هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Empty
مُساهمةموضوع: رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ   رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Emptyالثلاثاء أبريل 19, 2011 11:31 am


الجمهورية التونسية
وزارة العدل
المعهد الأعلى للقضاء


رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء

الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم

إعــداد :
الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ
إشــراف :
السيد الرئيس : محمد بن عبد الغفار
قــائـمـة المـخـتـصــرات

1. باللغة العربية :
- م ت : مجلة التحكيم
- م تج : المجلة التجارية
- م اع : مجلة الالتزامات والعقود
- م ا ش : مجلة الأحوال الشخصية
- م م م ت : مجلة المرافعات المدنية والتجارية
- م ق ت : مجلة القضاء التشريعي
- م ت ق : المجلة التونسية للقانون
- ق م ت : قرار مدني تعقيبي
- ن م ت : نشرية محكمة التعقيب
- ص : صفحة

2. باللغة الفرنسية :
- art.cit. : article cité
- bull.civ. : bulletin civil
- C.A : cours d’appel
- Cass.civ. : cassation civile
- Cass.com : cassation commerciale
- Chr. : chronique
- D : dalloz
- Fasc. : fascicule
- Gaz.Pal. : Gazette de Palais
- JCP. éd.G. : semaine juridique. édition générale
- JCL.com. : Juris-Classeur commercial
- JCL.Dip. : Juris-Classeur droit international privé
- JCL.pro.civ. : Juris-Classeur procédure civile
- NCPC : nouveau code de procédure civile (français)
- n° : numéro de paragraphe
- p : page
- op.cit. : ouvrage cité
- Rev.arb. : revue d’arbitrage
- Rev.crit.Dip. : revue critique de droit international privé
- RJL : revue de jurisprudence et législation
- RTD : revue tunisienne de droit
- RTD.civ. : revue trimestrielle de droit civil
- S : sirey
- s : suivant
- tri. : tribunal
- vol : volume





الفوج الثاني عشر

السنة القضائية 2000 - 2001
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ   رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Emptyالثلاثاء أبريل 19, 2011 11:31 am

الـفـهــرس

المقدمة ..................................................................................... 1
الجزء الأول : الالتزام بإحالة النزاع موضوع اتفاقية التحكيم على هيئة التحكيم ............. 11
المبحث الأول : تكوين هيئة التحكيم ......................................................... 12
الفرع الأول : الشروط المتعلقة بالمحكمين .................................................. 13
الفقرة الأولى : الشروط المتعلقة بشخص المحكم ............................................. 13
1. الشروط الموضوعية ................................................................ 14
أ‌. يجب أن يكون شخصا طبيعيا ........................................................ 14
ب‌. يجب أن يكون رشيدا ................................................................ 15
ج. قد يكون عونا عموميا أو قاضيا ...................................................... 17
2. الشروط الذاتية ...................................................................... 21
أ‌. شرط الكفاءة ......................................................................... 21
ب‌. شرطي الحياد والاستقلالية ........................................................... 23
الفقرة الثانية : الشروط المتعلقة بعدد المحكمين ............................................... 24
1. قاعدة العدد الوتري .................................................................. 25
2. سكوت الأطراف عن عدد المحكمين ..................................................27
الفرع الثاني : تعيين المحكمين .............................................................. 30
الفقرة الأولى : في التحكيم الحر ............................................................. 30
1. إجراءات تعيين المحكمين ............................................................ 32
2. سكوت الأطراف عن إجراءات تعيين المحكمين ...................................... 33
الفقرة الثانية : التحكيم النظامي .............................................................. 35
1. تعيين المحكمين ..................................................................... 37
أ‌. حرية الأطراف في تعيين محكميهم .................................................. 37
ب‌. حرية الأطراف في تعيين محكميهم : حرية مقيدة .................................... 38
2. عراقيل تكوين هيئة التحكيم ......................................................... 40
أ‌. عراقيل مصدرها تنفيذ عقد التحكيم النظامي ......................................... 41
ب‌. عراقيل مصدرها تنفيذ نظام التحكيم ..................................................44
المبحث الثاني : اختصاص هيئة التحكيم بفض النزاع .......................................46
الفرع الأول : الامتداد الموضوعي للاختصاص التحكيمي ....................................47
الفقرة الأولى : موضوع النزاع التحكيمي ....................................................49
1. تحديد موضوع النزاع التحكيمي .....................................................49
2. تغيير موضوع النزاع التحكيمي .....................................................51
أ‌. صورة الاتفاق على التحكيم ..........................................................51
ب‌. صورة الشرط التحكيمي .............................................................55
الفقرة الثانية : مراقبة الامتداد الموضوعي للنزاع التحكيمي ..................................56
1. التأويل الواسع لموضوع النزاع التحكيمي بالنظر إلى عدم اختصاص القضاء العدلي ..56
2. التأويل الضيق لموضوع النزاع التحكيمي بالنظر إلى اختصاص المحكمين ...........58
الفرع الثاني : الامتداد الزمني للاختصاص التحكيمي ........................................60
الفقرة الأولى : انتهاء الاختصاص التحكيمي بانتهاء أجل التحكيم .............................60
1. تحديد أجل التحكيم ..................................................................60
أ‌. أجل التحكيم..........................................................................60
ب‌. احتساب أجل التحكيم ................................................................64
2. التمديد في أجل التحكيم .............................................................67
أ‌. التمديد الذي يقوم به المحكمون ......................................................69
ب‌. التمديد الذي يقوم به الأطراف .......................................................70
ج‌. التمديد الذي يقوم به مركز التحكيم ...................................................72
الفقرة الثانية : انتهاء الاختصاص التحكيمي قبل أجل التحكيم .................................73
1. أسباب بفعل المحكمين ...............................................................73
أ‌. أسباب غير إرادية ...................................................................75
ب‌. أسباب إرادية.........................................................................76
2. أسباب بفعل المحتكمين ..............................................................76
أ‌. العدول عن التحكيم ..................................................................77
ب‌. عزل المحكم ........................................................................77
ج‌. التجريح في المحكم ..................................................................78
الجزء الثاني : الالتزام بعدم إحالة النزاع موضوع اتفاقية التحكيم على القضاء العدلي .......80
المبحث الأول : مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية .......................................81
الفرع الأول : تحليل مبدأ عدم اختصاص القضاء العدلي ....................................81
الفقرة الأولى : النظام القانوني للمبدأ ........................................................83
1. الصبغة النسبية لمبدأ عدم اختصاص القضاء العدلي .................................83
2. تنازل الأطراف عن إثارة الدفع بعدم اختصاص القضاء العدلي ......................87
الفقرة الثانية : نطاق المبدأ ..................................................................90
الفرع الثاني : الاستثناء : عودة الاختصاص للقضاء العدلي ................................94
الفقرة الأولى : مجال الاستثناء ..............................................................95
الفقرة الثانية : شروط قيام الاستثناء .........................................................101
1. البطلان، والبطلان الواضح لاتفاقية التحكيم .........................................101
أ‌. القابلية الموضوعية للتحكيم .........................................................107
ب‌. القابلية الذاتية للتحكيم ...............................................................109
2. اتفاقية تحكيم عديمة الأثر أو غير ممكن تنفيذها .....................................113
المبحث الثاني : قيود مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية ................................115
الفرع الأول : دور المساعدة القضائية .....................................................115
الفقرة الأولى : المساعدة القضائية على تكوين هيئة التحكيم .................................116
1. رفع عوائق تكوين هيئة التحكيم ....................................................116
أ‌. حالات المساعدة القضائية ..........................................................116
ب‌. نجاعة المساعدة القضائية ..........................................................121
2. تجاوز التكوين المختل لهيئة التحكيم ............................................... 122
أ‌. التجريح في المحكم ............................................................... 122
ب‌. عزل المحكم........................................................................ 125
الفقرة الثانية : المساعدة القضائية لاتخاذ الوسائل الوقتية والتحفظية ......................... 127
1. مساعدة القاضي الاستعجالي ....................................................... 127
أ‌. أساس الاختصاص الاستعجالي ..................................................... 127
ب‌. شروط تدخل القضاء الاستعجالي ................................................... 128
2. مساعدة قاضي الأذون على العرائض .............................................. 132
الفرع الثاني : دور المراقبة القضائية ......................................................133
الفقرة الأولى : إجراءات المراقبة القضائية ..................................................134
1. الطعن في الحكم التحكيمي ..........................................................134
أ‌. طرق الطعن في الحكم التحكيمي ....................................................134
ب‌. إجراءات الطعن في الحكم التحكيمي ................................................ 137
2. طلب الاعتراف بالحكم التحكيمي أو تنفيذه .......................................... 139
أ‌. مجال طلب الاعتراف والتنفيذ ...................................................... 140
ب‌. إجراءات طلب الاعتراف والتنفيذ .................................................. 141
الفقرة الثانية : نطاق المراقبة القضائية ..................................................... 142
1. أسباب متوقفة على طلب الأطراف................................................. 142
أ‌. أسباب متعلقة باتفاقية التحكيم....................................................... 143
ب‌. أسباب متعلقة بمبدأ المواجهة ...................................................... 144
ج. أسباب متعلقة بالاختصاص التحكيمي .............................................. 145
د. أسباب متعلقة بتكوين هيئة التحكيم ................................................. 147
2. أسباب تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها ............................................ 148
الخاتمة .................................................................................. 151
ملحق .................................................................................... 153
قائمة المختصرات ....................................................................... 162
قائمة المراجع ........................................................................... 163
الفهرس.................................................................................. 169
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ   رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Emptyالثلاثاء أبريل 19, 2011 11:35 am


فاتحة



مــيـمــونــة
...كفى عنـادا واستسلم. فما قدرلك غير الشروع. كبعض الأفعال من اخوات كـاد. فلا تطلب بلوغا إلى غاية, و لا تطمح الى قمة. فلنزهد و لنستسلم يا غيلان. دع عنا السماوات والأعالي و لنكتف بالأرض. وإنك إن أتممت الفعل و أنهيته فقد قتلته. فليبق هذا السد غير تام. ليبق له خلوده يا غيلان. دعه بلا نهاية. ولنكن لأنفسنا يا غيلان لا عليها لغيرها...لنجـعل الطلب في قلبينا: أطـلبك و أنا حاملتك و تطلبني و أنت حـاملــي. لننس الممكن يا غيلان. لنكن الفجر.

غــــيــــلان
نـعم. ذاك عذر جميع مـن يجبنون فيضعفون عـن الجهـاد. يقولون لا حــول و لا قـوة إلا بالحقيقة الـواقـعة. والحـق الواقع لا يقـاوم, و الممـكن لا يستقـيـم. و ما يقــولــون إلا بـاطـلا وهما. لأن الحـقيـقـة وجميـع العـقـبــات لا تحــــول دون الممكن يا ميمونة.

مــيـمــونــة
إمكاناتك يا غيلان, أعلم أنها بديعات نفسك و أنها العدم يتصور لك وهو يريد أن يكون...لنبق على غنانا و عظمتنا و رزانتنا, و ليبق معنا ما يملأ النفوس. ليبق السد في نفسك إمكانا حملا.
غــــيــــلان
إن مـن بين الساعات لـسـاعة يـا ميـمونـة، لا ينقص فيها الخلق والوضع منك شيئا ... ساعة يتصور فيهــا الممكن بصورة الكائن الواقع دون أن يتقيد بقيد ولا يحد بحد. وينقلب فيها الإمكان والإرادة إلــى قـوة من نــار وحديد أشد من كل حديد وقوة وهي ساعة أقصى صعوبة. وإني أراني فعلت ما فعلت، ولقيت مـــا لقيت مــن المصاعب في فعلي. ولما أصل إلى هذه الساعة. وإنها لساعة أعظم من صاهباء وأعلى، وأعظم مـن السمــاء وأعلى، وأعظم من جميع الآلهة وأعلى. هـي ساعـــة كمال الـخلق. طريقنا لا تزال يا ميمونة طويلة...

محمود المسعدي
" الـســد "













إلى أمي الحضن الدافئ الذي أعود للارتماء فيه كلما ضاقت بي الدنيا.

إلى أبي الذي علمني معنى الكفاح.

إلى أعز صديق بلغ من العمر خمسا وسبعين سنة.

إلى إخوتي الأعزاء : سامية، إيمان، حمزة، فاروق وهاجر.

إلى ذاك "الرائع جدا" : لطفي.

إلى جميع الأصدقاء.

إليهم جميعا أهدي هذا العمل












مـا كـان هـذا العمل أن يوضع وما كان له أن يكون لولا المساعدة الـتـي لقيتها من السـيد الـرئيس : مـحـمد بن عبد الغفار، الذي آزرني بنصائحه الثمينة وأفادني بأراءه السديدة رغـم أن طارئا صحيا ألم به، أتقدم إليه بجزيل الشكر وفـائـق الاحترام وتمنياتي له بالشفـاء.





المقدمة





لفض نزاعاتهم وحفظ حقوقهم فإن الأفراد لهم دائما إمكانية الاستنجاد بحماية القضاء العدلي. ولكن ليست هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق هذه الغاية، إذ بإمكانهم أيضا الالتجاء إلى التحكيم. ولكن ما الدافع إلى إيجاد جهاز مواز لجهاز القضاء العدلي، طالما أن هذا الأخير يقوم بنفس المهمة ؟. إنها حتما السلبيات التي أفرزها قضاء الدولة هي التي دفعت إلى ذلك، بحيث عمل مبتكر هذا الجهاز الموازي على تلافيها لتنقلب إلى إيجابيات تحسب في جانب التحكيم، فساهمت بذلك في جعله قبلة المتقاضين خصوصا على مستوى المبادلات التجارية الدولية التي ما فتئت تتطور من يوم إلى آخر في عالم تحكمه حاجيات العولمة ومتطلباتها. ومع تطور هذه العلاقات الاقتصادية المتداخلة على جميع المستويات الدولية منها والوطنية تطور معها التحكيم كأفضل طريقة لفصل النزاعات الناشئة، خاصة بعد حصول القناعة بجدواه ولما يوفره من مزايا عديدة كالمرونة والسرعة والسرية والثقة(1).

فالتحكيم قضاء مرن في إجراءاته على عكس القضاء العدلي الذي تحكمه إجراءات دقيقة يغلب عليها التعقيد أحيانا، بحيث يستعصي على المتقاضي فهمها واستيعابها ثم إنها من مكونات النظام العام بحيث يمنع مخالفتها على الكافة في حين أن التحكيم يتميز بالسهولة وحرية الأطراف في اختيار القواعد المنظمة لإجراءاته وهي قواعد لينة ومتغيرة بحسب إرادة الأطراف(2).

والتحكيم قضاء يقوم على السرعة تماشيا مع النسق الذي تشهده الحياة الاقتصادية الدولية. فهذه الأخيرة قد لا تحتمل بطء الإجراءات المعتمدة أمام القضاء الرسمي حتى وإن كان مبرره منح أوفر الضمانات لحقوق المتقاضين. ففي التحكيم يمنح الأطراف حق تحديد أجله وفق ما تقتضيه مصالحهم)1 (وحتى عند غياب هذا التحديد الاتفاقي لأجل التحكيم فإن الأجل القانوني الذي يقع إعماله كقاعدة بديلة وآلية غالبا ما يكون بدوره قصيرا(2). ولكن الأمر ليس دائما بمثل هذه السرعة فقد يتعطل سير عملية التحكيم فيطول مداها أكثر مما كان مقررا لها نتيجة لبعض العوارض التي قد تصيبها، سواء في بدايتها كأن يتأخر تكوين هيئة التحكيم، أو أثناءها كأن يعتري تكوينها بعض الإخلالات مما يستوجب إصلاحها، أو في نهايتها كأن يقع الطعن بالإبطال في الحكم التحكيمي.

والتحكيم قضاء يضمن سرية المعاملات، وهذا غاية ما تطمح إليه الحياة التجارية التي تخشى على معلوماتها من القرصنة ووثائقها من التكشف. فالسرية فيها هي طريق الثروة ومفتاح النجاح، وهي غاية لا يكفل القضاء العدلي تحقيقها لقيامه على مبدإ العلنية الذي توجبه مصداقية القضاء ونزاهته. على أن هذه السرية قد يفتقدها المحتكمون بمجرد دخول تحكيمهم إلى الطور القضائي بمناسبة الطعن بالإبطال في الحكم التحكيمي مثلا.

وأخيرا التحكيم قضاء قائم على الثقة، فعلى مستوى العلاقات الدولية خصوصا يكون كل طرف محترزا من قضاء دولة الطرف المقابل، ويخشى الاصطدام بقوانين وإجراءات غير مألوفة لديه. وأمام غياب جهاز قضائي مختص بتسوية النزاعات يلجأ الأطراف إلى التحكيم بحثا منهم عن نظام قانوني يتلاءم ومتطلبات معاملاتهم، فيتولد لديهم بذلك شعور بالطمأنينة الذي يتدعم بالحق الممنوح لهم في اختيار محكميهم بكامل الحرية. كما تزداد هذه الثقة في الجهاز التحكيمي بخبرة المحكمين، إذ لا يشترط في هؤلاء معرفتهم بالقانون فحسب فقد يكونوا من ذوي المعارف الفنية(3)، وقد يكونوا محكمين مصالحين(4) فيكونوا بذلك أقرب من غيرهم إلى موضوع النزاع للبت فيه.

"ونتيجة لانتشار ثقافة التحكيم بشكل واسع وحصول القناعة بجدوى هذه الوسيلة لما توفره من المزايا السالفة الذكر من ناحية ونمو المبادلات التجارية الدولية من ناحية أخرى، تسابقت الدول المتقدمة منها والنامية على حد السواء منذ مطلع الثمانينات، وخاصة إثر صدور القانون النموذجي للأمم المتحدة(1) إلى وضع قوانين للتحكيم الداخلي والدولي، والمقصود منها هو استقطاب رأس المال الأجنبي بتوفير الضمانات القانونية الملائمة لتسوية المشاكل التي تنتج عن الاستثمار. ولم يشذ المشرع التونسي عن هذا الاتجاه، فبادر بوضع مجلة للتحكيم في 26 أفريل 1993 "(2). ولكن هذا لا يعني غياب مؤسسة التحكيم عن النظام القانوني التونسي قبل ذلك التاريخ، إذ سبق إقرارها بمجلة المرافعات المدنية والتجارية الصادرة في سنة 1959، والتي أفردتها بجزء مستقل من الفصل 258 إلى الفصل 284. أما قبل ذلك فلا نكاد نعثر لها على أثر، حتى إن مجلة الإجراءات المدنية والتجارية لسنة 1910 استبعدتها تماما. وقد يعزى ذلك إلى إرادة المشرع في اعتماد نظام استقرائي ينيط بعهدة القاضي القيام بجميع الأعمال لإيصال الحقوق إلى أصحابها ومثل هذه السياسة تتناقض بالضرورة مع فلسفة العدالة الخاصة التي يحققها التحكيم(3).

ولكن ذلك لم يمنع وجود بعض النصوص القانونية الخاصة التي تبيحه في تلك الفترة، بل وتجعل منه طريقة وجوبية لفض بعض النزاعات كما في أمر 11 أوت 1938 المتعلق بحماية زيت الزيتون الذي أوجب في فصله السابع الإلتجاء إلى لجنة التحكيم والمصالحة الراجع لها النظر(4).

وقد تعددت النصوص القانونية المجيزة للتحكيم فيما بعد(5)، إلا أن التطبيق التحكيمي في القانون الداخلي بالخصوص لم يستجب إلى ما يصبو إليه المشرع، إذ بقي التحكيم شبه مفقود. وتكفينا نظرة سريعة على فقه القضاء المنشور للتأكد من ذلك، حيث أنه خلال الفترة الممتدة بين 1960 و 1975 لا نعثر إلا على ثلاث قرارات تهم التحكيم(6) وكلها تعنى بتحديد مجاله أو بتمييزه عن بعض المؤسسات القانونية القريبة منه لا غير(7). أما على مستوى القانون الدولي فقد كان التحكيم مدعوا إلى مزيد من الازدهار خاصة بعد اتجاه البلاد التونسية نحو سياسة التحرر الاقتصادي، فكانت الضرورة إلى مزيد تنظيمه والعمل على توضيحه في ذهن المتعاملين وغير المتعاملين معه لكي يساعد على نجاح عملية التنمية الشاملة للبلاد. فلم يكن أمام المشرع لتحقيق هذه الغاية سوى العناية بتقنيته ولم لا إفراده بمجلة مستقلة، خاصة بعد الاتفاق على استقلالية التحكيم بوصفه مادة قانونية(Cool. فتم بذلك تجاوز فكرة تنقيح مجلة المرافعات المدنية والتجارية في فرعها المتعلق بالتحكيم بعد أن تم بعث لجنة للغرض في مناسبة أولى سنة 1975، وقد أعدت مشروعا أوليا، إلا أنه ألغي لأسباب غامضة تم إرجاعها إلى معارضة الوسط القضائي لأي وجه من أوجه حل النزاعات خارج الجهاز الرسمي للعدالة(1). وعادت فكرة تنقيح مجلة المرافعات المدنية والتجارية مرة ثانية سنة 1985، حيث بعثت لجنة جديدة لنفس الغرض إثر بروز القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة الذي طلب اعتماده من طرف الأعضاء الذين كانت من بينهم تونس، وقد أعدت هذه اللجنة مشروعا لقي طريقه هو الآخر إلى الإلغاء لأسباب مجهولة.

وأمام الوضع العالمي الجديد وما يمليه على التشاريع الوطنية من ضرورة ملاءمتها مع الواقع الاقتصادي، وجد المشرع التونسي نفسه مجبرا على الدخول في هذه المنظومة، خصوصا بعد توضح التوجه السياسي بفتح الأسواق الوطنية على الخارج والعمل على جلب الاستثمارات الأجنبية. فعمل على إيجاد هذا النسيج التشريعي الملائم، وكان عليه بذلك مزيد الاعتناء بالمادة التحكيمية باعتبارها أحد العوامل المساهمة بشكل واضح في تحقيق مثل هذه التوجهات السياسية. فتم بذلك بعث لجنة ثالثة سنة 1988، ولكن هذه المرة ليس لتنقيح مجلة المرافعات المدنية والتجارية، فقد تم تجاوز هذه الفكرة لعدم الاقتناع بجدواها من جهة، ولبروز عديد التشريعات الخاصة بالتحكيم على مستوى القوانين المقارنة من جهة أخرى(2)، فقامت هذه اللجنة بنسخ القانون النموذجي للجنة الأمم المتحدة مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليه لتيسير الصياغة النهائية لمجلة التحكيم التي صدرت بموجب القانون عدد 42 لسنة 1993 المؤرخ في 26 أفريل 1993 مشتملة على 82 فصلا؛ خصص ثلاثة عشر منها للأحكام المشتركة بباب أول، وثلاثة وثلاثون للتحكيم الداخلي ضمن الباب الثاني وستة وثلاثون للتحكيم الدولي ضمن الباب الثالث.

وقد جاء أول فصل منها معرفا للتحكيم على أنه : "طريقة خاصة لفصل بعض أصناف النزاعات من قبل هيئة تحكيم يسند إليها الأطراف مهمة البت فيها بموجب اتفاقية تحكيم". فتكون بذلك مجلة التحكيم قد تجاوزت النقص الذي شاب مجلة المرافعات المدنية والتجارية التي لم تعرف التحكيم، وإنما اكتفت بالتنصيص على جوازه لفصل النزاعات. ويتطابق هذا التعريف التشريعي مع غالب التعاريف الفقهية التي يرى بعضها في التحكيم "وسيلة ترمي إلى إيجاد حل لمسألة تهم علاقة شخصين أو أكثر، بواسطة شخص أو عدة أشخاص آخرين وهم المحكم والمحكمين الذين يستمدون سلطاتهم من اتفاقية خاصة، ويبتون في النزاع على أساس هذه الاتفاقية دون أن يقع تعهيدهم بهذه المهمة من طرف الدولة"(3). ويرتقي البعض الآخر بالتحكيم إلى "مستوى المؤسسة التي يفصل بموجبها شخص ما في نزاع يجمع بين شخصين أو أكثر ممارسا بذلك مهمة قضائية يمنحها له هؤلاء الأشخاص"(1).

يتضح لنا من خلال هذه التعاريف أن التحكيم يبدأ بعقد لينتهي بحكم ؛ فأين هو من هذا ومن ذاك؟.

بهذا السؤال فإننا نخوض حتما في الطبيعة القانونية للتحكيم(2) التي لم تشهد الاستقرار يوما، فقد رآها البعض(3) ذات صبغة قضائية صرفة اعتمادا على المهمة الممنوحة للمحكم، فهو بمثابة القاضي الذي يلتزم الأطراف بتنفيذ قراره وليس بمجرد شخص عادي يربطه بالأطراف عقد معين(4)، وهو من يتلقى الأدلة ويستمع إلى بينة الشهود ويأذن بإجراء الاختبارات ... لتنتهي مهمته بإصدار قرار تحكيمي هو بمثابة الحكم القضائي، ثم إن الإجراءات التي يقرها القانون في التحكيم هي عبارة عن نسخة طبق الأصل للإجراءات القضائية. كل هذه الاعتبارات جعلت هذا الاتجاه يتمسك بالطبيعة القضائية الصرفة للتحكيم دون التفات إلى مصدره التعاقدي الذي جلب اهتمام البعض الآخر، مما جعلهم يقرون بالصبغة التعاقدية الصرفة للتحكيم(5). ويرى هذا الاتجاه في التحكيم عملا تعاقديا فحسب، ضرورة أن إرادة الأطراف هي التي تحكم هذه المؤسسة فهي التي أنشأتها وهي التي تنهيها. وبين البداية والنهاية فإن الأطراف لهم كامل الحرية في تحديد الإجراءات، وتحديد اختصاص المحكم، وتحديد سلطته في تطبيق القانون أو اعتماد قواعد العدالة. فلولا إرادة الأطراف ما كان للتحكيم أن يكون وما كان له أن يسير وفق إجراءات أوحت فيما بعد بصبغته القضائية.

ولما كان كلا الاتجاهين متشددا في أرائه إلى حد التصلب كان لا بد من بروز اتجاه ثالث يقرب الهوة بينهما، فالتجأ بعضهم(5) إلى نظرية "التحول"، بمعنى تحول الطابع الأصلي للتحكيم وهو التعاقدي إلى الطابع القضائي بمجرد تدخل القضاء بموجب منحة للقوة التنفيذية للحكم التحكيمي.

ولم يستقر الفقه على هذا الاتجاه الذي لم يكن سوى تمهيدا لبروز اتجاه رابع، وهو الذي يرى بازدواجية الطبيعة القانونية للتحكيم(1)، على ألا يعني ذلك وجود فاصل زمني بين المرحلتين : مرحلة تعاقدية فأخرى قضائية، وإنما التداخل بين هذا وذلك هو الذي يميز هذه النظرية. فيغدو التحكيم بذلك بمثابة "الجسم المركب"(2)، فهو قضاء، وهو قضاء خاص، وهو مبدئيا قضاء خاص دو مصدر اتفاقي(3).

فالتحكم قضاء طالما أن مهمته فصل النزاعات. ولكنه قضاء خاص باعتباره لا يتمتع بصفتي الدوام والعمومية اللتين تحتكرهما الأجهزة القضائية التابعة للدولة والتي تعد ولايتها في فض جميع النزاعات بدون استثناء مستمرة في الزمن. بينما يقتصر دور هيئة التحكيم على البت في نزاع معين هو الذي تعينه اتفاقية التحكيم في أجل معين، بحيث تنتهي ولايتها بل وينتهي وجودها بمجرد البت في هذا النزاع أو انقضاء الأجل التحكيمي، فتكون بذلك قضاء خاصا ولكنه ذو مصدر اتفاقي. وعلى عكس الهيئات القضائية التي تستمد سلطتها من الدولة فإن هيئة التحكيم تستمد سلطتها من اتفاقية التحكيم التي أبرمها الأطراف.

اقتضى إذن التحكيم جهدا كبيرا من الفقهاء لتحديد طبيعته وتوضيح مفهومه في ذهن المتعاملين معه، ورغم ذلك فإنه لا يزال مصدر غموض في بعض الأحيان، إذ نخشى عليه الخلط مع بعض المؤسسات أو العقود القريبة منه كالصلح. فالعقدين مختلفين حتما، لأن الصلح هو "عقد وضع لرفع النزاع وقطع الخصومة ويكون ذلك بتنازل كل من المتصالحين عن شيء من مطالبه أو بتسليم شيء من المال أو الحق"(4). أما التحكيم فهو عقد ينتج عنه إعطاء المحكم مهمة القضاء، " لذلك فهو أشد خطورة على مصالح المحتكمين من الصلح لأن التجاوز فيه معلوم قبل تمامه، بينما في التحكيم تتعذر معرفة ما قد يمكن أن يحكم به المحكم. ومن جهة أخرى فإن عقد الصلح غير قابل للتنفيذ في ذاته ما لم يتم في صورة عقد رسمي أو تم أمام المحكمة، بينما في التحكيم يصدر المحكم حكما يقبل التنفيذ باتباع القواعد العامة للتنفيذ وبعد الحصول على الأمر بتنفيذه"(5).

كما يختلف التحكيم عن الوكالة التي يعرفها الفصل 1104 م ا ع على أنها "عقد يكلف به شخص شخصا آخر بإجراء عمل جائز في حق المنوب..."، وهذا يعني أن الوكيل يستمد سلطاته من الموكل الذي يكون غير ملزم بالأعمال الصادرة عن الوكيل خارج حدود وكالته. أما في التحكيم فإن المحكم يكون مستقلا تمام الاستقلال عن الخصوم رغم أنه معين من طرفهم، ولكن بمجرد قبوله لمهمته يصبح بمثابة القاضي، ويمنع على الأطراف بذلك التدخل في عمله، بل أنهم ملزمون بالحكم الصادر عنه.

ذاك هو إذن التحكيم : قضاء خاص ذو مصدر تعاقدي، مختلف عن غيره من المفاهيم الشبيهة، غايته "فصل بعض أصناف النزاعات من قبل هيئة تحكيم يسند إليها الأطراف مهمة البت فيها بموجب اتفاقية تحكيم"(1). فهذه الأخيرة هي منطلق العملية التحكيمية، وبدونها لا يمكن للتحكيم أن يوجد وهي كما يعرفها المشرع التونسي طلب الفصل 2 م ت "التزام أطراف على أن يفضوا بواسطة التحكيم كل أو بعض النزاعات القائمة أو التي قد تقوم بينهم بشأن علاقة قانونية معينة تعاقدية كانت أو غير تعاقدية". وتكتسي الاتفاقية صيغة الشرط التحكيمي وهو "التزام أطراف عقد بإخضاع النزاعات التي قد تتولد عن ذلك العقد للتحكيم"(2)، وقد تكتسي صيغة الاتفاق على التحكيم وهو "التزام يتولى بمقتضاه أطراف نزاع قائم عرض هذا النزاع على هيئة التحكيم"(3). فالفرق حينئذ بين الشرط والاتفاق هو ان الأول يتعلق بالنزاعات المستقبلية أو المحتملة، بحيث يتم انعقاده قبل وقوع النزاع فإذا ما حصل ذلك أنتج آثاره، ثم إنه لا يتمتع بكيان مادي مستقل بما أنه مدرج ضمن عقد آخر بحيث يكون بمثابة أحد البنود التعاقدية المكونة له، ولكن ذلك لا يفيد عدم استقلاليته القانونية عن العقد المدرج به(4). أما الثاني فيتعلق بالنزاعات القائمة، فهو عقد يبرمه أطرافه بعد نشوب النزاع.

ومهما يكن الشكل الذي تصدر فيه اتفاقية التحكيم فإنه يجب لصحتها أن تستوفي جميع الشروط التي يستوجبها القانون. ولما كانت اتفاقية التحكيم في الأصل عقدا رضائيا فإنه عليها احترام الشروط العامة لصحة العقود الواردة بالفصل 2 م ا ع وهي : الأهلية والرضا والمحل والسبب. ولكن اتفاقية التحكيم هي أيضا "عقدا خاصا من العقود المسماة لأنها حظيت بنظام خاص بها في مجلة التحكيم، فمن الطبيعي والحالة تلك، أن تكون خاضعة لشروط خاصة تتمحور حول فكرة رئيسية استقطبت اهتمام المشرع وهي قابلية النزاع موضوع الاتفاقية للتحكيم. وهي قد تكون ذاتية أو موضوعية. فأما الشروط المجسمة للقابلية الذاتية فمفادها أن يكون الأطراف المتداخلة في التحكيم ممن يجوز لهم إجراء عملية التحكيم، وأما الشروط المجسمة للقابلية الموضوعية فتعني أن تكون اتفاقية التحكيم ذات موضوع محدد بشكل واضح ودقيق وأن يكون بالضرورة من المسائل التي يجوز فيها التحكيم(1). وهذا ما يفيد حتما وجود حالات لعدم جواز التحكيم لم يغفل المشرع التونسي حصرها صلب الفصل 7 م ت الذي جاء فيه أنه "لا يجوز التحكيم: أولا : في المسائل المتعلقة بالنظام العام ، ثانيا : في النزاعات المتعلقة بالجنسية ، ثالثا : في النزاعات المتعلقة بالحالة الشخصية باستثناء الخلافات المالية الناشئة عنها ، رابـعـا : في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ...."(2).

وإضافة إلى جميع هذه الشروط الموضوعية، فإن لاتفاقية التحكيم شروطا شكليا عليها احترامها ولكنها تبقى قصرا على الاتفاق على التحكيم، دون الشرط التحكيمي الذي لا يستوجب فيه أي شكلية معينة، في حين يشترط في الاتفاق أن يعين موضوع النزاع وأسماء المحكمين سواء كان ذلك صراحة أم دلالة(3). وفيما عدى ذلك فلا نرى شكليات أخرى يجب توفرها في اتفاقية التحكيم، فحتى شرط الكتابة المشار إليه بالفصل 6 م ت فقد استقر الرأي على اعتباره شرط إثبات لا شرط صحة(4).

ومتى استوفت اتفاقية التحكيم جميع شروطها أنتجت جميع آثارها، والآثار هي روح التصرف القانوني حتى أن بعض العقود لا يمكن تعريفها إلا من خلال آثارها(5). وفي هذا الصدد يقول العميد "كاربونييه" : ما يميز التصرف القانوني في مقابلة الواقعة القانونية هو أنه آلية لها غاية عملية هي إنتاج آثار قانونية(6). وأهم أثر تحدثه اتفاقية التحكيم شأنها في ذلك شأن أي عقد آخر هو "إنشاء رابطة بين طرفيها تتولد عنها لكليهما حقوق وواجبات ولا يكون لأحد غيرهما فيها صفة المدين والدائن، وهي القاعدة التي يعبر عنها الفقه عادة بنسبة آثار العقد، والتي ينص على الفصل 240 م ا ع بقوله أن "العقد لا يلزم .... إلا العاقدين ولا ينجر منه للغير ضرر ولا نفع إلا في الصور التي نص عليها القانون"(7). ولقد أفضت مسألة النسبية إلى تساؤلات عديدة لدى رجال القانون الذين اضطروا إلى البحث عن الأشخاص الملزمين باتفاقية التحكيم، والغير الملزمين بها، وذلك في محـاولة منهم إلى تحديد مفهوم الطرف والغير في التحكيم استنادا إلى قواعد القانون العام(1).

ولو انطلقنا من مفهوم الطرف لقلنا بأنه وحدهم الأطراف ملزمون باتفاقية التحكيم، أما الغير فغير ملزمين بها. ولكن ماذا نعني بالطرف ؟(2). أهو الشخص الذي أمضى اتفاقية التحكيم بنفسه ؟ أم هو الذي أمضاها بواسطة غيره ؟. إن جل الفقهاء يؤكدون على عنصر الإرادة لتحديد مفهوم الطرف، فهو ملزم لأنه أراد ذلك، وتتأكد أهمية هذا العنصر بالنظر إلى دوره في تكوين العقد، فالرضا لا تعبر عنه إلا إرادة الشخص المعني بإبرام العقد أو من ينوبه نيابة صحيحة، وعلى هذا الأساس صنف الفقه(3) الأطراف إلى صنفين : أطراف متعاقدة، وأخرى مرتبطة، اعتمادا على معيار زمني وهو زمن التعبير عن الإرادة. فإن كانت زمن إنشاء العقد فصاحبها طرف متعاقد، وإن كانت بعد ذلك فصاحبها طرف مرتبط. فيكون بذلك الطرف المتعاقد هو الذي عبر شخصيا عن إرادته في الالتزام أو أناب غيره في التعاقد باسمه ولفائدته، وهوالشخص الذي أنشأ العقد. وأما الطرف المرتبط فهو الذي لم يشارك في إنشاء العقد وإنما اكتسب صفة الطرف بعد إبرامه بصفة متأخرة نوعا ما، وتطلق عليه تسمية "الأطراف المتأخرة " استنادا إلى نظرية "ما بعد الاتفاق"(4)، وهو عموما الخلف بنوعيه الخاص والعام والمجيز.


وأما الغير فيمكن تعريفهم بصفة سلبية، أي أن نتبع تمشيا إقصائيا فيكون الغير بذلك هو كل شخص لم يكن طرفا في اتفاقية التحكيم. ولكن لا نعتقد أننا بهذا نكون قد حسمنا الأمور لعدة أسباب : أولها أن هذين المفهومين لم يعرفا الاستقرار يوما، إذ طرحت لهما عديد التعاريف(5)، وتحدث الفقه عن الغير الحقيقي والغير الوهمي(6) بحيث لا نكاد نميز بينهما، ثم إنه قد يحصل أن يوجد غيرا لم يعد كذلك، أو طرفا لم يعد هو أيضا كذلك، بمعنى أن نفس الشخص، واستنادا إلى تعريف معين، قد يكون طرفا في اتفاقية التحكيم عند تكوينها ولكنه، واستنادا على نفس التعريف، يصبح غيرا عند تنفيذها، وكذلك العكس. ويحدث هذا الوضع غالبا بموجب انتقال اتفاقية التحكيم من شخص إلى آخر(1)، كما يحدث نتيجة لتوسع آثار اتفاقية التحكيم بمناسبة وجود تحكيم متعدد الأطراف(2) الذي عادة ما يقع التعرض إليه في إطار تجمع المؤسسات، الأفقية منها والعمودية(3).

ولكن الآثار المترتبة عن اتفاقية التحكيم، وكأي عقد آخر، لا تنحصر في جانبها المتعلق بالأشخاص وإنما تنشئ في جانب هؤلاء الأشخاص التزامات معينة، التزامات موضوعية وإجرائية.

وطالما كان التحكيم طريقة لفض النزاعات فإن هذه الالتزامات ستكون ضرورة ذات طابع إجرائي، ونقصد بالإجراءات : مجموعة الأعمال الواجب على الأشخاص القيام لحفظ حقوقهم، فماهي هذه الآثار الإجرائية لاتفاقية التحكيم؟.

إن اتفاقية التحكيم تنشئ في جانب الأطراف التزاما بإحالة النزاع المعين بها على هيئة التحكيم للبت فيه (الجزء الأول)، كما تمنع عليهم في نفس الوقت الالتجاء إلى الهيئات القضائية في خصوص ذلك النزاع (الجزء الثاني).


















ينص الفصل 2 م ت على إن "اتفاقية التحكيم هي التزام أطراف على أن يفضوا بواسطة التحكيم كل أو بعض النزاعات القائمة أو التي قد تقوم بينهم بشأن علاقة قانونية معينة تعاقدية كانت أم غير تعاقدية ".

ما نستخلصه من هذا الفصل، أن اتفاقية التحكيم تخفي بداخلها التزاما بوجوب إحالة النزاع الذي تعينه على هيئة التحكيم، معنى ذلك أنه على الأطراف أن يعملوا على تنفيذ ما جاء باتفاقيتهم كتعبير منهم على التزامهم بها واحترامهم لها. فهم مدعوون أولا إلى تكوين هيئة التحكيم (المبحث الأول) التي يعد وجودها أمرا مبدئيا وضروريا لإحالة النزاع على التحكيم، إذ لا يمكننا تصور تحكيم بدون هيئة تحكيم تبت في النزاع التحكيمي الذي تعينه اتفاقية التحكيم دون سواه، ولا يجوز لها النظر فيما عداه، بمعنى أن سلطتها في الفصل تتحدد بما ورد باتفاقية التحكيم التي منحتها هذه السلطة أو هذا الاختصاص (المبحث الثاني). فاتفاقية التحكيم إذن هي التي تمنح لهيئة التحكيم وجودها، وهي التي تمنحها الاختصاص.















سؤال مبدئي يطرح نفسه : ما معنى أن يكون الفرد ملزما باتفاقية التحكيم ؟.
هذا يعني أنه عليه إحالة النزاع على التحكيم، لكن العبارة الأصح هي أن يحيل النزاع على هيئة التحكيم لتفصل فيه، فما المقصود بهيئة التحكيم؟. قد نضطر إلى صياغة السؤال بصورة أخرى : متى وجدت هذه الهيئة ومن أين استمدت وجودها ؟.

إن وجود هيئة التحكيم يصبح متحتما بمجرد تحرير اتفاقية التحكيم، باعتبار أن إحالة النزاع على التحكيم غير ممكن ما لم توجد هيئة التحكيم، ومن ثم يتراءى لنا الترابط بين الالتزام بإحالة النزاع على التحكيم ووجود هيئة التحكيم، إذ لا يمكن للأطراف إحالة النزاع على التحكيم إلا بإيجاد هيئة تبت فيه فيكون تكوين هيئة التحكيم هو التنفيذ الفعلي لاتفاقية التحكيم أو هو التنفيذ الفعلي للالتزام بإحالة النزاع على التحكيم. ثم إن مجرد الالتزام عموما ليس غاية في حد ذاته، بل الغاية في تنفيذه، والتنفيذ في اتفاقية التحكيم لا يكون عمليا إلا بتكوين هيئة التحكيم التي ستقع إحالة النزاع عليها. وفي هذا الإطار يؤكد الأستاذ "فيليب فوشار" على أن وضع هيئة تحكيمية هو نتيجة لاتفاقية التحكيم، وهو يعد أثرا لها(1). إذن لا تتحقق آثار اتفاقية التحكيم إلا بتنفيذ الالتزامات المنجرة عنها، إذ لا طائل من التزام بدون تنفيذه، فالتنفيذ هو الذي يمنح النجاعة للالتزام ومن ثم يمنحها لاتفاقية التحكيم.

نخلص بذلك إلى أن تنفيذ الالتزام بإحالة النزاع على التحكيم المنجر عن اتفاقية التحكيم يكون حتما بتكوين هيئة التحكيم، وهذه المسألة تعرض لها المشرع في عدة مواضع من مجلة التحكيم، وتعامل معها وفق ما يقتضيه الطابع الليبيرالي الذي يسود المادة التحكيمية بأن جعل أمر تكوينها خاضعا لإرادة الأطراف إذ لهم الحرية في تحديد إجراءات تعيين أعضائها المحكمين (الفرع الثاني). على أن هذه الحرية تتضاءل دون أن تنتفي في خصوص اختيار المحكمين الذين يشترط فيهم المشرع شروطا معينة (الفرع الأول).

الـفـرع الأول
الشروط المتعلقة بالمحكمين

إن إقرار المشرع لشروط معينة يوجب توفرها في أعضاء المجلس التحكيمي لا يفيد بأي وجه وضع قيود لإرادة الأطراف، فهي شروط مرنة جدا بحيث لا نرى فيها ما يقيد حرية الأطراف(1)، ثم إنها مقررة لضمان حسن سير الدعوى التحكيمية ونزاهتها. وبالرجوع إلى أحكام مجلة التحكيم نلاحظ أن المشرع التونسي أورد صنفين من الشروط: الأولى تتعلق بشخص المحكم (الفقرة الأولى)، والثانية تهم عدد المحكمين (الفقرة الثانية).


الفقرة الأولى : الشروط المتعلقة بشخص المحكم :

"لئن كان المحكم يستمد شرعيته من اتفاقية التحكيم إلا أن القانون سوى بينه وبين القاضي في أداء الوظيفة القضائية ... وطالما أن المحكم خصه القانون بوظيفة القضاء فمن الطبيعي جدا أن يكون أهلا لذلك"(2). فخطورة المهمة الموكولة إليه هي التي جعلت المشرع يستوجب توفر بعض الشروط في شخص المحكم، وقد أوردها بالفصل 10 م ت الوارد بالباب الأول من مجلة التحكيم المتعلق بالأحكام المشتركة والذي جاء فيه ما يلي : " يجب أن يكون المحكم شخصا طبيعيا رشيدا كفءا ومتمتعا بكامل حقوقه المدنية بالاستقلالية والحياد إزاء الأطراف.
وإذا عينت اتفاقية التحكيم شخصا اعتباريا فإن هذا الشخص الاعتباري ينحصر دوره في تعيين هيئة التحكيم.
يجوز للقاضي أو للعون العمومي أن يكون محكما بشرط عدم الإخلال بالوظائف الأصلية والحصول على ترخيص مسبق من السلطة المختصة قبل القيام بأي مهمة في التحكيم.
وبالنسبة للعون العمومي يجب زيادة على ذلك أن لا تخل المهمة بمصالح الإدراة ".

وما يلاحظ في هذه الشروط الواردة بهذا الفصل أن منها ما هو موضوعي، وماهو ذاتي.

1- الشروط الموضوعية :

تتعدد هذه الشروط وتتنوع وهي كالآتي :

أ‌. يجب أن يكون شخصا طبيعيا :

إن إقرار المشرع لهذا الشرط مبرر بأمرين : الأول يقوم على إرادته في شخصنة التحكيم وإبراز علاقة الثقة التي يجب أن تربط المحتكم بالمحكم(1). فالعلاقة الشخصية بين الطرفين تعد دافعا هاما للتحكيم، فالمحتكم قد لا يرتاح إلى التحكيم كطريقة لفض النزاع ما لم يغمره الشعور بوجود من يدافع عنه ويضمن له عدم الإضرار بحقوقه، ومن ثم خول له المشرع حق اختيار محكمه. وهذا الاختيار لن نتخيل فيه اعتبارات أخرى يمكنه أن يقوم عليها غير الاعتبارات الشخصية. وتجدر الإشارة هنا إلى إمكانية تغييب عنصر الثقة، وذلك في حالة التحكيم النظامي بالخصوص. فقد تعمد بعض المراكز التحكيمية إلى إعداد قائمات مسبقة يجبر المحتكم على الاختيار منها، وإذا ما فضل الاختيار من خارجها فإن ذلك يبقى متوقفا على موافقة المركز.

وأما المبرر الثاني، فهو أن مهمة البت في النزاع الموكولة للمحكم لا يمكن لغير الشخص الطبيعي أن يقوم بها، ونعني "بغيره" الشخص الاعتباري الذي تحول بينه وبين هذه المهمة استحالة مادية بحتة. إذ لا يعدو أن يكون سوى تصور قانوني وهمي(2)، لا يمكنه ممارسة مهامه إلا بواسطة شخص طبيعي يمثله ؛ وبذلك لا سبيل لأن يكون محكما.

لكن ذلك لا يعني أننا نفينا عنه أي دور في التحكيم، إذ على العكس من ذلك فإن الفصل 10 م ت في فقرته الثانية ينص على أنه ّ" إذا عينت اتفاقية التحكيم شخصا اعتباريا فإن هذا الشخص الاعتباري ينحصر دوره في تعيين هيئة التحكيم". ما نلاحظه في هذه الفقرة أنها تؤكد المنع الوارد بشأن الشخص المعنوي، إذ أنه ولو في صورة غلط المحتكمين بتعيينه محكما، فإن المشرع تدخل ليمنع ذلك. ولكنه لا يرتب عن ذلك البطلان، بل أنه في المقابل يمنح له دورا بديلا وهو تعيين المحكم، وذلك في محاولة منه إلى إنقاذ العملية التحكيمية وجعلها تنتج جميع آثارها، وهو ما يبرز فلسفة المشرع باعتماد التحكيم كإجراء مواز لفض النزاعات.

