حتى لا تنطلي خدعة إصلاح القضاء دون تطهيره
بقلم : فوزي جاب الله محام
ولتحقيق العدل كان لا بد ان تتصف السلطة القضائية -و ليس السلك القضائي مثلما تعود البشير التكاري على القول- بجملة من الصفات الضرورية التي لا مناص منها حتى تتمكن من أداء الحد الأدنى من مهمتها الخطيرة والدقيقة وهذه الصفات تتلخص اساسا في ثلاث : الاستقلالية والنزاهة والكفاءة وهي الصفات التي تتداخل وتتكامل وإن كانت منفصلة منهجيا.
وقد عاد إصلاح القضاء في تونس ليطرح بقوة بعد الثورة بعد أن كان قبل الثورة مقتصرا على النخب أو المتضررين من تبعيته وقصوره ، إلا ان طريقة تناول الموضوع من الجهات الرسمية التي ما زال احتكارها للقرار فاضحا ، قد اتسم في المدة التي تلت تغيير الرئيس السابق برئيس سابق بعدة ملامح تنبئ عن سعي دؤوب وصامت في اتجاه المحافظة على نفس الملامح تحت عنوان اصلاح القضاء ومن اهم تلك المؤشرات ما يلي :
1 - طبيعة الشخص الذي تم اختياره لمنصب وزير العدل وهو العميد السابق لهيئة المحامين الذي يحظى من زملائه باحترام ابوي لأقدميته وهدوئه وابتعاده عن اتخاذ مواقف علنية في معارك المحامين ومشاحناتهم التي لا تنتهي والتي هي عنوان قوتهم... إلا أن تلك الصفات التي جلبت له السكينة في قطاعه الأصلي والتي سوقته كوزير في حكومة الغنوشي كانت متعارضة مع الصفات الواجب توفرها في وزير بعد الثورة مطلوب منه الحسم والقطع في اتجاه اصلاح حقيقي وجدي للقضاء أصبح من المتواتر اليوم انه ابعد الناس عن السير فيه
2 - طبيعة الاجراءات التي تم اتخاذها من الوزير الثمانيني على قلتها ومنها مثلا اعفاء ستة من رموز القضاء في العهد السابق بقرار لم يعلم تعليله وبطريقة غايتها تجنب فتح الملفات والإقتصار على الأكثر شهرة في منحى شعبوي لا يخفى على عين أي مطلع... يضاف لها تعيين قضاة في مراكز حساسة بالوزارة دون معرفة معيار الإختيار... اللهم إلا ذوق الوزير المطلق تأسيا بوزيره الأول الأحدث الذي يصرح انه يرفض ان يشاركه أحد صلاحياته؟؟؟
3 - ما صرح به وزير العدل للصحافة إذ اعتبر مثل سلفيه البشير التكاري ولزهر بوعوني أن القضاء التونسي مستقل ؟؟؟ وهي تصريحات مثلت إحدى مفاجآت الثورة... بشكل يجعل الانسان يتساءل : الم يكن من الأجدى إذن المحافظة على لزهر بوعوني كوزير للعدل وهو الذي تجرا في عهد بن علي على فتح ملفات عشرات القضاة قبل أن تتحرك قوى غير خفية لتحدد له حجمه الذي نسيه لسبب غير مفهوم ، فاستدرك ككل تلميذ نجيب واستوعب الدرس بسرعة وامتثل له.
4 - ما حرص الوزير دوما على تجاهله والقفز عليه وهو تطهير القضاء... علما وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال ان نتحدث عن إصلاح القضاء دون تطهيره لأسباب متعددة المستويات منها ما هو عضوي ومنها ماهو موضوعي وهي ترتقي لمستوى البديهيات التي يتوجب التذكير بها ومنها : في المنطلق لم يكن القضاء التونسي الموحد منذ أن أنشأه بورقيبة مستقلا سواء على مستوى الدستور الذي تجاهل استقلال القضاء ولم يذكر الا استقلال القاضي على استحياء واضح والمدعم على مستوى اصرار بورقيبة على متابعة بعض الملفات بنفسه مثلما تورد مذكرات بعض القضاة... مرورا باستقرار سيطرة وزارة العدل على ترقية القضاة ونقلتهم وهما الوسيلتان التي تم بهما السيطرة على القضاة.. وصولا إلى نظام بن علي الذي كرس عن طريق وزيره الفصيح البشير التكاري في السنوات العشر التي قضاها كوزير للعدل أسبقية صنفين من القضاة وأفضليتهم على زملائهم:
الصنف الأول هو بعض القضاة الذين لهم ملفات فساد مالي تزكم روائحها الأنوف تمكن من السيطرة عليهم فرقاهم وعينهم في مراكز حساسة
- الصنف الثاني: قضاة سامون بعقلية موظفين مجتهدين في الطاعة عينهم في المراكز الرئاسية ؟؟ في جهاز القضاء فكانوا في الحقيقة لا يقومون بوظائف القاضي لا القضائية ولا الولائية بل كل همهم هو مراقبة زملائهم وهرسلتهم والسعي المتواصل لإدخالهم بيت الطاعة الذي لا قعر له.
5 - ما يعلنه القضاة الناشطون تحت لواء جمعية القضاة من تواطأ الوزارة في اتجاه تقسيمهم واضعاف سعيهم لتحقيق استقلال القضاء وتطهيره من رموز الفساد بذكرهم... ولعل الدفع نحو احداث نقابة مشبوهة للقضاة في هذا التوقيت هو مما يدعم ذلك القول
لعل السؤال البسيط الذي يطرح نفسه بعد هذا العرض الموجز: ما الذي سيصلحه الوزير في القضاء إذن ؟ وهل الأعمال التجميلية قادرة على معالجة الأورام التي لا ينفع معها غير الاستئصال؟
أسئلة يتجه انتظار أفعال تمكن من الإجابة عليها والتي أرجو أن تثبت خطأ هذا التحليل... مع تذكير الشابي الوزير بأبيات قالها الشابي الشاعر : إذا الشعب يوما أراد الحياة ، فلا بد أن يستجيب القدر.