الجزائر: الخبراء القضائيون في قفص الاتهام
تسجل أروقة العدالة، سنويا، المئات من حالات الطعن في تقارير الخبرة القضائية التي يعهد بها القضاة إلى خبراء مختصين، لإعطاء رأيهم في قضايا متعلقة بجرائم اختلاس المال العام والمعاملات البنكية غير القانونية. وهي طعون كثيرا ما تأخذ بها المحاكم الأعلى درجة وتأمر بإعادة إجراء خبرة جديدة.
م يخف عدد من مسؤولي وزارة العدل أن قضاة التحقيق والحكم يجدون أنفسهم في، كثير من الأحيان، ''رهينة لتقارير يعدها خبراء في معاملات مالية وبنكية لا يمكنهم الجزم بمصداقيتها وصحتها، لكنهم يضطرون للأخذ بنتائجها''، خاصة عندما يكون الطرف المتضرر فيها هو مؤسسة عمومية لا يبذل مسؤولوها جهدا كبيرا في متابعة الدعوى القضائية الموجهة ضد موظفين فيها متهمين بالفساد المالي والإداري، وهو ما يسبب سنويا خسائر كبيرة في الأموال والممتلكات العمومية، ويلحق الضرر بالمتقاضين. وفي الحالة التي يكون فيها الطرف المتضرر جهة خاصة، يتم الطعن لدى المحاكم الأعلى درجة في تقارير الخبرة بتقديم تقارير خبرة مضادة، مما يفضي إلى الأمر بإعداد خبرة جديدة ''على أمل أن تكون مستقلة وذات مصداقية''. ولأجل ''تحرير القضاة من هذه التبعية للخبراء''، سطرت وزارة العدل جملة من الدورات التكوينية لصالح أزيد من 160 قاض شاب، احتضنتها المدرسة العليا للمصرفة بالعاصمة، تخرجت آخر دفعة منهم أمس بحضور مسؤولي وزارة العدل ومدراء مصرفيين وأساتذة متخصصين، قاموا بتأطير القضاة الذين يتشكل أغلبهم من قضاة تحقيق.
ولوحظ في برنامج التكوين المسطر عناصر جديدة على علاقة مباشرة بالإشكالات التي يصادفها يوميا القضاة المكلفون بالنظر في جرائم الفساد المالي، مثل مسؤولية مسير البنك، حجية المحاضر الجمركية، العقود الإلكترونية والجرائم المعلوماتية، والتحكيم الدولي والملكية الفكرية، وغيرها. ويضاف إلى هذا التكوين قصير المدى المنظم في إطار التعاون الأجنبي، تكوين آخر يخص مجالات تعالجها الجهات المختصة، على غرار تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للأوطان ومكافحة المخدرات والجريمة عبر الأنترنت، بكل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا وإسبانيا. ويقول المشرفون على البرنامج التكويني إنه ذو ''طابع استشرافي'' و''يتعدى الأوضاع المعاشة اليوم من خلال الوقاية من المخاطر''.
كما أنه يتعلق أيضا ''بتكوين قضاة في الجريمة المنظمة العابرة للحدود والسماح لهم بمواكبة التشريع الجديد في هذا المجال''. وقد تلقى عدد هام من القضاة تكوينا خاصا مطولا لمدة سنة بفرنسا في مجالات الجريمة عبر الأنترنت وقانون الأعمال والقانون التجاري والإداري والعقاري والاجتماعي والبحري.