وما يجب التنبيه إليه هو أن هذا الدور الموكول للشخص المعنوي لا يعد استثناء لمبدأ وجوب تعيين شخص طبيعي كمحكم كما ذهب إلى ذلك البعض(1)، فأن يكون المحكم شخصا طبيعيا فذاك مبدأ لا يعلق به أي استثناء، وهو قاعدة لا يمكن خرقها بأي حال من الأحوال. ثم إن هذه الفقرة الثانية من الفصل 10 م ت لا تتعلق البتة بالشروط المستوجبة في المحكم، وإن كان موقعها العام يوحي بعكس ذلك، وإنما تهم مسألة اختيار المحكم وبموجبها تصبح لعملية اختيار المحكم أو تعيينه صوريتن : الأولى، مباشرة وذلك حال صدورها عن المحتكمين أنفسهم، والثانية، غير مباشرة وذلك لو تمت من شخص آخر يقوم بدوره الوسيط بين المحتكم والمحكم. وقد يكون هذا الوسيط شخصا طبيعيا، أو شخصا معنويا على معنى الفقرة الثانية المشار إليها، فإذا كان كذلك فقد يكون مركزا تحكيميا، على أن ذلك لا يعني ضرورة أن التحكيم يصبح نظاميا فقد يكون كذلك وقد يكون تحكيما حرا كما سنرى ذلك لاحقا(2).

ب‌. يجب أن يكون رشيدا :

لقد نص الفصل 10 م ت على شرط الرشد دون أن يتعرض له بالتحليل مما يستوجب منا الرجوع إلى النظرية العامة للأهلية، وبها ينص الفصل 7 م ا ع على أن "كل إنسان ذكرا أو أنثى تجاوز عمره عشرين سنة كاملة يعتبر رشيدا بمقتضى هذا القانون "، ومن جهته ينص الفصل 153 م ا ش على أنه "يعتبر محجورا للصغر من لم يبلغ سن الرشد وهي عشرون سنة كاملة". واشتراط الرشد في المحكم أمر منطقي باعتباره يفترض النضج والخبرة(3)، وهذه أشياء يفترض توفرها في الرشيد دون القاصر، وإضافة إلى ذلك فإن هذا الشرط تحتمه أمور أخرى من بينها أن "المحكم مدعو إلى اتخاذ أعمال قانونية من أهمها الحكم الصادر عنه ؛ فلا تكون صحيحة وقابلة للتنفيذ إلى إذا صدرت عمن توفرت فيه الأهلية "(4)، ثم إن الرشد تحتمه المسؤولية التي قد تقوم في جانب المحكم لو أنه أخل بما أوجبه عليه الأطراف والقانون.

ولكن الرشد في المادة المدنية لا تتوقف ضرورة على بلوغ سن العشرين فقد يصير القاصر رشيدا بموجب أحكام الترشيد التي قررها المشرع في مواقع مختلفة. فقد يرشد الصبي المميز الذي بلغ خمسة عشر سنة من عمره، عملا بموجبات الفصلين 158 م ا ش الذي ينص على أنه " يمكن للحاكم ترشيد الصغير ترشيدا مقيدا، مطلقا" و 159 م ا ش الذي جاء فيه أنه " لا يمكن ترشيد الصغير إذا لم يتم الخامسة عشر". كما يمكن ترشيد الصبي الذي بلغ الثمانية عشر، عملا بأحكام الفصل 6 م تج الذي جاء فيه أنه :"لا يجوز للقاصر الذي بلغ الثمانية عشر عاما كاملة ذكرا أو أنثى أن يتعاطى التجارة أو يعتبر رشيدا بالنظر للتعهدات التي التزم بها في أعمال تجارية إّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّذا لم يحصل على ترشيده المطلق". والحالة الثالثة الأخيرة للترشيد في القانون التونسي هو الترشيد بموجب الزواج، فقد نص الفصل 153 على أن "زواج القاصر يرشده إذا تجاوز السابعة عشر من عمره فما يتعلق بحالته الشخصية ومعاملاته المدنية والتجارية".


إن الغاية من استعراض حالات الترشيد هو معرفة مدى أن يكون الصبي المرشد محكما؟. يرى البعض أن عبارات الفصل 10 م ت أتت واضحة ؛ حيث استوجبت الرشد في المحكم، ومن ثم فإن المشرع أراد استبعاد كل شخص لم يبلغ عمره عشرين سنة(1). قد لا نجاري هذا الرأي فيما ارتأى، رغم أننا لا نعيب عليه النتيجة التي انتهى إليها بقدر ما نعيب عليه ما استند إليه من وضوح في صياغة الفصل. فالاستناد إلى العبارة الواردة فيه وهي أن يكون المحكم "رشيدا " لا يمنع القاصر المرشد من أن يكون محكما. فالأهلية في القانون التونسي تكتسب بأمرين : بلوغ السن القانونية للرشد وهو المبدأ، أو بالترشيد وهو الاستثناء، وطالما كانت للمرشد أهلية الإلزام والالتزام فإنه بذلك يمكنه أن يكون محكما إلا إذا كان ترشيده مقيدا على معنى الفصل 158 م ا ش، فهو في هذه الحالة مأذون بالقيام ببعض الأعمال التي لو قام بغيرها كان اتيانه لها باطلا، أو كان ترشيده تجاريا على معنى الفصل 6 م تج، فالقيام بمهمة التحكيم لا نرى فيها عملا تجاريا على معنى الفصل 2 م ت. أما لو كان ترشيده مطلقا كما في حالة الفصل 158 م ا ش فإن الإمكانية تبقى متاحة للمرشد ما لم يقع الرجوع في الترشيد باعتباره مأذونا للقيام بجميع الأعمال المدنية والتجارية. أما الترشيد بموجب الزواج فإنه وإن يتراءى مقتصرا على مادة الأحوال الشخصية وإدارة الأعمال المدنية والتجارية، فهو واسع جدا بحيث لا نكاد نجادل في استيعابه مهمة التحكيم برغم ما قد ينجر عنها من التزامات عدة.

بهذا فإن القاصر المرشد يمكنه أن يكون محكما ما لم يكن ترشيده مقيدا أو مقتصرا على المادة التجارية، وهذه النتيجة منطقية جدا لو أننا التزمنا بالعبارة المذكورة آنفا فحسب. ولكن مقصد المشرع أبعد من أن يكون كذلك، فقراءة كامل الفصل 10 م ت والتعمق في جميع الشروط الأخرى التي يستوجبها تجعلنا ننفي عن القاصر، ولو كان مرشدا، أن يكون محكما. ونذكر بالخصوص شرط الكفاءة، فهذا الشرط وإن كان غير ذي معيار دقيق فإنه مفترض في الرشيد الذي بلغ العشرين سنة دون القاصر ولو تم ترشيده.

ولكن هل نكون بذلك قد حسمنا الأمور فعلا ؟. لا نعتقد ذلك خاصة ونحن نعلم أن الأهلية قد تعلق بها موانع تعدمها، أو عوارض تقيدها، فلا تتصور المجنون أو السفيه أو ضعيف العقل ... يمكن أن يكون محكما. ويضاف إليهم المفلس، والمحكوم عليه بعقوبة سجنية تفوق العشر سنوات، فجميع هؤلاء لا يتمتعون بكامل حقوقهم المدنية، وهذا شرط آخر ينص عليه الفصل 10 م ت، ولكننا لا نفهم الغاية من اشتراطه طالما أنه يؤدي إلى نفس النتيجة التي يؤدي لها شرط الرشد(1). قد تكون غاية المشرع زيادة التأكيد على احترام شرط الرشد وعدم مخالفته سواء تعلق الأمر بأحكام الترشيد أو بموانع أوعوارض الأهلية.

ج. قد يكون عونا عموميا أو قاضيا :

لقد خولت مجلة التحكيم للعون العمومي والقاضي بأن يكون محكما. وأول ما يثير الانتباه هو التمييز الذي قام به المشرع بينهما، فكأن القاضي لا ينتمي إلى سلك الموظفين العموميين؟. إذ من البديهي أنه كذلك، وهو يخضع إلى قانون الوظيفة العمومية بنفس خضوعه لأحكام قانونه الخاص به، فما سبب هذا التمييز ؟. قد يعزى ذلك إلى أن إرادة المشرع اتجهت إلى فتح المجال أمام القاضي بصورة خاصة ليكون محكما، خاصة وأن ذلك قد لا يتيسر له اعتمادا على القانون الأساسي للقضاة الذي يحجر عليه القيام بالاستفتاءات مثلا(2). كما قد يعزى الأمر إلى وجود تشريعات مقارنة تمنع على القاضي أن يكون محكما(3)، لذا ارتأى المشرع التونسي استبعاد الغموض الذي قد ينشأ لو أنه تغافل عنه.

ومهما يكن من أمر، فإن موقف المشرع لا يخلو من الوجاهة، إذ ما من شك في أن القاضي بحكم خبرته في القضاء سيساهم في إنجاح الخصومة التحكيمية وحماية حقوق الدفاع(4)، رغم أننا نستغرب عن كيفية إعادة إدخال القضاء وأعوان القضاء في نزاعات أراد لها الأطراف أن تخرج عن ولايتهم منذ البداية. كما إن إتاحة الفرصة للعون العمومي بأن يكون محكما يعد أمرا منطقيا طالما أجاز المشرع أن تكون الدولة والمؤسسات العمومية طرفا في التحكيم التجاري الدولي ثم أنه أدرى من غيره بالمسائل التي تكون الإدارة طرفا فيها(1).

ولكن هذه الإيجابيات لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحجب عنا الإشكاليات المنجرة خصوصا في جانب القاضي، فمن جهة أولى، قد يكون التوفيق بين مهمة القاضي والتحكيم دون المساس باستقلالية القضاء أمرا صعبا، وهو تساؤل ردده بعض أعضاء لجنة التشريع التي أعدت مجلة التحكيم، فكان الرأي الغالب بأنه لا وجود لتناقض بين الأمرين طالما كان التحكيم بدوره قضاء وإن كان خاصا, وبعض الدول تجيزه دون أدنى تحفظ كالدول الأسكندنافية(2)، في حين رأى البعض الآخر أن قيام القاضي بمهمة التحكيم سيكون على حساب حسن سير العمل القضائي، خاصة بالمحاكم التي تشكو تراكما هائلا في القضايا. ولكن محكمة التعقيب تنفي هذا الدفع صراحة، حيث جاء في قرارها عـ59073ـدد المؤرخ في 1 فيفري 1999 "إن مباشرة الرئيس الأول لمحكمة التعقيب ... التحكيم في النزاع بين الطرفين لا يخل بوظيفته الأصلية القضائية ... بدليل حصوله على الترخيص من طرف الإدارة الساهرة على المرفق القضائي". كما أن مشاركته في التحكيم ليس من شأنها أن تعطل سير القضاء أو تخل بوظائفه الأصلية، "باعتبار أن القانون يكفل تعويضه كلما تعذر عليه ممارسة وظائفه لأي مانع مادي أو قانوني مرخص فيه كالاستراحة أو التغيب في مهمة بالخارج أو المرض وما شابه ذلك"(3).

ومن جهة أخرى فإن تواجد القاضي من بين أعضاء المجلس التحكيمي قد ينجر عنه بعض المشاكل العملية، من ذلك أن حكم التحكيم الذي عادة ما يكون عرضة للتنفيذ الإجباري أو الطعن بالإبطال من المحتمل أن ينتهي مآله إلى نظر دائرة هذا القاضي أو أحد القضاة الذين ينتمون إلى سلطته. وأهم مثال للحرج الذي قد يجد القاضي نفسه فيه عندما يطلب منه عزل رئيس محكمة التعقيب أو الاستئناف، أو نقض قرارهما كمحكمين(4).

مشكلة أخرى تثار حول مدى إمكانية القاضي في أن ينظر في النزاع الذي سبق له النظر فيه كمحكم ؟. رغم غياب إجابة صريحة صلب مجلة التحكيم، إلا أن نعتقد أنها تكون بالنفي. فقد صرح أحد أعضاء مجلس النواب بأنه " يسمح للقاضي أن يكون محكما ... على ألا يكون قد نظر في النازلة التي تعهد بها أو أبدى رأيه بأي وجه من الوجوه في أحد فروعها "(5). ويتأكد هذا النص بقصد المشرع الذي تضمنته مجلة المرافعات المدنية والتجارية حيث ينص في أكثر من موضع على عدم إمكانية القاضي في البت في نفس الدعوى في مناسبتين اثنتين(1).

ولعل توقع المشرع لمثل هذه المشاكل جعلته يشترط في القاضي خصوصا، والموظف العمومي عموما شرطين اثنين : الأول، هو عدم إخلاله بوظائفه الأصلية وذلك لضمان قيامه لمهامه كاملة تجاه إدارته، والثاني، هو حصوله على الترخيص المسبق وذلك لتمكين الإدارة من مراقبة الأعمال الخارجية عن الوظائف الإدارية لمستخدميها. ويضاف في جانب الموظف العمومي شرط عدم الإخلال بمصالح الإدراة.

ولكن ماذا لو لم يحترم القاضي أو الموظف العمومي هذه الشروط ؟ ونعني بالخصوص شرط الحصول على ترخيص مسبق ؟ قد نفكر في بطلان حكم التحيكم الصادر عنهما على أساس وجود خلل في تكوين هيئة التحكيم على معنى الفصل 42 خامسا م ت بالنسبة للتحكيم الداخلي، والفقرة "د" من الفصل 78-2 أولا م ت بالنسبة للتحكيم الدولي.لكن هذا الحل لم يلق له رواجا يذكر لدى الفقه، إذ "ليس من العدل والإنصاف أن يخطئ العون العمومي أو القاضي في حق إدارته ويتضرر المحكوم له في حكم تحكيم من خطأ لم يرتكبه وأحيانا لا يكون شاعرا بوجوده"(2).

ثم إن عبارة "المحكم" وردت بالفصل 10 م ت مطلقة بحيث تؤخذ على إطلاقها، ولا يجوز التمييز حيث لم يميز القانون معنى ذلك أن المحكم قد يكون شخصا تونسيا، كما قد يكون أجنبيا. ويتأكد هذا الأمر على الأقل في التحكم الدولي حيث ينص الفصل 65-1 م ت صراحة على أنه " لا يمنع أي شخص بسبب جنسيته من العمل كمحكم ما لم يختلف الأطراف على ذلك".

وفي المقابل فإننا لا نرى في سكوت المشرع في التحكيم الداخلي منعا له، بقدر ما نراه إجازة ضمنية(3)، فالأصل في الأشياء الإباحة. ثم إنه ما المانع من الاستفادة بالخبرات الأجنبية ولو في تحكيم داخلي. يمكن القول إذن أن المحكم يمكن أن تكون جنسيته أجنبية، فإن كان كذلك، فهل يعقل أن نطالبه بترخيص قد لا يشترطه قانونه الوطني، بناء على قانوننا الوطني؟ وهل يقبل القاضي الأجنبي أن يثير أحد الأطراف أن أحد المحكمين التونسيين لم يحصل على ترخيص تطبيقا لقانونه الوطني ؟(4)ًَُّ.

وينتهي جانب من الفقه إلى أن "اشتراط الترخيص بالنسبة للعون العمومي أو القاضي ... يجب أن يوضع في إطاره الصحيح، وهو كونه قاعدة سلوكية مثل سائر القواعد السلوكية الواردة بقانون الوظيفة العمومية أو القانون الأساسي للقضاء أو غيرهم من الأعوان العموميين. وكان من الأولى إتمامها في هذه القوانين الأساسية. لأن مجلة التحكيم ليست مكانها المناسب، ومادامت قاعدة سلوكية فإنه لا أثر لها إلا بين العون وإدارته فحسب، ولا يعارض بها الغير وخاصة أطراف اتفاقية التحكيم "(1). ومن ثم فإن الجزاء القانوني المناسب لغياب الترخيص هو تسليط عقاب تأديبي، ولا يمكن له أن يؤدي إلى إبطال حكم التحكيم.

ورغم كل هذه المستندات التي انبنى عليها الفقه فإن فقه القضاء التونسي كان له رأيا مغايرا جاء خصوصا بالقرار الاستئنافي المدني الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس تحت عدد 25 بتاريخ 10 فيفري 1998 والذي ورد فيه ما يلي :"وحيث أن جزاء مخالفة أحكام الفصل 10 م ت في خصوص الرخصة الإدارية المسبقة لا يمكن أن يقتصر على عقاب تأديبي للعون المخالف وذلك لسببين :
أولا : لأن العقاب التأديبي بسبب القيام بنشاط مقابل دون إذن السلطة الإدارية منصوص عليه بقانون الوظيفة العمومية والمفروض في المشرع عدم التكرار، فلا جدوى في تكرار ذلك الجزاء بمجلة التحكيم.
ثانيا : لأن العقاب التأديبي غير كاف وغالبا ما يكون متعذرا للحصول، فلا مناص من القول أن جزاء غياب الرخصة هو عدم توفر صفة المحكم في العون العمومي المباشر لإجراءات التحكيم خصوصا وأن المشرع استعمل في مطلق الفقرة الثانية من الفصل 10 عبارة "لا يجوز" التي تفيد ذلك ؛ وأن انعدام صفة المحكم في جانب أحد أعضاء الهيئة يؤدي إلى اعتبار هيئة التحكيم متركبة بصفة غير قانونية مما يجعل القرار التحكيمي حريا بالإبطال عملا بالفصل 42 م ت"(2).

ولكن فقه القضاء تراجع عن هذا الموقف حيث اعتبر أن "المشرع ارتأى تحديد صور البطلان وعددها على سبيل الحصر ضمن الفصل 42 م ت ، ولم تكن من ضمنها مسألة الترخيص المسبق من سلطة الإشراف بالنسبة للمحكم الذي باشر التحكيم دون الحصول على تلك الرخصة سيما وإن الفصل العاشر م ت لم يقتض البطلان ولم يرتب جزاء عن تخلف الرخصة"(3). ثم "إن مخالفة القاضي أو المأمور العمومي بقبوله عضوية هيئة تحكيمية خلافا لتلك الأحكام ليس من شأنه أن يبرر طلب أي من الطرفين المتنازعين إبطال القرار الذي شارك فيه طالما توفرت فيه شروط الكفاءة والتمتع بالحقوق المدنية والاستقلالية والحياد إزاء الأطراف في النزاع التحكيمي المعروض عليه، وإنما يخول للإدارة التي يتبعها مؤاخذته تأديبيا عند الاقتضاء بناء على العقد الإداري الذي يربطهما"(1).

وبذلك يتفق الفقه وفقه القضاء على حد السواء على أن غياب الترخيص المسبق لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يجهض العملية التحكيمية.

2- الشرواط الذاتية :

هي شروط تتعلق بالصفات الجوهرية في شخص المحكم ولا يكون اكتسابها مخولا لجميع الناس باعتبار سنة الاختلاف بينهم، وقد تعرض المشرع لثلاثة منها صلب الفصل 10 م ت ؛ ويمكننا دراستها في فقرتين اثنتين : شرط الكفاءة (أ) وشرطي الحياد والاستقلالية (ب).

أ‌. شرط الكفاءة :

إن العبارات الواسعة التي يعتمدها الفصل 10 م ت تؤد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ   رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Emptyالثلاثاء أبريل 19, 2011 11:35 am


2- سكوت الأطراف عن إجراءات تعيين المحكمين :

مثلما كان للأطراف الحرية في تحديد إجراءات تعيين محكميهم فإنه لهم نفس الحرية في السكوت عن ذلك تماما، باستثناء حالة الاتفاق على التحكيم في التحكيم الداخلي حيث لا يجوز السكوت عملا بأحكاما لفصل 17 الذي يوجب التسمية المباشرة للمحكمين كشرط صحة للاتفاق على التحكيم، والسؤال المطروح هو : ما العمل إزاء هذا السكوت ؟.

إن الأمر ليس بالوضوح اللازم في التحكيم الداخلي باعتبار أن المشرع، وكما رأينا، جعل من فرضية السكوت أمرا ممكنا في الشرط التحكيمي، ومع ذلك لم يتكفل بإعطاء حلول لتجاوزها مثلما فعل في التحكيم الدولي، على أننا نرى أنه -وتماشيا مع الأساس التعاقدي للتحكيم- يمكن للأطراف تدارك هذه الثغرة بالاتفاق بينهم وربما في هذا الحل انسجاما مع أحكام الفصل 18 م ت الذي ينص على أن تجاوز العدد الزوجي للمحكمين قد يكون باتفاق الأطراف، كما أن هذا الحل يجعل من الشرط التحكيمي ينتج جميع أثاره.

أما في التحكيم الدولي -وإن كان الأمر أكثر وضوحا- فإنه لا يخلو من بعض الغموض ذلك أن الفصل 56-3 م ت ينص على أن الأطراف : "إذا لم يكونوا قد اتفقوا على ذلك يتبع الإجراء التالي ..." قد نتساءل هنا عن موضوع هذا الاتفاق ؟ الإجابة تكون بالرجوع إلى الفقرة 2 من نفس الفصل إذ ينص على أنه : " للأطراف حرية الاتفاق على الإجراء الواجب اتباعه في تعيين المحكم أو المحكمين ...". إذن فالمشرع صلب الفقرة 3 من الفصل 56 م ت يتحدث عن حالة سكوت الأطراف عن الإجراء الواجب اتباعه في تعيين أعضاء المجلس التحكيمي، وهو بذلك يجعل منها فرضية واردة الوقوع في الشرط التحكيمي كما في الاتفاق على التحكيم دون تمييز. ولكن معالجته للأمر كانت بالتمييز بين حالتين : التحكيم بثلاثة محكمين والتحكيم بمحكم فرد. وهذه الحالة الثانية هي مصدر الغموض ذلك أننا لا نرى فيها سكوتا وإنما يكون الأمر كالآتي : إذا اتفق الأطراف على أن يكون التحكيم بمحكم فرد ولكنهم لم يتفقوا على هذا المحكم، ذلك أن السكوت وعملا بموجبات الفصل 55 م ت مفاده ضرورة أن يكون التحكيم بثلاثة محكمين. وقد نحاجج بكونه لا يوجد فرق بين السكوت عن عدد المحكمين والسكوت عن إجراءات تعيين المحكمين. ولكننا نرى أن عدد المحكمين ليس إلا عنصرا من العناصر المكونة لكامل إجراءات تعيينهم ومن ثم فمتى تم السكوت عن الإجراء بكامله فذاك مفاده السكوت عن عدد المحكمين أيضا والذي لن يكون في هذه الحالة سوى ثلاثة.

نخلص إذن إلى النتيجة التالية : وهي أنه وحدها الفقرة "أ" من الفصل 56-3 م ت تعد سكوتا عن إجراءات تعيين المحكمين، ويتم تدارك هذا السكوت بأن يعين كل طرف محكمه على أن يقع تعيين المحكم الثالث من طرف المحكمين المعينين سابقا. في حين أن الفقرة "ب" تعد عدم اتفاق على تعيين المحكم عندما يكون فردا لا غير.

فالحل إذن في حالة السكوت عن الإجراءات الواجب اتباعها في تعيين المحكمين يكون أولا بالرجوع إلى الفصل 55 م ت الذي ينص على أنه عند السكوت يكون عدد المحكمين ثلاثة، ثم يقع تعيينهم وفق مقتضيات الفقرة "أ" من الفصل 56-3 م ت التي جاء فيها ما يلي : "... يعين كل طرف محكما ويقوم المحكمان المعينان على هذا النحو بتعيين المحكم الثالث وإذا لم يقم أحد الأطراف بتعيين المحكم خلال ثلاثين يوما من تسلمه طلبا بذلك من الطرف الآخر أو إذا لم يتفق المحكمان على المحكم الثالث خلال ثلاثين يوما من تعيينهما وجب أن يقوم بتعيينه بناء على طلب أحد الأطراف الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس بقرار استعجالي".

ويمكننا إبداء بعض الملحوظات في خصوص هذا الفصل :
أولا : أنـه لـم يبين إن كان المحكم الثالث هو الذي سيـتـكفل بالرئـاسة أم لا على أننا نرجح كفة الحل الأول.
ثانيا : إن هذا الفصل لم يعط حق تعيين المحكم الثالث للأطراف، وقد نستغرب منه ذلك خاصة وأن حق تعيين المحكم هو من الامتيازات الممنوحة للأطراف في التحكيم، على أننا نشير إلى أن هذا الحل ليس مقتصرا على الفصل 56 م ت بل كرسه أيضا الفصل 18 م ت في التحكيم الداخلي عند تصحيح عدد المحكمين إن كان شفعا، كما نجده في القوانين المقارنة وأنظمة مؤسسات التحكيم. وقد يرى البعض أن في ذلك بحث على السرعة في تعيين المحكمين. ولكننا نتساءل هل أن فرضية الاختلاف الذي قد يعطل تكوين هيئة التحكيم مقتصر على الأطراف دون المحكمين ؟. إننا نرى هؤلاء هم أيضا عرضة للوقوع في الخلاف، وما الحل الذي أورده المشرع بضرورة الاستنجاد بالقضاء العدلي إلا دليل على ذلك. ثم إننا نشاطر الرأي القائل بأن في ذلك بحث عن تكوين متكامل ومنسجم لهيئة التحكيم ؛ فالمحكم الثالث سيكون محل ثقة متبادلة من قبل المحكمين فهما من عيناه، وهو ما سينعكس بالإيجاب على فصل النزاع.
ثالث الملاحظات وآخرها هي تتمة لما قيل سابقا، وهو أن الحل الوارد بالفصل 56 م ت يتراءى لنا وأنه يتعلق بالتحكيم الثنائي الأطراف فحسب. فما العمل لو أن التحكيم كان متعدد الأطراف وتمسك كل طرف بحقه في تعيين محكمه؟. ولكن هذا الاتجاه الذي انتهجه الفصل 56 م ت هو نتيجة لما ورد بالفصل 55 م ت ومن ثم فإن المؤاخذة توجه ضد الفصل 55 م ت لا الفصل 56 م ت .


الفقرة الثانية : في التحكيم النظامي :

ينص الفصل 13 م ت على أنه : "في صورة التحكيم لدى مؤسسة تحكيم فإن هذه المؤسسة تتولى تنظيمه طبق نظامها". هذا يعني أن التحكيم يكون نظاميا عندما يكون منظما ومراقبا من طرف مؤسسة التحكيم التي يكون نظامها منطبقا ؛ هذا النظام الذي يتضمن حتما قواعد تهم مسألة تكوين هيئة التحكيم.

ولكننا نلاحظ بداية أن التجاء الأطراف إلى مؤسسة تحكيم يخفي داخله نوعا من الغرابة، فحرية الأطراف هي من البداهة جوهر المادة التكميلية ويتجلى ذلك بوضوح في إمكانية التنظيم المستقل لجميع إجراءات التحكيم كما لوكان عليه الأمر في التحكيم الحر، ولكن مع ذلك يتنازل الأطراف عن جزء من هذه الحرية لفائدة مركز التحكيم الذي يكون نظامه ملزما لهم بالضرورة، فما الذي يدفعهم إلى ذلك ؟. إن هذه الغرابة تزول حتما لو عرفنا غاية الأطراف في التحكيم النظامي، فالذي يدفعهم إليه هو بحثهم عن الراحة والطمأنينة اللتين يوفرهما مركز التحكيم بفضل ماله من تجربة وخبرة في الميدان إضافة إلى إدارته الحسنة للنزاع. وكل هذا من شأنه أن يمنع عرقلة أو إطالة الخصومة التكميلية نتيجة لإهمال أحد الأطراف أو المحكمين أو لسوء نيتهم.

ثم إن مركز التحكيم ملزم بتوفير هذه الراحة نتيجة للواجب المحمول عليه باحترام الضمانات الأساسية للإجراءات. فتكون بذلك هذه الراحة النفسية هي المقابل الذي يحصل عليه الأطراف مقابل تفريطهم لجزء من حريتهم في إدارة النزاع لفائدة مركز التحكيم.

ولكننا نتساءل هنا : هل أن هذا الحد من حرية الأطراف في تحديد إجراء تحكيمهم يمتد إلى مرحلة سابقة عنها وهي إجراءات تعيين المحكمين(1) ؟. قد نعيد صياغة السؤال على النحو التالي : هل أن حرية الأطراف في تعيين محكميهم في إطار التحكيم الحر تنتفي أو على الأقل تتضاءل لو أننا إزاء تحكيم نظامي ؟.

إن مبعث هذا التساؤل هو الوضع الخاص لاتفاقية التحكيم في التحكيم النظامي مقارنة بوضعها في التحكيم الحر. فهي عندما تحيل على نظام مؤسسة تحكيمية فإن هذا الأخير يصبح أحد مكوناتها، بمعنى أنـه يصبح بمثابة أحد بنودها التعاقدية وهو بذلك – وعمـلا بأحكام الفصل 242 م ا ع- يكون ملزما لطرفيه. وإذا ما علمنا أن نظام التحكيم يتضمن عادة قواعد تهم تشكيل هيئة التحكيم فإننا بذلك نخلص إلى نتيجتين يفرزهما وجود هذا النظام :
الأولى : أن ذلك حتما يؤثر في مسألة تكوين المحكمة التحكيمية
والثانية : أنه يؤدي إلى بروز عراقيل وصعوبات من نوع خاص تعترض تكوين هيئة التحكيم إلى جانب العراقيل المتحدث عنها في التحكيم الحر.

وعليه فإنه يصبح من الضروري بيان مدى حرية الأطراف في تعيين محكميهم في إطار التحكيم النظامي(1) والعراقيل التي تعترض تكوين هيئة التحكيم(2).



1- تعيين المحكمين :

إن تعيين الأطراف لمحكميهم يتم وفقا لإرادتهم "فمن يقول اختيار المحكمين يقول حرية في الاختيار"(1) ولكن هذه الحرية الممنوحة للأطراف في تعيين محكميهم (أ) ليست على إطلاقها إذ أن لها حدودا تقف عندها (ب)، فإضافة إلى التقييد الوارد بشأن شخص المحكمين وعددهم توجد قيود أخرى في مجال التحكيم النظامي مأتاها نظام مؤسسة التحكيم.

أ‌. حرية الأطراف في تعيين محكميهم :

إن المبدأ هنا هو نفسه الذي يسود المادة التحكيمية عموما، وهو كون اختيار المحكمين أمر موكول لإرادة الأطراف بكامل الحرية. إذ أن مؤسسة التحكيم ليس دورها تعيين المحكمين -وإن كان ذلك مخول لها كما سنرى- بل إن دورها الأساسي "يقتصر على إدارة الخصومة التحكيمية"(2) أي السهر على تنفيذ ومراقبة إجراءات التحكيم ونحن قد رأينا أن مسألة تعيين المحكمين لا تعد من إجراءات التحكيم، وبذلك فإن اختيار المحكم يبقى حقا وامتيازا ممنوحا للأطراف لا يمكن المساس به بل أنه على مركز التحكيم السهر على عدم الإضرار بهذا الحق الجوهري(3).

كما أن دور مركز التحكيم لا يتمثل في فصل النزاع(4) وهذا ما يقرره بوضوح الفصل 10 م ت الذي ينص على أنه : "إذا عينت اتفاقية التحكيم شخصا اعتباريا فإن هذا الشخص ينحصر دوره في تعيين هيئة التحكيم". على أننا هنا ننبه إلى عدم الخلط بين هذا الفصل والفصل 13 م ت الذي يقر مبدأ التحكيم النظامي. فبالرجوع إلى بقية فقرات الفصل 10 م ت نلاحظ أنها تتعلق بالشروط الواجب توفرها في المحكم حتى يكون جديرا وأهلا للقيام بدوره على أفضل وجه، ومن بين هذه الشروط أن يكون شخصا طبيعيا لا اعتباريا، فإن أخطأ الأطراف وعينوا شخصا معنويا ليقوم بمهمة التحكيم فإن هذا الأخير ينحصر دوره فقط في تعيين المحكم لا غير. وإن كان من الممكن أن يكون هذا الشخص الاعتباري مركزا تحكميا فلا يجب أن يؤدي ذلك إلى اعتبار الأمر من قبيل التحكيم النظامي إذ لا يجـوز الخلط بين الفصل 10 م ت و13 م ت أو حتى المقاربة بينهما(1). فتعيين مركز التحكيم اعتمادا على موجبات الفصل 10 م ت لا يفيد أننا إزاء تحكيم نظامي إذ أن دوره ينحصر هنا في تعيين المحكم، وحتى مسألة إدارة الخصومة التحكيمية فتلك مسألة تخرج عن أنظاره إلا إذا نص الأطراف على ذلك. والتحكيم لا يكون نظاميا إلا إذا كان مؤسسا على أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 13 م ت، أي أن يكون الالتجاء إلى مركز التحكيم بغاية تنظيم التحكيم وفق نظامه، لا على أساس فصل النزاع. وحتى اعتماد نظام تحكيم معين -ولو كان نظام مؤسسة تحكيم- وفقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 13 م ت لا يجعل التحكيم نظاميا؛ فالأمر في كلا الحالتين لا يعدو أن يكون إلا تحكيما حرا فحسب.

نعيد التأكيد إذن على أن الأطراف لهم الحرية الكاملة في تعيين محكميهم كما لو كان عليه الأمر في التحكيم الحر، ولكن الاختلاف بين المجالين يكمن في أمرين : الأول هو أن تنظيم الإجراءات اللاحقة لتكوين هيئة التحكيم تخضع لإرادة الأطراف أو محكميهم في التحكيم الحر، في حين أنها في التحكيم النظامي تتم وفق نظام مركز التحكيم الذي يتكفل مهمة المدير لهذه الإجراءات. والثاني يتمثل في كون مركز التحكيم يتدخل في تكوين هيئة التحكيم عند سكوت الأطراف، كأن يقوموا بالاتفاق على مبدأ التحكيم ويكتفون بالإحالة على المركز التحكيمي لا أكثر. وهنا يتم تعيين المحكمين من قبل الأطراف وفقا للإجراءات المبينة بنظام التحكيم دون حاجة للرجوع إلى الإجراءات المبينة بمجلة التحكيم فيكون بذلك تدخل مركز التحكيم ذو طابع تكميلي(2). مع الملاحظة أن تدخله على أساس الفصل 10 م ت لا يهم مجال حديثنا باعتباره لا يعد تحكيما نظاميا.

ب‌. حرية الأطراف في تعيين محكميهم ؛ حرية مقيدة :

إن إحالة النزاع على مؤسسة التحكيم في التحكيم النظامي مفادها حتما اعتبار نظام هذه المؤسسة بمثابة البند التعاقدي المدرج باتفاقية التحكيم، ومن ثم فلا نخال الأطراف بإمكانهم تجاهل هذا النظام أو تجاوزه.

ومن البديهي أن نظام مركز التحكيم يتضمن عادة قواعد تهم تكوين هيئة التحكيم والعراقيل التي تعترضه. نحن إذن إزاء إرادتين مختلفين تهمان نفس المسألة : إرادة الأطراف من جهة، وإرادة مركز التحكيم المضمنة بنظامه من جهة أخرى، وهاتين الإرادتين المختلفتين قد تتطابقان وعندها لا وجود لأي إشكال، أما إذا اختلفتا فهنا يثار المشكل. فقد يقع الاختلاف في خصوص عدد المحكمين ؛ كأن ينص نظام مركز التحكيم على أن عدد المحكمين يكون وجوبا ثلاثة، فهذا من شأنه مثلا أن يتعارض مع حالة التحكيم المتعدد الأطراف حيث يتشبث كل طرف بحقه في اختيار محكمه. في هذه الحالة نعتقد أنه -منذ البدء- على الأطراف عند تحريرهم لاتفاقية التحكيم التحقق من مدى تطابق إرادتهم مع نظام مؤسسة التحكيم المزمع اختياره. وما نلاحظه أن مجرد هذا التنبيه في حد ذاته من شأنه أن يحد من حرية الأطراف. على أنه وإن حصل عدم التطابق فإننا نرى أنه على مركز التحكيم أن "ينحني" أمام اتفاق الأطراف اعتمادا على مبدأ حرية الأطراف في التحكيم(1).

أما عند سكوت الأطراف عن عدد المحكمين، فإن ذلك يتم طبعا وفق نظام مركز التحكيم ودون ضرورة إلى الرجوع إلى الأحكام الواردة بمجلة التحكيم. على أن الأطراف في هذه الحالة يمكنهم تدارك هذا "النسيان" عند تقديمهم لطلب التحكيم من قبل الطالب، أو الجواب على ذلك من قبل المطلوب. كما أن سكوتهم عن عدد المحكمين لا يفيد حرمان الأطراف من حق اختيار محكميهم بكامل الحرية إذ لا دخل لمركز التحكيم في ذلك.

ولكن ما نلاحظه في الواقع التحكيمي أن الحد الحقيقي لإرادة الأطراف يكمن في عملية الاختيار في حد ذاتها. وسبب ذلك هو أن عدد المراكز التحكيمية تضع على ذمة المحتكمين قائمات تتضمن أسماء المحكمين المعتمدين لديها، وهذا من شأنه أن يضعف حريتهم في الاختيار. ثم إن هذا الأمر قد يدخل الارتباك على علاقة المحتكم بالمحكم والمتمثل في عنصر الثقة بينهما. على أنه تجدر الإشارة إلى أن عنصر الثقة لا يتعارض مع مبدأ حياد المحكم، فهذه العلاقة تقوم على هذين المفهومين معا على أن يكون تواجدهما في انسجام تام(2). ولكن إعداد هذه القائمات لا يعني ضرورة عدم قدرة الأطراف على اختيار محكمين من خارجها. ولكن في هذه الحالة، وإن يستعيد الأطراف حريتهم فإن هذه الحرية قد تصطدم بعارض آخر قد ينص عليه نظام التحكيم وهو وجوب مصادقة مركز التحكيم على هذا المحكم القادم من خارج قائمته. ويعمد مركز التحكيم إلى هذه التقنية لغايات عدة : منها التأكد من خلو المحكم من أسباب التجريح قبل التكوين النهائي لهيئة التحكيم وخاصة منها مسألة استقلالية المحكم عن المحتكم(3)، كذلك قد تكون الغاية هي التحقق من كفاءة المحكم، وعموما مدى توفر الشروط المستوجبة فيه قانونا.

وهنا على الأطراف -عند عدم تأكدهم من توفر هذه الشروط- الاتصال بمركز التحكيم قبل تعيين المحكم حتى يتجنبوا المشاكل التي قد تنشأ عن عدم المصادقة، ومنها بالخصوص إطالة النزاع. إذن فهذه المصادقة وإن كانت في جانب منها حد لحرية الأطراف بأن تدفعهم إلى الاختيار من القائمة المعدة من مركز التحكيم، فإنها في جانبها الآخر تعد وسيلة لحماية الأطراف من التعيين الاعتباطي للمحكمين، ومن ثم ضمان القدر الأوفر من الكفاءة والحياد والاستقلالية لأعضاء المجلس التحكيمي.

ولكن الأمر يزداد "سوءا" في الحالات التي يعمد فيها مركز التحكيم إلى اختيار المحكم بنفسه، حارما بذلك الأطراف من حق جوهري. ويكون ذلك عادة في حالة التحكيم بمحكم فرد أو في حالة تعيين المحكم الثالث في التحكيم بثلاثة محكمين(1).

ما يمكن استخلاصه أن تدخل مركز التحكيم في تعيين المحكمين يبقى أمرا واردا على أن ذلك يجب ألا يكون بدون قيد لأن في ذلك قيد لحرية الأطراف.

2- عراقيل تكوين هيئة التحكيم :

إن اتفاقية التحكيم التي تحيل على نظام مؤسسة تحكيم هي في الحقيقة قائمة على علاقتين قانونيتين أو هي وعاء لعقدين اثنين(2) :
فأما الأول فهو المبرم بين الطرفين والذي بموجبه تم إقرار مبدأ الالتجاء إلى التحكيم، ويمكن تسميته بـ"الاتفاق على مبدأ التحكيم"(3).
وأما الثاني فهو المبرم بين المحتكمين من جهة، ومركز التحكيم من جهة أخرى ؛ ويمكن تسميته بـ"عقد التحكيم النظامي"(4). وهو عقد يمكن اعتباره "وكالة ذات مصلحة مشتركة"(5) بالأساس، وهو "عقد مؤسسةّ" في بعض جوانبه(6). وما نلاحظه في هذا العقد الثاني أنه يتضمن نظام التحكيم، وعليه فإن الالتزامات الناشئة في جانب مركز التحكيم تجد مصدرها في عقد التحكيم النظامي.

إن هذه الثنائية في العلاقات القانونية أفرزت ثنائية من نوع آخر وهي ثنائية الصعوبات التي تعترض تكوين هيئة التحكيم في التحكيم النظامي(7). الأولى تتعلق بتكوين هيئة التحكيم في معناه الواسع، وذلك عند نشوب عارض يعطل هذا التكوين. والثانية تتعلق بتطبيق نظام التحكيم في فروعه المتعلقة بتكوين هيئة التحكيم وهذا من شأنه أن يعطل هذا التكوين.

أ‌. عراقيل مصدرها تنفيذ عقد التحكيم النظامي :

كنا قد ميزنا بين عقدين اثنين يكونان معا اتفاقية التحكيم وهما : الاتفاق على مبدأ التحكيم وعقد التحكيم النظامي. ولعل هذا التمييز يدفعنا بشدة إلى طرح تساؤل على غاية من الدقة -سبقنا إلى طرحه الأستاذ "دي بواسيزون"–(1) ويتمثل في مدى استقلالية كل عقد عن الآخر؟، بمعنى أنه هل يمكن فسخ أو إبطال عقد التحكيم النظام دون أن يؤثر ذلك على صحة الاتفاق على التحكيم؟. ويستمد هذا السؤال مشروعية طرحه في هذا المجال من إمكانية مطالبة المحتكمين بالفسخ أو البطلان لا لشيء سوى المناورة ومن ثم تعطيل تكوين هيئة التحكيم، وربما يؤدي الأمر إلى إجهاض عملية التحكيم من أساسها. واعتبارا إلى أن الفسخ أو البطلان لا يمكن المطالبة بهما إزاء عقد لم ينعقد بعد فإنه يجدر بنا أولا التعرض إلى تكوين هذا العقد : كيفية وزمانا.

قد نستنجد هنا بخبرة الأستاذ "فوشار"(2) الذي يرى أن الموجب في هذا العقد هو مركز التحكيم ؛ بما أنه يعبر عن إرادة دائمة لفائدة شخص غير معين بذاته نتيجة لعرض نظامه للعموم. وأما القابل فهم المحتكمون الذين يعبرون عن إرادتهم باعتمادهم التحكيم النظامي عند تحرير اتفاقية التحكيم. ولكن العقد لا ينعقد إلا بعلم الموجب -وهو مركز التحكيم- بصدور القبول عن القابل –وهم الأطراف- أي عند تسلمه مطلب التحكيم. وانطلاقا من هذه اللحظة ينتج عقد التحكيم النظامي آثاره تجاه الطرفين، وخصوصا تجاه مركز التحكيم الذي يعتبره "فوشار" وكيلا مشتركا لطرفي النزاع(3)، بعد أن كيف العقد على أنه وكالة ذات مصلحة مشتركة بالأساس رغم ما قد توحي به الخدمات التي يقدمها المركز للمحتكمين من كونه "عقد مؤسسة"(4).

إن النتائج التي انتهى لها "فوشار" نراها مقبولة، وجد معقولة. كما نرى أن بلوغها أمرا متاحا، ولكن أن نسلك نفس المسلك لبلوغها فذاك أمر قد يتعارض مع أحكام القانون التونسي لسببين على الأقل : فأما أولهما لأننا نرى في عقد التحكيم النظامي –وفق التحليل الذي اعتمده الأستاذ "فوشار"- تعاقدا بين غائبين. ذلك أنه بالإضافة إلى عدم اجتماع طرفيه في مجلس واحد، فإنه عادة ما توجد فترة زمنية تفصل صدور القبول من المحتكمين عن علم مركز التحكيم به، إذ من المفترض في هذا العلم أن يحصل ساعة تسلمه طلب التحكيم. ويزداد الأمر وضوحا في حالة الشرط التحكيمي ؛ إذ يعبر الأطراف عن إرادتهم بالقبول والنزاع نفسه لم ينشب بعد. ولو عدنا إلى الفصل 28 م ا ع -أي النص المنظم بين غائبين- لوجدناه ينص على أنه : "يتم العقد بالمراسلة في وقت ومكان إجابة الطرف الآخر بالقبول" ؛ يتكون العقد إذن منذ إعلان القبول(1). وقد يرى فيه البعض شرطا تعليقيا ؛ وهو شرط وصول الجواب إلى الموجب قبل انقضاء الأجل الصريح أو الضمني، فإذا تحقق هذا الشرط قام العقد بصفة نهائية، ولكن من وقت إعلان القبول(2) لا من وقت علم الموجب به كما ذهب إلى ذلك الأستاذ "فوشار".
أما الثاني فلأننا نرى فعلا في مركز التحكيم وكيلا مشتركا للمحتكمين، ولكننا لا نرى فيه الطرف المـوجب، فــأن يكون الوكيـل موجبا فذاك الأمر لا يستقيم، وتكفي قراءة سريعة لـنص الفصل 1109 م ا ع الذي جاء فيه أن : "الإيجاب يمكن أن يكون صريحا أو بالدلالة ... ويكون قبول التوكيل بالدلالة أي بقيام الوكيل بما وكل عليه ..." هذا يعني أن الإيجاب يصدر عن الموكل في حين يصدر القبول عن الوكيل. وبذلك فإننا نرى الموجب في عقد التحكيم النظامي باعتباره عقد وكالة، هم المحتكمون الذين يعبرون عن إرادتهم في الإيجاب ساعة تحريرهم لاتفاقية التحكيم، ويؤكدونها بطلب التحكيم. في حين لا نرى في مركز التحكيم إلا قابلا يعبر عن إرادته في القبول ساعة تسلمه طلب التحكيم من المدعي، والمبادرة ببدء إجراءات التحكيم، وأما عرض نظامه للعموم فقد لا نرى فيه سوى دعوى للتعاقد لا غير. وعلى هذا الأساس فإن عقد التحكيم النظامي يتكون بمجرد تسلم طلب التحكيم.

ها نحن إذن إزاء عقد تحكيم نظامي قائم، فكيف زواله؟. قد يزول هذا العقد بالفسخ. والفسخ في الوكالة قد يكون بعزل الوكيل عملا بموجبات الفصل 1157 م ا ع المتعلق بانتهاء التوكيل. ولكن بما أننا هنا إزاء موكلين اثنين -وهما طرفي اتفاقية التحكيم- فإن العزل لا نفاذ له ما لم يكن نتيجة لاتفاق إرادتيهما معا على ذلك، تماشيا مع أحكام الفصل 1162 م ا ع الذي ينص على أنه : "لا يجوز عزل الوكيل المنصوب من عدة أشخاص في أمر واحد إلا برضاهم جميعا ...".

لكن ماذا لو أخل مركز التحكيم بالتزاماته المتمثلة في تنفيذ ما جاء بنظامه في جانبه المتعلق بتكوين هيئة التحكيم ؟ فهل يمكن لأحد الأطراف –وبمفرده- المطالبة بغرامة أو فسخ عقد التحكيم النظامي ؟ في هذه الحالة لا نرى للطالب وجهة غير المحكمة. ولكننا لا نراها تستجيب لطلبه لسبب بسيط وهو أن الفصل 273 م ا ع لا يجيز المطالبة بالفسخ إلا بعد استحالة التنفيذ العيني للالتزام(1). والتزام مركز التحكيم باحترام نظامه لا يعد أمرا مستحيل التنفيذ، بل أكثر من ذلك فإن التنفيذ العيني للالتزام –أي تكوين هيئة التحكيم- هو غاية ما ترمي له مجلة التحكيم إذ نجدها صلب الفصل 56 م ت تجيز للأطراف أن يطلبوا من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس لاتخاذ الإجراء اللازم بقرار استعجالي إذا لم تقم الجهة –وإن كان مؤسسة- بأداء أي مهمة موكولة إليها في إجراءات تعيين المحكمين، هذا فيما يتعلق بالتحكيم الدولي. أما في التحكيم الداخلي فإن الفصل 18 م ت لم يتخذ موقفا واضحا من المسألة، ولكن هذا لا ينفي إمكانية قيام الأطراف بطلب لدى رئيس المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرتها مقر التحكيم لاتخاذ قرار استعجالي فيما يراه صالحا لتكوين هيئة التحكيم وذلك قياسا بما ورد بالفقرات الأولى من الفصل 18 م ت وبالفصل 56 م ت باعتبار أن جميعها تهتم بمسألة واحدة وهي إجراءات تعيين المحكمين، ولها غاية واحدة وهو التكوين الفعلي لهيئة التحكيم.

