل كحق مقدس . فهذه القاعدة تكاد تشكل شكلا من أشكال تأمين حق العمل .
إن المتأمل في فقه القضاء الفرنسي خاصة يلاحظ التطور الحاصل في مستوى المعيار المعتمد لتطبيق هاته القاعدة ، فبعد تبنيه لفكرة المؤسسة أستغني عن هذا المعيار و آستعاظ عنه بفكرة تماثل الأنشطة المؤداة و الخطط القائمة . بمعنى أنه إذا استمرت نفس الأنشطة و نفس الأعمال في ظل المؤسسة الجديدة فإن عقود الشغل تبقى قائمة ، فالأمر يتعلق ببقاء النشاط المهني الذي كان يمارسه العامل في ظل المؤسسة القديمة ، و المقصود إذا قبل و بعد كل شيء هو استخدامه في ظل الوضع الجديد .
فإذا كان ذلك كذلك ، فإنه يتضح أن تطبيق هذه القاعدة يبدو مستقلا تماما عن نظرية مصلحة المؤسسة . بل إنها تهدف بالأحرى إلى تأمين وحماية الحق في العمل في كل وضعية يقوم فيها العملة بممارسة نفس النشاط و تأدية نفس العمل لكن تحت سلطة مؤجر جديد .
لذلك رأى أحد الفقهاء و هوH. SARAFATI في تعليقه على أحد قرارات محكمة التعقيب الفرنسية الحاسمة في هذا التطور أنها تجاهلت كل مفهوم قانوني للمؤسسة وصرفت النظر عن كل تحديد اقتصادي باعتبارها - المؤسسة – مجموعة من الوسائل المادية بمساعدة مجموعة من العملة تنشط تحت إدارة واحدة من أجل الوصول إلى هدف محدّد ، وعليه ، فإنه وصولا للغاية التي تنشدها ركزت المحكمة اهتمامها على مفهوم اجتماعي محض للمؤسسة ، مسقطة كل عنصر آخر يجب أخذه بعين الإعتبار ، فطالما أن نفس النشاطات التي كان يشغلها العملة قبل التغيير استمرت تحت إمرة المؤجر الجديد ، فإن شروط تطبيق قاعدة استمرار عقود الشغل عند انتقال المؤسسة للمؤجر الثاني تتوافر . و يكون هناك استمرار للمؤسسة بقطع النظر عن تحقق شرط تغيير الوضعية القانونية للمؤجر من عدمه .
و يبدو أنه من المهم في هذا الإطار أن نستعرض وقائع هذه القضية موضوع هذا القرار الصادر في 15 نوفمبر 1985 نظرا و أنه صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب الفرنسية لنبين و لو باختصار كيف تعامل فقه القضاء الفرنسي مع هذه المصلحة الاجتماعية المتمثلة في حماية استقرار مراكز العمل .
تفيد وقائع هذه القضية أن مؤسسة " باب كوك " الفرنسية قد فسخت في نهاية 1975 عقدها مع شركة " NOVA Service " التي كانت تقوم بمقتضاه بعمليات تنظيف مقر الشركة الأولى في الذكر .
و عهدت بهذه العملية إلى شركة أخرى هي شركة " G.S.F " فقامت شركة " NOVA Service " بإحاطة الشركة الجديدة بأنه يجب عليها الاحتفاظ بعقود العملة الذين كانوا ينشطون معها تطبيقا للفصل 122 – 12 من مجلة الشغل . كما أحاطت العمال علما بأنهم سينقلون إلى خدمة المتعهد الجديد " G.S.F " .
فقام سبعة من العمال لم يتم ضمهم إلى المتعهد الجديد برفع دعوى ضد شركة " NOVA Service " لدى الدائرة الشغلية ، مفادها أنه وقع طردهم تعسفيا و طالبوا بالتعويضات القانونية المنجرّة عن الطرد التعسفي لكن الشركة المدعى عليها طالبت بإدخال المتعهد الجديد G.S.F . و قضت الدائرة الشغلية بإبراء ذمة المتعهد السابق " NOVA Service " من المطالب المدعى بها ، و تغريم المتعهد الجديد " G.S.F " بأن يدفع لكل عامل الغرامات المستحقة عن الطرد التعسفي ابتداء من تاريخ قيام المحكوم ضده بتنفيذ عقده الجديد حتى تاريخ صدور الحكم .
فاستأنفت شركة " G.S.F " هذا الحكم فنقضته محكمة الاستئناف معتبرة أن شركة " NOVA Service " هي التي قامت بإلغاء العقود التي تربطها بالعاملين و بالتالي فهي ملزمة بأن تدفع لهم سائر التعويضات المستحقة عن الطرد . و انتهت إلى أن الفصل 122 – 12 من قانون الشغل يهدف إلى تأمين استقرار العمل وهو ينطبق في الحالة التي يستمر فيها سير المؤسسة تحت إدارة جديدة ،
و حيث إنه لا يمكن القول في هذه الحالة باستمرارية المؤسسة تحت إدارة جديدة تبعا للمنظور الاقتصادي المتفق عليه و الذي ينظر للمؤسسة باعتبارها استمرار نشاط تجاري أو صناعي بالاستعانة بمجموعة من الإمكانات و الوسائل المخصصة لتحقيق هدف معين .
و حيث إن الأمر لا يعدو أن يكون بالنسبة لشركة " NOVA Service " المتعهد السابق سوى إنهاء عملية . لذلك فهي تحتفظ بالعاملين لديها لعملية أخرى في أماكن أخرى .
و حيث أن الأمر بالنسبة للمتعهد الجديد شركة " G.S.F " يتمثل في إبرام عقد امتياز جديد وبالتالي لم تحل بمقتضاه في نفس المؤسسة لتلتزم بأعبائها . و وفقا لمفهوم هذا الفصل لا يمكن إلزامها بأن تضم إليها أولئك العاملين الذين كانوا في خدمة المتعهد السابق و الذين كانوا يرتبطون معه بعقود عمل .
فوقع تعقيب هذا الحكم الاستئنافي ، فقررت محكمة التعقيب أن مرافق النظافة تشكل بمفردها مشروعا يحتوي على نفس الأنشطة لكنه أستمر تحت إدارة جديدة للمتعهد الجديد شركة " G.S.F "، لاسيما وأنه في هذا الصدد احتفظت شركة "NOVA Service بمعداتها و تجهيزاتها .
و طالما كان ذلك كذلك فإن انتقال عقود الشغل القائمة لحظة حدوث التغيير وضم العملة المرتبطين بها إنما يشكل التزاما يفرضه القانون ، سواء بالنسبة للعاملين أو بالنسبة لرئيس المؤسسة . سيما و أنه يتضح من ملاحظات محكمة الاستئناف أن شركة " NOVA Service " لم تقم بفسخ عقودهم و إنما اقتصرت على إعلامهم باستمرارهم مع المتعهد الجديد .
مرة أخرى تنعقد محكمة الاستئناف لكن بدوائرها المجتمعة لتعلن عدم خضوعها لحكم محكمة التعقيب و قضت بمثل ما قضت به في الحكم المطعون فيه بالتعقيب مقررة أنه حتى و لئن كانت قائمة الحالات التي أوردها الفصل 122 – 12 من قانون الشغل غير واردة على سبيل الحصر .و كانت هذه القاعدة لا تقتضي وجود علاقة أو رابطة قانونية بين صاحبي العمل المتعاقبين. لكنه يستخلص بوضوح من جلاء النص أنها تتعلق بحالة التنازل الكلي أو الجزئي لأنشطة