في خطوة يراها مراقبون ضرورية ومتوقعة مع استفحال حالات الطلاق، أعلن في تونس منذ أيام عن إطلاق "مؤسسة المصالح العائلي" التي تهدف إلى إيجاد حلول ودية عن طريق التحاور والإقناع من خلال تدخل طرف محايد لا تربطه صلة بالزوجين المتخاصمين.
وتقول الحكومة إنّ مشروع هذا القانون جاء ليعزز آليات حماية الأسرة عبر إقرار مؤسسة جديدة يمكن لقاضي الأسرة الاستعانة بها في النزاعات المعروضة أمامه.
ويقول المشرعون إنّ هذه الآلية تأتي في إطار مواصلة تأكيد الخيار التشريعي في اعتبار قاضي الأسرة قاضي صلح قبل أن يكون قاضي طلاق.
وتهدف آلية "المصالحة العائلية" إلى إيجاد حلول ودية عن طريق التحاور والإقناع من خلال تدخل طرف محايد لا تربطه صلة بالطرفين للوقوف على أسباب الخلاف بين الزوجين ومساعدتهما على تجاوزه ضمانا لعدم تصدع العائلة.
وينص مشروع هذا القانون على تنقيح الفصل 32 من مجلة "الأحوال الشخصية" التونسيّة بإضافة فقرتين جديدتين يمكن بمقتضاهما لقاضي الأسرة وبناء على موافقة الزوجين المتنازعين الاستعانة بمصالح عائلي يعين من ضمن إطارات هياكل النهوض الاجتماعي للإصلاح بينهما والتوصل إلى حل ينهي النزاع محافظة على الترابط الأسرى على أن تضبط قائمة المصالحين العائليين بقرار مشترك بين وزير "العدل وحقوق الإنسان" ووزير "الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين في الخارج".
وقالت أستاذة علم الاجتماع النفسي في الجامعة التونسية الدكتورة فتحية السعيدي لـ(إيلاف): "المصالح العائلي هو بمثابة الوسيط بين الزوجين في حالة النزاع ويمكن القول انه سيعوض دور العائلة الممتدة التي تتلاشى تدريجيا في تونس".
وأضافت السعيدي أن نجاعة هذه الآلية الجديدة مرتبطة إلى حد كبير بضرورة تكونها من مختصين في علم الاجتماع والنفس لعمق وتداخل المشاكل الأسرية.
وتؤكد السعيدي ان مؤسسة المصالح العائلي هي مجرد حل على المدى القريب لأن دورها ببساطة يبدأ بعد نشوب الخلاف أو الصراع داخل الأسرة،لا العمل على تلافيه وتجنبه.
وتتمثل آلية المصالحة العائلية في إيجاد حلول ودية عن طريق التحاور والإقناع من خلال تدخل طرف محايد لا تربطه صلة بالطرفين للوقوف على أسباب الخلاف بين الزوجين ومساعدتهما على تجاوزه ضمانا لعدم تصدع العائلة.
وتضبط قائمة المصالحين العائليين بقرار بين وزارة العدل وحقوق الإنسان ووزير الشؤون الاجتماعية وإمكانية اللجوء إلى المصالح العائلي تعود أساسا إلى تقدير قاضي الأسرة الذي يمكن في ظل موافقة الزوجين أن يطلب تدخل هذه الآلية.
وترى السعيدي أن الصراع من أجل السلطة داخل الأسرة وغياب ثقافة اقتسام الأدوار من أهم أسباب الطلاق، و أن الصورة النمطية للمرأة في مجتمع ذكوري بحت لم يستوعب بعد دور المرأة كشريك من أحد أسباب الصراع وأكدت ضرورة إيجاد حلول جذرية لهذه الظاهرة.
أسباب متعددة
كشفت دراسة رسميّة أعدتها وزارة شؤون المرأة والأسرة في تونس أن أكثر من 50 في المائة من إجمالي قضايا الطلاق التي تنظر فيها المحاكم التونسية رفعتها النساء و82 في المائة من حالات الطلاق في تونس تحدث خلال السنة الأولى من الزواج.
وتشخص الدراسة الأسباب والعوامل المؤدية إلى الطلاق في تونس وتحصرها في أربعة أنواع من المشاكل وهي المشاكل الاجتماعية والمادية والجنسية، إلى جانب إشكاليات متفرقة أخرى حيث يستحوذ الجانب الاجتماعي على نسبة 48.3 في المائة والذي يشمل العنف والمعاملة السيئة والإدمان على الكحول والخلافات حول تربية الأطفال بالإضافة إلى الاختلاف في المستوى التعليمي والتفاوت في السن بين الزوجين.
وتأتي في المرتبة الثانية المشاكل المتفرقة بنسبة 22.7 في المائة وهي تتعلق بعقم احد الزوجين والإعاقة أو الأمراض العقلية، فيما تأتي الخيانة الزوجية وقلة الثقة بين الأزواج في المرتبة الثالثة بنسبة 15.8 في المائة ثم الأوضاع المادية في المرتبة الرابعة بنسبة 13.2 في المائة وتشمل البطالة.
وفي تصريحات لـ(إيلاف) قال أيمن بن إبراهيم الباحث في علم الاجتماع " تسارع النسق المؤسساتي وسهولة إجراءات الطلاق وإمكانية إعادة تكوين أسرة جعل المرور من الرغبة في الطلاق إلى الطلاق في تزايد".
وأضاف أن التطور الذي شهده المجتمع التونسي جعل النظرة الدونية والسلبية للمطلّق والمطلّقة تتلاشى ما يسهل إعادة اندماجهما في المجتمع وخاصة بالنسبة للمرأة ما يساهم في تزايد الإقدام على الطلاق.
و حسب بن إبراهيم فإنّ تلاشي "العائلة الممتدة" وانتشار "العائلة النواتية" من أهم الأسباب غير المباشرة مشيرا إلى أن مؤسسة الزواج في تونس لم تعد تلك الهادفة إلى تكوين عائلة بل أصبحت مجرد تجربة قابلة للفشل في ذهن الزوجين، مؤكدا خطورة هذه الظاهرة على تماسك المجتمع وضرورة إيجاد حلول جذرية لها.
وكانت وسائل الاعلام المحلية نشرت في وقت سابق مقتطفات من دراسة أعدتها وزارة شؤون المرأة والأسرة التونسية، أشارت فيها إلى أن عدد حالات الطلاق المسجلة خلال العام الماضي بلغ 9127 حالة، مقابل 16 ألف حالة زواج.
وخلصت الدراسة إلى أن تلك الأرقام تجعل تونس تحتل المرتبة الأولى عربيا والرابعة عالميا في نسبة الطلاق، لافتة النظر إلى أن أكثر من 50 % من إجمالي عدد قضايا الطلاق التي نظرت فيها المحاكم التونسية خلال العام الماضي رفعتها النساء، وذلك في ظاهرة جديدة على اعتبار أن تلك النسبة لم تتجاوز 6 % عام 1960، أي قبل نحو نصف قرن.
إلا أنّ وزارة العدل التونسية رفضت ذلك الاستنتاج، باعتبار أنه "لا يمكن من الناحية المنهجية وضع مقاربة بين البلدان بشأن أي ظاهرة بما في ذلك مقاربة نسب الطلاق، إلا إذا كانت أنظمتها القانونية مماثلة أو على الأقل متشابهة"
.
[url=حول نفس الموضوع]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]