نخلص إذن إلى أن الانعقاد النهائي لعقد التحكيم النظامي يحول دون فسخه مالم يتفق الأطراف على ذلك، فالموكل الواحد بمفرده يبقى عاجزا عن ذلك.

ولكن هل تتاح له الإمكانية على الأقل قبل انعقاد العقد ؟ قد يبعث هذا السؤال على الاستغراب؟ فأي فسخ نعني والعقد لم يولد بعد ؟.

للتوضيح، ليس الفسخ ما نعني بقدر ما نشير إلى وسيلة أخرى قد تؤدي إلى نفس النتيجة. فنحن قبل انعقاد العقد نكون إزاء إيجاب صادر عن الموجب، والإيجاب في عقد التحكيم النظامي هو إيجاب ملزم باعتباره موجه لشخص غائب. وهذا أمر غالبا ما يقترن بأجل ضمني متمثل في المدة التي يستغرقها تقديم طلب التحكيم في صورة الاتفاق على التحكيم، يضاف لها المدة التي سينشب فيها النزاع في صورة الشرط التحكيمي. وبما أن هذا الإيجاب الملزم قد صدر عن إرادتين مجتمعتين فلا يمكن لأحدهما الانفراد عن الأخرى كي تطلب العدول عنه، بل أكثر من ذلك فإن إجماع الإرادتين –باعتبارهما تجسيدا لإرادة واحدة- على العدول قبل انقضاء الأجل لا أثر له(2). وهذا رأي نلتمس له ما يدعمه في القانون التونسي لأن الإيجاب المقترن بأجل ينشئ التزاما بإرادة الموجب المنفردة تأسيسا على أحكام الفصل 22 م ا ع(3).

ولكن العقود لا تزول بالفسخ فحسب بل الإبطال يعد وسيلة أخرى لمحو آثارها، فكيف يكون الحال مع عقد التحكيم النظامي ؛ كأن يدعي أحد الأطراف غلطه في مركز التحكيم(1) ؟ إن الأمر على غاية من التعقيد خاصة وأنه يجرنا حتما إلى الحديث عن مسألة تنازع الاختصاص بين الهيئة التحكيمية والهيئة القضائية. فهذه الأخيرة قد تجد نفسها غير مختصة احتراما لمقتضيات الفصل 61 م ت الذي جاء فيه أنه : "تبت هيئة التحكيم في اختصاصها وفي أي اعتراض يتعلق بوجود اتفاقية التحكيم أو بصحتها ...". ويتأكد هذا الاتجاه إذا تمسك أحد الأطراف بما ورد بالفصل 19 م ت الذي ينص على ما يلي : "إذا رفع أمام المحكمة نزاع منشور أمام هيئة تحكيم بموجب اتفاقية تحكيم، فعليها التصريح بعدم اختصاصها بطلب من أحد الأطراف ؛ وإذا لم يسبق لهيئة التحكيم أن تعهدت بالنزاع فعلى المحكمة أيضا التصريح بعدم اختصاصها ما لم تكن اتفاقية التحكيم واضحة البطلان، وفي كلتا الحالتين لا يجوز للمحكمة التمسك من تلقاء نفسها بعدم الاختصاص".

ورغم اختلاف الفصلين في مجال انطباقهما، فإننا نخلص إلى أن المبدأ في دعوى إبطال عقد التحكيم النظامي من اختصاص هيئة التحكيم، على أن يكون القضاء العدلي مختصا بها بصورة استثنائية عند البطلان الواضح لاتفاقية التحكيم.

ولكن الأهم من ذلك كله أن إمكانية إبطال عقد التحكيم النظامي أمرا واردا، سواء قررت ذلك هيئة تحكيمية أم قضائية، فما تأثير ذلك على الاتفاق على مبدأ التحكيم ؟

لقد سبق لفقه القضاء وأن أقر ضمنيا بأن العقدين غير منفصلين عن بعضهما(2)، بما ينجر عنه حتما بطلان الاتفاق على مبدأ التحكيم ومن ثم بطلان اتفاقية التحكيم في مجموعها. ولكننا لا نشاطر هذا الرأي، فالاختلاف بين العقدين من حيث الأطراف والمضمون والآثار يجعلنا نقر فعلا باستقلالية كلاهما عن الآخر، ثم إن البحث عن نجاعة كافية للتحكيم لا تتطلب منا هذه الحلول.

ب‌.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ   رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Emptyالثلاثاء أبريل 19, 2011 11:37 am

ب‌. عراقيل مصدرها تنفيذ نظام التحكيم :

بمجرد أن يتفق أطراف التحكيم على اعتماد نظام مؤسسة تحكيم لإدارة خصومتهم فإن ذلك يعني حتما إدراج هذا النظام صلب اتفاقية التحكيم، بحيث يصبح بمثابة أحد البنود التعاقدية المكونة لها، وباعتبار العقد شريعة المتعاقدين -كما نص على ذلك الفصل 242 م ا ع- فإن هذا النظام يكون حتما ملزما للمحتكمين، كما يكون ملزما لمركز التحكيم باعتباره الطرف الثاني في عقد التحكيم النظامي.

ولكن ماذا لو لم يلتزم مركز التحكيم بما جاء في نظامه أو امتنع عن تنفيذه ؟. إن نظام التحكيم باعتباره يضم مجموعة قواعد تهم تكوين هيئة التحكيم بمفهومه الواسع فإن عدم احترامه من شأنه أن يعرقل تكوين هذه الهيئة. على أننا لا نعتقد، وفي ظل هذه الروح التعاقدية التي تسود المادة التحكيمية، أن يتمتع مركز التحكيم بحصانة من نوع خاص(1) ومن ثم فإقرار مسؤوليته يعد أمرا واردا ومقبولا منطقا وقانونا.

مشكلة أخرى على غاية من الدقة قد تعترضنا بمناسبة تنفيذ نظام التحكيم وتتعلق بتنقيح هذا النظام، ذلك أنه نتيجة للتطور الذي يطرأ على المعاملات بمرور الزمن، فقد يعمد مركز التحكيم -ومن باب حرصه- إلى ملاءمة نظامه مع هذه التطورات. وهنا يحصل المشكل(2) ويجد الأطراف أنفسهم إزاء نظامين : الأول هو الذي وقع اعتماده عند إمضاء اتفاقية التحكيم، والثاني هو النظام المنقح والذي قد يواجه به الأطراف عند نشوب النزاع، فأي النظامين نعتمد ؟.

وتتعقد المسألة لـو عرفـنـا أن اختيار أحدهما يقتضي التضحية بأحد الأمرين التـاليين -باعتبار صعوبة الجمع بينهما- وهما : احترام إرادة الأطراف الأصلية من جهة، والبحث عن إدارة حسنة للنزاع التحكيمي من جهة أخرى. فإما أن نحترم إرادة الأطراف الأصلية فنعتمد النظام الأصلي فهو المعروف لديها ساعة التعبير عنها، وإما أن نقر بجدوى الإدارة الحسنة للنزاع فنعتمد النظام الثاني وذلك باعمال الأثر الفوري والمباشر للتنقيحات المدخلة على النظام الأصلي. إن كلا الاختيارين له إذن ما يبرره، ولذا يجدر تنبيه الأطراف إلى عدم التغافل عن هذه المسألة عند تحريرهم الاتفاقية التحكيم، وذلك بأن ينصوا صلبها على مدى اعتماد التغييرات المدخلة على نظام التحكيم من عدمه. كما أنه من المحبذ في جانب مركز التحكيم، أن ينص في نظامه على مدى الزامية التغييرات المدخلة عليه حتى يسترعي انتباه الأطراف. فلا يكونوا بذلك عرضة للتغافل عنه عند تحرير اتفاقية التحكيم.

المبحث الثاني
اختصاص هيئة التحكيم بفض النزاع



إن المبدأ في فض النزاعات أن المتداعين لهم وجهة واحدة فقط وهي القضاء العدلي، فهو الوحيد المختص مبدئيا بفض تلك النزاعات وإصدار حكم بشأنها. ولكن لأسباب سبق شرحها كانت الحاجة إلى إيجاد استثناء لهذا المبدأ، فتم بذلك العمل على خلق جهاز مواز للقضاء العدلي ليقتسم معه مهمة فض النزاعات، فكان التحكيم. وكان بذلك اختصاص هيئة التحكيم بفض النزاعات، إذ لا حديث عن تحكيم بدون هيئة تحكيم. كما لا حديث عن تحكيم بدون اتفاقية تحكيم فهي أساسه وهي مصدره. وبمجرد تحريرها مستوفية لجميع شروطها القانونية الأصلية والشكلية فإنها تنشئ في جانب أطرافها التزاما بإحالة النزاع المعين بها على هيئة التحكيم ؛ التي تصبح صاحبة الاختصاص المطلق بالنظر في ذلك النزاع.

إذن فتحرير اتفاقية التحكيم من أثاره نشأة الاختصاص التحكيمي. على أن هذا الاختصاص يبقى اختصاصا استثنائيا مقارنة باختصاص الهيئات القضائية الذي يتصف بصفتين أساسيتين هما : العموم والدوام، فهو الجهاز الدائم الذي تضعه الدولة لقبول جميع الدعاوي المعروضة عليه بدون استثناء بينما هيئة التحكيم فإن اختصاصها محدود من حيث الموضوع (الفرع الأول)، إذ أن نظرها يفتقر على النزاع الذي عينته اتفاقية التحكيم. وهو محدود من حيث الزمن (الفرع الثاني)، إذ أن نظرها في النزاع لينتهي بمجرد مرور الأجل التحكيمي.



الفرع الأول
الامتداد الموضوعي للاختصاص التحكيمي

سؤال مبدئي يجدر بنا التعرض إليه وهو مدى وجاهة الحديث عن اختصاص تحكيمي ؟ ذلك أن مفهوم الاختصاص غالبا ما يرتبط باختصاص المحاكم(1)، فهو الإمكانية المتاحة لمحكمة ما بالنظر في نزاع معين. ولقد تم بالفعل في بادئ الأمر إقصاء مفهوم الاختصاص عن التحكيم نظرا لغياب الطابع القضائي العام والدائم لهيئة التحكيم، ولكن تم فيما بعد إقصاء الإقصاء وذلك منذ أن حصل الإجماع على أن مهمة المحكم ليست مجرد سلطة ذات مصدر وصبغة تعاقدية، وإنما هي بالضرورة سلطة قضائية وجب منحه إياها. وقد أقر فقه القضاء ذلك بأن اعتبر "أن هيئة التحكيم تعتبر بحكم القانون هيئة قضائية بدليل أن الفصل 2 م ت أسند لها مهمة مماثلة لمهمة محاكم القضاء العدلي التابعة للدولة، ووصفها بمحكمة التحكيم، كما وصف ما يصدر عنها بأنه حكم"(2).

إن هذا الأمر يجرنا إلى الحديث عن طبيعة التحكيم. ولكن يكفينا أن نذكر هنا بالطابع القضائي للتحكيم، وهو ما يتولد عنه حتما الاختصاص التحكيمي. فالمحكم ما هو إلا شخص يمكنه النظام القانوني من ممارسة وظيفة هي بالأساس حكرا على الدولة. ولأن مهمته هي الفصل بين ادعائين متضاربين، ولأن مثل هذا الأمر لن يكون سوى عملا قضائيا ؛ فهو بذلك قاض، وإن يعينه المحتكمون فذاك أمر يضفي على التحكيم طابعا عقديا ليجعل منه في الأخير مؤسسة ذات طابع مختلط تأخذ من هذا أو من ذاك.

ونحن نعلم منذ البداية أن لتوزيع الاختصاص بين المحاكم معيارين أساسيين : اختصاص حكمي وآخر ترابي، فأين الاختصاص التحكيمي من هذا التمييز؟.

إن هذين المعيارين يفقدان جدواهما في التحكيم، ذلك أن هيئة التحكيم تتعهد بالنزاع المبين في اتفاقية التحكيم. فهذه الأخيرة لا تحدث تغييرا على الاختصاص الحكمي أو الترابي وذلك بأن تنقله من هيئة قضائية إلى أخرى، وإنما تنقل الاختصاص برمته من الهيئة القضائية –المختصة ترابيا وحكميا- إلى الهيئة التحكيمية، دون حاجة إلى بيان إن كانت هذه الأخيرة مختصة حكميا أو ترابيا أم لا. وهنا يؤكد فقه القضاء أن الاستثناء الإجرائي المؤسس على وجود شرط تحكيمي مضمن بعقد دولي لا يتعلق بتوزيع الاختصاص بين المحاكم العدلية بمختلف الدول المعنية بالأمر، ولكنه يسحب من جميع هذه المحاكم سلطة النظر في النزاع المتعلق بهذا العقد(1). هذا يعني أن وجود اتفاقية التحكيم هو مصدر وجود هيئة التحكيم، وهو مصدر اختصاصها بفض النزاع. على أننا في هذا الصدد نلاحظ أن لاتفاقية التحكيم دورا مزدوجا فهي من جهة تعطي لهيئة التحكيم سلطة الفصل في النزاع المعروض عليها وهذا ما يعرف بالتعهد أو التعهيد، ومن جهة أخرى فإنها تحدد المسائل التي يمكن لهيئة التحكيم البت فيها وهذا هو الاختصاص(2). ولكن هل يوجد اختلاف فعلي بين المفهومين ؟.

يرى البعض بعدم وجود الاختلاف مؤكدين على أنهما مفهومين مترادفين، ومن ثم يطرحون تفرقة بديلة بين اختصاص هيئة التحكيم، وسلطاتها. فيرمون بالاختصاص الإمكانية المتاحة للهيئة بفض صنف من النزاعات، في حين يرون في داخل هذا الاختصاص عددا من السلطات لفض النزاع(3).

لكننا قد لا نجاري هذا الرأي فيما ارتأى، لأنه يصعب علينا تجاهل إمكانية تعريف كل مفهوم تعريفا مغايرا للآخر. إذ يفيد التعهد : العمل القانوني الذي استمدت منه هيئة التحكيم سلطتها في الفصل(4)، في حين يفيد الاختصاص حدود هذه السلطة(5). ثم إننا لا نرى موجبا للتمييز بين مفهومي الاختصاص والسلطة طالما أن الأول يستوعب بداخله الثاني.

وما نلاحظه في مفهومي الاختصاص والتعهد أنهما يتقاربان إلى حد التطابق والانصهار، ومرد ذلك وحدة المصدر أي اتفاقية التحكيم. فالأطراف يمنحون لهيئة التحكيم في نفس الوقت وبنفس الاتفاقية وجودها واختصاصها. والمحكم لم يكن كذلك إلا لأن الأطراف أرادوا له ذلك، وبالتالي فأن يكون المحكم غير موجود أو غير مختص فالأمر سواء(6).

وهذه الوحدة في المصدر هي التي تفسر تطابق اختصاص هيئة التحكيم مع الحدود التي ترسمها اتفاقية التحكيم(7). فهذه الأخيرة هي التي تمنح الاختصاص لهيئة التحكيم، بعد أن منحتها وجودها، وهي التي ترسم لها حدود هذا الاختصاص. فالمصدر التعاقدي لتعهد الهيئة يفسر بوضوح دور إرادة المحتكمين في تحديد اختصاصها من حيث موضوع النزاع. إذ على عكس الهيئات القضائية فإن الهيئة التحكيمية لا تتمتع بسلطة عامة في الفصل، بل أن تعهدها محدد في نزاع معين بذاته وهو نزاع أراد له الأطراف أن يخرج عن ولاية القاضي العدلي. فالعموم صفة ملتصقة بعمل القاضي دون المحكم الذي لا يبت إلا في نزاع محدد بذاته.

الفقرة الأولى : موضوع النزاع التحكيمي :

إن التحكيم من صنع الأطراف، وهيئة التحكيم من صنع الأطراف، فلا نخال موضوع النزاع إلا من صنعهم ذلك أن تحديد موضوع النزاع (1) مهمة يقوم بها الأطراف الذين لهم إمكانية تغييره (2).

1- تحديد موضوع النزاع التحكيمي :

إن مسألة تحديد موضوع النزاع التحكيمي تقتضي منا الإجابة عن تساؤلين :
الأول : متى يقع تحديد موضوع النزاع ؟. إذ لا وجود لإجابة آنية، باعتبار أنه يكفي القول بأن التحديد يتم عند تحرير اتفاقية التحكيم لنجابه بعدم وجود النزاع من أصله في حالة الشرط التحكيمي.
والثاني : من يقوم بتحديد موضوع النزاع ؟. قد يوصف السؤال بسوء الطرح بما أنه سبق القول بأن الذي يقوم بذلك هم الأطراف. ولكننا في التحكيم نكون إزاء أكثر من طرف، وفي أبسط الحالات نكون إزاء اثنين ؛ فأيهما يحد النزاع؟.

لا يخلو الأمر إذن من التعقيد الذي تزداد حدته بغموض أحكام مجلة التحكيم التي كان تناولها الأمر مختلفا بحسب ما إذا كان التحكيم داخليا أم دوليا، وبحسب ما إذا كان التحكيم متولدا عن اتفاق على التحكيم أم شرط تحكيمي. ففي الحالة الثانية نرى في تحديد موضوع النزاع التحكيمي عند تحرير اتفاقية التحكيم أمرا صعبا نظرا لأن الشرط التحكيمي يتعلق أساسا بنزاعات مستقبلية واحتمالية قد تقع وقد لا تقع. ولكن قد نجابه بأن موضوع النزاع هنا محدد بالضرورة عند تحرير الاتفاقية باعتباره متولدا حتما عن العقد المضمن به الشرط الذي يعرفه الفصل 3 م ت بأنه : "التزام أطراف عقد بإخضاع النزاعات التي قد تتولد عن ذلك العقد للتحكيم". ولكن تحديد موضوع النزاع على هذا النحو فيه مغالاة في العمومية مما قد يفرغه من محتواه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن النزاعات المتولدة عن العقود متعددة ومتنوعة، ولا يمكن حصرها. وبالتالي لا يمكن الجزم –عند تحرير الاتفاقية- بأيها سينشب، ومن ثم سيكون من اختصاص هيئة التحكيم. فعمومية الشرط التحكيمي تحول دون التحديد الفعلي للنزاع التحكيمي، رغم أنها في المقابل تجعل من اختصاص الهيئة التحكيمية أكثر اتساعا(1).

بهذا فإننا نعتقد أن تحديد موضوع النزاع في صورة الشرط التحكيمي لا يمكن أن يكون إلا بعد نشوب النزاع. وفي هذا السياق تؤكد محكمة التعقيب في قرارها الصادر تحت عدد 50419 بتاريخ 22 أكتوبر 1997 أن "الشرط التحكيمي الموجود بالعقد يكون عاما باعتبار أنه سابق لوجود النزاع، وبالتالي فإن موضوع النزاع لا يحدد بموجب اتفاق مسبق وإنما صلب عريضة الطالب"(2). وما نلحظه في هذا القرار أنه يجيب عن السؤالين السابق طرحهما آنفا : فمن جهة حدد زمن تحديد موضوع النزاع وأكد بأنه عند تقديم طلب التحكيم، قد نجاري محكمة التعقيب فيما ارتأت إلى حد ما، باعتبار أن زمن تحديد موضوع النزاع في رأينا قد يكون لاحقا لتقديم مطلب التحكيم، ومحكمة التعقيب نفسها وفي قرار آخر لها صادر في 14 ماي 1998 تحت عدد 55988 تؤكد أنه : "طالما لم يشترط المشرع في الشرط التحكيمي تعيينا لموضوع النزاع لتتحدد ولاية المحكمين فإنه يجوز التحديد أثناء المرافعة"(3).

ومن جهة أخرى أبرز هذا القرار أن تحديد النزاع التحكيمي هو تحديد أحادي يقوم به طالب التحكيم، وهو أمر لا تلقى بشأنه محكمة التعقيب أدنى جدل خاصة وأن الفصل 9 م ت ينص على أنه : "تبدأ إجراءات التحكيم في نزاع ما في اليوم الذي يتسلم المدعى عليه طلبا بإحالة ذلك النزاع إلى التحكيم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك". فمبادرة الطالب بطلب إحالة النزاع على التحكيم تجعله الأقرب إلى تحديد موضوع النزاع.

ولكن هذا الحل لا نراه منطبقا على التحكيم المتولد عن الاتفاق على التحكيم، والسبب في ذلك ما ورد بالفصل 17 م ت الوارد تحت العنوان الثاني المتعلق بالتحكيم الداخلي -والذي جاء فيه أنه : "يجب تعيين موضوع النزاع في الاتفاق على التحكيم ... وإلا كان الاتفاق باطلا ". ففي هذه الحالة يكون النزاع قد نشب بعد، ويصبح تحديده أمرا ممكنا، لذا أوجب المشرع التنصيص على موضوع النزاع صلب الاتفاق وجعل منه شرط صحة له. وبالتالي فإن زمن تحديد موضوع النزاع التحكيمي لا يكون إلا عند تحرير اتفاقية التحكيم، وبما أن الاتفاق على التحكيم يشارك في تحريره طرفي التحكيم على حد السواء، فإننا بذلك نخلص إلى أن تحديد موضوع النزاع هنا يكون اتفاقيا لا أحادي الجانب.

ولكن جغرافية الفصل 17 م ت الوارد بباب التحكيم الداخلي يجعلنا نتساءل عن مدى مطابقة هذا الحل للتحكيم الدولي ؟.

بداية نقول أنه لا وجود لفصل يماثل الفصل 17 م ت في الأحكام المنظمة للتحكيم الدولي مما قد يوحي بأن تحديد موضوع النزاع لا يكون إلا أحاديا، أي عند تقديم طلب التحكيم من طرف طالبه، وقد يتأكد هذا القول بما ورد بالفصل 68-1 م ت الذي ينص صراحة أنه : "على المدعي... أن يبين الوقائع المؤيدة لدعواه والمسائل المتنازع عليها ". ولكننا مع ذلك نجد أنفسنا أمام حقيقة لا يمكن تجاهلها ؛ فنحن إزاء اتفاق على التحكيم، ومن ثم نحن إزاء نزاع قد نشب بعد وبالتالي فإن الالتجاء إلى التحكيم لا يكون إلا بشأن النزاع القائم. ولا يمكننا بذلك الاحتجاج بعمومية النزاع أو طابعه الاحتمالي كما في الشرط التحكيمي. فالمنطق يفترض هنا أن إرادتي الطرفين تكونان حتما متفقتين على نزاع قائم ومعين بذاته، فلا يمكن بعد ذلك لإحدى هاتين الإرادتين الإنفراد بتحديد موضوع النزاع، فلا بد من احترام الاتفاق الحاصل مع إرادة الطرف المقابل. ونخلص بذلك إلى أن تحديد النزاع هنا يكون اتفاقيا لا أحاديا، وما طلب التحكيم الذي يقوم به الطالب إلا تجسيدا لذلك من قبل الطرف الأكثر حرصا أو الطرف المتضرر.

2- تغيير موضوع النزاع التحكيمي :

إن إمكانية تغيير موضوع النزاع التحكيمي تختلف بحسب ما إذا كنا إزاء اتفاق على التحكيم (أ) أو شرط تحكيمي (ب).

أ‌. صورة الاتفاق على التحكيم :

عند التحديد الاتفاقي لموضوع النزاع وذلك في صورة الاتفاق على التحكيم، فإن موضوع النزاع لا يمكن تغييره ما لم يتفق الأطراف على ذلك. فالتغيير الأحادي لا عمل عليه، وهو أمر تفرضه المبادئ العامة التي تحكم العقود عموما، فالمبدأ أنه لا يمكن للإرادة المنفردة أن تنفرد بتبديل ما قررته إرادتان مجتمعتان، فلا يكون التغيير إلا باتفاق الطرفين. على أن هذا الاتفاق قد يكون صريحا، وقد يكون ضمنيا ؛ كأن يسكت المدعى عليه عن الطلبات التي ضمنها المدعي في عريضة دعواه، أو التي أضافها فيما بعد، أو بادر إلى الإجابة عنها.

ونحن ننبه هنا إلى أنه وفي جميع الأحوال فإن إمكانية تغيير موضوع النزاع لا تبدأ إلا منذ تقديم طلب التحكيم على أن تنتهي بختم المرافعة، إذ على إثرها يتم حجز القضية للمفاوضة والتصريح بالحكم ولا يمكن بعدها تقديم أي طلبات أخرى. معنى ذلك أن التغيير لا يمكن أن يتم الإخلال سير الدعوى التحكيمية.

هل نعني بقولنا هذا عدم إمكانية إضافة أي طلب خلال هذه الدعوى التحكيمية ما لم يوافق عليه الطرف الآخر ؟ إن التريث أمر محبذ قبل الإجابة عن مثل هذا السؤال، خاصة وأن مجلة التحكيم لم ترد بها أحكام واضحة في هذا الصدد. وما يجب البدء به هو أننا إزاء دعوى تحكيمية وهي تخضع لإجراءات معينة حددتها مجلة التحكيم، ولكن هذه الأخيرة ليست الوحيدة التي تنظم سير هذه الدعوى، إذ ينص الفصل 46 م ت الوارد بباب التحكيم الداخلي على أنه "تنطبق مجلة المرافعات المدنية والتجارية فيما لا يتخالف مع أحكام هذا الباب، وفي الصور التي لم تتعرض إليها أحكامه". وبديهي أن مسألة تغيير موضوع الدعوى التحكيمية إثر رفعها لم ترد بالوضوح اللازم بمجلة التحكيم إن لم نقل أنها لم تتعرض لها بتاتا. ومن ثم يتراءى لنا الاستنجاد بأحكام مجلة المرافعات المدنية والتجارية -وبإيعاز من الفصل 46 م ت- أمرا ملحا، وما نلاحظه في هذا الخصوص أن الدعوى تتأثر عموما بأمرين : الأول بالإمكانية المتاحة للمدعي بتغيير جزء من الدعوى أو الزيادة فيها أو تحريرها في أجل عشرة أيام قبل جلسة المرافعة(1)، أو بجواب المدعى عليه(2). والثاني هو مجوعة الدعاوى العارضة والفرعية والمعارضة(3).

وما نلاحظه بداية أن هذين الأمرين مختلفين تماما، وأهم شيء يميزهما عن بعضهما البعض ما يلي : فإن كان كلا الأمرين يؤثر في موضوع الدعوى، إلا أن الأولى لا تغير موضوع النزاع وإن تحوره بالزيادة أو بالنقصان، ذلك أن التحويرات التي يقوم بها الطالب أو جواب المطلوب وإن كانت من شأنها أن يغير في الطلبات النهائية، فإنها لا تغير موضوع النزاع في حد ذاته ولا تؤثر في سبب النزاع. أما في الصورة الثانية فإن سبب الدعوى العارضة أو الفرعية أو المعارضة فهو حتما سبب غير سبب الدعوى الأصلية، وإن كان بينهما ارتباط قوي، وهذا -مما لا شك فيه- قد يغير موضوع النزاع.

إذن فما يعنينا في هذا المجال هو هذه الدعاوى الثلاث، ولكن ما يجب التنبيه إليه هو أنه وإن كان سببها مستقلا عن سبب الدعوى الأصلية فذلك لا يعني الاستقلالية التامة والمطلقة، إذ لا بد أن تكون مرتبطة بها أو لها بها علاقة وثيقة، أي على حد تعبير الفصل 4 من المجلة المدنية الفرنسية وجود ترابط كاف بين الدعويين. وتبرير هذا الشرط هو تفادي التغيير التعسفي لموضوع النزاع من جهة، وتفادي وجود دعاوي أصلية متعددة ومتصلة ببعضها مما قد يؤدي إلى صدور أحكام متناقضة من جهة أخرى.

لكننا في المقابل لا نعتقد أن الإحالة التي يقوم بها الفصل 46 م ت على مجلة المرافعات المدنية والتجارية يمكن أن تؤدي إلى نقل مجرد لشروط قبول مثل هذه الدعاوي أمام الهيئات التحكيمية، بل إن الفصل نفسه ينبه إلى عدم مخالفة أحكام مجلة التحكيم. وأهم اختلاف بين الدعويين القضائية والتحكيمية أن الأولى هي بمثابة تعهيد أحادي للمحكمة من قبل المدعي الذي يقوم بتحديد موضوع دعواه صلب عريضة الدعوى بمفرده، على العكس من الاتفاق على التحكيم الذي يعد تعهيدا اتفاقيا لهيئة التحكيم، وبالتالي يجب أن نأخذ بعين الاعتبار التحديد النهائي لموضوع النزاع وسببه في الاتفاق على التحكيم. ولذا فإن قبول مثل هذه الدعاوي العرضية يتوقف على ظروف استثنائية وتوفر شروط محددة. وهنا نميز بين الطلبات التي تعد من توابع موضوع النزاع، والطلبات التي لها مجرد ارتباط به.

- الطلبات الجديدة التابعة لموضوع النزاع :

إن الطلبات الجديدة التي يتقدم بها طرف دون الآخر لا يمكن لهيئة التحكيم أن تقبل البت فيها ما لم تكن من توابع النزاع المعين صلب الاتفاق على التحكيم، مع الملاحظ أن هذا الأمر لا يعد متناقضا مع الأساس التعاقدي للتحكيم الذي يحجر اتخاذ إجراءات أحادية، إذ علينا ألا ننسى أننا جعلنا من هيئة التحكيم هيئة قضائية –وإن كانت هيئة خاصة-. بذلك فإن مدى تعهدها وكأي هيئة قضائية يجب أن يشمل توابع النزاع(1). على أن المشكل يثار هنا بخصوص تعريف توابع النزاع فقد عرفته محكمة الاستئناف بباريس بأنه "الأثر والنتيجة الضرورية للطلب الأصلي"(2). وهو تقريبا نفس التعريف الذي قدمه الفقيه "قوبو" الذي يعتبر أن "التابع هو الذي يضاف للأصل بحكم طبيعته لأنه هو الذي أنتجه"(3). كما اعتبرت محكمة الاستئناف بباريس، في موقع آخر، "أن الطلب يكون تابعا لآخر عندما لا يمكن البت في الثاني دون البت في الأول"(4).

وعموما فإن علاقة التبعية التي تربط بين الدعوى العرضية والدعوى الأصلية يمكن أن تتأسس على موضوع النزاع أو سببه. وقد أعطى فقه القضاء المقارن بالخصوص عديد الأمثلة لهذه العلاقة كالمطالبة بالفوائض القانونية مثلا(5).

- الطلبات الجديدة المرتبطة بموضوع النزاع :

إن مجرد وجود علاقة ترابط بين الطلب الجديد والطلب الأصلي المضمن باتفاق التحكيم لا يمكن له أن يبرر قبوله. من ذلك أنه لو كان الاتفاق على التحكيم يتعلق بالنزاعات المتعلقة بجودة البضاعة فإن المطالبة بالبطلان فيما بعد لغلط في الصفة الجوهرية للمبيع لا يمكن أن يدخل في الاختصاص التحكيمي(1).

وما نلاحظه أن تقدير هذا العنصر يتحدد حتما بإرادة الأطراف المعبر عنها بالاتفاق، بحيث أنه يمكن التليين في هذه الشدة في عدم قبول الطلبات الجديدة التي لها مجرد ارتباط بالطلب الأصلي. ذلك أنه لو كان موضوع النزاع المبين صلب الاتفاق عاما وغير محدد فإنه يمكن تأويل إرادة الأطراف على أنها أدخلت إلى دائرة الاختصاص التحكيمي الطلبات الجديدة المرتبطة بالطلب الأصلي. من ذلك مثلا لو أن النزاع يتعلق بالشركة فإن ذلك يؤدي إلى قبول الطلبات الجديدة التي قد تهم تكوين أو سير أو انحلال الشركة(2). وفي المقابل فإن الدقة في تحديد عناصر النزاع من شأنها أن تضيق في دائرة الاختصاص التحكيمي وتقضي على الطلبات المرتبطة بعدم القبول.

وتجدر الإشارة إلى أن فقه القضاء الفرنسي قد عمد إلى تليين هذه الشدة في عدم قبول الطلبات المرتبطة بإقرار قرينة القبول أو الموافقة عليها من قبل الأطراف، فقد اعتبر أنه اتفاق ثان يولد بصورة ضمنية بمجرد أن يقبل أحد الأطراف المناقشة أو الرد على الطلبات الجديدة التي أثارها خصمه(3). ويتأكد هذا الحل في النظام القانوني الفرنسي بأحكام الفصل 1449 من المجلة المدنية الفرنسية الذي لا يعترض عليه باعتباره لا يجعل من الكتب شرط صحة للاتفاق للتحكيم وإنما هو شرط إثبات، وبالتالي فإن إثبات توسع الاتفاق على التحكيم يمكن أن يكون بشتى الوسائل في المادة التجارية على الأقل. ونحن بدورنا نرى في هذا الحل منطبقا في النظام القانوني التونسي طالما لا يشترط الفصل 17 م ت الكتب لصحة الاتفاق على التحكيم.

ب‌. صورة الشرط التحكيمي :

إننا هنا إزاء تحديد أحادي لموضوع النزاع، إذ لم يسبق للأطراف أن اتفقوا على تحديد موضوعه من قبل. ومن المنطق أن هذا التحديد الأحادي لا يلزم الطرف المقابل باعتبار قيام التحكيم على الاتفاق المشترك بين أطرافه، ولذا وجب احترام صبغته التعاقدية. ومثلما أتيحت الإمكانية للطالب بأن يلزم المطلوب بالالتجاء إلى التحكيم في نزاع معين، فلا شيء يمنع أو يجعلنا نمنع هذا الأخير من التمتع بنفس الإمكانية طالما لم يحصل أي اتفاق سابق بشأن ذلك.

ونتيجة لما سبق، فإن النزاع التحكيمي في صورة الشرط التحكيمي يتغير مع كل طلب يقدمه أحد الأطراف، ويتطور مع كل ملحوظة يدلي بها أحدهما، على أنه يستقر نهائيا عند ختم المرافعة وحجز القضية للمفاوضة والتصريح بالحكم، ولكن هل يعني ذلك أن جميع الطلبات الجديدة تكون مقبولة ؟. إن الصبغة المختلطة للتحكيم تجعلنا نجيب بالنفي، فلا لإرادة مطلقة بدون روابط، ومأتى التقييد هو هذا الطابع المختلط، إذ توجد قيود بعضها متأت من الطابع العقدي، وأخرى من الطابع القضائي.

فأما الأولى فمفادها أن الطلبات الجديدة التي يدعيها أحد الأطراف يجب ألا تخرج عن نطاق الاختصاص التحكيمي كما عينه الشرط التحكيمي. من ذلك أنه لو كان النزاع المشار إليه بالشرط يتعلق بتأويل العقد، فإن الطلب الذي يقدمه أحد الأطراف في خصوص عدم تنفيذ العقد لا يمكن قبوله(1). بقي أن نشير أنه بقدر ما يكون النزاع المعين بالشرط عاما بقدر ما تتاح الإمكانية أكثر للأطراف لتقديم طلبات جديدة.

وأما القيود الثانية فمفادها أن الطلبات الجديدة لا بد لها من علاقة بموضوع النزاع ليتم قبولها، وهي على حد تعبير القانون وفقه القضاء الفرنسي ذات علاقة كافية بالطلب الأصلي. ولكن في صورة الشرط -وعلى العكس من صورة الاتفاق- يكفي مجرد الارتباط بين الدعوى الأصلية والطلب الجديد، وذلك راجع أساسا لعمومية الشرط التحكيمي.

وعموما، يمكن القول بأن موضوع النزاع في الشرط التحكيمي قد لا يتحدد نهائيا بمجرد تقديم المدعي لطلباته. فالمطلوب له تقديم دفاعه وهنا بإمكانه المشاركة في تحديد موضوع النزاع. ولكن الأمر لا يرتقي إلى التحديد الاتفاقي، فهو مجرد محاولات أحادية من كل جانب بالإدلاء بملحوظات تغذي موضوع النزاع، فليس هذا الأخير إلا مجموع الطلبات التي يقدمها كل طرف، وهو مجموعة ادعاءات يجب أن يراعى فيها القيدين الواردين آنفا.



الفقرة الثانية : مراقبة الامتداد الموضوعي للنزاع التحكيمي :

إذا كان الأطراف لهم إمكانية التوسيع والتضييق في حدود النزاع التحكيمي، فإنه في المقابل يبقى المحكم مقيدا بالتحديد الذي قام به الأطراف لهذا النزاع. والطبيعة الاستثنائية للاختصاص التحكييمي توجب فيه اعتماد تأويل ضيق لموضوع النزاع التحكيمي. على أنه لا بد من توضيح مجال هذه القاعدة إذ يجب التمييز بين حالتين : الأولى : تتعلق بالتحقق ما إذا كان القضاء العدلي مختتصا أم لا ؟، (1) والحالة الثانية هي الصورة العكسية أي التحقيق ما إذا تجاوز المحكم مهمته أم لا ؟.(2) وقد أجمع فقه القضاء الفرنسي على أنه في الحالة الأولى لا بد من اعتماد تأويل واسع للاختصاص التحكيمي، في حين أنه في الحالة الثانية يكون التأويل ضيقا.

1- التأويل الواسع لموضوع النزاع التحكيمي بالنظر إلى عدم اختصاص القضاء العدلي :

عندما يتعلق الأمر بالتحقق من مدى اختصاص القضاء العدلي بالنظر في النزاع التحكيمي، فإنه من المتجه اعتماد تأويل واسع لاتفاقية التحكيم حتى تتاح الفرصة لهذه الأخيرة لإنتاج جميع أثارها. ولقد أقر القضاء الفرنسي أن اتفاقية التحكيم تقصي عن ولاية القضاء العدلي كامل النزاع التحكيمي، وكل ما له به علاقة ارتباط أو تبعية(1) بذلك فإنه حتى خارج أي علاقة تبعية بموضوع اتفاقية التحكيم فإن مجرد الارتباط وحده كاف لاستبعاد الاختصاص العادي للقضاء العدلي. من ذلك أن محكمة الاستئناف بباريس أقرت أنه بوجود شرط تحكيمي ينص على ضرورة الالتجاء إلى التحكيم في خصوص جميع النزاعات الناشئة عن العقد المضمن به، فإن مجرد المطالبة بقيام مسؤولية شبه تقصييرية في جانب أحد المتعاقدين لا يكفي لإقصاء اختصاص المحكمين(2).

وإذا كان الأمر واضحا عند تعلقه بنزاع ناشئ عن اتفاقية واحدة، فإنه في المقابل لا يخلو من التعقيد وبعض الغموض لو أن النزاع نشأ عن عدة اتفاقيات مختلفة. وأبرز مثال على ذلك مجموعة العقود التي تربط بين نفس الأطراف، وهي عقود قد تتالى وتتلاحق في الزمن، وقد تكون حينية أي أنها تكونت في نفس الوقت. والسؤال المطروح هنا هو : هل يمكن القول بتوسع الاختصاص التحكيمي استنادا إلى عدم قابلية التجزئة أو علاقة الارتباط بين مختلف المسائل المتنازع فيها، وذلك على الرغم من أن اتفاقية التحكيم لا تهم كامل المجموعة العقدية ؟.

يجدر بنا بداية أن ننبه إلى عدم الخلط بين مسألتين : الأولى هي مسألة توسيع أثار اتفاقية التحكيم إلى الغير وهي تندرج ضمن دراسة أثار الاختصاص من حيث الأشخاص. والثانية وهي التي تعنينا، فتتعلق بتحديد المواد المتنازع فيها بين الأطراف والتي يجوز للمحكمين النظر فيها. وهنا يمكن القول مبدئيا أن عدم التجزئة الموجود بين مختلف العقود لا يمكن من توسيع التحكيم الموجود في أحد العقود إلى نزاعات ناشئة عن عقود أخرى مستقلة عنه والتي لم تتضمن تنصيصا على التحكيم، وذلك نتيجة حتمية للقاعدة التي يقرها القانون الفرنسي الذي يمنع ضم الإجراءات التحكيمية(1). وتجد هذه القاعدة أساسها في المصدر الاتفاقي حيث أن الأثر النسبي لاتفاقية التحكيم يمنع تطبيق الشرط التحكيمي على عقود لم تتضمنه ولم تشر إليه. ولقد تم إقرار هذه القاعدة حتى في الصورة التي تجمع فيه هذه العقود بين نفس الأطراف(2)، فاختصاص هيئة التحكيم يبقى مقتصرا على النزاع التحكيمي كما هو مبين صلب اتفاقية التحكيم التي تأسس عليها اختصاصها.

ولكن ما يلاحظ أن القضاء الفرنسي الحديث قد عمد إلى التليين من شدة هذه القاعدة وذلك بالاستناد إلى نظرية مجموعة العقود(3)، ومجموعة العقود هي تلك التي تضم عدة عقود مختلفة يبرمها نفس الأطراف، وقد لاحظ البعض(4) أنه على الرغم من أن مبدأ القوة الملزمة قد يحول دون التوسيع في الشرط التحكيمي، فإن مفهوم التبعية يتيح الفرصة لتجاوز هذه الصعوبة. فيكون بذلك التوسيع ممكنا ليشمل النزاعات الناشئة عن الاتفاق الذي لم يتضمن شرطا تحكيميا، إذا كان هذا الاتفاق نتيجة حتمية لاتفاق آخر تضمن التنصيص على التحكيم، ذلك أن تكوين العقود قد يتم أحيانا بتبادل حيني للرضا، وقد يتم أحيانا أخرى بتبادل الرضا على مراحل متتالية ومتلاحقة في الزمن(5). وفي هذه الحالة الثانية نكون وكأننا إزاء عقد واحد هو مجموعة الاتفاقات المتتالية بين الأطراف. ولكن المشكلة التي تثار هنا هو معرفة متى تكون هذه الاتفاقات الإرادية المتلاحقة مكونة لمجموعة عقدية واحدة ومتى لا تكون كذلك ؟.

إن عنصري عدم التجزئة أو الارتباط لا يكفيان وحدهما لحل هذه المشكلة، وإنما وحده عنصر السببية الذي يمكنه الإجابة عن هذه التساؤل. إذ تتكون المجموعة العقدية عندما يكون سبب كل هذه الاتفاقات المتتالية سببا واحدا مشتركا بينها، بحيث لا يمكن للاتفاق اللاحق أن يوجد إلا بوجود سابقه الذي بدوره يستدعي بوجوده وجود اتفاق لاحق. أي لا مجال لوجود اتفاق بدون آخر.

أما خارج هذه الحالة، أي حالة المجموعة العقدية الرابطة بين نفس الأطراف، فإنه لامجال لتوسيع اتفاقية التحكيم إلا بموجب اتفاق صريح بين الأطراف. وفي هذا السياق يقر القضاء الفرنسي أن إحالة نزاع ما متولد عن عدة عقود، يتضمن بعضها شرطا تحكيميا والبعض الآخر لا يتضمنه، إلى محكم واحد هو أمر ممكن دائما على أن ينتج عن إرادة صريحة أو ضمينة من الأطراف دون أن يعتري هذه الإرادة أي شك أو التباس(1).

2- التأويل الضيق لموضوع النزاع التحكيمي بالنظر إلى اختصاص المحكمين :

بمجرد أن يتحدد موضوع النزاع التحكيمي -سواء تم ذلك اتفاقيا أو أحاديا- فإن المحكم عليه أن يحترم حدوده، حتى لا يعاب على الحكم الصادر عنه فيما بعد بالنظر فيما لم يعهده به الأطراف أو منحهم أكثر مما طلبوا. ويسهل بذلك الطعن فيه بطريق الإبطال على معنى الأحكام الواردة بالفصلين 42 بالنسبة للتحكيم الداخلي، و81 م ت بالنسبة للتحكيم الدولي.

وهذه الشدة تفرضها طبيعة التحكيم ذاته. فهو ذو طابع عقدي والمحكمون بذلك لا يتمتعون بتفويض دائم للبت في النزاعات، ويقتصر نظرهم على نزاع معين ومحدد في المسائل والمواد التي يرغب الأطراف في استبعادها عن ولاية الأجهزة القضائية للدولة. ولذا وجب اعتماد تأويل ضيق لاتفاقية التحكيم في خصوص موضوع النزاع التحكيمي.

هذا وتجدر الإشارة إلى أو الوضع في المحاكم العدلية مختلف عما هو عليه في التحكيم. ذلك أن القاضي وإن كان هو اٍٍلآخر مقيدا بما يطلبه منه المتداعون ويمنع عليه بذلك القضاء فيما لم يطلب منه، فإنه في المقابل نجد القواعد المنظمة للمرافعات المدنية الفرنسية تضع أحكاما من شأنها أن تلين من شدة قاعدة الارتباط الضيق التي يخضع لها القاضي ؛ من ذلك مثلا نظرية الطلبات المفترضة التي تتيح للقاضي إمكانية الكشف عن طلبات مفترضة كامنة وراء الطلبات الصريحة للمتداعين على شرط أن يقع احترام مبدأي المواجهة وحق الدفاع. ولكن هذه الإمكانية المتاحة للقاضي تنتفي في التحكيم بمجرد أن تكون اتفاقية التحكيم أو طلبات الأطراف واضحة في خصوص تعيين النزاع التحكيمي أو أنها تضمنت تحديدا حصريا لعناصره. ومن ذلك مثلا أن المحكم الذي قضى بغرامات مؤسسة على الفسخ التعسفي، يكون قد قضى بما لم يطلب منه إذا كان النزاع التحكيمي المشار إليه باتفاقية التحكيم متعلقا بتأويل أو تنفيذ العقد(1). كذلك هو حال المحكم الذي قضى بفسخ العقد مع منح التعويضات في الوقت الذي لا يتنص فيه اتفاقية التحكيم إلا على تأويل العقد كموضوع للنزاع التحكيمي(2).

كذلك أيضا من القواعد المبينة لقاعدة الارتباط الضيق بطلبات الخصوم التي يخضع لها القاضي، أن هذا الأخير بإمكانه دائما ومن تلقاء نفسه أن يكيف الوقائع والأعمال المتنازع فيها تكييفا صحيحا أو يرجع لها تكييفها الصحيح دون تقيد بالوصف الذي يضيقه عليها الأطراف، وهذه السلطة المتاحة للقاضي من شأنها أن تغير في موضوع الطلبات التي يبديها المتداعون، وهنا نتساءل أيضا هل أن الطبيعة التعاقدية للاختصاص التحكيمي تخول للمحكم أن يغير طلبات الأطراف؟. الإجابة بالنفي أقرب إلى الصواب وتجد لها تبريرا في القانون الفرنسي بما ورد بالفصل 12 من المجلة الجديدة للمرافعات المدنية الذي يمنع على القاضي تغيير الأساس القانوني، وذلك عندما يقيده الأطراف بتكييف ما في خصوص الحقوق التي لهم فيها حرية التصرف لحصر النزاع فيما بينهم. من ذلك مثلا عندما يكون طلب التحكيم متعلقا بطلبات حول جودة البضاعة المسلمة ؛ فإن المحكم هنا يمنع عليه التصريح ببطلان البيع لغلط في جوهر المبيع، بالرغم من العلاقة الوطيدة بين مراقبة مدى تطابق المبيع مع المواصفات أو الجودة المتفق عليها، والبطلان لغلط في صفة جوهرية للمبيع(3).

وما نلحظه عموما أن المحكم يخضع لقاعدة الارتباط الضيق بطلبات الخصوم بشدة أكثر من القاضي العدلي، ومرد ذلك هو الطبيعة الاستثنائية للاختصاص التحكيمي ومصدره الاتفاقي. وتجد هذه القاعدة تطبيقها بنفس الشدة حتى عند تعلق الأمر بالمحكم المصالح على معنى الفصل 14 م ت، على أن البعض(4) يرى في السلطات الممنوحة لهذه الأخيرة من شأنها أن تلين من شدة هذه القاعدة وتخول له بالتالي من تخطي الحدود التي ترسمها له طلبات الخصوم. وقد كان مصدر هذا الرأي الفقهي بعض الأعمال القضائية حيث ارتأت بعض المحاكم أن المحكم المصالح بإمكانه إجراء المقاصة(5) أو إقرار التضامن(6) على الرغم أنها لم تكن موضوع طلب صريح من الخصوم.
الفرع الثاني
الامتداد الزمني للاختصاص التحكيمي

كنا قد نفينا صفة العموم عن اختصاص هيئة التحكيم باعتبارها تبت في نزاع محدد بذاته وهو ذاك الذي عينته اتفاقية التحكيم دون سواه. فهذه الأخيرة هي التي أوجدت هيئة التحكيم لتنظر في هذا النزاع، وهي أيضا التي تجعل من مهمتها تنتهي بمجرد البت فيه : أي أننا بذلك ننفي عنها صفة الدوام. إذ على العكس من الهيئات القضائية التي تعد الجهاز الرسمي الدائم الذي تضعه الدولة لفض النزاعات، فإن الهيئة التحكيمية -وإن كانت هي أيضا جهازا قضائيا- ليست إلا جهازا خاصا واستثنائيا أساسه اتفاق الأطراف : فهي جهاز توجده الإرادة وينتهي وجوده بمجرد البت في النزاع فهي بذلك ذات اختصاص محدد في الزمن ينتهي بانتهاء أجل التحكيم (الفقرة الأولى). أما بعد ذلك فإن وجودها يفقد كل مشروعيته ويحكم على أعمالها بالبطلان. على أنه وإن كان الاختصاص التحكيمي لا يمكنه أن يستمر إثر انتهاء الأجل، فإنه كذلك قد لا يستمر ولو قبل حلول هذا الأجل (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : انتهاء الاختصاص التحكيمي بانتهاء أجل التحكيم :

إن وضع أجل محدد لاختصاص هيئة التحكيم مرده أن هذه الأخيرة هي قضاء خاص واستثنائي يجب ألا يكون تعهدها مستمرا في الزمن، فتلك مهمة موكولة لأجهزة الدولة. والدوام صفة ملتصقة بهذه الأخيرة لا بهيئات التحكيم التي ينتهي دورها بمجرد انتهاء أجل التحكيم الذي يتم تحديده منذ البداية (1) على أن يقع التمديد فيه عند الضرورة (2).

1. تحديد أجل التحكيم :

إن تحديد أجل التحكيم يتطلب تحديد أمرين لا غنى لأحدهما عن اٍلآخر ، أولهما معرفة هذا الأجل في حد ذاته (أ) وثانيهما معرفة بداية احتسابه (ب).

أ‌. أجل التحكيم :

أول سؤال يتبادر إلى الذهن في هذا المجال هو معرفة من القائم بتحديد هذا الأجل ؟. مبدئيا لا وجود لنص صريح في مجلة التحكيم ينظم المسألة، والنص الوحيد الذي قد يساعد على فهمها يكتنفه بدوره بعض الغموض، وهو الفصل 24 م ت الذي جاء بفقرته الأولى أنه : "إذا وقع تحديد أجل للبت في الخصومة فإن سريان ذلك الأجل يبتدئ من تاريخ قبول المحكم أو أخر المحكمين لمهمته"ّ.

بتحديد جغرافية هذا الفصل بالنسبة لمسار الإجراءات التحكيمية نلاحظ أننا لازلنا بصدد الخطوات الأولى للتحكيم، وتحديدا فإن هيئة التحكيم لم تتكون بعد، طالما أن أعضاءها لم يقبلوا المهمة الموكولة إليهم. وهذا يعني أننا هنا إزاء طرفي اتفاقية التحكيم فحسب، وبذلك فلا نخال أحدا غيرهما بمكنه تحديد الأجل المتحدث عنه بالفصل 24 م ت. و يتفق هذا الأمر تماما مع مبدأ علوية الإرادة الذي يسود مادة التحكيم، فالأطراف هم سادة تحكيمهم ولهم الحرية الكاملة في تحديد الأجل الذي يرونه مناسبا لإتمام عملية التحكيم، كما لهم الحرية ذاتها في السكوت تماما. لكن المشرع يتدخل هنا لتلافي غياب الأجل الاتفاقي وذلك بأن حدد أجلا قانونيا صلب الفقرة الثانية من الفصل 24 م ت التي نصت على أنه : "إذ لم يحدد أجل وجب البت في الخصومة في أسرع وقت، وعلى كل حال في ظرف لا يتجاوز ستة أشهر". ولكن ما يعيبه البعض على هذا الأجل القانوني قصره بالنظر إلى تشعب المسائل التحكيمية والعراقيل التي قد تحول دون اجتماع مختلف الأطراف الفاعلة فـي التحكيم(1).

والأطراف لهم نفس الحرية في تحديد الأجل سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة : ويكون التحديد مباشرا عندما يتفق الأطراف ذاتهم على أجل معين بذاته كما لو في التحكيم الحر، وهنا لا شيء يمنع أن يكون الأجل الاتفاقي أقصر أو أطول من الأجل القانوني، فهذا الأخير لا يعد من الأحكام الآمرة التي لا يجوز خرقها وإنما تقتصر على دور تكميلي لا غير. وما يجب التنبيه إليه في هذه الحالة هو وجوب تحديد أجل محدد، بمعنى وجوب حصر الاختصاص التحكيمي في مدة زمنية محدودة ومعلومة. فالاتفاق الذي يمنح هيئة التحكيم اختصاصا مستمرا ودائما يعد باطلا(2) لأنه بذلك يجعل منها هيئة قضائية دائمة، وهي صفة أكدنا على عدم امتلاكها لها هي حكر على أجهزة الدولـة، كمـا أن في ذلك حرمان للأطراف من حق التقاضي لدى الهيئات القضائية الرسمية(3).

ويكون التحديد غير مباشر كما لو في التحكيم النظامي، حيث يقع تطبيق نظام التحكيم إذا ما احتوى هذا الأخير على أحكام تنظم المسألة، أما إذا خلا منها فالأمر يعد سكوتا ولا بد بذلك من إعمال الأجل القانوني لتلافيه.

ولكن ماذا لو عهد الأطراف بهذه المهمة إلى المحكمين ؟. لقد سبق لفقه القضاء الفرنسي أن أقر هذه الإمكانية(1) وأكد على عدم تعارضها مع مفهوم النظام العام في نظر القانون الدولي الخاص(2). ونحن بدورنا لا نرى حائلا لإقرارها طالما لم يوجد نص يمنعها في مجلة التحكيم، بل أن الفصل 24 م ت يمنح للمحكمين حق التمديد في الأجل التحكيمي، فلم لا نمنحهم حق تحديده منذ البداية خاصة وأنهم قد يكونوا بحكم موقعهم وخبرتهم أكثر معرفة من الأطراف بالزمن الذي يتطلبه البت في النزاع ويقع بذلك تلافي اللجوء إلى تمديد الأجل فيما بعد.

وفي كل الحالات وسواء حدد الأجل بواسطة الأطراف أو بواسطة غيرهم فيجب أن يكون معقولا ؛ أي متناسبا مع أهمية النزاع وحجمه، فلا يكون طويلا لأنه بذلك قد يتعارض مع الغرض الدافع للتحكيم وهو السرعة رغم ما في ذلك من نقطة إيجابية متمثلة في إتاحة الوقت الكافي للمحكمين لإصدار حكمهم. كما لا يكون الأجل قصيرا لأن في ذلك حرمان للمحكمين من الوقت الكافي الذي قد يتطلبه البت في النزاع، خاصة إذا كان هذا الأخير على قدر هام من التشعب والتعقيد، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن قصر الأجل قد يضر بحقوق الدفاع الممنوحة للأطراف بحيث قد لا يجدون الوقت اللازم لتقديم طلباتهم ومؤيداتهم، خاصة في الحالات التي يتقيدون فيها بآجال مدققة لتقديم دفاعهم كما لو تعلق الأمر بنظام تحكيم الذي ما يكون عادة مشتملا على تحديد مدقق لهذه الأجال. وهنا عليهم الاطلاع على نظام التحكيم عند تحديد الآجال حتى تؤخذ الآجال الواردة به بعين الاعتبار. وعلى كل حال فإن قصر المدة قد لا يكون مضرا لو تمكن الأطراف من تقديم دفاعهم، ثم إنه يحقق هدف الأطراف الذي يدفعهم إلى التحكيم وهو سرعة البت في الخصومة والفصل 24 م ت نفسه يحث عليها.

بهذا نكون قد أجبنا عن السؤال السالف الطرح، وألمحنا بالإجابة عن سؤال آخر لا يقل أهمية عنه وهو معرفة ما إذا كان تحديد الأجل شرطا لازما لصحة اتفاقية التحكيم؟. ذلك أنه بإقرارنا لإمكانية تحديد الأجل من شخص غير الأطراف يدل على أن اتفاقية التحكيم يمكنها أن تنشأ دون أن تتضمن تحديدا للأجل الذي قد يحدده المحكمون فيما بعد. كما أن إقرارنا بإمكانية سكوت الأطراف يدل بوضوح على أن اتفاقية التحكيم لا يستوجب فيها تضمنها أجل التحكيم، ويتدعم هذا القول -بالنسبة للاتفاق على التحكيم على الأقل- بما ورد بأحكام الفصل 17 م ت الذي لا يشترط إلا بيان موضوع النزاع وأسماء المحكمين كشرط صحة لاتفاقية التحكيم. وبذلك فتحديد الأجل لا يعد شرطا لصحتها في صورتيها الشرط والاتفاق ؛ فقد تتضمن أجلا، وقد لا تتضمنه. وهنا يقع العمل بالأجل القانوني، أو يقع تلافيه بتدخل الأطراف أنفسهم بواسطة اتفاق مستقل، أو بإعطاء المهمة للمحكمين لاتخاذ ما يرونه مناسبا.

ولكن هل أننا فـعلا قمنا بتقديم إجـابة كاملة ؟. إن مبعث التساؤل هو تواجد الفصلين 17 م ت و24 م ت في الباب المتعلق التحكيم الداخلي، فكيف هو الأمر في التحكيم الدولي؟

إن المشرع التونسي وعلى خلاف عادته لم يعمد إلى تقديم حلول دقيقة في التحكيم الدولي مقارنة بالتحكيم الداخلي، بل أنه لم يتعرض لمسألة الأجل تماما. ومع ذلك فإننا نرى أن جميع ما قيل بشأن التحكيم الداخلي ينطبق في التحكيم الدولي باعتبار أن مبدأ علوية الإرادة هو مبدأ عام يسود المادة التحكيمية بفرعيها عدى مسألة الأجل القانوني فلا نراها مبدئيا منطبقة لأن أساسها القانون لا الإرادة.

ولكننا نلاحظ أن الأحكام المنظمة للتحكيم الدولي لم تحدد أجلا قانونيا لتدارك سكوت الأطراف. وقد يتدارك هؤلاء أمرهم بموجب اتفاق لاحق. ولكن ماذا لو لم يفعلوا ذلك ؟. إن الحل برأيي تفصح عنه موجبات الفصل 64 م ت المتعلق بتحديد سير الإجراءات، إذ ينص في فقرته الثانية على أنه إذا لم يتفق الأطراف على إجراءات التحكيم : "كان لهيئة التحكيم ... أن تسير في التحكيم حسب الطريقة التي تراها مناسبة، وتشمل السلطة المخولة لهيئة التحكيم سلطة تقدير جواز قبول الأدلة المقدمة وصلتها بالموضوع وجدواها وأهميتها". ورغم أن هذا الفصل لم يتعرض صراحة للأجل التحكيمي كأحد الإجراءات التحكيمية فإنه في المقابل لم ينف ذلك. وما اقتصاره على سلطة تقدير الأدلة إلا على سبيل الذكر لا الحصر، فالآجال عموما هي من المسائل المنظمة للإجراءات والمتصلة بها(1). وننتهي بهذا إلى أن سكوت الأطراف عن الأجل في التحكيم الدولي يقع تلافيه بتدخل من المحكمين، ولكننا نصطدم هنا بهاجس الخوف من أن يصبح هؤلاء هم سادة التحكيم عوضا عن المحتكمين. ويصبح التحكيم غير محدد الأجل نتيجة لسوء نية المحكمين رغم أن ذلك غير مفترض فيهم بحكم ما استوجبه القانون فيهم من شروط أوردها بالفصل 10 م ت(2). ونتيجة لهذه التخوفات وأمام غياب التدخل القضائي(3)، ليس أمامنا من خيار سوى اعتماد الأجل القانوني المعمول به في التحكيم الداخلي وذلك كمحاولة منا لإنقاذ العملية التحكيمية وضمان حسن سيرها ونزاهتها.

بهذا نكون قد حددنا مدة أجل التحكيم، فكيف يقع احتسابها ؟.

ب‌. احتساب أجل التحكيم :

لاحتساب أجل التحكيم وجب علينا التعرض لمسألتين : الأولى تتعلق بتحديد نقطة بداية احتساب الأجل، والثانية تهم كيفية احتسابه.

فأما المسألة الأولى فقد تعرض لها المشرع صلب 24 م ت. ولكن قبل ذلك يجب إزالة الخلط الذي قد يثيره الفصل 9 م ت إذ ينص على أنه : "تبدأ إجراءات التحكيم في نزاع ما في اليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه طلبا بإحالة ذلك النزاع إلى التحكيم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك ". فهذا الفصل لا يتعلق بأجل التحكيم وإنما بالإجراءات في مجموعها، والمفهومين هما حتما مختلفين إذ لا يعدو الأول أن يكون سوى جزء من الثاني وأحد مكوناته. فبدء الإجراءات لا يعني ضرورة بداية الأجل، فهذا الأخير يقتصر محتواه على المدة الزمنية الممنوحة لهيئة التحكيم للبت في الخصومة في حين تشمل الإجراءات جميع المسائل التي يتطلبها سير الدعوى التحكيمية منذ تكوين هيئة التحكيم إلى غاية صدور الحكم، وهي تشمل عموما إضافة إلى تقديم الطلبات والمؤيدات وعقد الجلسات ... أجل التحكيم الذي لا يبدأ احتسابه من تاريخ تسلم المطلوب طلب التحكيم -كما أورد ذلك الفصل 9 م ت- وإنما من تاريخ قبول المحكمة أو آخر المحكمين لمهمته عملا بأحكام الفصل 24 م ت. فهو إذن التكوين الفعلي والنهائي لهيئة التحكيم الذي يعطي إشارة انطلاق الأجل التحكيمي(1).

ولكن لماذا فضل المشرع أن يكون بدء الأجل من تاريخ قبول المحكمين لمهمتهم لا من تاريخ طلب ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ   رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Emptyالثلاثاء أبريل 19, 2011 11:37 am


ب‌. التمديد الذي يقوم به الأطراف :

ينص الفصل 24 م ت على أن الإمكانية متاحة أيضا للأطراف في تمديد الامتداد الزمني للاختصاص التحكيمي، أي التمديد في أجل التحكيم. ولكنه لم يحدد شروطه ولا صيغه مما يفسح المجال لطرح أكثر من سؤال، وأولها المتعلق بزمن وقوع هذا التمديد، فهل يجب أن يصدر قبل حلول الأجل أم بعد ذلك ؟.

إن التمديد لا يمكن اعتباره اتفاقية تحكيم جديدة. فهو لا يؤسس لاختصاص تحكيمي جديد وإنما يكتفي بتمديد أثره في الزمن، لذا يجب أن يصدر قبل انتهاء أجل التحكيم لأنه لو صدر بعد ذلك فإن اتفاقية التحكيم تكون قد أنهت كل آثارها وينتهي بذلك الاختصاص التحكيمي، ويستعيد القضاء العدلي اختصاصه باعتباره صاحب الولاية العامة والدائمة في فض النزاعات. وبذلك فلا يمكن لهيئة التحكيم أن تختص مرة أخرى ما لم يقع تحرير اتفاقية تحكيم جديدة، فهي الوحيدة القادرة على تأسيس الاختصاص التحكيمي.

ويرى البعض أن هذا الحل لا ينطبق إلا على الاتفاق على التحكيم دون الشرط التحكيمي(1). ولكننا من جانبنا لا نرى جدوى لهذا التمييز ذلك أنه وإن كان الشرط التحكيمي يؤسس لاختصاص تحكيمي عام من حيث موضوعه، فإنه في المقابل لا يؤسس لاختصاص تحكيمي دائم من حيث امتداده الزمني بسبب الاعتبارات السالف ذكرها(2). وبذلك فإنه سواء تعلق الأمر باتفاق على التحكيم أو شرط تحكيمي فصدور التمديد يجب أن يكون قبل حلول الأجل. ولكننا لا نعني بذلك إطلاق هذا الحل في جميع الأحوال فقد نضطر للتمييز بين التمديد الصريح والضمني.

فالتمديد الصريح لا يمكن الأخذ به ما لم يصدر قبل حلول الأجل أما لو صدر بعد ذلك فإنه لا ينتج آثاره، أي أننا لا نرى فيه ذلك الوصف الذي يلحق اتفاقية التحكيم فيمدد آثارها، على أننا قد نرى فيه اتفاقية تحكيم جديدة. وإن كان هذا الأمر لا يثير إشكالات خاصة في خصوص الشرط التحكيمي واتفاق التحكيم الدولي فإنه في المقابل قد نجابه بأن اتفاق التحكيم الداخلي يوجب فيه الفصل 17 م ت بيان أسماء المحكمين وموضوع النزاع وإلا عد باطلا. ونحن نرى أن هذين الشرطين متوفرين في حالة التمديد الصريح بعد الأجل، باعتبار وجود إحالة ضمنية على التحكيم المنقضي ؛ حيث يكون موضوع النزاع قد تحدد بعد وهيئة التحكيم تكون بدورها قد تكونت بعد بيث يكون أعضاؤها معروفين.

وأما التمديد الضمني فبطبيعته لا يمكن تخيله إلا بعد انتهاء الأجل فما دام الأجل قائما فإننا لا نزال تحت ظل الأجل الأصلي. وطالما لم يوجد تمديد صريح فإنه لا يمكن معرفة وجود تمديد ضمني من عدمه إلا بعد انتهاء الأجل. وللتحقق من ذلك وجبت مراقبة الأعمال الصادرة عن الأطراف ؛ من ذلك الحضور الذي يفسر على أنه مد للميعاد وهو ذاك الحضور المقترن بالتكلم في الموضوع دون التمسك بانتهاء الأجل، أما الحضور المجرد غير المقترن بأي أقوال أو دفوع أو توقيعات فلا نرى فيه ما يفيد التمديد.

وإقرارنا بوجود تمديد ضمني يفيد ضرورة بأنه لا تستوجب في التمديد في إشكالية معينة، فمثلما كانت اتفاقية التحكيم رضائية في تكوينها فإنه عملا بمبدإ توازي الإجراءات فإن الاتفاق على التمديد بدوره يكون كذلك باعتباره مجرد وصف يلحق بها لتمديد آثارها. وعملا بنفس المبدإ فإننا لا نرى مانعا في تطبيق أحكام الفصل 6 م ت المتعلق بإثبات اتفاقية التحكيم على الاتفاق على التمديد. معنى ذلك أنه لا بد من أثر كتابي يفيده ويمكن الاعتماد هنا على محاضر الجلسات مثلا أو حكم التحكيم نفسه وعلى جميع الوثائق الأخرى التي تعرض لها الفصل المذكور.

أما في خصوص مدة التمديد فإن الفصل 24 م ت لم يورد بشأنها أي قيد، فالأطراف لهم الحرية نفسها التي كانت لهم بمناسبة تحديد الأجل الأصلي، هذا يعني أنه بإمكانهم تحديد المدة التي يرونها مناسبة على أن تكون معلومة. وإن لم يفعلوا فإن الأرجح هنا أن تكون مدة التمديد هي نفسها مدة الأجل الأصلي، لا مدة الأجل القانوني الذي جاء به الفصل 24 م ت لتلافي سكوت الأطراف عن تحديد مدة الأجل الأصلي لا مدة التمديد(1). ولو تعلق الأمر بتمديد ضمني فإنه لا يمكن تصور تحديد المدة فيه وهنا يخضع لما ذكرناه آنفا.

إشارة أخرى في هذا الصدد تتعلق بما استـرعى انتباهنا من اختلاف واضح في الفصل 24 م ت بين فقرتيه الثالثة المتعلقة بالتمديد المخول للمحكمين والرابعة المتعلقة بالتمديد المخول للأطراف. ففي الصورة الأولى يشترط الفصل ألا يتم التمديد لأكثر من مرتين على الأكثر وعند تعذر البت في الخصومة، أما في الصورة الثانية فقد سكت المشرع عن ذلك ليتركنا نتساءل عن مدى خضوع الأطراف لهذين الشرطين ؟. لا نعتقد أن المشرع قد سها عن إدراج هذين الشرطين وإنما تعمد السكوت لتخوفه من استبداد المحكمين هذا من جهة، ومن جهة أخرى لاعتقاده في أن التحكيم ملك لأصحابه فلن يكون أحرص منهم على حمايته من التطويل.

ج‌. التمديد الذي يقوم به مركز التحكيم :

ينص الفصل 24 على "أن هذا الآجال يمكن التمديد فيها ... عملا بنظام تحكيم" وهو نص يوحي في ظاهره بأنه يتعلق بالتحكيم النظامي فقط، وبالتالي بالتمديد الذي يقوم به مركز التحكيم. ولكن وإن قصد المشرع ذلك فعلا فإنه توجد حالة أخرى يكون فيها التمديد مؤسسا على نظام التحكيم ودون أن يقوم به مركز التحكيم ؛ وهي حالة التحكيم الحر المؤسس على أحكام الفقرة الثانية من الفصل 13 م ت، فالتمديد هنا لا يعدو أن يكون في نهايته إلا من صنع الأطراف.

وما يعنينا في هذا المجال هو التحكيم النظامي المؤسس على الفقرة الأخيرة من الفصل 13 م ت أي التحكيم الذي يعهد فيه النزاع إلى مركز التحكيم لإدارته والإشراف عليه. بهذا فإن مركز التحكيم وباعتباره وكيلا مشتركا لطرفي النزاع قد يعمد إلى التمديد في أجل التحكيم، حتى إن غالبية أنظمة التحكيم التي قد يلجأ لها الأطراف تنص على هذه الإمكانية بناء على طلب أحد الأطراف(1)، وهذا أمر يجعلنا نستحسن الإشارة التي قام بها المشرع التونسي.

لكن هل أن قيام مركز التحكيم بالتمديد يتوقف على طلب أحد الأطراف؟. قد لا نرى في طلب أحد الأطراف شرطا لذلك خاصة في الحالة التي ينص فيها نظام التحكيم على هذه الإمكانية، فالأطراف هم حتما على علم بها طالما كان النظام معروضا للعموم، وسكوتهم عن استبعادها عند تحرير الاتفاقية يفيد ضرورة رضائهم بها. فلا وجوب في رأيي إلى طلب التمديد عند سير الإجراءات كما رأى ذلك البعض(2)، فهم قد فوضوا منذ البداية لمركز التحكيم إمكانية التمديد باعتباره وكيلا مشتركا لهم.

على أنه يجدر التنبيه هنا أن التمديد الذي يقوم به مركز التحكيم يجب أن يصدر قبل حلول الأجل لأنه لو صدر بعد ذلك فلا يمكن اعتباره اتفاقية تحكيم جديدة لسبب بسيط وهو أنه لا يمتلك صفة القيام بذلك(3)، فهو موكل بإدارة النزاع لا بإبرام اتفاقية تحكيم باسم الأطراف(4).

الفقرة الثانية : انتهاء الاختصاص التحكيمي قبل انتهاء أجل التحكيم :

قد لا تستمر هيئة التحكيم على ممارسة اختصاصاتها خلال المدة الممنوحة لها اتفاقا أو قانونا، فعدة أسباب تجعل من اختصاصاتها تنتهي رغم أن أجل التحكيم لم ينته بعد، ويمكن أن تتعلق هذه الأسباب بفعل المحكمين (1) أو بفعل المحتكمين (2).

1. أسباب بفعل المحكمين :

ينص الفصل 20 م ت بأنه "تنحل هيئة التحكيم إذا توفي المحكم أو أحد المحكمين أو قام مانع من مباشرته للتحكيم أو امتنع من مباشرته أو تخلى ... على أنه تجوز للأطراف الاتفاق على التمادي في التحكيم بتدارك الموانع الواردة بالفقرة المتقدمة".

استعرض هذا الفصل ثلاثة أسباب تتعلق بالمحكم وهي وفاته أو قيام مانع بشأنه أو تخليه عن مهمته. ولكنه لم يشر إلى أنها تؤدي إلى انتهاء الاختصاص التحكيمي، وإنما إلى انحلال هيئة التحكيم. والأمرين في رأيي على اختلاف كبير، فانحلال هيئة التحكيم قد يؤدي إلى انقضاء الاختصاص التحكيمي وذلك إذا لم يقع تدارك الأمر بإعادة تكوين هيئة التحكيم، وقد لا يؤدي إلى ذلك إذا وقع التدارك بحيث ينتقل الاختصاص من الهيئة المنحلة إلى الهيئة الجديدة. فأي المعنيين قصد المشرع؟. نرى أن المشرع إنما قصد انقضاء الاختصاص التحكيمي برمته، فمن جهة نجده في الفقرة الثانية من نفس الفصل يخير ترك المسألة لإرادة الأطراف، فإن شاؤوا التدارك وهم بذلك يقررون "التمادي في التحكيم"(1). وإن شاؤوا عدم التدارك فهم بذلك يعتزمون العدول عن التحكيم فتكون النتيجة انقضاء التحكيم. فعبارة "التمادي في التحكيم" هي الدليل على أن انحلال هيئة التحكيم للأسباب المذكورة آنفا يؤدي إلى انقضاء التحكيم وبتداركها يقع التمادي فيه. ومن جهة أخرى لم يورد المشرع أية أحكام خاصة بالتدارك الآلي أي أنه لم يورد أحكاما يقع تطبيقها آليا بمجرد قيام السبب، لكن ذلك يقتصر على التحكيم الدولي دون الداخلي عملا بأحكام الفصل 60 م ت.

ولكن قبل الخوض في هذه المسألة يجدر بنا التعرض إلى مسألة مبدئية، وهي مدى تطبيق الأحكام الواردة بالفصل 20 م ت على التحكيم الدولي نظرا لعدم وجود نص مماثل له في هذا الباب. يمكن القول بأن السببين المتعلقين بقيام مانع في جانب المحكم أو بتخليه قد ورد بها الفصل 59-1 م ت الذي نص على أنه "إذا أصبح المحكم غير قادر بحكم القانون أو بحكم الواقع على أداء مهمته أو تخلف عن القيام بها في أجل ثلاثين يوما فإن هذه المهمة تنتهي بتخليه عنها ..." معنى ذلك أنه يؤدي إلى انحلال هيئة التحكيم باعتبار انعدام الصفة في أحد أعضائها. أما في خصوص الوفاة فلا نجد في الأحكام المنظمة للتحكيم الدولي نصا قانونيا واحدا يشير لها صراحة ولكن ذلك لا يمنع من استخلاصها ضمنيا من خلال أحكام الفصل 60 م ت الذي جاء فيه أنه : "عندما تنتهي مهمة أحد المحكمين وفقا للفصل 58 م ت أو الفصل 59 م ت من هذه المجلة أو بموجب تخليه عنها لأي سبب آخر أو بسبب عزله باتفاق الأطراف أو في أي حالة أخرى من حالات إنهاء المهمة ..." ، والوفاة لن تكون إلا إحدى الحالات الأخرى التي ينتج عنها بداهة إنهاء المهمة.

هي إذن نفسها الأسباب المتعلقة بشخص المحكم التي قد تؤدي إلى انحلال هيئة التحكيم سواء تعلق الأمر بتحكيم داخلي أو دولي. وهنا نعود إلى بقية أحكام الفصل 60 الذي ينص في خاتمته على أنه إذا انتهت وأنهيت مهمة المحكم فإنه "يعين محكم بديل له وفقا للقواعد التي كانت واجبة التطبيق على المحكم الواقع تبديله". إن ما جاء به هذا الفصل هو حل آلي يقع تطبيقه كلما انتهت أو أنهيت مهمة المحكم، بما يعني أنه من الضروري التمادي على التحكيم ومن ثم فإن الاختصاص التحكيمي سيتواصل بمجرد تفادي الخلل وهو بذلك لن ينقض.

خلاصة القول أن الوفاة أو قيام مانع في جانب المحكم أو تخليه عن مهمته يؤدي مبدئيا إلى انقضاء الاختصاص التحكيمي في التحكيم الداخلي، إلا أن الأطراف لهم إحياؤه مرة أخرى بتدارك هذه الموانع. أما في التحكيم الدولي فلا يمكن لهذه الأسباب بأي حال من الأحوال أن تؤدي إلى انقضاء الاختصاص التحكيمي وإنما يتعين على الأطراف تكوين هيئة جديدة ينتقل لها الاختصاص ويمكن تقسيم هذه الأسباب إلى قسم غير إرادي (أ)وآخر إرادي (ب).

أ‌. أسباب غير إرادية :

هي أسباب تحصل في جانب المحكم دون أن تكون لإرادته دورا في حصولها، وهي الوفاة وقيام مانع قانوني أو واقعي. أما الوفاة فإنها تؤدي إلى انتهاء الاختصاص التحكيمي إذا جدت بعد قبول المحكم لمهمته، أما لوجدت قبل ذلك فإنه لا يمكنها إنهاء اختصاص تحكيمي لم يبدأ بعد باعتبار أن سريان الأجل التحكيمي يبتدئ بقبول المحكم لمهمته. وهنا نرى أنه على الأطراف تعيين محكم بديل اعتمادا على الأحكام المنظمة لتعيين المحكمين، لا بالاعتماد على الفقرة الثانية من الفصل 24 م ت، فالفرق بين الصورتين كبير، ففي الأولى فإن التزام الأطراف بتكوين هيئة التحكيم يستوجب تنفيذا عينيا. أما في الصورة الثانية فإن التمادي على التحكيم يتوقف على اتفاق الأطراف بحيث لا يجبر أي طرف على ذلك، فإن شاء تمادى في التحكيم وإن شاء عدل عنه. فأحكام الفقرة الثانية من الفصل 24 م ت لا تنطبق إلا على حالة الوفاة الحاصلة بعد قبول المحكم لمهمته التي تؤدي إلى انتهاء التحكيم، ومن ثم إلى انقضاء الاختصاص التحكيمي رغم أن الأجل الأصلي للتحكيم لم ينقض بعد.

أما بخصوص المانع الذي يقوم في جانب المحكم فنعني به السبب الذي يحول دون قيامه بوظائفه الموكولة إليه، وقد نص الفصل 21 م ت أنه : "إذا أصبح المحكم غير قادر بحكم القانون أو بحكم الواقع على أداء مهمته .. فإن هذه المهمة تنتهي بتخليه عنها وإلا كان عرضة للعزل".

فالمانع قد يكون قانونيا كما لو فقد المحكم أهليته بعد بدء الدعوى التحكيمية أو هي عموما كل ما يفيد تخلف أحد الشروط الموضوعية المستوجب توفرها في شخص المحكم(1). وقد يكون المانع واقعيا كالمرض أو البعد عن مكان التحكيم. وفي الحالتين على المحكم أن يتخلى عن المهمة وإلا كان عرضة للعزل، وهو ما يحيلنا إلى الحديث عن الأسباب الإرادية حيث يلوح الترابط والتداخل بين الأمرين واضحا.

ب‌. أسباب إرادية :

تعود هذه الأسباب إلى إرادة المحكم وتتمثل في امتناع المحكم عن مباشرة مهمته أو تخليه عنه. والأمرين على حد السواء يفترض وقوعهما بعد قبول المحكم لمهمته ؛ إلا أنه لا يباشر أي عمل توجبه عليه مهمته أو يرفض ذلك وهذا هو الامتناع، أو أنه يباشر أعماله ويرفض الاستمرار فيها وهذا هو التخلي. ويمكن إدماج الحالة الأولى في الثانية ونعتبر الحالتين تخليا طالما لا يوجد بينهما اختلافا يذكر من حيث النظام القانوني.

ولقد تعرض المشرع التونسي لهذه المسألة بالفقرة الثانية من الفصل 11 م ت الذي جاء فيه أنه : "لا يجوز له (المحكم) التخلي بعد القبول دون مبرر وإلا كان مسؤولا بغرم ما عسى أن يكون قد تسبب فيه بذلك من الضرر للأطراف".

مرة أخرى يؤكد المشرع على أن التخلي لا يكون إلا بعد القبول، فطالما لم يصدر قبول عن المحكم فإنه يبقى في حل من أي رباط قانوني تجاه الأطراف بحيث لا يمكن مطالبته بغرم الضرر الحاصل لهم لو أنه رفض القبول. أما لو أنه تخلى عن مهمته بعد قبولها فهو يكون مسؤولا تجاه الأطراف، إلا أن قيام هذه المسؤولية يبقى متوقفا على حصول ضرر للأطراف الذين عليهم إثبات ذلك. وهنا يمكن للمحكم وفي جميع الأحوال التفصي عن المسؤولية بإثبات مبرر لتخليه. ولكننا نعيب على المشرع عدم إلحاق عبارة "المبرر" بوصف "الجدية" إذ لا نخال دفع المحكم لمسؤوليته بإثبات مبرر غير جدي.

ومع ذلك يبقى الإشكال قائما في خصوص معنى المبرر الجدي. إنها مسألة موضوعية تبقى خاضعة لتقدير القاضي بمناسبة نظره في دعوى غرم الضرر التي قد يرفعها الأطراف. وعموما فقد يكون المبرر نتيجة قيام مانع قانوني أو مادي على النحو السالف ذكره. وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت الموانع القانونية لا تثير صعوبة في تقديرها فإن الأمر على خلاف ذلك إذا كانت هذه الموانع واقعية.

2. أسباب بفعل المحتكمين :

تعود هذه الأسباب إلى إرادة المحتكمين، فهي نتيجة لتصرفات صادرة عنهم باعتبارهم سادة تحكيمهم. إذ كما كان لهم حق إنشائه فلهم حق إنهائه. وينطبق هذا الأمر تماما في صورة العدول عن التحكيم (أ) كما تمكن ملاحظته في صورتي عزل المحكم (ب) أو التجريح فيه (ج).
أ‌. العدول عن التحكيم :

كما نشأ التحكيم باتفاق الأطراف فإن اتفاقا آخر يمكن أن ينهيه. ولا يستدعي هذا العدول بحثا طويلا للوصول إلى نص يقره ؛ فالفصل 15 م ت الوارد بباب الأحكام المشتركة ينص صراحة على أنه : " إذا اتفق الأطراف خلال إجراءات التحكيم على تسوية النزاع فيما بينهم فإن هيئة التحكيم تختم الأجراءات".

فالعدول إمكانية متاحة للأطراف خلال سير الإجراءات، ومن باب أولى وأحرى فهي متاحة لهم ولو قبل بدء هذه الإجراءات لما في ذلك من حفاظ على الوقت الذي يمثل أهم مكونات التجارة الدولية والداخلية على حد السواء.

والعدول قد يكون صراحة وهو أمر لا يتطلب أي توضيح ولا يستوجب أي شكلية معينة لصحته، وقد يكون ضمنيا كأن يرفع أحد الطرفين النزاع أمام الهيئات القضائية ولا يثير الطرف الآخر اختصاص الهيئات التحكيمية.

ب‌. عزل المحكم :

ينص الفصل 20 م ت على العزل كسبب من أسباب انحلال هيئة التحكيم لا انقضاء الاختصاص التحكيمي أو الانقضاء المسبق لأجل التحكيم، ولكن هذا لا يعني أن العزل لا يؤدي إلى انقضاء التحكيم، فهو يؤدي إلى ذلك لو تقاعس الأطراف عن تدارك الخلل الحاصل بتركيبة هيئة التحكيم.

والمبدأ في العزل أنه يكون اتفاقيا، أما العزل الأحادي فلا بد له من مساعدة القضاء، بمعنى أنه يجب تقديم طلب في الغرض لدى المحكمة المختصة بحسب ما إذا كان التحكيم داخليا أو دوليا. فإن لم تر المحكمة موجبا للعزل فطبيعي أن هيئة التحكيم تواصل النظر في النزاع بنفس التركيبة، وفي هذه الحالة ينص الفصل 25 م ت على أنه : "تتوقف إجراءات التحكيم إذا قدم طلب في عزل المحكم ... إلى حين البت في الطلب" ولما كانت الآجال من الإجراءات فإنها بدورها تعلق إلى ذلك الحين بحيث تتمتع هيئة التحكيم بكامل الأجل الأصلي الممنوح لها.

ولكن ماذا لو قرر المحكمة عزل المحكم ؟. في هذه الحالة نضطر للرجوع إلى أحكام الفصل 20 م ت الذي ينص على انحلال هيئة التحكيم بموجب عزل المحكم، فهل يجبر الأطراف على تفادي هذا الخلل بتعيين محكم بديل؟ قد تكون الإجابة بالنفي على الأقل في التحكيم الداخلي حيث لا وجود لنص صريح يقر ذلك ولا وجود لأحكام بديلة يقع تطبيقها آليا كما في التحكيم الدولي، حيث يوجب الفصل 60 م ت اتباع نفس الإجراءات المتبعة في تعيين المحكم المعزول لتعيين المحكم البديل وبالتالي يمكن تصور تدخل قضائي يجبر الأطراف على ذلك قياسا بما ورد بالفصل 56 م ت بما أن الأمرين يتعلقان بتكوين هيئة التحكيم.

بهذا فالعزل لا يؤدي إلى انقضاء التحكيم في التحكيم الدولي. وإنما يؤدي إلى ذلك في التحكيم الداخلي ولكن ذلك لا يمنع الأطراف من تفادي هذا الخلل عملا بأحكام الفصل 20 م ت الذي ينص على التمادي في التحكيم كإمكانية جائزة للأطراف دون أن تصطبغ بأي طابع إلزامي. وفي هذه الحالة فإن التحكيم لا ينقضي حيث يقع تعيين محكم بديل بنفس الإجراءات المتبعة في تعيين المحكم المعزول قياسا بما ورد بالفصل 60 م ت وينتقل بذلك الاختصاص إلى الهيئة الجديدة لتواصل النظر في النزاع.

والسؤال الذي يبقى قائما يتعلق بأجل التحكيم ذاته : فهل يتوقف أم يبدأ أجل جديد؟. طالما تعلق الأمر بهيئة جديدة، فالأسلم أن يقع منحها أجلا كاملا للبت في النزاع. فقد يشمل العزل كامل أفراد الهيئة القديمة، فليس من العدل، وفي هذه الحالة، أن يمنح المحكم أجلا منقوصا ثم نتحدث فيما بعد عن مسؤوليته. في حين تبقى مسألة تعليق الأجل منطبقة فقط في صورة رفض طلب العزل عملا بموجبات الفصل 25 م ت.

ج‌. التجريح في المحكم :

يتعقد الأمر بخصوص التجريح في المحكم لعدم وروده بالفصل 20 م ت من بين الأسباب المؤدية إلى انحلال هيئة التحكيم، ومن ثم إلى انقضاء التحكيم. كما إن الفصل 25 م ت ينص على توقف الإجراءات إلى حين البت في طلب التجريح لا غير، معنى ذلك أنه لو كانت نتيجة المطلب سلبية أي برفض التجريح فإن الهيئة تواصل ممارسة اختصاصها متمتعة بكامل الأجل الأصلي بعد طرح المدة التي استغرقها النظر في المطلب. ويمكن تصور نفس الحل في التحكيم الدولي -رغم عدم التنصيص عليه- لاتحاد العلة.

أما لو كانت النتيجة إيجابية فإن هيئة التحكيم تصبح بذلك منقوصة، فهل من حل لتفادي هذا الخلل ؟. بمراجعة الأحكام المنظمة للتحكيم الداخلي لا نلحظ وجود أي نص يجبر الأطراف على تدارك هذا الخلل ولا وجود لأي أحكام بديلة يقع تطبيقها آليا، على خلاف ما جاء به التحكيم الدولي حيث ينص الفصل 60 م ت صراحة على أنه : "عندما تنتهي مهمة أحد المحكمين وفقا للفصل 58 م ت يعين محكم بديل له وفقا للقواعد التي كانت واجبة التطبيق على المحكم الواقع تبدليه".

وفي رأيي فإنه يمكن سحب أحكام هذا الفصل على التحكيم الداخلي أيضا نظرا لاتحاد العلة ولما في ذلك من إعطاء التحكيم نجاعة كافية تجعله محل ثقة لقاصديه.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ   رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Emptyالثلاثاء أبريل 19, 2011 11:42 am

الجـزء الثاني
الالتزام بعدم إحالة النزاع موضوع اتفاقية
التحكيم على القضاء العدلي

ينص الفصل 2 م ت على أن : "اتفاقية التحكيم هي التزام أطراف على أن يفضوا بواسطة التحكيم كل أو بعض النزاعات القائمة أو التي قد تقوم بينهم بشأن علاقة قانونية معينة تعاقدية كانت أو غير تعاقدية ".

ما نستخلصه من هذا الفصل أن اتفاقية التحكيم تخفي بداخلها التزاما بوجوب إحالة النزاع الذي تعينه على هيئة التحكيم. ومن البديهي أن ذلك يعني، بصورة عكسية أنه، على الأطراف أن يلتزموا بعدم إحالة النزاع موضوع اتفاقية التحكيم على القضاء العدلي. فيقوم بذلك مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية (المبحث الأول) بالنظر في ذاك النزاع. ويعد هذا المبدأ احتراما لإرادة الأطراف باعتبارهم عند التعبير عن رضاهم بانتهاج طريق التحكيم بفض ما قد ينشأ بينهم من نزاعات، فإنهم بذلك يعبرون بصورة ضمنية عن رغبتهم في إقصاء نظر الهيئات القضائية عن هذه النزاعات. وقد تم تكريس هذا المبدأ بوضوح في القانون التونسي صلب الفصل 51 م ت المتعلق بالتحكيم الدولي، والذي يمكن سحب أحكامه على التحكيم الداخلي دون أدنى صعوبة. وقد جاء فيه أنه "لا يجوز لأي محكمة أن تتدخل في المسائل التي هي موضوع اتفاقية تحكيم دولي إلا عملا بأحكام هذه المجلة".

وما يسترعي انتباهنا في هذا الفصل هو جزؤه الأخير الذي يوحي بإمكانية تدخل القضاء العدلي في المسائل التحكيمية بما ينتج عنه الإقرار بوجود قيود للمبدأ المذكور. (المبحث الثاني) وهو أمر منطقي يبرره افتقاد هيئة التحكيم للفاعلية القضائية التي لا يشعر برهبتها الأطراف إلى متى كانوا في مواجهة قضاء الدولة.

المبحث الأول
مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية
من أثار اتفاقية التحكيم أنها توجب على الأطراف عدم إحالة النزاع المبين بها على الهيئات القضائية التي تصبح غير مختصة بالنظر فيه، ومن ثم كان الإقرار بقيام مبدأ عدم اختصاص القضاء العدلي ؛ وهو مبدأ يستوجب منا بعض التحليل (الفرع الأول) لفهمه واستيعاب محتواه. على أن الأمر لا يؤخذ على إطلاقه حتى أنه باتت القاعدة أنه ما من مبدأ إلا وله استثناء (الفرع الثاني)، إذا بمطالعة بعض الأحكام القانونية الورادة بمجلة التحكيم نلاحظ من خلالها أن القضاء العدلي قد يستعيد أحيانا ولايته على النزاع الذي أراد له الأطراف إقصائه عنه. على أنه يجدر التنبيه هنا إلى عدم الخلط بين استثناء المبدأ والقيود الواردة عليه ؛ والتي سيقع دراستها في مبحث مستقل. فالأول يفيد عودة الاختصاص برمته إلى القضاء العدلي دون أدنى مشاركة للتحكيم في المسائل المتنازع فيها، والثانية تؤدي إلى توزيع الاختصاص في المسائل التحكيمية بين الجهازين التحكيمي والقضائي ؛ فيكون الأول الدور الأساسي، في حين يضطلع الثاني بدور ثانوي.

الفرع الأول
تحليل مبدأ عدم اختصاص القضاء العدلي

بمجرد أن يحرر الأطراف اتفاقية تحكيم مستوفية لجميع شرائطها القانونية فإنها تنتج في جانبهم أثرا إيجابيا يوجب عليهم إحالة النزاع المبين بها على هيئة تحكيمية لكي تفصل فيه، كما أنها تنتج في نفس الوقت أثرا سلبيا يتمثل في الالتزام بعدم إحالة النزاع التحكيمي على الهيئات القضائية. إذ لا يمكننا أن نتخيل أن نزاعا واحدا -وهو النزاع التحكيمي- يمكنه أن يكون محل نظر من قبل هيئتين قضائيتين في نفس الوقت -حتى وإن كانت إحداهما هيئة خاصة-، نظرا لما في ذلك من خطورة كبيرة مصدرها الخوف في صدور أحكام متناقضة ومتضاربة. فغاية الأطراف انصرفت منذ البداية إلى استبعاد ولاية القاضي العدلي من النظر في نزاعهم لفائدة القضاء التحكيمي نظرا للمزايا التي يتمتع بهذا الأخير في مقابلة القضاء الأول.

ولما كانت المادة التحكيمية محكومة بمبدأ سلطان الإرادة، فإن هذه الأخيرة توجب احترامها على الكافة. وأول الملزمين باحترام هذه الإرادة هم أطراف اتفاقية التحكيم أنفسهم الذين عليهم الالتزام بعدم إحالة النزاع على القضاء العدلي، إذ على كل طرف احترام الاتفاق الذي يجمعه بالطرف المقابل. فلا يجوز له -والحالة تلك- نقض ما التزم به بصورة أحادية ؛ وذلك بأن يرفع النزاع أمام المحاكم العدلية بدون رضاء الطرف الآخر، إذ يعد ذلك سعيا منه في نقض ما تم من جهته على حد عبارة محكمة التعقيب(1). وحتى وإن فعل ذلك فإن إرادة الأطراف -المجسمة في اتفاقية التحكيم- تنتج أثرها تجاه المحكمة التي عليها إعلان عدم اختصاصها بالنظر في النزاع المعروض عليها، ويقوم تبعا لذلك مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية.

حينئذ فأن يكون هذا المبدأ أثرا لاتفاقية التحكيم فذاك أمر بديهي. ولهذا لم تتوان مختلف الاتفاقيات الدولية والتشاريع الوطنية المقارنة في تكريسه، إذ نلحظ وجوده منذ سنة 1923 صلب بروتوكول جينيف في فصله 4(2)، وكذلك في الفصل 2 من اتفاقية نيويورك لسنة 1958(3)، ونفس الشيء نلاحظه في جل القوانين الحديثة كالقانون السويسري والجزائري والإسباني ... وكذلك القانون التونسي صلب الفصل 19 م ت بالنسبة للتحكيم الداخلي، والفصلين 52 م ت و53 م ت بالنسبة للتحكيم الدولي.

ورغم ما يتمتع به هذا المبدأ من "شعبية كبيرة" فإنه قد يعتريه بعض الغموض في بعض جوانبه الذي لن يزاح إلا بتحديد النظام القانوني لهذا المبدأ (الفقرة الأولى) وتحديد نطاقه (الفقرة الثانية).




الفقرة الأولى : النظام القانوني للمبدأ :

لا وجود لأي اختلاف بين التحكيم الدولي والتحكيم الداخلي في خصوص النظام القانوني لمبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية بالنظر في النزاع التحكيمي، حيث ينص الفصل 19 م ت الوارد بباب التحكيم الداخلي على أنه : "إذا رفع أمام المحكمة نزاع منشور أمام هيئة تحكيمية بموجب اتفاقية تحكيم فعليها التصريح بعدم اختصاصها بطلب من أحد الأطراف وإذا لم يسبق لهيئة التحكيم أن تعهدت بالنزاع فعلى المحكمة أيضا التصريح بعدم اختصاصها ... وفي كلتا الحالتين لا يجوز للمحكمة التسمك من تلقاء نفسها بعدم الاختصاص".

أما في التحكيم الدولي فقد نص الفصل 52 م ت على أنه "على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى في مسألة أبرمت بشأنها اتفاقية تحكيم أن تحيل الأطراف إلى التحكيم إذا طلب منها ذلك أحدهم ... ". كما ينص الفصل 54 م ت على أنه "إذا رفعت دعوى من نوع ما أشير إليه بالفصل المتقدم أو لم يسبق لهيئة التحكيم أن تعهدت بالنزاع تطبق أحكام الفقرة الثانية من الفصل 19 من هذه المجلة ".

ما نلاحظه في جميع هذه النصوص القانونية أنها تتفق على الصبغة النسبية لمبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية بالنظر في النزاع التحكيمي (1)، طالما كانت إثارة المسألة متوقفة على طلب من أحد الأطراف دون أن تلجأ المحكمة إلى إثارتها من تلقاء نفسها. وكنتيجة لهذه الطبيعة النسبية للمبدأ فإنه يخول للأطراف التنازل عن الاختصاص التحكيمي لفائدة القضاء العدلي (2).

1- الصبغة النسبية لمبدأ عدم اختصاص القضاء العدلي :

لقد تعددت المواقف وتباينت في خصوص تحديد طبيعة مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية. فقد اتجه القضاء الفرنسي في بادئ الأمر إلى اعتبار المبدأ مكتسبا لصبغة مطلقة(1)، بمعنى أنه بمجرد أن تلاحظ المحكمة المعروض أمامها النزاع وجود اتفاقية تحكيم فإنها تبادر إلى التصريح بعدم اختصاصها دون أن تنتظر إثارة أحد الأطراف لذلك أو طلبه له، ولكن القضاء الفرنسي لم يستقر على هذا الاتجاه ؛ إذ ما لبث أن غير موقفه فيما بعد معتبرا أن مبدأ عدم اختصاص القضاء العدلي يكتسي طابعا نسبيا(2)، بمعنى أن إعلان المحكمة لعدم اختصاصها متوقف ضرورة على طلب الأطراف له، ولا يمكنها بالتالي أن تصرح به من تلقاء نفسها. وقد تأكدت هذه الصبغة النسبية إثر ذلك بما ورد بالفصل 1458 من مجلة المرافعات المدنية الجديدة(1). وهكذا كان الأمر كذلك في القانون التونسي ؛ حيث لم يتوان المشرع عن إقرار هذا الطابع النسبي صلب الفصل 19 م ت بالنسبة للتحكيم الداخلي، والفصلين 52 م ت و53 م ت بالنسبة للتحكيم الدولي.

يستخلص إذن أن تخلي الهيئات القضائية عن النظر في النزاع المعروض عليها لفائدة هيئة التحكيم هو نتيجة حتمية لوجود اتفاقية تحكيم. ولكنه ليس تخليا آليا تجريه المحكمة من تلقاء نفسها، بل على الأطراف أن يتمسكوا به. وهو بذلك لا يعد من مكونات النظام العام، ويبقى متوقفا على رغبة الأطراف في إثارته من عدمها. وقد تأكد هذا الاتجاه على مستوى القانون المقارن والقانون الوطني على حد السواء. فقد أكدت محكمة النقض المصرية(2) أن "مفاد نص المادة 717 من قانون المرافعات قديم والمادة 501 من القانون الجديد تخويل المتعاقدين الحق في الالتجاء للتحكيم نظرا لما قد ينشأ بينهم من نزاع كانت تختص به المحاكم أصلا. فاختصاص جهة التحكيم بنظر النزاع وإن كان يرتكز أساسا على حكم القانون الذي أجاز استثناء اختصاص جهات القضاء، إلا أنه ينبني مباشرة وفي كل حالة على حدة على اتفاق الطرفين، وهذه الطبيعة الاتفاقية التي يتسم بها شرط التحكيم وتتخذ قواما لوجوده تجعله غير متعلق بالنظام العام. فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بإعماله من تلقاء نفسها، وإنما يتعين التمسك به أمامها، ويجوز النزول عنه مصارحة أو ضمنا، ويسقط الحق فيما لو أثير متأخرا بعد الكلام في الموضوع، إذ يعتبر السكوت عن إبدائه قبل نظر الموضوع نزولا عن التمسك به".

كما لم يتأخر القضاء التونسي بدوره عن تبني نفس الاتجاه، حتى قبل صدور مجلة التحكيم سنة 1993، حيث جاء بالقرار الصادر عن محكمة الاستئناف بتونس عـ95567ـدد والمؤرخ في 10 سبتمبر 1991(3) أن : "تمسك المستأنف بالشرط التحكيمي المدرج في القانون الأساسي واجب الاحترام من طرف الشريك الذي استصدر الحكم المستأنف عوض اللجوء إلى التحكيم، فإن المحكمة ترى من المتجه واقعا وقانونا احترام الشرط الوارد بالقانون الأساسي باعتباره مبدأ متفق عليه في مرجع نظر النزاعات القائمة من نوعية خاصة جاء بها القانون صراحة كما سبق ذكره، وتحتم على من قبله توخيه خاصة وقد تمسك أحد مبرميه معبرا بذلك عن عدم تنازله عن تلكم الطريقة المتفق عليها. وحيث بات حينئذ نقض حكم البداية والقضاء مجددا برفض الدعوى لعدم الاختصاص بالنظر حسب الأسانيد السالف بسطها".

والمتمعن في هذه الصبغة النسبية لمبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية يلحظ أنها جد منطقية ذلك أن هذه الأخيرة هي صاحبة اختصاص مطلق، عام، ودائم في فض النزاعات مهما كان نوعها. وهي بذلك ملزمة بأن تقبل النظر في أي نزاع يعرض عليها، ولا يمكنها التصريح بعدم اختصاصها من تلقاء نفسها استنادا إلى وجود اتفاقية تحكيم. فهي إن فعلت ذلك فإنها تعد منكرة للعدالة، وقد لا يفيدها هذا الاستناد إلى اتفاقية التحكيم. فهذه الأخيرة وإن كان من أثارها إحالة النزاع على التحكيم واستبعاد القضاء العدلي، فإنها تبقى أولا وأخيرا عقدا ينشئه الأطراف، ولهم التراجع عنه في كل وقت. فإن شاؤوا العدول عنها قبل تعمد أحدهم اللجوء إلى القضاء، وإن شاؤوا العدول بعد ذلك. وقد يكون هذا العدول صراحة، وقد يكون ضمنيا ؛ كأن يجيب أحدهم عن الدعوى المرفوعة ضده أمام الهيئات القضائية والحال أنها موضوع اتفاقية تحكيم، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن القضاء يعد مرفقا عموميا يحق لكل فرد الالتجاء إليه لحماية مصالحه. وحق التقاضي بذلك مخول لكل فرد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال حرمانه منه بدعوى أنه اختار طريقة أخرى لفض نزاعاته وحماية حقوقه. فهو وإن اختار ذلك فعلا فله أن يختار أيضا العدول عنه، ويستعيد حقه في التقاضي لدى قضاء الدولة الذي يبقى ملزما بقبول دعواه والنظر فيها متى استوفت جميع شروطها الشكلية والقانونية، وما لم يثبت عدول الأطراف عما اختاروه بداية كأن يتمسك أحد الأطراف بوجود اتفاقية تحكيم ووجوب عرض النزاع على هيئة التحكيم، وهذا هو الدفع بالاعتداد باتفاقية التحكيم.

وتجدر الإشارة إلى أنه قد ثار الجدل حول الطبيعة القانونية لهذا الدفع بالاعتداد باتفاقية التحكيم. فقد طرح التساؤل حول ما إذا كان من قبيل الدفع بعدم الاختصاص، أم من قبيل الدفع بعدم القبول؟ بعبارة أخرى هل إن اتفاقية التحكيم تنزع اختصاص المحكمة عن النزاع المبين بها، أم تكتفي فقط بمنعها من سماع الدعوى مادام التحكيم قائما ؟ وتبدو أهمية هذا الموضوع واضحة باعتبار أن الدفع بعدم الاختصاص هو دفع شكلي تجب إثارته قبل الخوض في الأصل، بينما الدفع بعدم القبول لا يعد كذلك، وبالتالي تجوز إثارته في كل حالة تكون عليها الإجراءات وفي جميع أطوار التقاضي. والحقيقة أن غاية كل من الدفع بعدم الاختصاص والدفع بعدم القبول هي غاية واحدة وهي منع المحكمة من الفصل في الدعوى. على أنه في الحالة الأولى ينكر على المحكمة اختصاصها وولايتها بالنظر في النزاع بصورة مطلقة، في حين ينكر عليها في الحالة الثانية سلطتها في سماع الدعوى فحسب.

ويتبين من كل ما تقدم أن مجال الدفع بعدم الاختصاص هو عند ارتكاب مخالفة ما لقواعد الاختصاص الشكلية التي يقررها القانون ؛ كأن ترفع الدعوى إلى محكمة لا تختص بها وإنما تدخل في اختصاص محكمة أخرى. وأما الدفع بعدم القبول فمجاله عندما تكون المحكمة مختصة بالنظر في الدعوى وفق القواعد المقررة بالتشريع ولكن تنتفي سلطتها في النظر فيها لتخلف شرط عام من الشروط المقررة لقبول الدعاوى، أو لتخلف شرط خاص من الشروط المستوجبة في بعض الدعاوى المعينة. وتبعا لذلك فقد رأى البعض(1) أن الاعتداد باتفاقية التحكيم هو دفع بعدم القبول ضرورة أن الشرط التحكيمي يترتب عنه تنازل الأطراف عن حقهم في الالتجاء إلى القضاء العدلي ؛ أي الالتجاء إلى المحكمة المختصة أصلا بالنظر في الدعوى. ومتى تنازل الخصوم بمحض إرادتهم عن حق الالتجاء إلى القضاء تكون الدعوى بذلك قد فقدت شرطا من شروط قبولها، وهو ما يحتم على المحكمة الامتناع عن قبولها. فشرط التحكيم لا ينزع عنها الاختصاص، وإنما يمنعها فقط من سماع الدعوى مادام الشرط قائما. وبالتالي يكون الدفع بالاعتداد باتفاقية التحكيم دفعا بعدم القبول لأنه ينكر على الخصم سلطته في الالتجاء إلى القضاء العادي.

وفي المقابل وجد اتجاها مغايرا يرى في الدفع بالاعتداد باتفاقية التحكيم دفعا بعدم الاختصاص. فقد أكدت محكمة التعقيب الفرنسية أن هذا الدفع هو دفع شكلي(2) يجب على الأطراف إثارته قبل الخوص في الأصل وإلا سقط الحق فيه. والملاحظ أن زمن إثارة هذا الدفع مرتبط بطبيعة مبدأ عدم الاختصاص القضائي في حد ذاته ، فلما كان القضاء الفرنسي يكرس الصبغة المطلقة له، كان في ذات الوقت يقبل إثارة هذا الدفع في جميع مراحل الدعوى(3). أما بعد إقرار الطبيعة النسبية للمبدأ، فقد أصبح قبول الدفع متوقفا على إثارته قبل الخوص في الأصل، وتأكد فيما بعد بما ورد بالفصل 73 من مجلة المرافعات الفرنسية والقاضي بعدم قبول الدفع بعد رد المتسمك به عن الدعوى. ومن باب أولى وأحرى، فإنه لا يمكن إثارته أمام محكمة الدرجة الثانية بمناسبة الطعن في الحكم الصادر عن محكمة البداية. أما إذا تغير موضوع الدعوى لدى محكمة الدرجة الثانية، فإنه يجب تمكين المستأنف ضده من تقديم جميع مستنداته الموضوعية والإجرائية على حد السواء وذلك للرد على إدعاءات خصمه. وفي هذه الحالة يجوز إثارة الدفع بالاعتداد باتفاقية التحكيم ولو لأول مرة أمام محكمة الدرجة الثانية ؛ وهذا ما كرسته محكمة التعقيب الفرنسية في قرار صادر لها سنة 1986(4).

والسؤال المطروح هو : ماهو موقع القانون التونسي من هذين الاتجاهين بخصوص الدفع بالاعتداد باتفاقية التحكيم ؟ لقد كان المشرع التونسي واضحا وجازما في إجابته عن المسألة وذلك بأن أقر بأن هذا الدفع هو دفع بعدم الاختصاص ويجب بذلك إثارته قبل الخوض في الأصل، فقد ورد بالفصل 52 م ت أن المحكمة عليها التصريح بعدم اختصاصها "إّذا طلب أحدهم (أحد الأطراف) منها ذلك في موعد أقصاه تاريخ تقديم ملحوظاته الكتابية في أصل النزاع". وهذا يعني أنه بعد هذا الموعد لا يجوز للأطراف التمسك بهذا الدفع، كما أنه على المحكمة في هذه الصورة مواصلة النظر في الدعوى بغض النظر عن وجود اتفاقية تحكيم من عدمها. ورغم أن جغرافية الفصل 52 م ت تجد إطارها في التحكيم الدولي، فإنه لا شيء يمنع من سحب أحكامه على التحكيم الداخلي الذي لم يرد بالوضوح الكافي، ولكن صبغة الفصل 19 م ت تسمح بذلك طالما كان إعلان المحكمة لعدم اختصاصها مرتبطا دائما بطلب من أحد الأطراف.

2- تنازل الأطراف عن إثارة الدفع بعدم اختصاص القضاء العدلي :

إن الأطراف في اتفاقية التحكيم يجوز لهم دائما التنازل عن الأثر السلبي الذي تحدثه ؛ أي أن لهم دائما العدول عن مبدإ عدم اختصاص الهيئات القضائية والعدول بذلك عن التحكيم. وقد أقر فقه القضاء الفرنسي هذه القاعدة حتى عندما كان يقر بالطبيعة المطلقة لمبدأ عدم اختصاص القضاء العدلي ؛ من ذلك أن محكمة التعقيب الفرنسية قد صرحت أنه "حتى وإن كانت القواعد التي تحكم الاختصاص الحكمي للمحاكم لها طابع مطلق، فإن الأطراف بإمكانهم دائما وبموجب الاتفاق بينهم العدول عن الشرط التحكيمي"(1). إن هذا الحل لا نرى فيه انسجاما كبيرا مع هذه الطبيعة المطلقة للمبدأ لأنه يصعب أن نقر بإمكانية التنازل عن عدم اختصاص مطلق. وهي في المقابل إمكانية جد مقبولة لو أننا نقر بأن مبدأ اختصاص الهيئات القضائية يكتسي طابعا نسبيا، بل إن الطبيعة النسبية هي التي تبرر هذه الإمكانية التي تعد نتيجة حتمية لها. كما تستمد إمكانية العدول أساسها أيضا من المصدر التعاقدي للتحكيم ؛ فهذا الأخير من صنع توافق إرادتي طرفيه، فلا شيء يمنع من إنهائه بموجب الاتفاق بين نفس الإرادتين. ومجلة التحكيم تجيز في أكثر من موضع إمكانية الأطراف في العدول عن التحكيم حتى أنه يعد سببا من أسباب انقضائه.

وقد يكون العدول في هذا المجال ضمنيا، وقد يكون صراحة. فقد يعمد أحد الأطراف إلى رفع دعواه أمام الهيئات القضائية، وعلى الرغم من وجود اتفاقية تحكيم، فإن المطلوب يمتنع عن إثارة الدفع، فامتناعه هنا يجب فهمه على أنه عدول عن التحكيم أو هو عدول عن مبدأ عدم الاختصاص القضائي في التحكيم(1)، وهذه هي الصورة الضمنية للعدول وهنا يحصل الاتفاق على العدول بإيجاب المدعي ساعة رفع الدعوى وقبول المدعى عليه عند امتناعه عن التمسك بالدفع المخول له. كما أن إثارته للدفع بعد رده على الدعوى -أي بعد الخوض في الأصل- يجب تكييفه على أنه قبول للعدول طالما سقط حقه في إثارة الدفع بعد الموعد المحدد بالفصل 52 م ت. كما ينتج التنازل في الحالة التي يعمد فيها المدعى عليه إثارة الدفع بعدم اختصاص المحكمة المتعهدة بالنزاع التحكيمي، ثم يتراجع عن ذلك سواء صراحة، أو ضمنيا بقبوله الخوض في الأصل من جديد(2).

ويقر القضاء الفرنسي أن العدول لا ينحصر مجاله في النزاع المعروض على المحكمة فحسب(3)، وإنما يمتد أيضا إلى الطلبات العرضية المرتبطة بالعقد المدرج به الشرط التحكيمي، كما يشمل أيضا الطلبات الإضافية وذلك إعمالا لمبدأ التبعية. وبصورة عامة فإن فقه القضاء الفرنسي يقر بأن العدول ينسحب على كامل أثار الشرط التحكيمي ؛ بمعنى أنه في صورة العدول عن التحكيم فإن المحكمة يمكنها البت في جميع المسائل التي يمكن أن تنج عن العقد المتضمن للشرط التحكيمي، وليس فقط في المسائل المتنازع فيها والمعروضة عليها بصورة فعلية.

ويهدف هذا الحل إلى منع المدعي الذي عهد القضاء ببعض المسائل التحكيمية -على الرغم من وجود اتفاقية تحكيم- منعه من معارضة المدعى عليه بنفس هذه الاتفاقية عندما يرغب هذا الأخير –هو أيضا- في مقاضاته لدى القضـاء العدلي في خصـوص المسائل التحكيمية الأخرى(4). ولكن نلاحظ أن هذا الحل ينتج عنه الانقضاء التام للاختصاص التحكيمي وفقدان هيئة التحكيم لسلطتها بالنظر في جميع المسائل التحكيمية. بمجرد أن يتنازل أحد الأطراف عن إثارة الدفع بالاعتداد باتفاقية التحكيم أمام الهيئة القضائية، ولو تعلق النزاع ببعض المسائل لا بجميعها. ونتيجة لهذا الأمر فقد لقي هذا التوجه القضائي انتقادا من الفقه(5). فهو وإن كان يرمي إلى تفادي انقسام النزاع في خصوص عقد واحد بين الهيئات القضائية والهيئات التحكيمية، فإنه في المقابل لا يولي إرادة الأطراف أي عناية ولا يأخذها بعين الاعتبار. إذ لا شيء يمنع الأطراف من إحالة بعض المسائل التحكيمية على القضاء العدلي، ويحتفظون في نفس الوقت بحقهم في إحالة المسائل الأخرى المتبقية على هيئة التحكيم. فهل يعقل أن ندفع الأطراف إلى إبرام اتفاقية تحكيم جديدة بخصوص هذه المسائل المتبقية، طالما ينتج عن ذلك الاتجاه انقضاء الاختصاص التحكيمي برمته؟. على المحكمة إذن أن تخضع إرادة الأطراف إلى تأويل ضيق، بحيث عليها أن تعتبر العدول مقتصرا على المسائل المعروضة عليها فقط في حين تبقى المسائل الأخرى من اختصاص الهيئة التحكيمية.

وعلى الرغم من وجاهة ما استند إليه الفقه، فإننا نرى أنفسنا في المقابل مدفوعين إلى مساندة القضاء الفرنسي فيما ارتآه ضرورة ما في هذا التوجه من إيجابيات لعل أهمها العمل على تفادي تناقض الأحكام، فهذه الغاية يسعى إليها المشرع دون أن يميز في ذلك بين الأحكام إن كانت صادرة عن مجلس قضائي أو مجلس تحكيمي. فهي في الحالتين تتمتع بحجية الأمر المقضى به ويمكن أن يتصل بها القضاء. ونحن نخشى تناقض الأحكام متى أقررنا بانقسام الاختصاص بين القضاء والتحكيم في خصوص المسائل التحكيمية الناشئة جميعها عن سبب واحد، ولها فيما بينها من الارتباط والتبعية مـا يحتم توحيد الجهـاز الذي سيعهد له مهمة البت فيها. إذ لا شيء يضمن -والحالة عكس ذلك- أن يصدر الحكم التحكيمي اللاحق بخلاف ما صدر به الحكم القضائي السابق عنه. كما إنه لا شيء في هذا الاتجاه القضائي يفيد إهماله لإرادة الأطراف، إذ على العكس من ذلك، فهو ما كان ليوجد لولا هذه الإرادة أي لولا تعبيرها عن العدول عن الاعتداد باتفاقية التحكيم. ولا شيء بذلك يجبر المحكمة على اعتماد تأويل ضيق لهذه الإرادة، بل أن الاعتبارات السالف ذكرها والحالة الواقعية التي انبنى عليها القرار المشار إليه آنفا تدفع إلى إقرار مثل هذا الاتجاه ومساندته.

ويجدر التنبيه في الأخير إلى أن التجاء أحد الأطراف إلى القضاء الاستعجالي لا يعد مبادرة منه في العدول عن التحكيم طالما كان هذا الاختصاص بإمكانه التعايش مع الاختصاص التحكيمي. وعدم إثارة الطرف الآخر لمبدأ عدم اختصاص القضاء العدلي أو عدم الاعتداد باتفاقية التحكيم لا يعد منه قبولا لهذا العدول، ذلك أن القضاء الاستعجالي يقوم على عنصري التأكد وعدم المساس بالأصل(1). ولكن ذلك لم يمنع القضاء الفرنسي في حالة نادرة من اعتبار الالتجاء إلى القاضي الاستعجالي هو بمثابة العدول عن التحكيم نتيجة للظروف المحيطة ؛ كأن يكون الالتجاء إليه قد تم بعد البدء في إجراءات الاستعجال التحكيمي المنظم من طرف مركز التحكيم(2). ولكن هذا الاتجاه يبقى غير مقبول لأن القاضي الاستعجالي لا ينظر في أصل النزاع. وكل ما يقوم به هو مد يد المساعدة للهيئات التحكيمية فحسب حتى يساعدها على تجاوز بعض الصعوبات التي تفتقد بشأنها الفاعلية القضائية لتجاوزها. ويتأكد هذا الأمر تشريعيا بما ورد بالفصل 54 م ت الذي جاء واضحا لا يحتمل أي تأويل مخالف ؛ فقد نص على أنه : "لا يعد مناقضا لاتفاقية التحكيم أن يطلب أحد الأطراف قبل بدء إجراءات التحكيم أو أثناءها من القاضي الاستعجالي أن يتخذ إجراءا وقائيا مؤقتا".

الفقرة الثانية : نطاق المبدأ :

إن السؤال المتعلق بتحديد نطاق مبدإ عدم اختصاص الهيئات القضائية يمكن طرحه على النحو الآتي : من هم المنتفعون به ؟ ولكي يكون السؤال أكثر وضوحا ؛ قد نعيد صياغته بطريقة أخرى : من هم الأشخاص الذين يسري عليهم المبدأ، بحيث يقع إخضاعهم إلى اتباع طريقة التحكيم لفض نزاعاتهم دون القضاء العدلي؟. قد يوصف هذا السؤال بالسذاجة ؛ باعتبار أنه من البديهي أن أولئك الأشخاص هم قطعا أطراف اتفاقية التحكيم الذين اختاروا منذ البداية التحكيم كوسيلة لفض نزاعاتهم، معبرين في ذات الوقت عن إرادتهم في التنازل عن حقهم في التقاضي لدى قضاء الدولة. فإذا ما رفع النزاع التحكيمي أمام هذا الأخير، وتمسك أحد المتداعين بوجود اتفاقية تحكيم قبل الخوض في الأصل ؛ وجبت إحالتهم على التحكيم والتصريح بعدم الاختصاص.

ولكن هل أن الأطراف وحدهم الذين يمكن إخضاعهم إلى اتباع طريق التحكيم ؟. صيغة السؤال توحي بأنه يوجد أشخاصا آخرين بالإمكان إخضاعهم للتحكيم، وإقرار مبدأ عدم اختصاص القضاء العدلي في مواجهتهم، ولو لم يكونوا أطراف في اتفاقية التحكيم. أي أنهم غيرا عن الاتفاقية طالما لم يكونوا أطرافا فيها.

مبدئيا يجب الاعتراف بالصعوبة التي يقرها الفقه في خصوص تحديد مفهومي الطرف والغير(1). ومن ثم الاعتراف بالصعوبة التي تصاحب عملية تحديد الأشخاص الخاضعين للقوة الملزمة لاتفاقية التحكيم والغير الخاضعين لها. خاصة إزاء وجود عدد التقنيات القانونية التي قد تؤدي إلى انتقال آثارها إلى الغير، على أن الذي يعنينا في هذا المجال هو توسع الآثار وليس انتقالها، لأن الحالة الثانية قد يصبح بموجبها الغير طرفا في الاتفاقية رغم أنه لم يكن كذلك في البداية. وأما التوسع فيها أن يقع إخضاع شخص ما إلى هذه الاتفاقية دون أن كون يوما طرفا فيها لا عند تحريرها ولا عند تنفيذها، رغم ما في ذلك من تعارض مع المصدر التعاقدي للتحكيم ومبدأ الأثر النسبي الذي ينتج عنه.

وغالبا ما تعترضنا هذه الصعوبات عند التعرض لما يعرف بالتحكيم المتعدد الأطراف: الذي كان نتيجة لما شهدته العلاقات التعاقدية من تشعب وتشابك في ظل تطور المبادلات التجارية الداخلية والدولية منها بالخصوص. والتحكيم المتعدد الأطراف غالبا ما يقع التعرض له بدوره في إطار ما يعرف بتجمع المؤسسات : التي يقسمها الفقه إلى صنفين(1) : أما الصنف الأول فهو يتمثل في التجمعات الأفقية ؛ وهي عبارة عن عقد مقاولة مشترك يقرر بموجبه عدة مقاولين قبول معاملة ينصون فيها أحيانا على تضامنهم تجاه آخرين، وأحيانا أخرى على عدم تضامنهم. وفي هذه الحالة الثانية يعد المقاول الأصلي هو المعاقد الأساسي للحريف. وأما الصنف الثاني فهو يتعلق بالتجمعات العمودية ؛ وهي عبارة عن مجموعة من العقود أو الاتفاقات التي تنتقل من الحريف إلى المقاول الأصلي، ومن ثم إلى المقاول الثانوي وأحيانا إلى المزود. وفي بعض الأحيان قد يجتمع هذين الصنفين في وضعية قانونية واحدة فتكون موغلة في التعقيد ويتولد عنها تشابك حقيقي للعلاقات التعاقدية.

وما يهمنا في هذه المجموعة العقدية أيا كان الصنف الذي تنتمي إليه أنها قد تتضمن جميعها شروطا تحكيمية، وقد لا يتضمنها إلا بعضها دون البعض الآخر. فإذا ما تضمنت جميع العقود شروطا تحكيمية فإن الإشكال الذي يطرح هنا يتعلق بمعرفة مدى إمكانية توحيد الإجراءات التحكيمية أو ضمها بحيث يقع إخضاع جميع النزاعات المتولدة بين مختلف الأطراف إلى هيئة تحكيمية واحدة بدل أن يتم تشتيتها على عدة هيئات تحكيمية. ونكون بذلك كفلنا سرعة الفصل فيها، وضغطنا على كلفة التحكيم، وبالأخص تفادينا خطر تضارب الأحكام التحكيمية وتناقضها. وإذا ما تضمنت بعض العقود دون الأخرى شروطا تحكيمية، فإن الإشكال يتجاوز مسألة توحيد الإجراءات إلى مسألة نراها أخطر وأهم -وهي التي تعنينا بصورة خاصة في هذا المجال- وهي مدى إمكانية إدخال أحد الأشخاص في إجراءات تحكيم، رغم أنه لم يمض اتفاقية التحكيم ولم يكن ممثلا فيها. على أنه تجدر الإشارة إلى أنه حتى في الصورة الأولى التي يقع فيها المطالبة بتوحيد الإجراءات التحكيمية فد نكون حتما إزاء مسألة إدخال الغير في هذه الإجراءات. ذلك أنه لو كنا إزاء تحكيمين اثنين، فإن إحد طرفي التحكيم الثاني أو كليهما قد يكونان غيرا عن التحكيم الأول.

إن الإجابة عن السؤال السالف طرحه تختلف بحسب ما إذا كان المجيب من مناوري التحكيم، أو من مناهضيه. فالشق الأول ستكون إجابته حتما بالإيجاب بدعوى الارتباط وعدم التجزئة بين مختلف النزاعات، إضافة إلى المزايا التي يوفرها هذا الاتجاه من الضغط على كلفة التحكيم وسرعة البت وتفادي تضارب الأحكام. وهو اتجاه يهدف عموما إلى حسن إدارة النزاع. وأما الشق الثاني فلا نرى في إجابته إلا النفي، ولا نرى في حججه إلا المصدر التعاقدي للتحكيم وما يوجبه من إعمال لمبدأ الأثر النسبي الذي يتعارض –ضرورة- مع إلزام شخص باتفاقية تحكيم لم يكن طرفا ولا ممثلا فيها. ثم أنه يخشى بذلك خلق قرينة توسع التحكيم التي قد يتولد عنها نزعة دفاعية تجاه التحكيم تمنع كل وجود له. وهو اتجاه يرمي في نهايته إلى عدم حرمان أي شخص من التمتع بحقه في التقاضي لدى قضاء الدولة، ما لم يعبر صراحة عن تنازله عن هذا الحق.

وما يهمنا على وجه التحديد في هذا المجال هو موقف القضاء من المسألة. أي هل أن القاضي بإمكانه أن يعلن عدم اختصاصه إثر مطالبة أحد المتداعين بإدخال خصمه في الإجراءات التحكيمية بدعوى الارتباط أو عدم التجزئة ؟ للتوضيح نبدأ القول بأن التدخل القضائي في إجراءات تحكيم متعدد الأطراف يمكن أن يجد له مستويين: فأما الأول، فهو بمناسبة الطعن بالإبطال في الحكم التحكيمي الصادر بتوحيد إجراءات التحكيم أو بإدخال الغير فيها. وعلى الرغم من هذه الوضعية لا تعنينا، فإنه يمكن الإشارة إلى أن فقه القضاء الفرنسي عمد في عديد المرات إلى إقرار مثل هذه القواعد المادية التي وضعها المحكمون خاصة في التجارة الدولية(1)، رغم غياب أي نص قانوني في مجلة المرافعات المدنية الفرنسية يسمح بذلك.
وأما المستوى الثاني للتدخل القضائي فيمكن أن نصفه بالتدخل المباشر ؛ وهو أن تقع مطالبة القضاء أصالة بتقرير الإدخال. فهو إما أن يمتنع عن ذلك ويواصل نظره في النزاع. وإما أن يقبل المطلب ويقرر الإدخال ؛ وهو بذلك يعلن عن عدم اختصاصه بالنظر في النزاع، ويحيل جميع المتداعين أطرافا كانوا في اتفاقية التحكيم أم غيرا على التحكيم وفي هذه الحالة يقع تطبيق مبدأ عدم اختصاص القضاء العدلي على الأطراف والغير على حد السواء.

ورغم أن القول بأن القاضي بإمكانه إقرار الإدخال يعد قولا غريبا في مادة تخضع لمطلق إرادة الأطراف -كما إن المساعدة القضائية فيها لا يتكون إلا بموجب نص صريح- فإن ذلك لم يمنع بعض المحاكم من السير في ذلك الاتجاه ولكن هذه ليست إلا محاكم أمريكية(2). ففي الولايات المتحدة الأمريكية عمدت محاكم بعض ولاياتها إلى تكريس إدخال الغير في إجراءات تحكيمية كلما سكت الأطراف عن المسألة، إذ يفترض في هؤلاء أنهم يريدون عرض نزاعاتهم على هيئة تحكيمية واحدة. ولا يمكن بذلك استبعاد الضم أو التوحيد الإجرائي للتحكيم إلا في صورة تنصيص صريح على استبعاده. ويعد سكوتهم بذلك رضاء منهم بإمكانية الالتجاء إلى القضاء العدلي لتقرير إدخال الغير في إجراءات التحكيم، على الرغم من كونه لم يعبر عن إرادته في الموافقة على ذلك. وكان من تأثيرات هذا الاتجاه القضائي الأمريكي أن مهد لتكريس إجراءات الضم أو الإدخال على مستوى التشاريع الوطنية سواء الأمريكية منها كقانون التحكيم بولاية كاليفورنيا(1)، أو الأجنبية كالقانون الهولندي(2) أو قانون التحكيم بهونغ كونغ(3). فماذا عن القانون التونسي ؟.

لا نعتقد أن مجلة التحكيم فيها ما يوحي -ولو مجرد الإيحاء- بأن المشرع التونسي لم يغفل عن المشاكل التي قد يثيرها التحكيم المتعدد الأطراف على وجه العموم. بل على العكس من ذلك فإننا نرى في تعامله مع التحكيم ما يوحي بأنه علاقة ثنائية، أي أنه يعتبر أن اتفاقية التحكيم لا يمكنها أن تجمع إلا طرفين اثنين. ويبرز ذلك بالخصوص في القاعدة التي يقرها بالفصل 55 م ت عندما اعتبر أن عدد المحكمين يكون ثلاثة في صورة سكوت الأطراف عن ذلك، ويتأكد بما ورد بالفصل 56 م ت الذي عالج مشكلة عدم اتفاق الأطراف على إجراءات تعيين محكميهم.

إذا كان هذا هو الحل في خصوص التحكيم المتعدد الأطراف عموما. فكيف هو إذن لو تعلق بوضعية خاصة ؛ وهي إدخال الغير في إجراءات تحكيمية، ومن ثم مجابهته بمبدأ عدم الاختصاص القضائي لوجود اتفاقية التحكيم ؟. نرى أن هذه الإمكانية غير جائزة بالمرة في القانون التونسي لعدة أسباب : أولها أن كل فرد يتمتع بحق التقاضي أمام قضاء الدولة ولا يمكن بأي حال حرمانه من هذا الحق ما لم يعبر عن ذلك هو شخصيا، وذلك بأن اختار طريق التحكيم لحماية حقوقه.
والسبب الثاني أن التحكيم -وبلا شك- يجد مصدره في العقد الذي ينجر عنه ضرورة مبدأ الأثر النسبي، وهو يعني انه لا يمكن إخضاع أي شخص لعقد لم يكن طرفا فيه، إذ لا ينجر له منه ضرر ولا نفع. مع التنبيه هنا إلى عدم الخلط بين القوة الملزمة للعقد والمفعول الاحتجاجي له باعتباره واقعة مادية تجاه غير عاقديه. ولا ينفع هنا -للقول بعكس ذلك- التمسك بعدم تجزئة أو ارتباط النزاعات أو الإدارة الحسنة لها.
وأما السبب الثالث والأخير فهو أن مجلة التحكيم لم يرد بها أي نص قانونية يبيح للقاضي إمكانية إدخال الغير في إجراءات تحكيمية. وقد نحاجج بكون الأصل في الأشياء الإباحة وأن المنع لا يكون إلا بنص صريح، وطالما لم يوجد مثل هذا المنع فلا شيء يحمل إلى القول بذلك. إلا أننا نستند في قولنا إلى حجتين اثنتين : فأما الأولى ؛ فهي أن الفصل 51 م ت ينص على أنه : "لا يجوز لأي محكمة أن تتدخل في المسائل التي هي موضوع اتفاقية تحكيم دولي إلا عملا بأحكام هذه المجلة". وطالما لم يذكر الباب الثالث المتعلق بالتحكيم الدولي، ومجلة التحكيم في مجملها، على إجراء الإدخال من بين الحالات التي يجوز فيها التدخل القضائي ؛ فإن الإقرار بمنع هذا الإجراء يكون في محله ويمكن سحب أحكام هذا الفصل على التحكيم الداخلي دون أي صعوبة.
وأما الحجة الثانية فهي تكمن فيما ورد بالفصل 41 م ت الذي جاء فيه أنه : "يجوز الطعن في أحكام هيئة التحكيم بالاعتراض من الغير على أن يرفع إلى محكمة الاستئناف التي صدر بدائرتها الحكم". ولا يهم موضع هذا النص إن كان متعلقا بالتحكيم الداخلي أو الدولي، فالأهم أنه يدل دلالة واضحة على أن المشرع "كان على علم" بموقع الغير من التحكيم، وخير أن يعطيه حق الاعتراض، بدل أن يجبره على التداخل في إجراءات لم يبد رغبة في قبولها منذ البداية. وهنا قد نجابه بكون الإدخال إجراء معمول به في المرافعات المدنية والتجارية(1)، وطالما ينص الفصل 46 م ت على أنه: "تنطبق أحكام مجلة المرافعات المدنية والتجارية فيما لا يتخالف مع أحكام هذا الباب وفي الصور التي لم تتعرض إليها أحكامه" فإنه يمكن بالتالي سحب هذا الإجراء على التحكيم. ولكننا نرد على هذا الدفع بما ذكرناه سابقا من عدم التنصيص عليه صراحة ومنعه ضمنيا، ونضيف إليه التذكير بالطابع الاتفاقي الذي يسود الدعوى التحكيمية في مقابلة الدعوى المدنية.

جميع هذه الأسباب والحجج تجعلنا نقر بعدم إمكانية القاضي بأن يقضي بإدخال الغير في إجراءات تحكيمية طالما لم يكن طرفا في اتفاقية تحكيم، ليبقى بذلك مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية معمولا به في مواجهة الأطراف دون سواهم. فلا ينتفع به أحد غيرهم، ولا يقع فرضه على أحد غيرهم.


الفرع الثاني
الاستثناء : عودة الاختصاص للقضاء العدلي

إن مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية بالنظر في النزاع التحكيمي موضوع اتفاقية التحكيم ليس على إطلاقه، إذ يجد له استثناء في صورة البطلان أو البطلان الواضح لاتفاقية التحكيم أو أنها كانت عديمة الأثر أو لا يمكن تنفيذها. على أنه قبل تحديد شروط قيام هذا الاستثناء (الفقرة الثانية) يجدر بنا أولا تحديد مجاله (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى : مجال الاستثناء :

بإلقاء نظرة على القانون المقارن نجد أن المشرع الفرنسي قد ميز صلب الفصل 1458 من المجلة الجديدة للمرافعات المدنية بين حالتين اثنتين : الأولى هي عند وجود نزاع منشور أمام هيئة التحكيم. ففي هذه الحالة على المحكمة، التي يرفع أمامها النزاع التحكيمي، أن تصرح بعدم اختصاصها بمجرد أن يطلب منها ذلك أحد الخصوم قبل أن يبدي جوابه في الأصل. ولا مجال هنا لأي استثناء لمبدإ عدم اختصاص الهيئات القضائية التي بمجرد أن يثار أمامها الدفع بوجود اتفاقية تحكيم تتخلى عن النظر في الدعوى.
وأما الحالة الثانية : وهي المجال الذي قد يبرز فيه الاستثناء ؛ فتتعلق بعدم تعهد هيئة التحكيم بالنزاع. بمعنى أنه إذا رفع النزاع التحكيمي أمام هيئة قضائية، وهيئة التحكيم لم تتعهد بعد بهذا النزاع، فإن الهيئة الأولى عليها مبدئيا التصريح بعدم اختصاصها متى طلب منها ذلك. إلا أنها تستعيد اختصاصها النظر في هذا النزاع إذا كانت اتفاقية التحكيم واضحة البطلان.

والسؤال المطروح هنا يتعلق بموقف المشرع التونسي من هذا التمييز ؟. ما نلاحظه في النصوص القانونية التي تعرضت للمسألة أنها جاءت واضحة في التحكيم الداخلي حيث ينص الفصل 19 م ت على ما يلي : "إذا رفع أمام المحكمة نزاع منشور أمام هيئة تحكيم بموجب اتفاقية تحكيم فعليها التصريح بعدم اختصاصها بطلب من أحد الأطراف.
وإذا لم يسبق لهيئة التحكيم أن تعهدت بالنزاع فعلى المحكمة أيضا التصريح بعدم اختصاصها ما لم تكن اتفاقية التحكيم واضحة البطلان".

جاء هذا الفصل مطابقا للطريقة الفرنسية في حسم المسألة، فلا مجال لخرق مبدأ عدم اختصاص القضاء العدلي بمجرد تعهد هيئة التحكيم بالنزاع. أما إذا لم يسبق لها أن تعهدت فيبقى الاستثناء واردا، بشرط البطلان الواضح لاتفاقية التحكيم الذي يعيد الاختصاص إلى القضاء العدلي في نزاع كان في الأصل من أنظاره، ولكنه لم يعد كذلك بمجرد تحرير اتفاقية تحكيم. وطالما كانت هذه الأخيرة باطلة فكأن شيئا لم يكن، ويستعيد بذلك قضاء الدولة ولايته على النزاع الذي أريد له عكس ذلك. بهذا يقر المشرع التونسي -وعلى غرار نظيره الفرنسي- بأنه متى تعهدت المحكمة بنزاع منشور لدى هيئة التحكيم فعليها إعلان عدم اختصاصها متى طلب منها الأطراف ذلك. وقد رأى البعض(1) في هذا الأمر تناقضا ؛ إذ كيف يوجب المشرع على المحكمة التصريح بعدم اختصاصها وكأنه واجب محمول عليها، ثم يضيف بأنه لا يمكنها التمسك بعدم الاختصاص من تلقاء نفسها بل لا بد أن يطلب ذلك أحد الأطراف ! فكيف التأليف بين المطلبين ؟ وكانت الإجابة بأن الواجب المحمول على المحكمة لا يتعلق بإثارة عدم اختصاصها، بل أنها لا تقوم إلا بالتصريح به ضرورة أن الدفع بعدم الاختصاص منوط بعهدة الطرف الذي يهمه الأمر.

ولقد أقر الفقه الفرنسي أن هذه القاعدة الواردة بالفصل 1458 من المجلة الجديدة للمرافعات المدنية الفرنسية -والذي يقابله الفصل 19 م ت التونسية- إنما هي نتيجة حتمية للمبدإ المنصوص عليه بالفصل 1466 من المجلة الجديدة للمرافعات المدنية الفرنسية الذي يمنح للمحكم سلطة البت في صحة وحدود اختصاصه. ويجد هذا المبدأ مثيلا له في القانون التونسي صلب الفصل 26 م ت الذي جاء فيه أنه : "إذا أثيرت أمام هيئة التحكيم مسألة تتعلق باختصاصها في النزاع المعروض عليها فإن البت فيها يكون من أنظارها ...". والملاحظ في هذا المبدأ أنه يعد تجديدا في القانون الفرنسي بعد التنقيح الذي تم بموجب أمر 14 ماي 1980 ؛ حيث كان قبل هذا التاريخ محجرا على المحكمين النظر في حقيقة اختصاصهم. فوحدها المحاكم العدلية التي كان لها ذلك، بما ينجر عنه أنه على هيئة التحكيم إيقاف النظر في النزاع حتى يقع الحسم في مسألة الاختصاص من طرف القضاء العدلي متى أثيرت أمامها هذه المسألة. وينتج عن المزج بين القاعدة الواردة بالفصلين 1458 و19 م ت والمبدأ الوارد بالفصلين 1466 و26 م ت أنه بمجرد أن تتعهد هيئة التحكيم بالنزاع فإنها تصبح السلطة الوحيدة المختصة بالنظر في حقيقة وحدود تعهدها(1). والدفع المتعلق بوجود اتفاقية تحكيم في هذه الحالة ينتج عنه بمجرد إثارته أثرا مطلقا : فهو يوجب على المحكمة التصريح بعدم اختصاصها ولا مجال لإقرار أي استثناء أيا كان نوعه.

وبالرجوع إلى الفقرة الاولى من الفصل 19 م ت نلحظ أن المشرع لم يورد بها أي أمر من شأنه أن يحيل على استثناء مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية. فهذه الأخيرة وبمجرد أن تلاحظ وجود اتفاقية التحكيم عليها أن تحيل الأطراف على هيئة التحكيم التي تكون قد تعهدت بعد بالنزاع التحكيمي. وتؤدي هذه القاعدة إلى عدة صعوبات في التأويل، فهي تمنع القاضي من مراقبة صحة اتفاقية التحكيم وهذا مؤكد، ولكن هل يمكن الإقرار على الأقل بأن القاضي يمكنه مراقبة وجود الاتفاقية من عدمه ؟ إن الفصل 19 م ت ينص على أن تعهد هيئة التحكيم مرتبط بوجود اتفاقية تحكيم حتى تعلن المحكمة عدم اختصاصها، وهو ما يوحي بأن هذه الأخيرة عليها أن تتأكد من وجود هذه الاتفاقية. فإن كان الأمر كذلك فإنه يجب تحديد مجال المراقبة بصورة مدققة، فهل يمكن للقاضي مثلا التثبت من مدى اتفاق الأطراف على التحكيم؟ بمعنى هل يكتفي بالوجود المادي أو الشكلي لاتفاقية التحكيم، ويترك للمحكمين مهمة البحث في حقيقة الاتفاق بين الأطراف على مبدأ التحكيم من عدمه ؟. إن المراقبة القضائية لا يمكن أن تقوم إلا على "ظاهر اتفاقية التحكيم". معنى ذلك مثلا أن يكتفي القاضي بمعاينة وجود كتب يتضمن شرطا تحكيميا أو اتفاقا على التحكيم حتى يعلن عـدم اختصاصه، ثم تسند المهمة فيما بعد للمحكمين الذين تعهدوا بعد بالنزاع التحكيم للبحث -وراء هذا الوضع الظاهر- عن مدى وجود عيب في الرضا أو غياب تطابق في الإرادة... فيقررون بذلك مدى انعقاد اتفاقية التحكيم انعقادا صحيحا أم لا.

هكذا إذن فإن المراقبة القضائية لمدى وجود اتفاقية تحكيم ليست إلا شكلية. ومع ذلك فقد يرى البعض(1) أن مجرد هذا القسط الضئيل من المراقبة الشكلية يعد أمرا غير مخول للقضاء العدلي الذي يكون ملزما دائما بالتصريح بعدم اختصاصه بمجرد أن يلاحظ أن النزاع منشور لدى هيئة تحكيمية، وذلك دون إتاحة أي فرصة للنقاش أمامه حول أساس تعهد المحكمين. ولكن ماذا لو أن اتفاقية التحكيم لن تكون موجودة فعلا، أي أنها لم تنعقد بالمرة ؟. ففي هذه الحالة سينجر عن إحالة الأطراف على التحكيم إضاعة للوقت وإطالة للنزاع.

سؤال آخر قد يطرح، ويتعلق بتوزيع الاختصاص بين الهيئات القضائية والهيئات التحكيمية وهو أنه : هل يمكن للقاضي أن يصرح بأن النزاع المشار أمامه لا يعد من بين المسائل التحكيمية كما هو منصوص عليها باتفاقية التحكيم ؟ أم أنه عليه فقط أن يلاحظ تعهد هيئة التحكيم ويترك لها تحديد مجال اختصاصها وبيان المسائل التحكيمية ؟.

ينص الفصل 26 م ت أنه : "إذا أثيرت أمام هيئة التحكيم مسألة تتعلق باختصاصها في النزاع المعروض أمامها فإن البت يكون من أنظارها ". وما يلاحظ أن عبارة هذا الفصل جاءت عامة بحيث قد تشمل صحة التعهد من عدمه، كما قد تشمل مدى الاختصاص وحدوده. هذا يعني أنه في الحالة التي تكون فيها هيئة التحكيم متعهدة بالنزاع فإن النظر في حدود الاختصاص وصحته يكون من أنظارها وحدها، دون القضاء العدلي الذي يكتفي بالتصريح بعدم الاختصاص بمجرد معاينة تعهد هيئة التحكيم بالنزاع.

ولكن الأوضاع تنقلب متى تعلق الأمر بعدم تعهد هيئة التحكيم بالنزاع التحكيمي. فكما ورد بالفقرة الثانية من الفصل 19 م ت أنه : "إذا لم يسبق لهيئة التحكيم أن تعهدت بالنزاع فعلى المحكمة أيضا التصريح بعدم اختصاصها مالم تكن اتفاقية التحكيم واضحة البطلان ". فكيف يمكن للمحكمة أن تتحقق من هذا البطلان الذي قد يلحق اتفاقية التحكيم ؟. لا شك وأن السلطات الممنوحة للمحكمة بالفقرة الثانية من الفصل 19 م ت أوسع بكثير من السلطات الممنوحة لها بموجب الفقرة الأولى من نفس الفصل، فهي هنا تتمتع بقدر أدنى من المراقبة. والمراقبة هنا لا تقتصر على مجرد معاينة تعهد هيئة التحكيم بالنزاع من عدمه، أو معاينة مدى وجود اتفاقية التحكيم، فالمراقبة هنا تتجاوز ذلك إلى التحقق من مدى صحة اتفاقية التحكيم. ومن باب أولى وأحرى، فإن المحكمة لها التحقق من مدى وجود الاتفاقية أيضا.

وكنتيجة لهذه القاعدة، فإن القضاء العدلي يستعيد ولايته في النظر في النزاع الذي كان مختصا به في الأصل ولكن الأطراف أرادوا له عكس ذلك. فطالما كانت هذه الإرادة معيبة أو أن ما أنشأته كان واضح البطلان، فلا مجال إذن لهذه الإرادة أن تنتج أثرها في استبعاد القضاء العدلي. وقد رأى البعض(1) في هذه القاعدة تليينا لمبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية، والحقيقة أننا لا نراها كذلك إذ تتجاوزه إلى مرتبة الاستثناء ؛ حيث لا مجال في صورة البطلان الواضح لاتفاقية التحكيم لهيئة التحكيم أن تنظر في النزاع التحكيمي الذي يعود إلى نظر الهيئات القضائية.

وعموما فإن الاستثناء الوارد على مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية في التحكيم الداخلي يقوم على شرطين : الأول هو البطلان الواضح لاتفاقية التحكيم، والثاني هو عدم تعهد هيئة التحكيم بالنزاع، إذن فهذا التاريخ يصبح موعدا أقصى بحلوله تفقد المحكمة كل سلطة لها في استعادة نظرها في النزاع التحكيمي.

والسؤال الذي يطرح هو مع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ   رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Emptyالثلاثاء أبريل 19, 2011 11:43 am


أ‌. القابلية الموضوعية للتحكيم :

قد لا تتصور اتفاقية التحكيم -شأنها شأن أي عقد آخر- بدون محل أو موضوع ؛ وهو الذي أوجبت فيه مجلة التحكيم أن يكون محددا ومعينا بشكل واضح ودقيق(5). كما أوجبت فيه أن يكون داخلا ضمن المسائل التي يجوز فيها التحكيم وإلا عدت اتفاقية التحكيم باطلة، وجاز بذلك لقضاء الدولة أن يستعيد اختصاصه من تلقاء نفسه ودون توقف على إثارة أحد الأطراف.

والمتأمل في الفصل 7 م ت يلاحظ أنه ورد في صيغة المنع،.ولهذا كان تدخل المشرع حصريا ؛ باعتبار وأن الأصل في الأشياء الإباحة، وأما المنع فهو الاستثناء ولذا وجب تحديد صوره وحصرها بصفة مدققة. وقد تضمن هذا الفصل أربعة مسائل ليست لها قابلية موضوعية للتحكيم وهي -وحسب ورودها بالفصل المذكور- : المسائل المتعلقة بالنظام العام والنزاعات المتعلقة بالجنسية والنزاعات المتعلقة بالحالة الشخصية باستثناء الخلافات المالية الناشئة عنها وأخيرا المسائل التي لا يجوز فيها الصلح. وهذه المسائل الأربعة هي نفسها التي ورد بها الفصل 258 م م م ت الواقع نسخه بموجب إصدار مجلة التحكيم.

ولقد أثارت صياغة هذا الفصل جدلا فقهيا بمناسبة التساؤل عن مدى إمكانية الاكتفاء صلبه بذكر الحالة الأولى المتعلقة بالنظام العام فقط، باعتبارها تستوعب بقية الحالات الثلاثة الأخرى أي المتعلقة بالجنسية والحالة الشخصية والصلح، فهذه حالات بدورها تهم النظام العام!؟.

وقد اختلفت الإجابة عن هذا السؤال من فقيه إلى آخر فقد رأى البعض أن الحالة الأولى تغني عن ذكر البقية طالما كانت هذه الأخيرة من مكونات الأولى وبالتالي لا فائدة في إعادة ذكرها. وأما البعض الآخر فقد رأى أنه "مع الإقرار بصعوبة تأويل الصيغة العامة الواردة بالفصل 7 م ت أي المسائل المتعلقة بالنظام العام وصعوبة تحديد مفهوم النظام العام، فإنه تجب الملاحظة بأن كل المواد تهم النظام العام وليست المسائل الثلاثة المذكورة بالفصل 7 م ت فقط. لأنها لو لم تكن كذلك ما كان المشرع يضطر إلى تقنينها ووضع نظام قانوني لها، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن كل المسائل تتضمن قواعد آمرة تهم النظام العام وليس فقط المواد الثلاثة المذكورة بالفصل 7 م ت، ولذا لا بد من تأويل الحالة الأولى تأويلا ضيقا يتماشى ووضعها في إطار التحكيم عامة وفي الفصل 7 م ت خاصة. وقد رأى فقه القضاء الفرنسي بعد شيء من التردد أنه بالإمكان أن يتعهد التحكيم بكل نزاع يجب أن تطبق فيه قاعدة تهم النظام العام، لكن ما لا يمكن القيام به هو أن نطلب من هيئة التحكيم بأن تحكم بأن هناك أم لا خرقا لقاعدة تهم النظام العام"(1).

من جهتنا نعيد طرح السؤال في صيغة أخرى : هل قصد المشرع فعلا الإشارة إلى أربعة حالات مستقلة، فالأمر أعمق من أن نتساءل عن مدى قابلية الفصل 7 م ت للاختصار؟. ومبعث التساؤل هو أننا لا نعتقد حقا في كون المشرع لم يتفطن إلى أن مفهوم النظام العام يستوجب ضرورة الحالات الثلاثة المتبقية، وأن هاته الأخيرة هي أحد عناصره ومكوناته. وهذا يعني أننا لا نتعقد أن المشرع قد قصد حالات أربعة تستقل كلاها عن الأخرى، أو بالأحرى تستقل الحالات الثلاث الأخيرة عن الحالة الأولى. إذ من البديهي أن المسائل المتعلقة بالجنسية والأحوال الشخصية والصلح هي حتما من النظام العام. والمشرع التونسي لا نراه إلا مدركا لذلك تمام الإدراك، وعلى الأرجح أن غايته من وراء ذكره لها هو لمجرد تقديم بعض الأمثلة للمسألة الأولى الأهم والأعم ؛ وهي المتعلقة بالنظام العام. وهو بذلك يرمي في نفس الوقت إلى التأكيد على حمايتها والتأكد من عدم مخالفتها بصورة خاصة مقارنة ببقية مكونات النظام العام التي ما انفكت تتزايد يوما بعد يوم.

هذا هو برأينا قصد المشرع من الفصل 7 م ت، وأننا لنستحسن منه هذه المحاولة التوضيحية لمفهوم يغلب عليه التعقيد والغموض. إلا أننا نعيب عليه الصياغة "السيئة" التي أورد بها والتي أوحت بوجود أربعة حالات مستقلة عن بعضها البعض، في حين حقيقة الأمر يتعلق بحالة وحيدة المتمثلة في النظام العام، بهذا فإن النزاع التحكيمي يكون قابلا للتحكيم كلما تعلق بمسألة تهم النظام العام وهنا يجوز للقاضي أن يعلن اختصاصه بالنظر في هذا النزاع ولو من تلقاء نفسه على أننا نشير إلى أنه طالما كانت عودة الاختصاص في هذه الحالة هي في نهاية الأمر استثناء لمبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية بموجب وجود اتفاقية تحكيم، فإنه لا بد من تأويل ضيق لهذا الاستثناء. وهو أمر لا يتسنى احترامه إلا بتأويل ضيق لمفهوم النظام العام ذاته، ولو أن هذه العملية تعد على قدر بالغ من الصعوبة باعتبار أن هذا المفهوم "متغير ونسبي زمانا ومكانا وهو من المفاهيم التي يقر الفقهاء بعجزهم عن ضبطها ولذلك يقولون بأنه مفهوم يعاين ولا يعرف"(1). ورغم ذلك فيمكن القول بأن المحكمة عليها أن تعلن اختصاصها إلا متى تعلق النزاع بمسألة تعد غير قابلة للتحكيم بصورة مطلقة ولو أدى الأمر إلـى الاكتفاء بالحـالات الثلاث المنصـوص عليهـا بالفصل7 م ت .

ب‌. القابلية الذاتية للتحكيم :

إن بطلان اتفاقية التحكيم لا ينجر فحسب عن افتقادها للشروط المجسمة للقابلية الموضوعية للتحكيم، فقد ينجر أيضا عن غياب الشروط المجسمة للقابلية الذاتية للتحكيم. وقد رأى الأستاذ نور الدين الغزواني(2) أن قابلية التحكيم من الناحية الذاتية مفادها "أن يكون الأطراف المتداخلة في الاتفاقية ممن يجوز لهم إجراء عملية التحكيم سواء بوصفهم محتكمين أو محكمين"، وهذا رأي يمكننا إبداء ملاحظتين بشأنه :

فالملاحظة الأولى أنه رأي يعتريه بعض الغموض الذي يخفي بداخله بعض التناقض ؛ فأن تكون الأطراف المتداخلة في اتفاقية التحكيم هم المحتكمون فهذا أمر نقبله، أما أن يكونوا محكمين فذاك أمر لا يعد مقبولا. وللتوضيح يجب التمييز بين أمرين : التدخل في اتفاقية التحكيم من جهة، والتدخل في عملية التحكيم من جهة أخرى. فاتفاقية التحكيم لا نرى غير المحتكمين متدخلا فيها، فهي لا تهم إلا أطرافها الذين أبرموها ولا تلزم سواهم، وأما المحكمين فلا علاقة لهم بها، إذ أن تدخلهم في عملية التحكيم يكون بموجب عقد قبولهم لمهمتهم. هذا يعني أن التدخل في اتفاقية التحكيم لا يكون إلا من طرف المحتكمين الذي يتدخلون بذلك -وبصفة آلية- في عملية التحكيم إلى جانب المحكمين ؛ الذين يتدخلون فيها لاحقا بموجب عقد مستقل عن اتفاقية التحكيم يربط بينهم وبين الأطراف. فدائرة الأشخاص المتداخلين في عملية التحكيم أوسع نطاقا من دائرة الأشخاص المتداخلين في اتفاقية التحكيم.

والملاحظة الثانية تهم علاقة المحكمين بالقابلية الذاتية للتحكيم فقد رأى الأستاذ نور الدين الغزواني(1) أنه لكي يتسنى للمحكم إجراء عملية التحكيم يجب أن تتوفر فيه الشروط التي يستوجبها فيه الفصل 10م ت. ولئن كان هذا القول صحيحا فإننا لا نرى فيه موجبا للتواجد صلب دراسة تعنى "بالشروط الموضوعية لاتفاقية التحكيم"(2). فلو سايرنا هذا القول لانتهينا إلى النتيجة التالية : أن عدم استيفاء المحكم للشروط المذكورة يؤدي إلى بطلان اتفاقية التحكيم. فهل يمكن قبول مثل هذه النتيجة ؟ لا نعتقد ذلك لسببن : أولها -وكما سبقت الإشارة- أنه لا وجود لأي علاقة بين المحكم واتفاقية التحكيم، فكيف تكون أهليته شرطا لصحتها ؟. وهل يمكن أن تكون أهمية شخص ما، شرطا لصحة عقد لم يكن طرفا فيه بالمرة ؟ إن أهلية المحكم تشترط في عقد قبوله لمهمته، لا في اتفاقية التحكيم التي لم يكن أبدا طرفا ولا ممثلا فيها. بذلك فإن عدم استيفاء المحكم للشروط التي تجعله أهلا لمباشرة مهامه لا يمكن بأي حال أن تؤدي إلى بطلان اتفاقية التحكيم، والقول بعكس ذلك لا يستقيم قانونا. وثانيهما أن افتقاد المحكم للشروط الواردة بالفصل 10 م ت لم ينص المشرع على جزائه ببطلان اتفاقية التحكيم، وإنما قرر إجراءات معينة بواسطتها وحدها يمكن تلافي هذا الخلل ؛ وتتمثل في إجراءات العزل أو التجريح.

بهذا نخلص إلى كون القابلية الذاتية للتحكيم تفيد أن يكون أطراف اتفاقية التحكيم ممن يجوز لهم إجراء التحكيم، فإن لم يكونوا كذلك غابت القابلية الذاتية للتحكيم، وتصبح اتفاقية التحكيم باطلة، ويجوز بذلك للهيئات القضائية أن تعلن اختصاصها.وتفترض القابلية الذاتية للتحكيم أن يكون المحتكمون متمتعون بالأهلية القانونية لممارسة التحكيم، إلا أن تقدير توفر هذا الشرط يختلف بحسب ما إذا كان شخص المحتكم من أشخاص القانون العام، أو من أشخاص القانون الخاص.

أما بالنسبة للصنف الأول فقد تعرض له المشرع التونسي صراحة صلب الفصل 7 م ت الذي جاء فيه أنه : "لا يجوز للمحكم .... خامسا : في النزاعات المتعلقة بالدولة والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية والجماعات المحلية إلا إذان كانت هذه النزاعات ناتجة عن علاقات دولية اقتصادية كانت أو تجارية أو مالية وينظمها الباب الثالث من هذه المجلة". وقد جاء هذا النص القانوني متجاوزا للتحجير المطلق الذي كرسه الفصل 260 القديم م م م ت ؛ والذي كان يمنع على الدولة والمؤسسات العمومية من الالتجاء إلى التحكيم نتيجة لتأثر المشرع بالفكرة القائلة بأنه لا يقبل من الدولة أن تنشئ محاكم تخضع لولايتها كل المتقاضين في حين تتنصل هي من ولايتها(1). ولكن إجازة المشرع التونسي لأشخاص القانون العام بالالتجاء إلى التحكيم لم تكن من جهتها مطلقة، بل إننا نلمس لديه الميل إلى المنع أكثر منه إلى الإباحة، فمن جهة كانت صياغة الفصل 7 م ت توحي بوجود مبدأ واستثناء. فأما المبدأ فهو منع هؤلاء الأشخاص من اللجوء إلى التحكيم لفض نزاعاتهم. وأما الاستثناء فهو إجازة ذلك الأمر لو تعلق بنزاع ذو طابع اقتصادي أو تجاري أو مالي. ومن جهة أخرى فإن هذه الإباحة اقتصرت على العلاقات الدولية دون العلاقات الداخلية، بحيث يمنع على أشخاص القانون العام من الالتجاء إلى التحكيم في قانون التحكيم الداخلي منعا باتا. أما في التحكيم الدولي فيتوقف الأمر على وجود نزاع اقتصادي أو تجاري أو مالي، أما خارج هذا الصنف من النزاعات فإنه يمنع على هؤلاء الأشخاص الالتجاء إلى التحكيم ولو تعلق الأمر بالتحكيم الدولي.

إن اقتصار المشرع على إجازة التجاء أشخاص القانون العام إلى التحكيم على المستوى الدولي فحسب، هو الذي جعلنا نقول بميله إلى التحجير أكثر منه إلى الإباحة، حتى إنه يتراءى لنا كما دفع إلينا دفعا. والحقيقة أنه مدفوع فعلا باتخاذ موقف الإباحة على الأقل في المستوى الدولي لأسباب ثلاثة : أولها أنه في "تخويل الدولة والمؤسسات العمومية حق الالتجاء إلى التحكيم في المنازعات الدولية يدخل ولا شك في إطار التشجيع على الاستثمار الخارجي.

وثانيها أن في ذلك إضفاء لشيء من المرونة على تصرفات الدولة وأجهزتها في المعاملات الدولية، وجعلها تتصرف تصرف الخواص مما يجعلها بمنأى عن التعقيدات التي يوجبها القانون العام.
والسبب الثالث والأخير ؛ هو أنه عادة ما تكون أشخاص القانون العام الوطنية عند دخولها في معاملات دولية هي الطرف الضعيف اقتصاديا في العقود التي تبرمها، وذلك راجع إلى القوة الاقتصادية التي تتمتع بها الشركات الأجنبية، والتي ما انفكت تتضخم يوما بعد يوم بفضل ما تشهده من تكتلات وتجمعات. ولما كانت هذه الشركات هي الطرف القوي، فإنها غالبا ما تجعل معاقديها يذعنون لرغبتها في اعتماد التحكيم كطريقة لفض النزاعات لعدة أسباب تبررها مصالحها الاقتصادية.

وعموما، إذا ما لاحظ القاضي المتعهد بالنزاع التحكيمي وجود شخص معنوي كطرف من أطراف اتفاقية تحكيم داخلية مثلا ؛ أمكن له أن يعلن اختصاصه بالنظر في أصل النزاع بناء على بطلان تلك الاتفاقية بسبب إبرامها من قبل شخص ليست له أهلية القيام بذلك. وكذلك الأمر نفسه لو تعلق بفقدان أهلية شخص من أشخاص القانون الخاص. فقد أوجب الفصل 8 م ت "أن تتوفر في أطراف اتفاقية التحكيم أهلية التصرف في حقوقهم". فهذا يعني أنه "ليس للمفلس أو المحجور عليه أو الوكيل بدون إذن خاص أو الولي فيما لا يملك التصرف فيه إبرام اتفاقية تحكيم في حق منظوره"(1). وإذا كان التصرف يقتضي من الولي إّذنا خاصا من حاكم التقاديم فلا بـد من إذن خاص كذلك عنـد التحكيم، مثلمـا قررت ذلك محكمة الاستـئنـاف بتـونس في قرارها المؤرخ فـي 13 جويلية 1994(2).

ويثور التساؤل هنا في خصوص نقطتين :
الأولى تهم القاصر المرشد، فإلى أي مدى يمكنه إبرام اتفاقية تحكيم ؟. بالعودة إلى أحكام الترشيد نجد أن المشرع قد قرره في مواضع عدة، فقد يرشد الصبي الذي بلغ خمسة عشر من عمره عملا بأحكام الفصلين 158 م أ ش(3) و159 م أ ش(4)، وهنا يكون ترشيده مطلقا أو مقيدا. فإن كان على الصورة الأولى كان له أن يبرم اتفاقية تحكيم، وإن كان على الصورة الثانية فإن الإمكانية تتوقف على مدى استيعاب مجال ترشيده لعقد كاتفاقية التحكيم. وقد يرشد الصبي الذي أتم الثمانية عشر من عمره عملا بأحكام الفصل 6 م تج(5)، وهنا يكون ترشيده مطلقا في المادة التجارية، وبالتالي لا نرى ما يمنع حقه في إبرام اتفاقية تحكيم. وقد يرشد القاصر بموجب الزواج على مـعنـى الفصـل 153 م أ ش(6)، وطالما كان الترشيد على هذه الصورة "يشمل المعاملة المدنية والتجارية، فإنه لا مانع من أن يكون هذا القاصر طرفا في عملية تحكيم لأنه له أهلية ذلك بحكم القانون"(7).
وأما النقطة الثانية فتتعلق بالذوات المعنوية التي يمكنها بدورها أن تكون طرفا في اتفاقية تحكيم، على أن يقع تمثيلها فيها تمثيلا صحيحا. أي أن يقوم بذلك وكيلها الذي يملك التصرف في حقها حسب قوانينها الأساسية وأحكام مجلة الشركات التجارية(Cool.

ومهما يكن من أمر فإنه يجب دائما التفريق بين حالتي عديم الأهلية وناقص الأهلية. فإذا ما صدرت اتفاقية التحكيم من الطرف الأول كانت باطلاة بطلانا مطلقا، وجاز بذلك للمحكمة أن تعلن اختصاصها وتستعيد ولايتها بالنظر في النزاع التحكيمي. أما لو صدرت عن الثاني فإن بطلانها يكون نسبيا، مما يحول دون المحكمة وإعلان اختصاصها طالما كان هذا البطلان غايته حماية الطرف المقرر لفائدته فحسب.

2- اتفاقية تحكيم عديمة الأثر، أو غير ممكن تنفيذها :

ليس بطلان اتفاقية التحكيم وحده الذي يعد شرطا لقيام الاستثناء، وبالتالي عودة الاختصاص بالنزاع التحكيمي إلى الهيئات القضائية فقد جاء بالفصل 52 م ت أنه : "على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى في مسألة أبرمت بشأنها اتفاقية تحكيم أن تحيل الأطراف إلى التحكيم إذا طلب ذلك أحدهم في موعد أقصاه تاريخ تقديم ملحوظاته الكتابية ما لم يتضح لها أن الاتفاقية ... عديمة الأثر أو لا يمكن تنفيذها". يوجد إذن شرطين آخرين يمكن بموجبها للمحكمة التي يرفع أمامها اختصاص تحكيمي أن تعلن اختصاصها بالنظر فيه ؛ وهما انعدام أي أثر لاتفاقية التحكيم، أو استحالة تنفيذها. وهما شرطان ينحصر تطبيقهما في التحكيم الدولي دون التحكيم الداخلي نظرا إلى موقع الفصل المذكور ضمن الباب الثالث من مجلة التحكيم.

والسؤال الذي يطرح هنا يتعلق طبعا بتحديد مقصد المشرع من هذين المفهومين ؟ وهل كان بإمكانه الاكتفاء بشرط البطلان أو البطلان الواضح لاتفاقية التحكيم المذكور آنفا ؟.

في خصوص الشرط الأول المتعلق بانعدام أي أثر لاتفاقية التحكيم، نرى فيه ارتباطا بمسألة الإثبات ولا علاقة له بمسألة الصحة. بمعنى أن المشرع لما كرس عودة الاختصاص للقضاء العدلي لعيب شاب اتفاقية التحكيم -مما أدى إلى بطلانها- فإنه في هذه الحالة يفترض وجود الاتفاقية، ويفترض أنها ثابتة بما أدلى به الأطراف من حجج ومستندات، ولكن يتم فيما بعد اكتشاف أحد الأسباب المؤدية إلى بطلانها. فماذا لو لم يقع إثبات الاتفاقية بالمرة ؟. تلك هي إذن المشكلة التي لم يغفل عنها المشرع، والتي أراد تجاوزها وتلافيها بذكره لمثل هذا الشرط المتعلق بانعدام أي أثر لاتفاقية التحكيم.

ويجد هذا الشرط تبريره في النظرية العامة للإثبات، وتحديدا في القاعدة القائلة بأن إثبات الدعوى محمول على القائم بها. ومتى كان إعلان المحكمة لعدم اختصاصها متوقف على اعتداد أحد الأطراف باتفاقية التحكيم، فإنه على هذا الطرف أن يثبت وجودها. فإذا ما عجز عن ذلك فلا نرى المحكمة تستجيب لطلبه بالتخلي عن النزاع لفائدة التحكيم. فهي صاحبة الاختصاص المبدئي ولا يمكنها التخلي عنه إلا بموجب نحص قانوني صريح ؛ كأن يوجب عليها ذلك لوجود اتفاقية تحكيم. أما والحالة غير تلك -لعدم التمكن من إثباتها- فإن المحكمة تواصل نظرها في النزاع. كما إن انعدام أي أثر لاتفاقية يجعل المحكمة في شك من انعقاد اتفاقية التحكيم في حد ذاته. فطالما لم يقع إثباتها فلا يمكن الجزم بتطابق إرادة الأطراف على تكوينها، بل أن العكس هو الأقرب إلى الواقع. ولتفادي إجبار طرف على خوض إجراءات تحكيمية لم يثبت رضاؤه في خوضها، فإن المشرع أوجد هذا الشرط الذي يعيد الاختصاص إلى القضاء العدلي.

وأما الشرط الثاني والمتعلق باستحالة تنفيذ اتفاقية التحكيم ؛ فإننا نرى فيه شرطا غامضا إلى حد بعيد. وقد يكون مقصد المشرع منه أنه متى كانت اتفاقية التحكيم مخالفة للنظام العام الداخلي –خاصة وإننا إزاء تحكيم دولي- فإن المحكمة عليها إعلان اختصاصها حتى لا تترك المجال لهذه الاتفاقية لأن تنتج أثارها المخالفة للنظام العام. فإن كان مقصد المشرع على هذا النحو فإننا نتساءل لم هذا التنصيص عليه خاصة وأن الاستناد إلى شرط البطلان يوصل إلى نفس الغاية ويغنينا عن ذكر مثل هذا الشرط ؟. قد يكون ذلك تزيدا من المشرع، وقد يكون مزيدا من التأكيد منه على أهمية المحافظة على النظام العام. ويكون بذلك تأكيدا لما ذكرناه آنفا في خصوص المقصود بشرطي البطلان والبطلان الواضح.
المبحث الثاني
قيود مبدا عدم اختصاص الهيئات القضائية
إن القول بعدم اختصاص الهيئات القضائية المنجر عن وجود اتفاقية تحكيم لا يجب أن يؤخذ على إطلاقه، فتدخل القضاء باعتباره سلطة عامة يخضع لها الكافة ويشعر بهيبتها يعد أمرا محبذا للمساهمة في حسن سير الدعوى التحكيمية، بل أنه يعد ضروريا أحيانا لتجاوز الصعوبات التي تعترض التحكيم مما قد يؤدي به إلى الفشل. وهذا أمر يعتبر متعارضا مع إرادة الأطراف الأصلية عند تحريرها لاتفاقية التحكيم ؛ فهم ارتضوا التحكيم سبيلا لفض نزاعاتهم، فلا يعقل أن يتخلوا عنه أو يجبر أحدهم على ذلك لمجرد وجود عائق لا يوجد من يعمل ويكفل تجاوزه. ولم تغب عن المشرع التونسي مختلف هذه الاعتبارات فلم يتوان عن إقرار هذا التدخل القضائي سواء في التحكيم الداخلي أو الدولي.

ولكننا لا نحبذ عبارة "التدخل" باعتبار ما قد توحي إليه من عدم الرغبة في هذا التدخل ؛ فدور القضاء لا يتعدى المساعدة (الفرع الأول) أو المراقبة (الفرع الثاني) : مساعدة قضاء خاص قد لا تتوفر له السلطات اللازمة لإخضاع من يجب إخضاعه لاحترام متطلبات التحكيم، ومراقبة قضاء خاص قد يحيد عن الدور الموكول له في غياب سلطة أخرى تراقب أعماله.

الفرع الأول
دور المساعدة القضائية

نظرا لصبغته الخاصة فإن التحكيم يفترض حدا أدنى من عقلية التعاون لدى الأطراف. وعند التعذر فإنه لا الأطراف التي لم يعد بإمكانها التفاهم، ولا المحكمين المعينين الذي يفتقدون للفاعلية القضائية -نظرا لمصدر تعهدهم الخاص- يمكنها تجاوز الصعوبات التي قد تطرأ على إجراءات التحكيم، والتي ما فتئت تتزايد وتحتد بحسب تزايد الحدة في نزاعات التحكيم(1). لذلك يقع اللجوء إلى السلطة القضائية المختصة لطلب المساعدة على تحريك تلك الإجراءات والسهر سريانها. والمساعدة القضائية لها مستويين : المساعدة على تكوين هيئة التحكيم من جهة، (الفقرة الأولى) والمساعدة باتخاذ الوسائل الوقتية والتحفظية من جهة أخرى (الفقرة الثانية).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ   رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Emptyالثلاثاء أبريل 19, 2011 11:44 am

دور المساعدة القضائية

نظرا لصبغته الخاصة فإن التحكيم يفترض حدا أدنى من عقلية التعاون لدى الأطراف. وعند التعذر فإنه لا الأطراف التي لم يعد بإمكانها التفاهم، ولا المحكمين المعينين الذي يفتقدون للفاعلية القضائية -نظرا لمصدر تعهدهم الخاص- يمكنها تجاوز الصعوبات التي قد تطرأ على إجراءات التحكيم، والتي ما فتئت تتزايد وتحتد بحسب تزايد الحدة في نزاعات التحكيم(1). لذلك يقع اللجوء إلى السلطة القضائية المختصة لطلب المساعدة على تحريك تلك الإجراءات والسهر سريانها. والمساعدة القضائية لها مستويين : المساعدة على تكوين هيئة التحكيم من جهة، (الفقرة الأولى) والمساعدة باتخاذ الوسائل الوقتية والتحفظية من جهة أخرى (الفقرة الثانية).


الفقرة الأولى : المساعدة القضائية على تكوين هيئة التحكيم :

تقديم القضاء للمساعدة قد يكون بغاية رفع الـعراقيل التي تعتـرض تكوين هيئة التحكـيم (1)، أي أن تدخله هنا يكون قبل التكوين النهائي لها. وقد يكون بغاية تجاوز التكوين المختل لهيئة التحكيم (2)، أي أن تدخله هنا يكون بعد تكون هيئة التحكيم.

1- رفع عوائق تكوين هيئة التحكيم :

لتحليل هذا التدخل القضائي في مجال لا سيادة فيه إلا لإرادة الأطراف، وجب تحديد حالات هذا التدخل (أ) وضمان نجاعته (ب).

أ‌. حالات المساعدة القضائية :

إن هيئة التحكيم هنا لم تتكون بعد لوجود عراقيل تمنعها من ذلك، فكانت الحاجة إلى سلطة تمد يد المساعدة لتجاوز هذه العراقيل، فكان التدخل القضائي الذي يختلف بحسب ما إذا كان التحكيم داخليا أم دوليا.

الصورة الوحيدة التي نص فيها المشرع على هذا التدخل في التحكيم الداخلي كان صلب الفصل 18 م ت الذي جاء بفقرته الثانية على أنه : "إذا كان عدد المحكمين المعينين من قبل أطراف النزاع شفعا فإن هيئة التحكيم تكتمل بإضافة محكم تسند إليه رئاستها إما باتفاق الأطراف وإما من قبل المحكمين المعينين.
وعند تعذر الاتفاق بين الأطراف أو بين المحكمين فإن رئيس المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرتها مقر التحكيم يتولى –بناء على طلب أحد الأطراف- تعيين المحكم بقرار استعجالي غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن مراعيا في ذلك المؤهلات المطلوب توفرها في المحكم والاعتبارات الضامنة لاستقلاليته وحياده".

ما نلاحظه في هذه الفقرة أنها تعالج الصورة التي تكون فيها هيئة التحكيم ذات عدد زوجي، وهو ما يعد خرقا لقاعدة الوترية التي جاءت بها الفقرة الأولى من نفس الفصل. ولتلافي هذا الخلل على الأطراف تعيين محكم آخر تسند له رئاسة المجلس التحكيمي بالاتفاق بينهم، فإن تعذر الاتفاق فيعهد الأمر إلى القضاء بناء على طلب أحد الأطراف.

ولكننا لا نعتقد أن هذه هي الصعوبة الوحيدة التي تعترض تكوين هيئة التحكيم، فماذا لو لم يعين كل طرف محكمه منذ البداية ؟ أي أنه لم يحترم الإجراءات الواجب اتباعها في تعيين محكمه؟ وماذا لو لم يقع تحديد هذه الإجراءات من أصلها؟.

للتنبيه فإن مسألة السكوت عن إجراءات التعيين هو أمر استبعدناه في الاتفاق على التحكيم دون الشرط التحكيمي، وذلك نتيجة لما ورد بالفصل 17 م ت من وجوب تضمنه على أسماء المحكمين صراحة أو دلالة. كذلك فالسكوت أمر مستبعد في التحكيم النظامي دون التحكيم الحر باعتبار أن نظام التحكيم عادة ما يتضمن قواعد تهم تكوين هيئة التحكيم والحلول الكفيلة بتجاوز العراقيل التي تعترضه. معنى ذلك أن السكوت عن إجراءات التعيين لا يمكن تصوره إلا في صورة الشرط التحكيمي لما يكون التحكيم حرا ؛ وهذه الصورة تعرف عموما بما اصطلح عليه "الشرط التحكيمي الأبيض". ولكن المشرع لم يتفطن إلى إمكانية حصول مثل هذه الحالة، وإلا فبما يفسر سكوته عن تقديم حلول لها؟. وعلى ما يبدو فإن المشرع تعامل مع المسألة كما لو أن الإجراءات واجبة التحديد في كل الحالات رغم أن الفصل 17 م ت اقتصر ذكره على الاتفاق على التحكيم، ومن ثم لم يعمل على تقديم الحلول كما فعل ذلك في التحكيم الدولي. كما لم ينص على إمكانية التدخل القضائي لحسم الإشكال.

وحتى لو تضمنت اتفاقية التحكيم تحديدا لهذه الإجراءات فلا شيء يمنع الأطراف من خرقها بعدم الامتثال لها ورفض تطبيقها، فكيف يكون الحل؟. لا وجود في القانون لأي إجابة مما يجعلنا نعتقد أنه في صورة الشرط التحكيمي الأبيض، أو في صورة امتناع أحد الأطراف عن تعيين محكمه فلا جزاء يوقع في جانبه، ولا وجود أي وسيلة تجبره على احترام الاتفاق الذي يربطه مع الطرف الآخر. وهنا يثور سؤال هام : هل يتسع مفهوم الفصل 18 م ت المتعلق بتعيين المحكم الرئيس ليشمل زيادة على ذلك تعيين محكم أحد الأطراف في صورة الامتناع عن تعيينه؟.

أجاب البعض عن هذا السؤال بالإيجاب مؤكدا على "الصبغة العامة والمطلقة التي حررت بها هذه الفقرة ولا سيما عبارة تعيين المحكم دون تقييد كلمة المحكم بالمحكم الرئيس أو بمحكم أحد الأطراف أو بالمحكم الفردي من جهة، والغاية من هذه الفقرة والوظيفة التي وضعت من أجلها من جهة أخرى ؛ كلاهما تشير إلى أن مقصد المشرع من هذه الفقرة من الفصل 18 م ت هو إيجاد حل لجميع المشاكل التي تواجه الأطراف في تعيين المحكمين "(1). لكن جانبا آخر من الفقه نفى عن هذه الفقرة صفتي الإطلاق والعمومية بحيث يجب ربطها مع الإطار العام الذي وردت فيه وهو كامل الفصل 18 م ت. فيكون حينئذ المحكم المطلوب تعيينه هو المحكم الذي لم يسبق للأطراف وللمحكمين تعيينه وهو لا شك أنه المحكم الرئيس، لينتهي بالقول إلى أن عبارات الفصل 18 م ت أبعد ما تكون على أن تستوعب بقية العراقيل المعترضة لتكوين هيئة التحكيم. ثم إن الإقرار يعكس ذلك يؤدي إلى تضارب الفصلين 18 م ت و20 م ت، حيث جاء بهذا الأخير أنه : "تنحل هيئة التحكيم إذا توفي المحكم أو أحد المحكمين أو قام مانع من مباشرته للتحكم أو امتنع مباشرته أو تخلى أو عزل عنه أو انتهت مدة التحكيم، على أنه يجوز للأطراف الاتفاق على التمادي في التحكيم بتدارك الموانع الواردة بالفقرة المتقدمة". فعدم تعرض هذا الفصل لإمكانية تدخل قضائي لتفادي توقف عملية التحكيم بسبب خارج عن إرادة الأطراف فيه تدعيم لمبدأ سلطان الإرادة، وهو ما يعني معه أنه لا يمكن جبر الأطراف على مواصلة تحكيم توقف بسبب خارج عن إرادتهم فكيف يمكن جبرهم على البدء فيه وهم غير راضين على ذلك(2)؟.

ولئن كان هذا الرأي صائبا في خصوص تفسيره لعبارات الفصل 18 م ت، فإننا لا نجاريه فيما ارتآه بخصوص المقاربة التي قام بها بين الفصلين 18 م ت و20 م ت ذلك أنه طالما تم التعبير عن الإرادة بالالتجاء إلى التحكيم، فلا شيء يجيز للأطراف العدول عن ذلك. ثم إن الأمر لا يتعلق بتخاذل كلا الطرفين معا عن تعيين محكمه وإنما بتخاذل طرف واحد، وإلا فإن ذلك يعد عدولا عن التحكيم برمته. لذا فالقول بأن في الأمر جبر للأطراف –بصيغة الجمع- على بدء التحكيم وهم غير راضين عنه هو قول غير صحيح، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإنه لا شيء يمنع قانونا من إعمال القياس مع ما ورد بالتحكيم الدولي وسحب أحكامه على التحكيم الداخلي لسد الثغرات الحاصلة به. خاصة وإننا نرى فيما "وقع التنصيص عليه في التحكيم الدولي دون الداخلي مرده رغبة المشرع في إيلاء هذه المادة أكثر اهتماما بالنظر لأهميتها الاقتصادية للتطور الذي ما فتئت تعرفه وحرصا منه في ترغيب الأطراف الأجنبية في اللجوء إلى هذا القانون، لذلك جاء أكثر وضوحا وأكثر دقة"(1) حسبما يستفاد من الفصل 56 م ت الذي جاء بفقرتيه 3 و4 ما يلي : "3- فإن لم يكونوا قد اتفقوا على ذلك (الإجراء الواجب اتباعه في تعيين المحكم أو المحكمين) يتبع الإجراء التالي :
أ- في حالة التحكيم بثلاثة محكمين، يعين كل من الأطراف محكما ويقوم المحكمان المعينان على هذا النحو بتعيين المحكم الثالث. وإذا لم يقم أحد الأطراف بتعيين المحكم خلال ثلاثين يوما من تسلمه طلبا بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان على المحكم الثالث خلال ثلاثين يوما من تعيينهما وجب أن يقوم بتعيينه بناء على طلب أحد الأطراف، الرئيس الأول لمحكمة الاسئتناف بتونس بقرار استعجالي.
ب- إذا كان التحكيم بمحكم فرد، ولم يستطع الأطراف الاتفاق على المحكم وجب أن يقوم بتعيينه بناء على طلب أحد الأطراف، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس بقرار استعجالي.
4- إذا اتفق الأطراف على إجراءات التعيين ولم ينصوا في الاتفاقية على وسيلة أخرى لضمان التعيين فإنه يجوز لأي منهم أن يطلب من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس اتخاذ الإجراء اللازم بقرار استعجالي وذلك في إحدى الصور التالية :
أ‌- إذا لم يتصرف أحد الأطراف وفقا لما تقتضيه هذه الإجراءات
ب‌- إذا لم يتمكن الأطراف أو المحكمان من التوصل إلى اتفاق مطلوب منهما وفقا لهذه الإجراءات
ج‌- إذا لم تقم الجهة –وإن كانت مؤسسة- بأداء أي مهمة موكولة إليها في هذه الإجرءات".

إن هذا الفصل يظهر رغبة المشرع في اجتناب التدخل القضائي بحصره في حالتين حتى لا يكون وسيلة لإطالة النزاع.

والحالة الأولى لتدخل القاضي هي عند غياب تحديد إجراءات تعيين المحكمين ؛ أي عندما يسكت الأطراف تماما عن هذه الإجراءات، ومن ثم السكوت عن عدد المحكمين بحيث يكون عددهم ثلاثة عملا بالفصل 55 م ت. فتكون بذلك حالة المحكم الفرد التي تحدثت عنها الفقرة أ من الفصل 56-3 م ت مثيرة الاستغراب والحيرة. وجاءت مهمة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس في هذه الحالة واضحة وهي تعيين المحكم مباشرة بدلا عن الطرف المخل، بحيث يتجدد بذلك اهتمام المشرع بضرورة نجاعة التدخل القضائي لما في ذلك من تحريك لإجراءات التحكيم في أسرع وقت ممكن، وتفاديا لاحتيال الأطراف المناورين بغاية إطالة النزاع التحكيمي.

ولكننا نستغرب من المشرع تخليه عن هذا الحل في الحالة الثانية للتدخل القضائي ؛ وهي حالة الفقرة 4 من الفصل 56 م ت حيث أن رئيس محكمة الاستئناف بتونس مطالب "باتخاذ الإجراء اللازم". ففي ذلك حتما تخليا في الوقت نفسه عن نجاعة التدخل القضائي. فهذه العبارة متسعة المفهوم بحيث تقبل أكثر من تأويل، ويمكن بذلك أن يكون الإجراء المتخذ مقتصرا على دعوة الأطراف أو المحكمين أو مركز التحكيم إلى اتخاذ الوسائل الضرورية بغاية تعيين المحكم أو المحكمين. وهذه الوسائل الضرورية قد لا تكون سوى دعوة للطرف المخل بتعيين محكمه في أجل معين ؛ وهي دعوة قد يقع استغلالها لزيادة التأخير في موعد تحريك إجراءات التحكيم وربح الوقت الذي يكتسي أهمية بالغة في ميدان التجارة الدولية. وقد يكون الإجراء المتخذ محاولة من القاضي لتقريب وجهات النظر وجعل الأطراف تتفق بشأن محكم معين في جلسة واحدة، خاصة إذا كان الإشكال متصلا بعدم التوصل إلى اتفاق وليس برفض أو امتناع عن تعيين محكم. كما لا شيء يمنع أن يكون الإجراء المتخذ هو حلول القاضي محل الطرف المخل في تعيين المحكم ؛ أي القيام بالتعيين المباشر للمحكم طالما كانت عبارة "الإجراء اللازم" تحتمل مثل هذا المعنى. بل أنه في رأيي من المحبذ في جانب القاضي اعتماد هذا الإجراء الأخير لما فيه من فوائد سبق عرضها.

أما الحالة الثانية للتدخل القضائي فهي في حالة وجود إجراءات تعيين المحكمين، ولكن يقع خرقها بشكل أو بآخر. وأشكال الخرق -وعملا بما جاء بالفقرة 3 من الفصل 56 م ت- ثلاثة هي : امتناع أحد الأطراف عن تنفيذ ما جاء بهذه الإجراءات، أو عدم التوصل إلى اتفاق إذا ما استدعى الأمر ذلك، أو عدم قيام الجهة الموكول لها الأمر بمهامها.

وتجدر الإشارة إلى أن التدخل القضائي في هذه الحالة الثانية يتقلص مقارنة بالحالة الأولى باعتبار أن القاضي غير ملزم باتخاذ أي إجراء، إلا إذا لم ينص الأطراف في الاتفاقية على وسيلة أخرى لضمان التعيين. ومن بين هذه الوسائل البديلة ما قد يرد في نظام التحكيم المختار سواء تعلق الأمر بتحكيم حر أو نظامي. فأنظمة التحكيم كثيرا ما تعتمد قواعد معينة لتجاوز صعوبات تكوين هيئة التحكيم في معناها الشامل ؛ أي الصعوبات الناجمة عن رفض تعيين محكم أو عدم التوصل إلى اتفاق بشأنه. وهنا يجب التنبيه إلى عدم وجود أي علاقة بين هذه القواعد وما ورد بالفقرة "جّ" من الفصل 56-3 م ت الذي نص على أنه : "إذا لم تقم هذه الجهة –وإن كانت مؤسسة- بأداء أي مهمة موكولة إليها في هذه الإجراءات". فليس المقصود بهذه الفقرة القواعد البديلة المشار إليها آنفا وإنما الواجبات التي يتحملها مركز التحكيم في التحكيم النظامي بموجب عقد الوكالة المشتركة الذي يربطه بطرفي النزاع ؛ والتي عادة ما تجد مصدرها في نظام التحكيم. بذلك فإنه لو نص نظام التحكيم على أن المحكم الثالث مثلا يعين باتفاق الأطراف، فإن عدم التوصل إلى ذلك لا يجيز التدخل القضائي بموجب الفقرة "ّجّ"، وإنما بموجب الفقرة "ب" من الفصل 56-3 م ت. ولا يمكن طلب المساعدة القضائية على أساس هذه الفقرة إلا إذا ما نص نظام التحكيم في قاعدة أصلية أو بديلة على أن تعيين المحكم يقوم به مركز التحكيم وامتنع هذا الأخير عن ذلك.

ب‌. نجاعة المساعدة القضائية :

إن إقرار المشرع التونسي للتدخل القضائي -كما أسلفنا- هو بغاية مد يد المساعدة لمؤسسة التحكيم، فلا يجب أن يكون ذلك سببا في تعطيلها أو إطالة أمدها. لذا كان عليه ضمان نجاعة هذا التدخل، وهو أمر لم يغفل عنه المشرع وذلك بأن جعل تدخل رئيس محكمة الاستئناف بتونس أو رئيس المحكمة الابتدائية التي بها مقر التحكيم -بحسب ما إذا كان التحكيم دوليا أم داخليا- يكون بموجب قرار استعجالي وغير قابل للطعن.

طلب التدخل بطريق الاستعجال مرده ضمان سرعة التدخل من جهة، وعدم عرقلة قضاء خاص أهم صفة جعلته محل ثقة قاصديه هي السرعة من جهة أخرى. والجدير بالملاحظة أن تنصيص المشرع على مثل هذا القيام الاستعجالي فيه إحالة على أحكام الفصول 201 م م م ت وما بعده الواردة باب القضاء المستعجل. وسندنا في استنتاج هذه الإحالة ما ورد بالفصل 46 م ت الذي جاء فيه أنه : "تنطبق أحكام مجلة المرافعات المدنية والتجارية فيما لا يتخالف مع أحكام هذا الباب وفي الصورة التي لم تتعرض إليها أحكامه". والقضاء المستعجل يقوم أساسا على عنصري التأكد وعدم المساس بالأصل. فهل أن القيام استعجاليا بطلب مساعدة القضاء في تكوين هيئة التحكيم يستجيب لهذين العنصرين ؟.

إن عنصر التأكد كما جاء به فقه القضاء مسألة موضوعية تخضع للسلطة التقديرية للقاضي المختص. ونحن نرى من جانبنا أن القيام في مثل هذه الحالة فيه من التأكد ما يجيز قبوله نظرا لأهمية الوقت في التجارة الدولية بالخصوص. أما عنصر عدم المساس بالأصل فهدفه حفظ حقوق المتداعين لا غير، دون أن يلجأ القاضي إلى إصدار قرار يبت في أصل الحق موضوع التداعي ؛ على أن تقع دعوة الأطراف إلى القيام بدعوى في الأصل بحيث يكون القرار وقتيا فحسب. ولكن مثل هذه النتيجة تتعارض مع الغاية من التدخل القضائي فقد يساهم ذلك في إطالة النزاع التحكيمي. ثم إن قيام القاضي بالتعيين المباشر للمحكم بدل الطرف المخل فيه حتما مساسا بالأصل ؛ وهو قرار دائم. فعن أي قضاء مستعجل نتحدث؟. إن النظر الاستعجالي للقاضي في مادة التحكيم يختلف عنه في مادة المرافعات عموما ولا يقصد بها غير السرعة في الإجراءات. إذن فقرار التعيين ليس له من خاصيات القرار الاستعجالي إلا السرعة في إصداره، فهو أقرب إلى القرار الولائي منه إلى القرار الاستعجالي(1).

ومهما تكن طبيعته، فإن قرار التعيين إن صدر فهو غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن العادية منها والغير العادية. وهذا هو الوجه الثاني لضمان نجاعة التدخل القضائي. وهو مبدأ يجسم بوضوح رغبة المشرع في رفع العراقيل المعترضة لعملية التحكيم بأسرع وقت وعدم إعطاء الفرصة للأطراف باستعمال حيلهم في إطالة النزاع.

ولكن البعض(2) أثار إشكالا في خصوص هذا المبدأ بأن اعتبره غير ضامن لحقوق الأطراف، فالمحكم المعين قضائيا سيكون له حتما دورا هاما في إصدار القرار صلب هيئة التحكيم، فماذا لو تم تعيينه دون أن تتوفر فيه الضمانات اللازمة لحماية حقوق الأطراف؟. مبدئيا يتراءى لنا ذلك أمرا مستبعدا باعتبار ما نص عليه كل من الفصلين 18 م ت و56 م ت من ضرورة أن يراعي القاضي المختص في المحكم المعين المؤهلات المطلوب توفرها في المحكم والاعتبارات الضامنة لاستقلاليته وحياده. ومع ذلك فلا يمكن الجزم بعدم احتمال وقوع الخطر المتحدث عنه آنفا، فليس الأمر إلا سلطة تقديرية تمنح للقاضي الذي قد يخطئ وقد يصيب. ولتلافي ذلك قد يكون التجريح وسيلة تكفل تلافيه، فحق التجريح حق دائم سواء وقع تعيين المحكم من الطرف المقابل أو من المحكمة مادامت المرافعة لم تختم بعد.

2- تجاوز التكوين المختل لهيئة التحكيم :

إن تدخل القضاء لمساعدة التحكيم لا ينتهي بمجرد تكوين هيئة التحكيم، فقد يعتري هذا التكوين خلل ما مما يستوجب إصلاحه. وعملية الإصلاح هذه قد تعترضها بعض الصعوبات مما يستوجب تدخلا قضائيا ثانيا والذي يكون عموما بمناسبة التجريح في المحكم (أ)، أو عزله (ب).

أ‌. التجريح في المحكم :

اختلال تكوين هيئة التحكيم مرده هنا عدم استيفاء المحكم لبعض الشروط التي يستوجبها فيه الفصل 10 م ت ؛ وهي تحديدا الشروط الذاتية. فقد نص الفصلان 22 م ت و57 م ت صراحة على أنه: "لا يجوز التجريح في المحكم إلا إذا وجدت أسباب من شأنها أن تثير شكوكا حول حياده أو استقلاليته أو إذا لم تتوفر فيه المؤهلات التي اتفق عليها الأطراف". وبديهي أن غياب هذه الشروط من شأنها أن تضر بمصحلة المحتكمين، فكان ولابد من إيجاد وسيلة تضمن تفادي هذا الخلل فكان التجريح في المحكمين. ولما كانت المحافظة على نزاهة القضاء وإن كان خاصا من أوكد اهتمامات المشرع، فإنه لم يغفل عن مد التحكيم بمساعدة السلطات القضائية عند وجود خلل ما. وتختلف درجة الحضور القضائي في هذا المجال بحسب ما إذا كان التحكيم داخليا أم دوليا. فالسلطة القضائية لها الدور الرئيسي في الإطار الأول بينما لا يعدو أن يكون لها سوى دور ثانوي في المجال الثاني.

ففي التحكيم الداخلي ينص لفصل 22 م ت على أن : "طلب التجريح يرفع إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرتها مقر التحكيم والتي تنظر فيه طبق أحكام مجلة المرافعات المدنية والتجارية". وما يلاحظ في هذا الفصل أنه لم يتح للأطراف حرية الاتفاق على إجراءات التجريح كما في التحكيم الدولي حيث نص على ذلك صراحة الفصل 58 م ت. فهل أن المشرع في التحكيم الداخلي خص القضاء وحده دون سواه بالنظر في مطالب التجريح؟. وهل في ذلك قاعدة تهم النظام العام بحيث لا يجوز للأطراف مخالفتها؟ أم أنها قاعدة غير آمرة ويحق تبعا لذلك للأطراف تحديد هذه الإجراءات ؟.

لقد رأى البعض في عبارة الفصل 22 م ت قاعدة آمرة "فلا شيء فيه يسمح بإمكانية مخالفتها. ثم إن الإحالة لمجلة المرافعات المدنية والتجارية تؤكد ذلك وقواعد الإجراءات تهم التنظيم القضائي وهي بذلك تكتسب صبغتها الآمرة ولا مجال لمخالفتها. فلا نظر في التجريح في المحكم الذي يجرح فيه بمثل ما يجرح في القاضي إلا للمحكمة المختصة"(1). كما إن هذا الفصل لم يعترف كبقية نصوص التحكيم الداخلي بدور مؤسسات التحكيم وهذا دليل آخر يضاف لدعم الصبغة الآمرة لقاعدة هذا الفصل. حيث يظهر جليا رغبة المشرع في أن يجعل من مسألة التجريح حكرا على القضاء دون غيره من الأطراف الفاعلة في العملية التحكيمية.

ولكن ماذا لو أن نظاما تحكيميا، اعتمده الأطراف، ينص على اختصاص المركز التحكيمي بالنظر في المسألة. فهل يقوم الأطراف بطلب التجريح لدى مركز التحكيم؟ أم لدى المحكمة الابتدائية المختصة؟. قد لا تكون الإمكانية الأولى متاحة بعد أن اعتبرنا أن قاعدة الفصل 22 م ت هي قاعدة آمرة ولا مجال لمخالفتها. وقد رأى البعض في ذلك تعارضا مع التمشي العام للمشرع التونسي الذي ما فتئ يؤكد على دور إرادة الأطراف ومراكز التحكيم راغبا في تهيئة وضعية جيدة لبعث مركز تحكيم بتونس(1). لقد كان بإمكاننا الأخذ بهذا الدفع لو أننا إزاء تحكيم دولي، أما وإننا إزاء تحكيم داخلي فقد لا يستقيم ذلك اعتبارا إلى أن السياسة التشريعية إنما كانت ترمي إلى جعل البلاد التونسية مركزا تحكيميا دوليا بالخصوص. وهذه الغاية هي التي جعلته أكثر حرصا وانتباها عند تحديده لأحكام التحكيم الدولي، فلم يلبث أن تخلى عن موقفه صلب الفصل 58 م ت الذي جعل من المبدأ حرية الأطراف في تحديد إجراءات التجريح، وهي حرية مستمدة من حرية أوسع وأشمل وهي الحرية في تحديد الإجراءات التحكيمية عموما. ولا يستوجب في هذه الإجراءات أن يحددها الأطراف أنفسهم، فقد تعهد المهمة إلى مؤسسة تحكيم يقع اعتماد نظامها لتسيير الدعوى التحكيمية. ففي هذه الحالة يقع اعتماد الإجراءات الواردة به. بل إن دور القضاء في هذه الحالة يكون ثانويا، إذ ينص الفصل 58-4 م ت على وجوب تخلي المحكمة عن النظر في التجريح إذا عهد النظر فيه إلى مؤسسة تحكيم.

وقد ثار التساؤل حول وجوب تنصيص الأطراف صراحة على أن التجريح ينظر فيه مركز التحكيم الواقع اختيار نظامه، أم يكفي أن ينص على ذلك نظام التحكيم الذي تبناه الأطراف؟ إن نظام التحكيم سواء تعلق الأمر بتحكيم حر أو نظامي، فهو بمجرد اعتماده في اتفاقية التحكيم يصبح بمثابة البند التعاقدي، ويحمل الأطراف على معرفة تفاصيله باعتباره معروضا للعموم وراضين بما ورد به. ومن ثم فليس من المفروض إعادة التنصيص على المسألة مرة أخرى إن تضمنها هذا النظام.

بذلك فإن المبدأ يبقى قائما وهو أن الأطراف لهم حرية تحديد إجراءات التجريح سواء كان ذلك بأنفسهم مباشرة أو عن طريق نظام تحكيم اختاروه. أما إذا لم تحدد هذه الإجراءات -ويمكن تصور ذلك عادة في التحكيم الحر دون النظامي- عندها يقع العمل بأحكام الفقرة 2 مـن الفصل 58 م ت التي نصت على أنه : "إذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق فإن الطرف الذي يعتزم التجريح في محكم ما، ينبغي عليه أن يعرض أسباب التجريح كتابة على هيئة التحكيم خلال خمسة عشر يوما من تاريخ علمه بتأليفها أو تاريخ علمه بأي سبب من الأسباب المشار إليها بالفقرة 2 من الفصل 57 من هذه المجلة".

ولكن أين التدخل القضائي المتحدث عنه ؟. سبقت الإشارة إلى أن السلطة القضائية لا تتمتع إلا بدور ثانوي في التحكيم الدولي، بمعنى أنه لا يقع اللجوء إليها إلا إذا تم تقديم المطلب إلى هيئة التحكيم ذاتها ولم يتخل المحكم المجرح فيه، أو لم يوافق الطرف الآخر على الطلب عملا بأحكام الفصل 58-3 م ت. فإذا أصبح المطلب أمام نظر السلطة القضائية فإنها تتأكد من وجود سبب التجريح وجديته ثم تبت فيه. وقد تصرح برفضه، وقد تقر بقبوله ؛ وهنا تحيل الأطراف على أحكام الفصل 60 م ت، ويكون ذلك بموجب قرار غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن، حيث يبرز مرة أخرى حرص المشرع على ضمان نجاعة التدخل القضائي.

على أن المحكمة قبل التصريح بقرارها عليها مراقبة مدى احترام الأطراف لمقتضيات الفقرة 2 من الفصل 58 م ت التي توجب عرض سبب التجريح على هيئة التحكيم. فماذا لو لم يقع احترام هذا الإجراء، ووقع القيام مباشرة أمام محكمة الاستئناف. فهل تقبل المطلب لاقتناعها بجديته، أم ترفضه رغم اقتناعها به؟. قد يكون في ذلك إطالة لأمد النزاع التحكيمي، وتأثير سلبي على حقوق الأطراف الذين لم يبق لهم سوى الطعن في الحكم التحكيمي على معنى الفقرة "د" من الفصل 78-2 م ت ؛ الذي أجاز الطعن في الحكم التحكيمي بطريق الإبطال عند وجود خلل اتفاقي أو قانوني لتشكيل هيئة التحكيم.

وتجد الإشارة أخيرا إلى أنه نظرا لاتساع الأسباب التي قد يقوم عليها طلب التجريح، فإن هذه الوسيلة قد تصبح من أسهل الحيل التي يعتمدها الأطراف لإطالة أمد النزاع. بل إنها المناخ الملائم لنمو سوء نية الأطراف. لذا فإن المشرع لم يغفل عن تعزيز هذا الإجراء ببعض الاحتياطات. وأولها ما نص عليه صلب الفصلين 22 م ت و57 م ت من أنه : "لا يجوز لأي من أطراف النزاع التجريح في محكم عينه أو اشترك في تعيينه إلا لأسباب تبينها بعد أن تم التعيين". كذلك عدم قابلية قرار المحكمة لأوجه الطعن. ولكن هذا الأمر خاص بالتحكيم الدولي دون الداخلي؛ حيث ينص الفصل 22 م ت على أن المحكمة الابتدائية تنظر في المطلب طبق القواعد المبينة بمجلة المرافعات المدنية والتجارية، وهذا يعني قابلية القرار للطعن في التحكيم الداخلي. وآخر هذه الاحتياطات ما قرره المشرع من توقيف لإجراءات التحكيم في صورة تقديم مطلب التجريح حسب صريح عبارة الفصلين 25 م ت و58 م ت، وفي ذلك فائدتين : الأولى هي عدم تمكين الطرف القائم بالتجريح من الاستفادة من سوء نيته إن كان كذلك، والثانية تمكين المحكم في صورة رفض المطلب من أجل التحكيم كاملا حتى يجد الوقت الكافي لإصدار حكم في النزاع.

ب‌. عزل المحكم :

لئن كان التجريح يهدف إلى استبعاد محكم ما بسبب عدم توفر الشروط الذاتية في شخصه، فإن العزل يهدف إلى إنهاء مهمة المحكم بسبب عدم استيفائه للشروط الموضوعية. وتحديدا إذا أصبح عاجزا عن أداء مهمته لسبب قانوني كالتحجير عليه مثلا، أو سبب واقعي كمرض ألم به أو سفر أبعده عن مقر التحكيم، أو لأنه تخلف عـن القيام بمهمته في أجل ثلاثين يوما(1).

وبخلاف التجريح –وهو ما يؤكد ما قيل في شأنه سابقا-، فإنه يسمح للأطراف في التحكيم الداخلي أن تتفق بشأن إجراءات العزل كما يسمح لها ذلك في التحكيم الدولي، على أن يكون العزل في كل الحالات باتفاق جميع الأطراف. فالإرادة الواحدة تبقى عاجزة بانفرادها عن ذلك مثلما نص على ذلك الفصلين 21 م ت و59 م ت. أما في صورة غياب مثل هذا الاتفاق فإن الأمر يعهد به إلى المحكمة الابتدائية التي بها مقر التحكيم إن كان التحكيم داخليا، أو رئيس محكمة الاستئناف بتونس إن كان التحكيم دوليا. على أن نظر كلا الجهازين يختلف عن الآخر ولا ندري حقيقة ما سبب هذا التمييز؟. فمن جهة أوجب الفصل 21 م ت على المحكمة الابتدائية البت في طلب العزل في أسرع وقت ممكن على ألا تتجاوز مدة نظرها في كل الحالات ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم المطلب. في حين لا وجود لمثل هذه القاعدة في التحكيم الدولي. وقد يعود ذلك إلى أن النظر في مطلب العزل في التحكيم الدولي يكون بقرار استعجالي، بحيث لا فائدة في تحديد مدة نظر رئيس محكمة الاستئناف الذي نعتقد أنه والحالة تلك سيبت في المطلب في مدة قصيرة بطبعها.

ومن جهة أخرى ينص الفصل 59 م ت على أن رئيس محكمة الاستئناف بتونس يبت في المطلب بموجب قرار استعجالي غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن. في حين لم يذكر المشرع ذلك بخصوص التحكيم الداخلي ؛ حيث نرى في تعهد المحكمة الابتدائية المختصة وطرق الطعن في أحكامها خاضعا للقواعد العامة الواردة بمجلة المرافعات المدنية والتجارية كما يؤكد ذلك الفصل 46 م ت(2). ولقد كان من الأفضل في رأيي أن يحتوي كل فصل على ما احتواه الآخر لما في ذلك من فائدة أكبر لضمان نجاعة التدخل القضائي خصوصا على مستوى التحكيم الداخلي.

وتجدر الإشارة إلى أنه قد يستبعد التدخل القضائي لو تمت الإحالة في اتفاقية التحكيم على نظام تحكيمي حيث ينص الفصلان 21 م ت و59 م ت على حد السواء ؛ بأنه في هذه الحالة يتم العزل وفق الإجراءات الواردة بهذا النظام المختار. على أن هذا الاستبعاد ليس نهائيا وإنما نراه مؤقتا لا غير وذلك في صورة ما إذا نص نظام التحكيم نفسه على إمكانية التدخل القضائي، أو أن الإجراءات الواردة به لم تفض إلى حل للمسألة. أما فيما عدا ذلك فإن استبعاد الهيئات القضائية يكون نهائيا.

الفقرة الثانية : المساعدة القضائية باتخاذ الوسائل الوقتية والتحفظية :

لا يمكن بأي حال إطلاق مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية لما في ذلك من انعكاسات سلبية على النظام التحكيمي الذي يبقى في النهاية مجرد قضاء خاص يفتقد للفاعلية القضائية. ثم إن الحاجة قد تستدعي إلى اتخاذ وسائل أكيدة وعاجلة أو وقائية، ولن نجد غير القضاء مقصدا لإقرارها باعتبار عدم تكون هيئة التحكيم، وحتى في صورة تكونها فإن ذلك لا ينهي الإشكال بصفة قطعية ؛ ذلك إن عدة صعوبات تنفيذية تعترض القرارات الاستعجالية والتحفظية التي تتحذها هذه الهيئات(1). ولذا عمل المشرع على مساعدة هذا النظام التحكيمي بإقرار التدخل القضائي في هذا المجال مجسما في جهازين أساسيين هما القاضي الاستعجالي (1)، وقاضي الأذون على العرائض (2).

1- مساعدة القاضي الاستعجالي :

رغم إقرار جل التشاريع لإجراءات التحكيم الاستعجالي، فإن أهم عائق لا يزال قائما هو عدم تمتع القرار التحكيمي بالصبغة التنفيذية، إذ يبقى رهين إكسائه بها من القاضي المختص بحسب ما إذا كان التحكيم داخليا أم دوليا. ولا جدال فيما يفرزه هذا الإجراء من إضاعة للوقت تتعارض حتما مع الصبغة الاستعجالية لهذه القرارات ذاتها. ولذا عمل المشرع على منح هذا الاختصاص الاستعجالي إلى القضاء مباشرة في بعض الحالات ليساعد على نجاح عملية التحكيم. ولكن قبل التعرض إلى شروط تدخل القاضي الاستعجالي (ب)، يجدر بنا قبل ذلك تحديد أساس هذا الاختصاص الممنوح له في المادة التحكيمية (أ).

أ‌. أساس الاختصاص الاستعجالي :

لقد اختلف الفقهاء في تأسيس اختصاص القاضي الاستعجالي في صورة وجود اتفاقية تحكيم. فقد رأى البعض(2) في القاضي الاستعجالي السلطة الوحيدة التي لها النظر في الأمور المستعجلة والبت فيها في حدود اختصاصه. ولكن هذا القول قد لا ينسجم مع الأثر السلبي لاتفاقية التحكيم التي تمنع الاختصاص في المواد التحكيمية عن الجهاز العدلي برمته، فكان من الأجدى توضيح كيفية استثناء هذا الاختصاص الاستعجالي من هذا اُلأثر السلبي.

وواصل البعض الآخر(1) في نفس الاتجاه معتبرا أن اختصاص القاضي الاستعجالي يتماشى مع اتفاقية التحكيم بما أنه يقوم على عدم المساس بالأصل. في حين أن هذه الأخيرة لا تقصي عن اختصاص الهيئات القضائية سوى أصل النزاع فحسب. وبذلك فإن القاضي الاستعجالي الذي يمس بالأصل لا يخرق فقط حدود اختصاصه، بل أنه يتجاوز أيضا مجال اتفاقية التحكيم. إلا أن هذا الرأي وإن بين مجال تدخل القضاء الاستعجالي، فإنه لم يفسر أساس اختصاصه.

وبرز رأي آخر(2) يرى في اختصاص القاضي الاستعجالي قاعدة آمرة، ويراه من مكونات النظام العام بحيث يمنع على الأطراف استبعاده، ولكن هذا الرأي لـم يسلم بدوره مـن النقد(3) ؛ اعتبارا إلى أنه طالما كان بإمكان الأطراف استبعاد اختصاص الهيئات القضائية من النظر في أصل النزاع، فمن باب أولى وأحرى، فإنه بإمكانهم ذلك في خصوص الأمور المستعجلة أيضا.

إن تعرض جميع الآراء السالفة الذكر للنقد جعل الفقه وفقه القضاء يواصلان بحثهما عن أساس سليم لاختصاص القاضي الاستعجالي. فكان التأسيس على مبدأ التأكد(4) باعتبار أن هذا المبدأ هو مصدر القواعد الاستثنائية عموما(5)، وبإمكانه أن يبرر استثناء القضاء الاستعجالي من مبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية في المادة التحكيمية. بمعنى أنه يمكن للأطراف، إذا ما توفر شرط التأكد، الالتجاء دائما إلى قاضي مهيئ لاتخاذ التدابير التحفظية والوقتية العاجلة. فالتحكيم لوحده لا يمكنه أن يمنح الأطراف مبتغاهم خاصة إذا لم تتكون هيئة التحكيم. بعد أو أن الأطراف لم ينصوا صلب اتفاقيتهم على إجراءات تحكيم استعجالية.

ب‌. شروط تدخل القاضي الاستعجالي :

إن التدخل القضائي في المادة الاستعجالية يخضع إلى توفر شروط القانون العام التي تنظم اختصاص القاضي الاستعجالي، ونعني بذلك شرطي التأكد وعدم المساس بالأصل. ويتضح لنا هذا الأمر من خلال قراءتنا للفصل 19 م ت إذ "يمكن للقاضي الاستعجالي اتخاذ أي وسيلة في حدود اختصاصه". وهو ما يوجب عليه الرجوع إلى الأحكام العامة الواردة بمجلة المرافعات المدنية والتجارية , وهو ما ينسجم تماما مع ما ورد بالفصل 46 م ت الذي يحيل بدوره على هذه الأحكام.

ولكن مجلة التحكيم في بابها المتعلق بالتحكيم الداخلي أضافت شرطا آخر من شأنه أن يقلص مجال التدخل القضائي ؛ ويتمثل في عدم مباشرة هيئة التحكيم لأعمالها وهو ما يؤكد الطبيعة الاستثنائية لتدخل القاضي الاستعجالي(1). ويعد هذا التمشي الذي توخاه المشرع التونسي تكريسا لما انتهجه فقه القضاء في فرنسا(2). ورغبة منه في إخضاع جميع فروع النزاع لهيئة واحدة عملا بالمبدأ القائل بأن الفرع يتبع الأصل. أما قبل مباشرة هيئة التحكيم لأعمالها فإن القضاء يبقى صاحب الاختصاص في الأمور المستعجلة. فقد تدعو الحاجة إلى اتخاذ وسائل أكيدة, في حين أن هيئة التحكيم لم تباشر أعمالها, أو أنها لم تتكون بعد، وقد يستغرق تكوينها زمنا معينا يخشى معه ضياع الحقوق. وحرصا منه على تفادي هذا الوضع, لم يغفل المشرع عن إيجاد حل ملائم صلب الفصل 19 م ت الذي نص على أنه : "يمكن للقاضي الاستعجالي اتخاذ أية وسيلة في حدود اختصاصه مادامت هيئة التحكيم لم تباشر أعمالهاّ". ومن باب أولى وأحرى مادامت الهيئة لم تتكون بالمرة . فلا يمكن والحالة تلك الاحتجاج بوجود اتفاقية تحكيم لنفي التدخل القضائي. فطالما أن الهيئة لم توجد فلابد من سلطة بديلة تتولى معالجة الأمور المستعجلة، ولن تكون هذه السلطة غير القضائية فهي صاحبة الاختصاص الأصلي والمبدئي.

وتتوضح نية المشرع بما ورد بالفصل 54 م ت الوارد بباب التحكيم الدولي والذي جاء فيه : "لا يعتبر مناقضا لاتفاقية التحكيم أن يطلب أحد الأطراف قبل بدء الإجراءات ... من القاضي الاستعجالي أن يتخذ إجراء وقائيا مؤقتا". ومن المعلوم أن الإجراءات تبدأ من يوم تسلم المدعى عليه طلبا من المدعي بإحالة النزاع على التحكيم عملا بأحكام الفصل 9 م ت , وهذا مفاده طبعا أن هيئة التحكيم لم تتكون بعد.


بقي أن نتساءل عن المقصود بمباشرة هيئة التحكيم لأعمالها ؟ في هذه النقطة يختلف القانون التونسي عن القانون الفرنسي, حيث يكتفي فقه القضاء في فرنسا بمجرد تعهد هيئة التحكيم بالنزاع بقطع النظر عن مباشرتها لأعمالها من عدمه(3). بل أن محكمة التعقيب الفرنسية اعتبرت أن مجرد قبول المحكم لمهمته يمنع الاختصاص عن القاضي الاستعجالي(1). ولكن مجرد التعهد لا عمل عليه في القانون التونسي الذي جاء ت عبارته واضحة صلب الفصل 19 م ت ؛ وهي مباشرة الأعمال . إذن لا بد من أن تقوم الهيئة بأي عمل يعكس انعقاد الخصومة كقيامها باستدعاء الأطراف.

ولكن ماذا لو أن أحد الأطراف التجأ إلى القاضي الاستعجالي رغم مباشرة هيئة التحكيم لأعمالها ؟. نرى أنه في هذه الحالة على القاضي المتعهد أن يعلن عدم اختصاصه اعتمادا على الفقرة الثالثة من الفصل 19 م ت , لا على الفقرة الثانية منه كما ارتأى ذلك البعض(2) . فقد نصت الأولى على أنه :"إذا باشرت هيئة التحكيم أعمالها يصبح اتخاذ أية وسيلة مؤقتة من اختصاصها"، ويكون بذلك تصريح القاضي المتعهد بعدم اختصاصه تلقائيا دون التوقف على طلب أحد الأطراف. وفي ذلك استئصال لإشكال أثاره الاتجاه المشار إليه ؛ وهو إمكانية صدور قرارين استعجاليين في نفس الوقت أحدهما عن هيئة التحكيم , والآخر عن القاضي الاستعجالي في صورة عدم تمسك أحد الأطراف بعدم اختصاص هذا الأخير . وقد يكون هذين القرارين متعارضين وهو ما يضعنا أمام مشكلة تنازع إيجابي في الاختصاص.

ويتضح بذلك أنه سواء تعلق الأمر بتحكيم داخلي أو دولي , فإن المشرع التونسي خول للقضاء أن يتدخل مباشرة في العملية التحكيمية بأن يتخذ قرارات استعجالية بنفسه وذلك قبل مباشرة هيئة التحكيم لأعمالها. ولكن هذا التمييز بين مرحلتي ما قبل مباشرة الهيئة لأعمالها, وما بعده لا يفيد أنه بإقرارنا للتدخل القضائي في المرحلة الأولى، فإننا قد ننفي ذلك تماما في المرحلة الثانية ذلك أنه حتى في صورة التكوين النهائي لهيئة التحكيم فإنه -وإن كان الاختصاص الاستعجالي حكرا عليها كما نصت على ذلك الفقرة الثالثة من الفصل 19 م ت- فإن المشرع يبقى للقضاء حق التدخل في الإجراءات التحكيمية لمد يد المساعدة.

وتجدر الملاحظة مبدئيا إلى أن إسناد هذا الاختصاص للهيئات التحكيمية لقي معارضة من قبل البعض(3)، باعتبار أنه حكر على القاضي العدلي دون سواه لافتقاد المحكم للفاعلية القضائية. وقد ارتكز هذا النقد عموما على ثلاث حجج : أولها أن اتفاقية التحكيم لا تضع أمام نظر المحكم إلا نزاعات في الأصل، ولا يمكنه التمتع بهذا الاختصاص إلا بموجب تنصيص صريح. لكن هذه الحجة تفتقد إلى شيء من الجدية باعتبار أن الوسائل التحفظية ما هي إلا من توابع النزاع الأصلي، وبذلك فإن التابع يتبع اًلأصل في الاختصاص وهو ما أكده فقه القضاء الفرنسي(1).
والحجة الثانية تمثلت في كون اختصاص القضاء الاستعجالي يهم النظام العام، ولا يمكن للأطراف استبعاده ولو بعد مباشرة هيئة التحكيم لمهامها. ولكن هذه الفكرة بدورها تم دحضها كما أسلفنا الذكر(2).
وأما الحجة الثالثة والأخيرة الواقع اعتمادها فهي أن هيئة التحكيم تفتقد للفاعلية القضائية باعتبارها قضاء خاص لا يمكنها الإذن بالتنفيذ الجبري. ولكن ما يعاب على هذا القول خلطه بين مفهومي التقرير والتنفيذ. فهيئة التحكيم يمكنها إقرار وسائل تحفظية يرجع للقضاء العدلي فيما بعد إكساءها بالصيغة التنفيذية. وهو الحل الذي اعتمد المشرع التونسي في التحكيم الداخلي صلب الفقرة الأخيرة من الفصل 19 م ت حيث اقتضت أنه : "يتولى رئيس المحكمة الابتدائية التي يوجد بها مقر التحكيم إكساء القرارات الوقتية أو التمهيدية التي تصدرها هيئة التحكيم الصيغة التنفيذية". إذن فخشية المشرع من اصطدام القرار الاستعجالي التحكيمي بمشكل التنفيذ -نظرا لافتقاده الفاعلية القضائية- هو الذي حتم عليه إقرار التدخل القضائي اللاحق. ولكن هذا الحل قد لا يكون ناجعا بما فيه الكفاية نظرا لما قد يستغرقه إجراء الإكساء من وقت قد لا يتلاءم مع الصبغة الاستعجالية للقرارات المتخذة. وكان من الأجدى منح الاختصاص للقاضي الاستعجالي مباشرة بالرغم من بدء هيئة التحكيم لمهامها كما فعل ذلك المشرع في التحكيم الدولي، حيث نص صلب الفصل 54 م ت على أنه : "لا يعتبر مناقضا لاتفاقية التحكيم أن يطلب أحد الأطراف قبل بدء إجراءات التحكيم وأثناءها من القاضي الاستعجالي أن يتخذ إجراء وقائيا مؤقتا". لكن ذلك لا يعني في المقابل منع الاختصاص عن الهيئة التحكيمية ؛ ففي هذا المجال يدخل كل من القاضي الاستعجالي والمحكم معا في تنافس لإقرار هذه الوسائل حيث يخول للثاني ذلك أيضا بموجب الفصل 62 م ت القاضي بأنه : "يجوز لهيئة التحكيم –بناء على طلب أحد الأطراف- أن تأذن بما تراه ضروريا من الوسائل الوقتية أو التحفظية ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، وإذا لم يمتثل الطرف المعني بالأمر للإذن المذكور جاز لهيئة التحكيم أن تطلب المساعدة على ذلك من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف". ويمكننا إبداء ملاحظتين بخصوص هذا الفصل :
الأولى تتعلق بالإشكال المشار إليه سابقا بخصوص التنازع الإيجابي للاختصاص الاستعجالي بين الهيئتين القضائية والتحكيمية. فهو أمر –على عكس التحكيم الداخلي- وارد الوقوع في التحكيم الدولي. ورغم ذلك لم يتوقع المشرع حدوثه بدليل عدم إعطائه لحلول كفيلة بتجاوزه.
والثانية تتعلق بإمكانية استبعاد الإطراف لاختصاص هيئة التحكيم في المادة الاستعجالية، إذ بإمكانهم الاتفاق على منعها من اتخاذ أية وسيلة في الغرض ليبقى الاختصاص حكرا على القاضي الاستعجالي. ولكن مقابل ذلك، هل للأطراف نفس الإمكانية بخصوص القاضي الاستعجالي ؟. سكت المشرع التونسي عن المسألة. في حين أجاب فقه القضاء الفرنسي بالإيجاب(1)، على أن يقع التنصيص على ذلك صراحة باتفاقية التحكيم أو بنظام التحكيم المختار، وهذا حل منطقي ينسجم تماما مع غاية التحكيم ذاتها وهي إقصاء الهيئات القضائية والحد من تدخلها في الدعوى التحكيمية.

وعموما، فإن المشرع التونسي يقر بإمكانية التدخل القضائي في المواد الاستعجالية سواء كان ذلك بصورة غير مباشرة عن طريق إكساء القرارات التحكيمية الاستعجالية بالصيغة التنفيذية الصادرة عن هيئة التحكيم. ويقوم بهذا الإجراء رئيس المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرتها مقر التحكيم إذا كان التحكيم داخليا(2)، أو الـرئيس الأول لمحكمة الاسئتناف بتونس إذا كان التحكيم دوليا(3). وقد يكون التدخل بصورة مباشرة باتخاذ القاضي الاستعجالي لهذه القرارات أصالة بنفسه. والقاضي الاستعجالي -وبالرجوع إلى الأحكام العامة المنظمة للقضاء المستعجل- هو "رئيس المحكمة الابتدائية أو الحاكم المعين من طرفه أو حاكم الناحية في الصور التي خصصه القانون بالنظر فيها" كما اقتضى ذلك الفصل 202 م م م ت.

2- مساعدة قاضي الأذون على العرائض :

اقتضى الفصل 214 م م م ت بأنه يمكن لرؤساء المحاكم الابتدائية أو حكام النواحي بشرط وجود خطر ملم أن يصدروا أذونا على المطالب في اتخاذ جميع الوسائل لحفظ الحقوق والمصالح التي لا يمكن أن تبقى بدون حماية. فهل يصمد هذا الاختصاص أمام وجود اتفاقية التحكيم تربط بين الأطراف؟.

إن الأسس التي اعتمدت لإقرار اختصاص القاضي الاستعجالي تصلح بدورها لتأسيس اختصاص قاضي الأذون على العرائض، ذلك أن حالة التأكد تبرر اختصاص الهيئات القضائية برمتها(4).

إلا أن الأمر يختلف في خصوص القواعد المنظمة لكلا المجالين، وذلك راجع أساسا إلى اختلاف طبيعة كليهما. فلئن كان القضاء الاستعجالي قائما على مبدأ المواجهة بين الخصومة، فإن إصدار الأذون يدخل في الوظيفة الولائية للقاضي ولا يتوقف على وجود خصومة، ولا يفترض فيه سماع أقوال الخصوم وبيان أدلتهم ؛ لذا كان من غير الهين إعطاء هذه السلطة لغير القضاء، فيكون بذلك اختصاص القضاء المؤسس على الفصل 214 م م م ت اختصاصا مطلقا وحكرا عليه دون الهيئات التحكيمية. بل أن هذا الأخيرة لا يوجد أمامها حلا آخر سوى الاستنجاد بالقضاء في صورة وجود خطر ملم أو حق بدون حماية.

وقد يندرج في هذا الإطار ما ورد بالفصلين 28 م ت و72 م ت حيث نص على أنه : "يجوز لهيئة التحكيم الاستنجاد بالقضاء لاستصدار قرار يمكنها من مطالبة الأطراف بالأدلة ووسائل الإثبات التي يمسكون بها"، في حين ينص الثاني على أنه :"يجوز لهيئة التحكيم أو لأي طرف بموافقتها طلب المساعدة من محكمة مختصة للحصول على أدلة ..."ّ.

الفرع الثاني
دور المراقبة القضائية

إذا كان التحكيم يقوم في عمومه على إقصاء القضاء العدلي فإن ذلك لا يعني استبعاده تماما, إذ يبقى له حق التدخل في سير الدعوى التحكيمية التي تقوم على حرية الأطراف والمحكمين. ولما كان وجود حرية مطلقة أمرا مستحيلا ويختل به منطق الأشياء, كان لا بد من ضابط لهذه الحرية. وليس بأقدر على هذه المهمة من القضاء الذي له مراقبة الحكم الصادر عن هيئة التحكيم حتى يتسنى له تغيير المراكز القانونية . وبما أن المحكم لا يعدو أن يكون سوى قاض خاص , فإن الحكم الصادر عنه لن تكون له داخل النظام القانوني الوطني أي حجة ما يعترف به هذا الأخير.

وأمام الاهتمام المتزايد بالتحكيم على المستوى الدولي بالخصوص، عملت الأنظمة القانونية لمختلف الدول على استقبال هذه الأحكام التحكيمية وكأنها صادرة عن محاكمها الوطنية، ولكن قبولها لا يمكن تصوره ما لم تخضع للمراقبة. وحتى على المستوى الداخلي فإن المراقبة تبقى أمرا لازما ؛ بحيث تعد المقابل للحرية الممنوحة للأطراف والمحكمين حتى لا يحيدوا بالتحكيم عن غايته. ولكن هذه المراقبة القضائية بدورها لا يمكن أخذها على إطلاقها وإلا أفرغ التحكيم من كل محتواه، فالمبدأ فيه استبعاد القضاء من النزاع، لذا عمل المشرع على تحديد إجراءاتها (الفقرة الأولى) ونطاقها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : إجراءات المراقبة القضائية :

إن المبدأ في المراقبة القضائية أنها لا تتم إلا بعد صدور الحكم النهائي وذلك بمناسبة الطعن فيه(1)، أو طلب الاعتراف أو بتنفيذه في خصوص الحكم الأجنبي(2). ولكنها قد تحصل أيضا قبل ذلك بمناسبة طعن أحد الأطراف في حكم جزئي صادر عن هيئة التحكيم، وتحديدا الحكم المتعلق بنظر الهيئة في اختصاصها(1).

1- الطعن في الحكم التحكيمي :

يعتبر الطعن في الحكم التحكيمي تهديدا جديا لإرادة الأطراف في جعل النزاع حكرا على هيئة التحكيم، وتجسيدا واضحا لعلوية الهيئات القضائية على هذه الأخيرة. وقد كانت الأحكام التحكيمية قبل صدور مجلة التحكيم تقبل الطعن بعدة وسائل، وهو ما قد يتيح للطرف المحكوم ضده فرصة تأخير التنفيذ باستعماله لمختلف هذه الوسائل. لذا جاءت مجلة التحكيم متضمنة على طريقة واحدة للطعن في حكم التحكيم الدولي، وعملت على تنظيمه بوضوح حتى يتولد لدى الأطراف الاقتناع بضرورة التنفيذ التلقائي، طالما أنهم يعلمون مسبقا بعدم جدوى طرق الطعن في إطالة النزاع. فقد نص الفصل 78-1 م ت على أنه : "لا يجوز الطعن في حكم التحكيم إلا بطريق الإبطال". ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، ذلك أن الأمر يختلف باختلاف التحكيم إن كان داخليا أو دوليا. فقد تختلف طرق الطعن وتتعدد فتختلف بذلك الأحكام القابلة للطعن (أ)، والإجراءات الواجب اتباعها (ب).

أ‌. طرق الطعن في الحكم التحكيمي :

تختلف طريقة الطعن بحسب ما إذا كان التحكيم دوليا أم داخليا. ففي التحكيم الدولي توجد طريقة واحدة للطعن في الحكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ   رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Emptyالثلاثاء أبريل 19, 2011 11:45 am

ب‌. إجراءات الطعن في الحكم التحكيمي :

تختلف هذه الإجراءات بحسب ما إذا كان التحكيم داخليا أم دوليا كما تختلف من الطعن بالإبطال إلى الطعن بالاستئناف.

ففي صورة الطعن بالإبطال يرجع الاختصاص إلى محكمة الاستئناف بتونس دون سواها في التحكيم الدولي، في حين يعود الاختصاص إلى محكمة الاستئناف التي صدر بها الحكم في التحكيم الداخلي. ويرفع الطعن وفق عريضة يقدمها الطالب إلى المحكمة المختصة. ويتمتع هذا الأخير للقيام بطعنه وعملا بالفصل 78-3 م ت بأجل ثلاثة أشهر من تاريخ تسلمه للحكم المزمع انتقاده، أو من يوم بت هيئة التحكيم في المطلب المقدم لها تطبيقا لأحكام الفصل 77 م ت المتعلق بمطالب الإصلاح أو الشرح ... ويقع تخفيض هذا الأجل إلى ثلاثين يوما في التحكيم الداخلي، كما تتغير نقطة بداية احتساب الأجل لتصبح من يوم العلم بالحكم عملا بموجبات الفصل 47 م ت. وبمضي هذه الآجال يسقط الطالب حقه في الطعن، على أنه يمكنه الاعتراض على الحكم عند طلب تنفيذه أو الاعتراف به.

وبمجرد استيفاء الطعن لشروطه الشكلية فإن المحكمة المختصة مدعوة إلى النظر فيه وإصدار قرار من بين اثنين : إما القبول وإما الرفض.
فإن رأت قبول الطعن ؛ فلها أن تقضي ببطلان الحكم كلا أو بعضا. ولكن عليها الامتناع عن البت في أصل النزاع ما لم يطلب الأطراف منها ذلك. وحتى في هذه الصورة فإنها لا تستجيب لطلبهم إلا "عند الاقتضاء"، وهذه عبارة غامضة يستعملها الفصل 78-5 م ت وتقبل تأويلات شتى، ولكنها تمنح للمحكمة سلطة تقديرية مطلقة. أما في التحكيم الداخلي فلا وجود لمثل هذه السلطة في تقدير مدى وجاهة الطلب من عدمه، إذ تنص الفقرة 2 من الفصل 44 م ت على أنه : "عليها أن تحكم في موضوع النزاع إذا طلب منها ذلك الأطراف..." فهي إذن صيغة الوجوب التي يعتمدها هذا الفصل. وعند البت في أصل النزاع فإن المحكمة تلتزم باحترام إرادة الأطراف في خصوص القانون الواجب تطبيقه، إذ عليها تطبيق قواعد العدل والإنصاف عند توفر صفة المحكم المصالح في هيئة التحكيم عملا بأحكام الفصل 14 م ت.
أما إذا رأت المحكمة المتعهدة بالطعن بالإبطال رفض الطعن فإنها تقرر صحة الحكم التحكيمي، ويقوم حكمها مقام الأمر بتنفيذه. فهل يعني ذلك عدم وجوب طلب الاعتراف به أو تنفيذه إن تعلق الأمر بتحكيم دولي ؟. رغم صيغة الوجوب التي يستعملها الفصل 79 م ت الذي ينظم المسألة، فإننا نرى أن رفض الطعن بالإبطال يغني عن طلب الاعتراف أو تنفيذ حكم التحكيم طالما كان الإجرائين يرتكزان على نفس الأسباب. على أن التدخل القضائي يبقى أمرا واردا دائما ولو لتقديم المساعدة دون المراقبة في صورة الامتناع عن التنفيذ مثلا.

وتجدر الإشارة إلى أن إجراءات الطعن بالإبطال قد تتوقف لمدة معينة بموجب قرار من المحكمة التي لها تقدير وجاهة طلب الأطراف لذلك. وفي هذه الحالة تحيل النزاع على هيئة التحكيم من جديد كي تبت فيه. فهي إذن ولادة من جديد لهيئة التحكيم التي انتهى وجودها بمجرد إصدارها للحكم، ولكن هذه المرة ليس لإصلاح أو شرح الحكم الصادر عنها(1)، وإنما لإزالة وتجاوز ما اعتراه من شوائب كانت السبب للطعن فيه. وإن كان هذا الأمر جائزا في التحكيم الدولي فإنه ليس كذلك في التحكيم الداخلي. على أن إمكانية توقيف إجراءات الطعن في حد ذاتها تبقى قائمة، وذلك إذا كان للنزاع ارتباط بقضية أخرى منشورة لدى محكمة قضائية أخرى كما ينص على ذلك الفصل 44 م ت في فقرته الثالثة. وهي إمكانية استوجبتها غاية عدم التعارض بين الأحكام القضائية.

أما من حيث أثار الطعن فما يلاحظ فيها أن الإبطال لا يتمتع بمفعول توقيفي. إذ ينص الفصل 43 م ت على أن : "طلب الإبطال لا يوقف التنفيذ". ولكننا لا نجد إشارة مماثلة في التحكيم الدولي. ومن جهتنا نرى أنه لا ضرورة لمثل تلك الإشارة طالما كان الحكم بحاجة دائما إلى طلب تنفيذه، إذ لا يمكنه ترتيب أي أثر في النظام القانوني التونسي ما لم يقع إكساؤه بالصيغة التنفيذية عملا بالإجراءات الواردة بالفصل 81 م ت. على أن كل ذلك لا يمنع المحكمة المختصة من الإذن بتوقيف التنفيذ كلما طلب منهـا ذلك، وبعد تقدير مـدى وجاهة الطلب عمـلا بمقتضيات الفصل 43 م ت في فقرته الأخيرة. وعلى العكس من الطعن بالإبطال فإننا نرى الطعن بالاستئناف يوقف تنفيذ الحكم التحكيمي باعتبار الإحالة الواردة بالفصل 39 م ت على مجلة المرافعات المدنية والتجارية التي تعترف بلا شك بالمفعول التوقيفي للاستئناف.

أما من حيث الإجراءات فإنها وعملا بنفس الإحالة المذكورة تتم وفق الإجراءات المعمول بها أمام محاكم الحق العام. وبمجرد مرور الطعن أمام محكمة الاستئناف التي صدر بدائرتها الحكم –وهي صاحبة الاختصاص قياسا بما ورد بالفصل 43 م ت في خصوص الطعن بالإبطال- فإنها تحكم بأحد الأمرين : القبول أو الرفض : ففي حالة رفض الاستئناف فإنها تقضي بتأييد الحكم التحكيمي وتأذن بإكسائه بالصبغة التنفيذية عملا بالفصل 39 م ت. وفي حالة القبول فإنها تقضي بنقض الحكم المطعون فيه وتبت في أصل النزاع بصورة آلية ودون التوقف على طلب ذلك من الأطراف، بل إن طلب الأطراف لإحالة النزاع من جديد على هيئة التحكيم لن يكون مجديا.

وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن التدخل القضائي لمراقبة الأحكام التحكيمية لا ينتهي عند هذا الحد، فقد يتواصل بموجب أمرين : الأمر الأول هو نتيجة للطعن الصادر عن الغير أي عن شخص لم يكن طرفا في اتفاقية التحكيم ولا مرتبطا بها. إذ يجيز له الفصل41 م ت أن يعترض على حكم التحكيم لدى محكمة الاستئناف الصادر بدائرتها الحكم.

والأمر الثاني هو نتيجة لمواصلة الطعن في الأحكام الصادرة عن المحاكم القضائية والمتعلقة بالتحكيم حسب ما نص عليه الفصل 45 م ت. أي أن الأحكام الصادرة بمناسبة الطعن بالإبطال أو بالاستئناف أو بالاعتراض قد تلقى طريقها إلى أعلى الهرم القضائي بمناسبة الطعن بالتعقيب الذي جعله الفصل 45 م ت حكرا عليها دون الأحكام الصادرة عن هيئة التحكيم، ويوجب فيه اتباع الإجراءات الواردة بمجلة المرافعات المدنية والتجارية.

2- طلب الاعتراف بالحكم التحكيمي أو تنفيذه :

تقتضى منا دراسة طلب الاعتراف أو التنفيذ تحديد مجاله (أ) وإجراءاته (ب).

أ‌. مجال طلب الاعتراف والتنفيذ :

لم يقتصر المشرع التونسي على وضع نظام محدد لتنفيذ الأحكام الأجنبية وإنما وضع كذلك نظاما بغاية الاعتراف بها فحسب. وقد لا يجد هذا المفهوم موضعه إلا بصعوبة بجانب القاعدة التي يقرها المشرع بخصوص حجية الأمر المقضي به الممنوحة لهذه الأحكام التحكيمية. فقد نص الفصل 80-1 م ت على أنه : "يكون لحكم التحكيم من النفوذ ما نصت عليه أحكام الفصل 32 من هذه المجلة وذلك بقطع النظر عن البلد الذي صدر فيه"، وقد نص الفصل المحال عليه أنه : "يكون له (الحكم التحكيمي) –بمجرد صدوره- نفوذ الأمر المقضي به بالنسبة لموضوع الخلاف الذي بت فيه".

ولتبرير وجود مفهوم الاعتراف باستقلال عن مفهوم التنفيذ، يعطي الفقه مثالا عن ذلك الحالة التي يكون فيها لأحد الأطراف مصلحة في إدخال حكم تحكيمي إلى النظام القانوني التونسي دون أن يهدف إلى تتبع إجراءات التنفيذ الجبري(1). ويمكن القول عموما أن هذا الإجراء أي طلب الاعتراف والتنفيذ خاص بالتحكيم الدولي دون التحكيم الداخلي. فأما طلب الاعتراف بالحكم التحكيمي لا وجود لأي نص قانوني يشير إليه في التحكيم الداخلي، وأما طلب التنفيذ فقد تعرضت له عدة أحكام في هذا المجال من ذلك الفصل 33 م ت الذي جاء فيه أنه : "يكون حكم هيئة التحكيم قابلا للتنفيذ تلقائيا من قبل الأطراف، أو بصفة إجبارية بإذن من رئيس المحكمة الابتدائية التي صدر بدائرتها الحكم أو قاضي الناحية كل في حدود نظره إلا إذا كان التحكيم يتعلق بخلاف منشور لدى محكمة استئناف عند إبرام الاتفاق على التحكيم فإن رئيس هذه المحكمة هو الذي له وحده الحق في إصدار الإذن". كما نص الفصل 39 م ت المتعلق باستئناف الأحكام التحكيمية أنه : "إذا قضت المحكمة بتأييد حكم التحكيم المطعون فيه فإنها تأذن بإكسائه الصيغة التنفيذية". ولكن ما لا يلاحظ أن غاية هذا التدخل القضائي في هذا المجال هي المساعدة وليس المراقبة : هي مساعدة للأطراف في تنفيذ حكمهم المتمتع بحجية الأمر المقضي به والذي يفترض فيه التنفيذ التلقائي، ولا يقع اللجوء إلى القضاء إلا عند امتناع أحد الأطراف عن ذلك.

والمتمعن في هذه النصوص القانونية لا يرى فيها ما يفيد اختصاص القضاء بالمراقبة فهو يأذن آليا بالتنفيذ فحسب، ولذا كان إقرارنا بعدم وجود إجراء التنفيذ -على النحو السالف درسه- بالتحكيم الداخلي. فهو حكر على التحكيم الدولي حيث المراقبة المنظمة من حيث موضوعها ونطافها ومن حيث إجراءاتها.

ب‌. إجراءات طلب الاعتراف والتنفيذ :

إن مرجع النظر في مطالب الاعتراف بالأحكام التحكيمية الأجنبية وتنفيذها يعود إلى الاختصاص المطلق لمحكمة الاستئناف بتونس العاصمة التي تتعهد بموجب مطلب كتابي يقدمه لها الطالب المعني بالأمر. وتنظر المحكمة دون اعتماد على مبدأ المواجهة بين الأطراف حيث لا وجود لادعاءات متبادلة بينهم، فهو أقرب إلى العمل الولائي منه إلى العمل القضائي. وربما كانت غاية المشرع من إقصاء هذا المبدأ هو تفادي النقاش في أصل النزاع، حيث أن مهمة المحكمة في هذا المجال هو المراقبة لا غير،وهو ما لا ينسجم مع هذا المبدأ الذي قد يوقع المحكمة في خطر مراجعة الأحكام المعروضة عليها. وهذا أمر لا يمكن تصوره إلا في إطار الطعن بالإبطال في الحكم.

كما أنه على الطرف الذي يلتمس الاعتراف أو الإكساء بالصيغة التنفيذية أن يرفق مطلبه بالوثيقتين اللتين يوجبهما الفصل 80 م ت وهما :
أولا : الحكم الأصلي المشهود بصحته على الوجه الصحيح أو صورة منه مطابقة للأصل ويعزى اشتراط المشرع لهذا الأمر إلى أنه، وعلى خلاف التحكيم الداخلي، لم يوجب على هيئة التحكيم إيداع نسخة من الحكم الذي تصدره بكتابة المحكمة خلال 15 يوما من صدوره تطبيقا لأحكام الفصل 33 م ت. ويرجع عدم اشتراط المشرع لإجراء الإيداع في التحكيم الدولي إلى أن الأحكام التحكيمية قد تصدر في البلاد التونسية. كما قد تصدر خارجها بحيث يصعب -والحالة تلك- إلزام هيئة التحكيم بذلك، ولذا فإنه على الطرف الذي يروم الاعتراف أو التنفيذ بالحكم أي يدلي به أو بنسخة مه.

ثانيا : يوجب الفصل 80 م ت الإدلاء باتفاقية التحكيم الأصلية أو نسخة منها. وقد مثل هذا الإجراء موضوعا لانتقادات عديدة في القانون الفرنسي ارتكزت أساسا على أمرين : الأول لأنه يحد من استقبال الأحكام التحكيمية الصادرة بموجب اتفاقيات شفاهية(1). وقد رأى البعض أن قاضي التنفيذ بإمكانه عدم التقيد بهذه الشروط الإجرائية في خصوص تقديم اتفاقية تحكيم مكتوبة كلما كان بإمكانه التأكد من وجودها بطريقة أو بأخرى(2).
والأمر الثاني يتعلق بسلطة قاضي التنفيذ ذلك أن اشتراط الإدلاء باتفاقية التحكيم قد يؤدي إلى الاعتقاد بأنه يتمتع بسلطة مراقبتها هي أيضا أي مراقبة الحدود التي ترسمها والسلطات الممنوحة للمحكمين، أو أنه يراقب ما إذا كان النزاع الذي نظر فيه المحكم يدخل في اختصاصه أم لا.

الفقرة الثًًٌٌٌٌََُّانية : نطاق المراقبة القضائية :

إن مجال التدخل القضائي لمراقبة الأحكام التحكيمية يحدد أساسا بالأسباب التي يمكن بموجبها إبطال هذه الأحكام أو رفض الاعتراف بها أو تنفيذها. وما نلاحظه في هذه الأسباب أنها هي نفسها التي يقع اعتمادها في طلب الإبطال أو رفض الاعتراف والتنفيذ. على أنه يضاف للصورة الثانية ما ورد بالفصل 81 أولا م ت في فقرته "هـ" التي يجيز الرفض إذا أثبت الطرف المطلوب تنفيذ الحكم ضده أن : "حكم التحكيم قد أبطلته أو أوقفت تنفيذه إحدى محاكم البلد الصادر فيه الحكم أو أنه وقع إبطاله أو إيقاف تنفيذه بموجب قانون ذلك البلد".

إن هذا الحل، الذي أخذه المشرع عن الفصل 5 من اتفاقية نيويورك لسنة 1958، قد يتراءى غريبا باعتباره قد يعطي لأي نظام قانوني أجنبي إمكانية إنتاج آثاره داخل البلاد التونسية. فمن نتائج هذا الحل أنه يرفض تنفيذ حكم بتونس لوقوع إبطاله على أساس النظام العام الخاص بالبلد الذي أبطل فيه، وهو أمر قد يعد غير مقبول.

أما فيما يتعلق ببقية الأسباب فإنها متماثلة بين هذا المجال وذاك. وقد تم تحديدها بالفصلين 78 م ت و81 م ت بوجه حصري بحيث أنه لا يمكن إثارة أي سبب للإبطال أو رفض الاعتراف أو التنفيذ من خارج هذه القائمة. وهو نفس التمشي الذي اعتمده المشرع الفرنسي صلب الفصل 1502 من مجلة المرافعات المدنية الجديدة(1).

كما أن هذه الأسباب تتشابه من التحكيم الداخلي إلى التحكيم الدولي، دون أن تتماثل أو تتطابق على أن الاختلاف بينهما قد لا يكون إلا ظاهريا لا يتجاوز حد الاختلاف بين ظاهر العيارات المستعملة هنا أو هناك. وهي أسباب يمكن تقسيمها عموما إلى قسمين : قسم يتوقف على إثارة فإثبات من الأطراف (1)، وقسم للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها (2).

1- أسباب متوقفة على طلب الأطراف :

لقد وردت هذه الأسباب بالفصلين 78 و81-2 أولا م ت : وفيها لا يجيز المشرع الطعن بالإبطال أو رفض الاعتراف بالحكم التحكيمي أو تنفيذه إلا بناء على طلب الطرف المعني بالأمر، مع وجوب تقديمه للدليل الذي يثبت أحد الأسباب المنصوص عليها بالفصلين المذكورين ؛ وهي قد تتعلق باتفاقية التحكيم (أ)، أو بإجراءات التحكيم (ب)، أو بالاختصاص التحكيمي (ج)، أو بتكوين هيئة التحكيم (د).

أ‌. أسباب متعلقة باتفاقية التحكيم :

من الأسباب المؤدية إلى إبطال الحكم التحكيمي أو رفض الاعتراف به أو تنفيذه "أن أحد أطراف اتفاقية التحكيم المشار إليها بالفصل 52 من هذه المجلة لا يتوفر فيه شرط من شروط الأهلية أو أن هذه الاتفاقية غير صحيحة في نظر القانون الذي أخضعها لـه الأطراف أو في نظر القـانون الدولــي الخاص إن لم يعينوا القانون المنطبق"، وذلك عـمـلا بأحكـام الـفصليـن 78 و81-2 أولا م ت بالفقرة "أ".

وأول مـا يلفت انتباهنـا فـي هذين الفصلين هـو الإحـالة الغريبة والمحيرة على الفصل 52 م ت. فهذا الأخير ينص على ما يلي : "على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى في مسألة أبرمت بشأنها اتفاقية تحكيم أن تحيل الأطراف إلى التحكيم إذا طلب منها ذلك أحدهم في موعد أقصاه تاريخ تقديم ملحوظاته الكتابية في أصل النزاع ما لم يتضح لها أن الاتفاقية باطلة أو عديمة الأثر أو لا يمكن تنفيذها"، فأي اتفاقية تحكيم يشير إليها هذا الفصل!؟. إنه يتعلق بمبدأ عدم اختصاص الهيئات القضائية بالنظر في النزاع التحكيمي، قد تكون نية المشرع قد انصرفت إلى الإحالة على الفصل 2 م ت الذي يعرف اتفاقية التحكيم. فلو فعل ذلك لاستقام المعنى إلى حد ما باعتبارنا لا نرى أي ضرورة للإحالة على هذا الفصل أو ذاك.

ويتواصل الخلط في "ذهن المشرع" مرة أخرى عند ما يتحدث عن عدم توفر الأهلية في جانب أحد الأطراف، ثم يلحق سبب آخر وهو عدم صحة اتفاقية التحكيم ؛ أي أنها باطلة بالضرورة. ولكن ألا يعد فقدان الأهلية من أحد أسباب بطلان العقد ؟ فلم هذا التكرار ؟. أو لم هذا التأكيد ؟. ألم يكن مجديا الاكتفاء بعدم الصحة الذي يحوي بداخله حتما فقدان الأهلية ؟ قد يعزى ذلك إلى أن النظر في مدى بطلان اتفاقية التحكيم يتم وفق قانون الإرادة وعند غيابه وفق قواعد القانون الدولي الخاص أما عنصر الأهلية فينظر فيه وفق القانون التونسي، وإلا فلم هذا الإفراد ؟. قد تكون الإجابة بعيدة عن الإقناع، ولكن "الصياغة الرديئة" للنص القانوني تدفعنا إلى مثل هذه الاحتمالات.

ولا ينتهي الغموض في هذين الفصلين عند هذا الحد، ومأتاه هذه المرة عبارة "اتفاقية غير صحيحة". فما المقصود بها ؟. إنها حتما اتفاقية باطلة. ولكن أهي كذلك فقط؟. لقد كان المشرع بخصوص الأسباب المتعلقة باتفاقية التحكيم واضحا بما فيه الكفاية في التحكيم الداخلي، فقد نص الفصل 42 م ت على إمكانية إبطال الحكم الصادر دون اعتماد اتفاقية التحكيم، أو بموجب اتفاقية باطلة، أو انتهى وجودها. فهل يمكن سحب هذه الأحكام على التحكيم الدولي؟. نرى في الإجابة بالإيجاب جائزة ضرورة أن الاتفاقية الغير الصحيحة هي بداهة اتفاقية باطلة ويلحقها البطلان بتخلف أحد شروطها المستوجبة فيها قانونا. ومن باب أولى وأحرى فإنه يجوز الإبطال أو رفض الاعتراف أو التنفيذ عند غياب اتفاقية التحكيم. ورغم أن هذا الغياب يبقى أمرا نادرا، فإنه يمكن التعرض إليه مثلا عند التساؤل عن مدى انعقادها ؛ كأن تقطع المفاوضات التعاقدية بعد أن يتبادل الأطراف عدة مشاريع متضمنة لشروط تحكيمية، بحيث يكون السؤوال المطروح هنا متعلقا بمدى حصول الاتفاق بين الأطراف على مبدأ التحكيم من عدمه(1).

وإذا كـان إقرار انعـدام الاتفاقية مـن بين الأسبـاب المنصـوص عليـها بالفصلين 78 م ت و81 م ت أمرا سهلا، فإنه في المقابل يتطلب بعض الجهد بخصوص اتفاقية التحكيم التي انتهى أجلها، وذلك لسببين : الأول هو أن انتهاء الأجل لا يتعلق باتفاقية التحكيم، وإنما أساسا بالامتداد الزمني للاختصاص التحكيمي. هذا الاختصاص كان موضوع الفقرة "ج" من الفصلين المذكورين والتي اكتفت بالتنصيص على مخالفة الامتداد الموضوعي له فحسب، مما يخشى معه والحالة تلك مخالفة إرادة المشرع الذي اعتمد صيغة حصرية لتحديد هذه الأسباب.
ويعود السبب الثاني إلى أنه رغم شبه التطابق الحاصل بين نصوص التحكيم الداخلي والدولي فإن البعض لا يميل كثيرا إلى سحب أحكام الأول على الثاني نظرا لاختلاف المجالين على جميع النواحي(2).

ورغم كل ذلك وطالما لم ينف الفقه هذه الإمكانية، فإننا نرى أن اتفاقية التحكيم التي انتهى أجلها يكون الحكم الصادر بموجبها عرضة بصورة جدية للإبطال أو رفض الاعتراف به أو تنفيذها، خاصة أمام سبق إقرارنا لبطلان الحكم الصادر خارج الأجل التحكيمي.

ب‌. أسباب متعلقة بمبدأ المواجهة :

ينص الفصلان 78 و81-1 أولا م ت في فقرتيهما "ب" على أنه يجوز إبطال الحكم التحكيمي أو رفض الاعتراف به أو تنفيذه إذا أثبت المعني بالأمر أنه : "لم يقع إعلامه على وجه صحيح بتعيين أحد المحكمين أو بإجراءات أو أنه تعذر عليه لسبب آخر الدفاع عن حقوقه"ّ.

إن مختلف هذه الصور تكون جميعها حتما لما يعرف بمبدأ المواجهة. وهو مبدأ ينطبق على كامل الإجراءات التحكيمية، وهو يفترض إتاحة الفرصة لكل طرف لأن يدلي بكامل مستنداته القانونية والواقعية ومعرفة مستندات خصمه ومناقشتها، ويفترض أيضا أنه ما من وثيقة تعلم بها هيئة التحكيم إلا ويعلم بها الطرف المقابل(1)، وهو يفترض عموما أن يعامل الأطراف على قدم المساواة لتقديم جميع ادعاءاتهم(2)، ومن ثم ضمان حقهم في الدفاع الذي يعتبره فقه القضاء الغاية الأهم لمبدأ المواجهة(3).

إن تطبيق هذا المبدأ يستدعي منا ثلاث ملاحظات :
الأولى مفادها أنه يكفي للإقرار باحترام مبدأ المواجهة، إتاحة الفرصة للأطراف لتقديم ملحوظاتهم، حتى وإن امتنع أحدهم عن ذلك. فعدم تقديم أحد الأطراف لمستنداته لا يعد خرقا لمبدأ المواجهة.
والثانية هي أنه لا يمكن القول باحترام مبدأ المواجهة في غياب أجل معقول للأطراف لتقديم ملحوظاتهم أو للرد على مستندات الخصوم. فعلى "القاضي المراقب" أن يتثبت ما إذا كان الأجل معقولا أم لا.

وأما الملاحظة الأخيرة فتفيد أنه لا يمكن الحديث عن خرق مبدأ المواجهة إذا ادعى أحد الأطراف هضم حقه في الدفاع ولم يتمسك بهذا الأمر بمجرد علمه ولو أمام هيئة التحكيم.

هذا وتجدر الإشارة أخيرا إلى أن المشرع التونسي استعمل في التحكيم الداخلي عبارات مغايرة تماما لما هي عليه في التحكيم الدولي. إذ نص بالفصل 42 سادسا م ت على عدم مراعاة "القواعد الأساسية للإجراءات". على أن هذا الاختلاف لا يبدو إلا ظاهريا باعتبار أن مبدأ المواجهة على النحو المذكور ما هو إلا تجسيما لاحترام القواعد الأساسية للإجراءات سواء من حيث علم الأطراف بكل الأعمال والأقوال التي تمت لدى هيئة التحكيم، أو من حيث حماية حقهم في الدفاع.

ج. أسباب متعلقة بالاختصاص التحكيمي :

تتعلق هذه الأسباب بتجاوز هيئة التحكيم لاختصاصها من حيث الموضوع. أي أن "حكم التحكيم يتناول نزاعا لا يقصده الاتفاق على التحكيم أو لا يشمله الشرط التحكيمي أو أنه يشتمل على الحكم في مسائل خارجة عن نطاق الاتفاق على التحكيم أو الشرط التحكيمي".

بقراءة هذا النص القانوني يضعنا المشرع مرة أخرى في موضع محير لا نملك إلا أن نستغرب إزاءه. فأن يميز بين حالات ثلاث فكأننا به يرى الاختلاف بينها فعلا!. لكن المتأمل فيها جيدا لا يلحظ أي اختلاف بينها فهي حالات متشابهة، بل إنها متطابقة تماما، وكلها تتعلق بتجاوز المحكم للحدود التي رسمتها اتفاقية التحكيم الناتج عن تأويله السيء لها. فكان من الأجدى أن يعتمد التمييز الذي جاء به في التحكيم الداخلي، إذ ورد بالفصل 41 م ت أنه يجوز إبطال الحكم التحكيمي إذا صدر "ّخارج نطاق اتفاقية التحكيم"، أو "شمل أمور لم يقع طلبها".

وما نلاحظه بداية، أن الاختلاف بين الصورتين واضح وجلي. فإن تعلقت الأولى بالاختصاص التحكيمي، فإن الثانية تتعلق بالمهمة الموكولة للمحكم. ولتوضيح المسألة فإن الاختصاص التحكيمي وهو كما ذكرنا آنفا يفيد إمكانية بت المحكم في مختلف المسائل التي نصت عليها اتفاقية التحكيم. في حين أن مهمة المحكم ليست البت في جميع هذه المسائل، وإنما الاكتفاء بالنظر فيما أحاله عليه الأطراف من بين هذه المسائل. وبالتالي فإن نظر المحكم في مسألة لم يطلبها الأطراف فإنه يكون بذلك قد خالف المهمة المعهودة إليه، دون أن يؤدي ذلك ضرورة إلى خرق الاختصاص التحكيمي. هذه هي الصورة الأولى التي تحدث عنها الفصل 41 م ت والتي تتطابق مع ماورد بالتحكيم الدولي.

أما خرق المحكم لمهمته بأن يبت في مسألة لم يثرها الأطراف، فتلك صورة خاصة بالتحكيم الداخلي دون الدولي. وتتمثل تحديدا في أن يبت المحكم في أمور لم يطلبها الأطراف حتى وإن كانت داخلة في نطاق اتفاقية التحكيم، فهو هنا يتجاوز الطلبات المقدمة من الأطراف. ويجدر التنبيه إلى أن استناد المحكم إلى أدلة أو معطيات قانونية أو واقعية لم يثرها الأطراف لا تدخل في هذه الصورة، ولا تكون سببا للإبطال(1). أما أن يمنح لأحد الأطراف ما لم يطلبه أو أكثر مما طلبه فذاك ما يؤدي إلى الإبطال ؛ كأن يعين نقطة بداية احتساب غرامات التأخير في وقت سابق عن الذي طلبه أحد الأطراف(2).

والسؤال المطروح هو إلى أي مدى يمكن سحب هذا الحكم على التحكيم الدولي؟. للإجابة -ورغم الأسباب المثارة سابقا في هذا الخصوص- فإننا لا نرى مانعا في ذلك طالما كان المحكم قاضيا خاصا لا يمكنه التمتع بأكثر مما منحه الأطراف من السلطات ثم إن القاضي العدلي ذاته يعاب عليه مثل هذا الأمر الذي يشكل طعنا جديا للحكم الصادر عنه.

والملاحظ أن خرق المحكم لمهمته لا تنحصر فقط في النظر فيما لم يطلبه الأطراف فقد تكون الصورة عكسية أي ألا ينظر في بعض الطلبات المثارة : وهي صورة يستوعبها بكـل سهولة(1) الفصل 1502 من مجلة المرافعات المدنية الفرنسية في فقرته الثالثة(2). إذ يحدث أحيانا أن تنسى هيئة التحكيم أو تتعمد عدم النظر في بعض الطلبات. على أن ذلك لا يعني وجوب الرد على كل ما أثاره الأطراف من دفوعات قانونية وواقعية كل على حدة وبصورة مفصلة، بل تكفي الإجابة عن الطلبات الأساسية فحسب. وقد رأى البعض(3) أن الأمر لا يمكن بأي حال أن يؤدي إلى إبطال الحكم التحكيمي. وإنما يقع الاكتفاء بإحالة المسائل التي لم ينظر فيها على هيئة التحكيم من جديد لإعادة البت فيها. لكن هذا الحل لقي معارضة(4) باعتبار أن مهمة هيئة التحكيم -بل إن وجودها ذاته- ينتهي بمجرد إصدار حكم التحكيم. وبذلك فما من طريقة أخرى لتفاديه إلا الاعتراض عليه بالإبطال أو رفض الاعتراف به أو تنفيذه.

هذا ولا يجيز القانون الفرنسي -والتونسي أيضا نراه كذلك- مراقبة كيفية بت المحكم في أصل النزاع، إلا إذا تعلق الأمر بمخالفة النظام العام في مفهوم القانون الدولي الخاص. فمهما كانت جسامة الخطأ المرتكب من المحكم سواء تعلق بالقانون أو الواقع، فإن ذلك لا يمثل سببا للإبطال. فمراقبة مدى احترام المحكم لمهمته لا يمكن لها أن تؤدي إلى إفراغ التحكيم من كل محتواه في استبعاد القضاء العدلي من النظر في أصل النزاع، كما لا يمكن أن تؤدي إلى مراجعة الحكم التحكيمي. فدور القضاء هنا المراقبة دون أن ينقلب إلى درجة ثانية في التقاضي، بحيث يبطل الحكم برمته أو يقبله دون أن يعمل على تعديله. وحتى الاستثناء الوارد بالفقرة "ج" مـن الفصلين 78 و81-2 أولا م ت لا يفيد بأي وجه المراجعة إذ تنص على أنه : "إذا كان من الممكن فصل نص الحكم المتعلق بالمسائل المعروضة على التحكيم عن نصه المتعلق بالمسائل غير المعروضة على التحكيم فجزؤه القاضي بالحكم في المسائل غير المعروضة على التحكيم هو وحده الذي يجوز إبطاله أو يجوز رفض الاعتراف به أو تنفيذه".

د. أسباب متعلقة بتكوين هيئة التحكيم :

جاء بالفقرة "د" من الفصلين 78 و81-1 أولا م ت أنه لإبطال حكم تحكيمي أو رفض الاعتراف به أو تنفيذه يجب على المعني بالأمر أن يثبت أن : "تشكيل هيئة التحكيم أو ما وقع اتباعه في إجراءات التحكيم كان مخالفا لمقتضيات اتفاقية التحكيم بصفة عامة أو لنظام تحكيم مختار أو لقانون دولة وقع اعتماده أو لقواعد أحكام هذا الباب المتعلق بتشكيل هيئة التحكيم".

أولا، ما يجب القيام به هوالتثبت من مدى استيعاب هذه الفقرة لمسألة مخالفة الإجراءات التحكيمية المنصوص عليها بطالعها. ومصدر التساؤل أمرين : الأول أن هذه الفقرة جاء في آخرها إحالة على الباب المتعلق بتشكيل هيئة التحكيم فحسب، والتي لا تعد من الإجراءات التحكيمية وإنما هي مرحلة سابقة عنها.
والثاني إن هذه الإجراءات يمكن أن نرى لها مكانا ضمن الفقرة المتعلقة باحترام مبدأ المواجهة كما رأينا، أو ضمن مكونات النظام العام الإجرائي كما سنرى. بحيث سنكتفي بالحديث عن الأسباب المتعلقة بتكوين هيئة التحكيم فقط، وهو سبب لا يثير أي إشكالات خاصة أن ذلك الأمر يتوقف على محتوى اتفاقية التحكيم ذلك أن الأطراف لهم تحديد هذه المسائل كما لهم السكوت عنها. فإن أرادوا تحديدها فيمكن لهم إجراؤها بأنفسهم. كما يمكن لهم اتباع قانون دولة معينة أو اختيار نظام تحكيم سواء تعلق الأمر بتحكيم نظامي أو حر. وفي هذه الصورة فإن أي مخالفة لما جاء بالاتفاقية يكون سببا جديا للإبطال أو رفض الاعتراف به أو تنفيذه. وإذا ما خلت اتفاقية التحكيم من أي إشارة ففي هذه الحالة يقع إعمال الأحكام الواردة بمجلة التحكيم، وتحديدا القواعد المتعلقة بتكوين هيئة التحكيم وذلك طبعا في الحالات التي تكون فيها هذه المجلة منطبقة.

هذا ونشير إلى أن السبب نفسه معمول به في التحكيم الداخلي حين ينص الفصل 41 خاصا على أنه يجوز الإبطال "إذا لم تكن هيئة التحكيم متركبة بصفة قانونية".

2- أسباب تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها :

ينص الفصلان 78 و81 ثانيا م ت أنه يجوز إبطال الحكم التحكيمي أو رفض الاعتراف به أو تنفيذه : "إذا رأت المحكمة أن الحكم التحكيمي يخالف النظام العام في مفهوم القانون الدولي الخاص".

ما نلحظه هنا أنه وخلافا للأسباب الأربعة السابقة التي تتوقف على طلب من الأطراف وإثباتهم لها فإن هذا السبب يمكن للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها. والأمر ذاته مكرس في التحكيم الداخلي صلب الفصل 41 م ت. على أن ذلك لا يفيد التطابق بين المجالين، فإذا كان الأمر في التحكيم الدولي يتعلق بالنظام العام في مفهوم القانون الدولي الخاص، "فإنه في التحكيم الداخلي يتعلق بالنظام العام" فحسب.

وقد انتقدت هذه التفرقة في فرنسا باعتبارها تؤدي إلى تعامل ليبرالي غير مبرر مع أحكام أجنبية تتعلق بمعاملات تهم الدولة التي أصدر فيها فقط. في حين تفضي إلى تشدد غير مقبول مع الأحكام التي لها تأثير مباشر على المصالح الفرنسية. فقد كان من الأجدى أن يقع الاعتماد على النظام العام للبلد المعني بالأمر في الحالة الأولى، والنظام العام الفرنسي في الحالة الثانية(1).

ومهما يكن فإن إقرار هذه التفرقة يعد أمرا حاصلا، وحتى فقه القضاء الفرنسي عمل على تطبيقها حتى إنه أكد على عدم إمكانية الرجوع إلى النظام العام لدولة أجنبية(2) أو إلى النظام العام الداخلي الفرنسي متى تعلق الأمر بتحكيم دولي(3).

والعلاقة الوحيدة بين النظام العام الدولي والنظام العام الداخلي هو أن قاعدة ما إذا كانت لا تهم النظام الأول، فإنها ضرورة لا تهم الثاني، والعكس غير صحيح، وهذا ما أقره فقه القضاء في خصوص حجية الأمر المقضي(4). وعلى عكس النظام العام الداخلي الذي يقوم على السياسة التشريعية الداخلية، فإن النظام العام الدولي يرتبط أساس بمجموعة القواعد المستمدة من المبادئ الأساسية لمختلف القوانين الوطنية والقانون الدولي العام(5).

وعموما فإن النظام العام الدولي هو مفهوم متغير بحسب المكان والزمان. على أن ذلك لايمنع من تحديد متطلباته التي تختلف بدورها بحسب ما إذا كانت إجرائية أو موضوعية. أما من حيث الإجراءات فإننا لا نعتقد أن النظام القانوني التونسي يسمح باستقبال أحكام لم تراع فيها القواعد الأساسية للعدالة في خصوص الطريقة التي سارت عليها الدعوى التحكيمية. وأول هذه القواعد هي احترام حقوق الدفاع والمواجهة وقد لا يتراءى في ربط هذين الأمرين بالنظام العام أي فائدة تذكر طالما تم إفرادهما كسبب خاص لإبطال الحكم التحكيمي أو رفض الاعتراف به أو تنفيذه. لكننا نرى العكس، ففي صورة إقرار ارتباطها بالنظام العام الدولي فإنه بذلك يجوز للمحكمة إثارتها من تلقاء نفسها. وعلى العكس فإن نظرنا لها كسبب مستقل على النحو السالف ذكره فلا بد إذن من إثارتها من الأطراف. كذلك مبدأ المساواة بين الخصوم يعد من متطلبات النظام العام الدولي الإجرائي. وهو مبدأ لا ينظر إليه بصورة متشددة بمعنى إتاحة نفس الوقت لكلا الطرفين في تقديم مستنداته مثلا بصورة دقيقة. وإنما يكفي وجود توازن عام في منح كل طرف حقه في تقديم مؤيداته وأقواله.

أما من حيث الموضوع ؛ فإنه لإبطال حكم تحكيمي أو رفض الاعتراف به أو تنفيذه فإنه يجب أن يصطدم في نتائجه التي قد يحدثها في النظام القانوني التونسي مع المبادئ والغايات الأساسية للقانون التونسي المنطبق على العلاقات الدولية، كأن يصدر الحكم التحكيمي مستندا على التمييز الديني أو العرقي... أو أن يتعارض هذا الحكم أيضا مع السياسة الاقتصادية التي ترى فيه عدم الجدوى في النظام القانوني الداخلي.

وعلى أية حال فإن النظام العام يقع تقديره دائما وفق مبدأ "حينية النظام العام"(1). أي أن تنظر المحكمة إلى محتوى النظام العام بالاعتماد على الوقت الذي تمت فيه المراقبة. فقد يحصل أن يكون الحكم التحكيمي متوافقا مع المفهوم التونسي للنظام العام الدولي ولكن عند طلب تنفيذه يصبح غير كذلك، ويعود هذا الأمر إلى أن مفهوم النظام العام في حد ذاته هو مفهوم غير ثابت، متغير ومتلون خاصة عندما يتعلق الأمر بالتجارة الدولية. وهذه القاعدة نرى تطبيقها على مستوى التحكيم الداخلي بكل سهولة. وهذا يفيد أن المستجدات الحاصلة بعد صدور الحكم يجب أخذها بعين الاعتبار عند نظر المحكمة في مدى مطابقته للنظام العام(2).







الخـــــــــــــــــــــــاتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة





إن اتفاقية التحكيم لها أثرين إجرائيين متلازمين أحدهما إيجابي والآخر سلبي :
فأما الأُثر الإيجابي فهو يتمثل في إحالة النزاع المبين صلب الاتفاقية على التحكيم (الجزء الأول). على أن هذا الإحالة غير ممكنة ما لم يقع تكوين هيئة التحكيم (المبحث الأول) التي يعد وجودها مسألة مبدئية بدونها يصبح الحديث عن إحالة النزاع على التحكيم غير ذي جدوى، وفاقدا لأي منطق. فاتفاقية التحكيم هي التي تؤسس إذن لوجود هذه الهيئة التي يتكفل الأطراف بتكوينها متمتعين في ذلك بحرية كبيرة في تحديد إجراءات تعيين أعضاءها المحكمين (الفرع الثاني) سواء تعلق الأمر بتحكيم حر أو نظامي، ولكن هذه الحرية تتضاءل -دون أن تنتفي- في خصوص اختيار المحكمين ؛ إذ عليهم احترام الشروط التي يستوجبها فيهم القانون (الفرع الأول) سواء تعلقت بشخصهم أو بعددهم.

وبمجرد أن تتكون هيئة التحكيم بصورة نهائية وفعلية فإنها تباشر مهمتها في فض النزاعات المعروض عليها، ولما كان التحكيم قضاء استثنائيا فإن مهمة هيئة التحكيم لن تكون دون حدود. وتجد هذه الحدود مصدرها في اتفاقية التحكيم التي تمنح لها اختصاصها (المبحث الثاني) بعد أن منحتها وجودها وعلى العكس من الهيئات القضائية التي تحتكر صفتي الدوام والعمومية، فإن اختصاص الهيئات التحكيمية -بوصفها قضاء خاصا- محدد من حيث موضوعه (الفرع الأول) بنزاع معين بذاته هو ذاك الذي عينته اتفاقية التحكيم وحده دون سواه. كما أنه محدد من حيث امتداده الزمني (الفرع الثاني) إذ ينتهي بانتهاء الأجل التحكيمي، لكن ذلك لا ينفي انتهاؤه قبل ذلك الموعد.

وأما الأثر السلبي الذي تنتجه اتفاقية التحكيم في نفس الوقت مع الأثر الإيجابي فيتمثل في عدم إحالة النزاع المبين صلب الاتفاقية على الهيئات القضائية (الجزء الأول). فيقوم بذلك مبدأ عدم اختصاص هذه الأخيرة (المبحث الأول) التي عليها الامتناع من النظر في النزاع التحكيمي كلما اعتد أحد الأطراف بوجود اتفاقية تحكيم قبل أن يقدم جوابه عن الدعوى المثارة ضده (الفرع الأول). إلا أن هذا المبدأ قد يرد عليه استثناء (الفرع الثاني) تستعيد بموجبه المحاكم العدلية اختصاصها ويتعلق باتفاقية تحكيم باطلة أو عديمة الأثر أو غير ممكن تنفيذها. كما قد ترد على هذا المبدأ عدة قيود (المبحث الثاني) يتدخل بموجبها القضاء العدلي في المسائل التحكيمية دون أن ينزع عن الهيئات التحكيمية اختصاصها الممنوح لها بموجب اتفاقية التحكيم. ويمكن اختصار هذده القيود في مجالين اثنين : أولها التدخل القضائي للقيام بدور المساعدة (الفرع الأول) لهيئة تفتقد للفاعلية القضائية التي تجعل الأفراد يشعرون برهبتها ويخشونها. والثاني هو التدخل القضائي للقيام بدور الرقابة (الفرع الثاني) على سلطات خاصة يخشى عليها أن تحيد عن المهمة التي أنيطت بعهدتها، وهي حماية الحقوق وإيصالها إلى أصحابها. كما تتكفل المحاكم بمراقبة الأحكام التحكيمية الأجنبية التي يخشى منها التعارض مع المبادئ الأساسية للنظام القانوني الوطني.

تلك هي إذن الآثار الإجرائية لاتفاقية التحكيم. وقد كشفت دراستها عن عديد الثغرات في مجلة التحكيم، والتي كانت ناتجة في رأينا عن سببين : أولهما الفصل بين التحكيم الدولي والتحكيم الداخلي أو بالأحرى الاهتمام المتزايد من طرف المشرع بالمجال الأول دون الثاني.والسبب الثاني مأتاه ًًً"الصياغة الرديئة" لبعض النصوص القانونية الورادة بهذه المجلة.

وعلى كل حال فإنه بهذه الدراسة نكون قد نبهنا كل من يروم إبرام اتفاقية تحكيم إلى الآثار التي قد تنجر عنها والالتزامات إلى تحمله إياها. ويبقى السؤال المطرح متعلقا بالأشخاص الملزمين بهذه الآثار, خصوصا بعد الصعوبات التي أثيرت في شأن تمييز مفهوم الأطراف في اتفاقية التحكيم عن الغير. والتي ازدادت حدتها بما شهدته العلاقات التعاقدية في المبادلات التجارية –الدولية منها خصوصا- من تشعب وتعقيد والتي أدت إلى ظهور ما يعرف بالتحكيم متعدد الأطراف.

تـمـت بعــون اللـه
سوسة في 6 ماي2001
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
المدير أ/ طه العبيدي
Admin
المدير أ/ طه العبيدي


عدد الرسائل : 5241
الإسم و اللقب : رجال القانون
نقاط : 5743
تاريخ التسجيل : 19/01/2008

رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Empty
مُساهمةموضوع: رد: رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ   رسالة تخرج  من المعهد الأعلى للقضاء  الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم  إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ Emptyالثلاثاء أبريل 19, 2011 11:46 am

(1) لن نتعرض لانخفاض كلفة التحكيم نظرا للانتقاد الكبير الموجه لها خاصة أمام مبدأ مجانية التقاضي الذي تقره غالبية الأنظمة القانونية ثم إن هذه الكلفة تشهد ارتفاعا كبيرا خاصة في التحكيم الدولي والتحكيم النظامي.
(2) Mohamed Larabi HACHEM : «L’instance arbitral selon le code d’arbitrage». RTD . 1994 p.24
) 1( الفقرة 1 من الفصل 24 م ت : "إذا وقع تحديد أجل للبت في الخصومة فإن سريان ذلك الأجل يبتدئ من تاريخ قبول المحكم أو آخر المحكمين لمهمته".
(2) الفقرة 2 من الفصل 24 م ت : "وإذا لم يحدد أجل، وجب البت في الخصومة في أسرع وقت وعلى كل حال في ظرف لا يتجاوز ستة أشهر".
(3) الفصل 10 م ت " يجب أن يكون المحكم شخصا طبيعيا رشيدا كفءا ومتمتعا بكامل حقوقه المدنية وبالاستقلالية والحياد إزاء الأطراف...".
(4) الفصل 14 م ت " يجب على المحكمين أن يطبقوا القانون موضوعا ما لم يفوض لهم الأطراف صفة المحكمين المصالحين في اتفاقية التحكيم".
(1) صدر في سنة 1985
(2) نور الدين الغزواني : "الشروط الموضوعية لاتفاقية التحكيم". م ق ت .1994 عدد 10 ص 7
(3) Farouk MECHRI :«La procédure de l’arbitrage en Tunisie ». RTD. 1976 n°1 p.15
(4) لمياء كمون : "اتفاقية التحكيم في التحكيم الداخلي التونسي". رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء 1993- 1994 ص 18.
(5) الأمر المؤرخ في 25-06-1942 المتعلق بمراقبة ضياع الحلى – الأمر المؤرخ في 13-12-1948 المتعلق بالبحث عن المحروقات – مجلة الاستثمارات الصادرة في 26-6-1969 – القانون المؤرخ في 1-2-1989 المتعلق بالمساهمات والمنشآت
(6) قرار الدوائر المجتمعة عدد 2115 المؤرخ في 9-12-1963 م ت ق 1966-1967 ص 272.
- قرار مدني صادر عن محكمة الاستئناف بتونس في 12-10-1964. م ق ت 1965 عـ7ـدد.
- قرار تعقيبي مدني عـ7534ـدد مؤرخ في 9-2-1971 م ق ت 1972 عـ3ـدد.
(7) ) Farouk MECHRI : art. cité p.17.
(Cool Ali MEZGHANI – Kalthoum MEZIOU : «Le code Tunisien de l’arbitrage ». Rev.arb 1993 p. 521.
(1) لمياء كمون ، المرجع السابق. ص 12.
(2) نيجريا ، الإمارات العربية المتحدة ، سويسرا ....
(3) ترجمة ذاتية : - René DAVID :"l’arbitrage dans le commerce international". Economica 1981. p. 9 n°2
(1) ترجمة ذاتية : - Charles JARROSSON : « La notion de l’arbitrage ». LGDJ. 1987 p.372 n° 785
(2) يراجع : - Jacqueline RUBELLIN-DEVICHI:« L’arbitrage nature juridique : droit interne et droit
internaional prive ». LGDJ. 1965.
- Henri MOTULSKY : « Etudes et notes sur l’arbitrage. Ecrits ». Vol. II. Dalloz. 1974.
- Antoine KASSIS : «Problèmes de base de l’arbitrage en droit comparé et en droit international». LGDJ. 1987
(3) يراجع : - P.BELLET : « Traité de droit international privé ». T. II. p 530 et s.
- NIBOYET : « Traité de droit international privé ». T.VI. n° 1981 et 1985 et s.

(4) يراجع : - Philippe FOUCHARD : « Tribunal arbitral .statut des arbitres » JCL Dip. Fasc. 586-7-3 /JCL.
Proc.civ. Fasc.1066-3
(5) يراجع : - FOELIX : « Traité de droit international privé ». 4ème éd. 1866, T. II. P.161 n°424
- KLEINl : « Autonomie de la volonté et l’arbitrage ». Rev.Crit. Dip. 1958 p. 255 et s – 479 et s.
(5) Weiss « Traité de droit international privé » T I p574 – T VI p29 et s
(1) RYZIGER : « existe-t-il un lien entre l’exéquature et l’appel de sentence arbitrales ». Rev. arb. p.210.
- Henri MOTULSKY : notes. : Rev.Crit.Dip. 1956 p.523 et JCP. 1961 ed.G. II. 12204
- HEBRAUD : observations : RTD. Civ. 1962 p. 161
(2) Henri MOTULSKY : « Etudes et notes sur l’arbitrage.ecrits ». Vol. II. Dalloz. 1974 p.10
(3) قلنا "مبدئيا" لوجود تحكيم ذو مصدر غير اتفاقي كما في التحكيم الإجباري الذي يوجبه القانون.
(4) الفصل 1458 م ا ع
(5) لمياء كمون : المرجع السابق .ص21
(1) الفصل 1 م ت
(2) الفصل 3 م ت
(3) الفصل 4 م ت
(4) يراجع : - Philippe FOUCHARD – Immanuel GAILLARD- Berthold GOLDMAN : « Traité de l’arbitrage commercial international ». Letec. 1996.
(1) نور الدين الغزواني : المرجع السابق. ص 9 و 14.
(2) لم نذكر الفقرة الخامسة باعتبارها شرطا يجسم القابلية الذاتية للتحكيم وقد جاء فيها ما يلي : "لا يجوز التحكيم : خامسا : في النزاعات المتعلقة بالدولة والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية والجماعات المحلية إلا إذا كانت هذه النزاعات ناتجة عن علاقات دولية اقتصادية كانت أو تجارية أو مالية وينظمها الباب الثالث من هذه المجلة".
(3) ينص الفصل 17 على أنه : "يجب تعيين موضوع النزاع في الاتفاق على التحكيم مع بيان أسماء المحكمين صراحة أو دلالة وإلا كان الاتفاق باطلا".
(4) Noureddine GARA : « La preuve de la convention d’arbitrage ». Colloque organisé par le centre des études juridiques. Tunis le 26 et 27 novembre 1993.
(5) Mohamed Ayed RIAHI : « Les effets de la convention d’arbitrage international à l’egard des parties ». mémoire D.E.A. Faculté de droit et des sciences politiques de Tunis III. 1995-1996 p.2.
(6) Jean CARBONNIER : « Droit civil . T4 : les obligations » . themis 1988 p.27
(7) محمد الزين : "النظرية العامة للالتزامات : العقد". طبعة 1993 ص 302 .
(1) Jean-Louis GOUTAL : « l’arbitrage et les tiers : le droit des contrats ». Rev.arb. 1988 . p.439
(2) يراجع نجلاء نصر : "الغير وتنفيذ العقد" مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، 1996/1997.
(3) A.WEIL : Le principe de la relativité des conventions . Thèse. Strasbourg
(4) DEMOGUE: Traité des obligations en général . T.2 p.112 n°530 Quatr. ed. 1923.
(5) نجلاء نصير : المرجع السابق ص 16
(6) Jacques.GHESTIN : « nouvelles propositions sur son renouvellement de la distinction des parties et des liens ». RTD. Civ. octobre – décembre 1994 p. 777 et s.
(1) Jean-Louis GOUTAL : art. cité.
(2)Jean RUBELLIN-DEVICHI : « L’arbitrage et les tiers : le droit de l’arbitrage : les solutions juridictionnelles ». Rev.arb. 1988 p.515
- Hichem MHIRI : « L’arbitrage multipartite : la mise en place d’une procédure arbitrale multipartite ». mémoire D.E.A. faculté des sciences juridiques, politiques et sociales de Tunis II. 1996-1997.
(3) BOIVIN : « Débat. L’arbitrage et les tiers ». Rev.Arb. 1988 p. 526.
(1) ترجمة ذاتية : Philippe FOUCHARD : « tribunal arbitral. constitution du tribunal arbitral. droit commun » . JCL. Dip.Fasc. 586-7-1 ou JCL.Pro.Civ..Fasc 1066-1
(1) Lotfi CHEDLY : « Libéralisme en matière d’arbitrage Interne ». mémoire D.E.A. Faculté de sciences juridiques,politiques et sociales de Tunis. II . 1993/1994 . p.38
(2) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 18
(1) Jean.ROBERT : « l’arbitrage : droitt interne et droitt international privé ». D. 1993. p.93
(2) Sihem GHAZOUANI née KEFI :« le tribunal. arbitral dans l’arbitrage. Interne ». mémoire D.E.A. Faculté de droit et de sciences politiques de Tunis III 1995-1996. p.26.
(1) لمياء كمون المرجع السابق ص 36
(2) انظر الصفحة 30 وما بعدها.
(3) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 19
(4) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 20
(1) Sihem GHAZOUANI né Kefi : op.cit. p. 30
(1) Sihem GHAZOUANI née Kefi : op.cit. p. 31
(2) لمياء كمون : المرجع السابق ص 44
(3) القانون اللبناني مثلا
(4) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص21
- P.BELLET : « le juge arbitre ». Rev.arb. 1980 p. 394
- Philippe FOUCHARD : « la compatibilité des fonctions de magistrat et de l’arbitre ou la fin d une mauvaise qurelle ». Rev.arb. 1994 p. 654 n°4
(1) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 21
(2) لمياء كمون : المرجع السابق ص 43
(3) قرار تعقيبي مدني عـ59073ـدد مؤرخ في 1 فيفري 1999 ، م ق ت عـ5ـدد لسنة 1999 ، ص 439
(4) لمياء كمون : المرجع السابق ص 44
(5) لمياء كمون : المرجع السابق ص 45
(1) الفصلين 178 و192 م م م ت
(2) نور الدين الغزواني : المرجع اليابق ص 21
(3) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 18
(4) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 22
(1) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 22
(2) استئناف مدني بتونس عدد 25 مؤرخ في 10 فيفري 1998 ، م ق ت عدد لسنة 199 ص 169
(3) قرار تعقيبي مدني عدد 68287 مؤرخ في 6 نوفمبر 1998، غير منشور (يراجع الملحق).
(1) قرار تعقيبي مدني عدد 59073 مؤرخ في 1 فيفري 1999، م ق ت عدد 5 لسنة 1999 ص 439
(2) مداولات مجلس النواب جلسة 21 أفريل 1993 ، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 34 لسنة 1993 ص 12
(3) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 19
(1) لمياء كمون : المرجع السابق ص 65
(2) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 19
(3) مداولات مجلس النواب، المرجع السابق ص 12
(4) Sihem GHAZOUANI née Kefi : op.cit. p. 33
(5) Sihem GHAZOUANI née Kefi : op.cit. p. 33 et 34
(1) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 20
(2) الفصل 65 من الدستور
(3) الفصل 33 من القانون الأساسي للقضاة
(4) Jean ROBERT : op.cit. n°.112
(5) Jean ROBERT : op.cit. n°.135
(6) Jean ROBERT : op.cit. n°.135
(7) P.BELLET : notes sous C.A. Paris 28 juin 1991 . Rev.arb. 1992 p.575
(1) Emmanuel GAILLARD : « le manœuvre dilatoires des parties et des arbitres dans l’arbitrage Commercial International ». Rev.arb. 1990 p.759
(2) الفصلين : 22 م ت بالنسبة للتحكيم الداخلي و57 م ت بالنسبة للتحكيم الدولي
(1) Mohamed Ayed RIAHI : op.cit. p. 224
(2) Eric ROBINE : « le choix des arbitres ». Rev.arb. 1990 p.317
(3) Farouk MECHRI : «le tribunal arbitral . acte de colloque sur l’arbitrage international dans le nouveau code d’arbitrage organisé à Tunis. Le 26 et 27 novembre. 1993. publication de centre des études juridiques et judiciaires de ministère de la justice. 1995. p. 48.
(4) م ق ت عدد 5 لسنة 1998 ص 444
(1) Farouk .MECHRI : op.cit. p. 49
(1) « La convention d’arbitrage » هكذا وردت العبارة بالنص الفرنسي
(2) م ق ت عدد 5 لسنة 1998 ص 442
(1) يوسف الملوح : "التدخل القضائي في تكوين هيئة التحكيم". م ق ت 1999 عدد 5 ص 72
(2) Eric ROBINE : art.cit. p. 328
(1) Mohamed Ayed RIAHI : op.cit. p. 218
(2) Mohamed Ayed RIAHI : op.cit. p. 207 et s.
(1) Mohamed Ayed RIAHI : op.cit. p. 207 et s.
(1) C.A. Paris 4 mai 1988. Rev.arb. 1988 p. 617 . note : Philippe FOUCHARD
(1) Eric ROBINE : art.cit. p. 316
(2) سمير العنابي :"التحكيم الحر ومؤسسات التحكيم"، أعمال الملتقى الدولي حول التحكيم الدولي من مجلة التحكيم الجديدة والمنتظم بتونس يومي 26 و27 نوفمبر 1993، نشر مركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل سنة 1995 ص 43
(3) Matthieu de BOISSESON : «la constitution du tribunal arbitral dans l’arbitrage institutionnel ». Rev.arb.1990 p. 336
(4) سمير العنابي : المرجع السابق
(1) Mohamed Ayed RIAHI : op.cit. p. 198
(2) Matthieu de BOISSESON : «le droit français de l’arbitrage : interne et international». GLN.JOLY.1990 n°638 p.556
(1) Eric ROBINE : art.cit. p. 319
(2) FOUSTOUCOS : Debat . Rev.arb. 1990 p. 376
(3) الفقرة 4 من الفصل 2 من نظام غرفة التجارة الدولية.
(1) الفصل 12 من نظام غرفة التحكيم بستراسبورغ
(2) Mathieu de BOISSESON : «la constitution du tribunal arbitral dans l’arbitrage institutionnel». Rev.arb. 1990 p. 338
(3) Nommé par Mathieu de BOISSESON : accord compromissoire : op.cit. p. 338
(4) Nommé par Mathieu de BOISSESON : contrat arbitral : op.cit. p. 338
(5) C.A. Paris 4 mai 1988, Rev.arb 1988 p. 664. note : Philippe FOUCHARD
(6) Philppe FOUCHARD : «les institutions permanentes d’arbitrage devant le juge étatique». Rev.arb. 1987. p. 252
(7) Mathieu de BOISSESON : op.cit. p. 338
(1) Mathieu de BOISSESON : op.cit. p. 339
(2) Philippe FOUCHARD : art.cit. n°32 et 33 p. 248 et 249
(3) Philippe FOUCHARD : art.cit. n°37 p. 252
(4) Philippe FOUCHARD : art.cit. n°37 p. 252
(1) محمد الزين : المرجع السابق. ص 114
(2) منجي طرشونة :"محاضرات في القانون المدني : النظرية العامة للالتزام" بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والساسية بسوسة، 1993-1994 ص 83
(1) قرار تعقيبي مدني عدد 4704 مؤرخ في 8 جوان 1982 ، ن م ت 1982 ج 3 ص 192
- منجي طرشونة : المجع المذكور ص 220
(2) B. STRACK : «obligations, 2 contrat et quasi constrat». par H.ROLAND et L.BOYER. 1988 n°75 et s.
(3) قرار تعقيبي مدني عدد 6499 مؤرخ في 25 ماي 1970 ، ن م ت 1970 ص 190
(1) Trib. 1ère instance. Paris 28 janvier 1987. Rev.arb. 1987 p. 380
(2) C.A. Paris 4 mai 1988. Rev.arb. 1988 p. 651
(1) Philippe FOUCHARD : art.cit. p. 253
(2) PLUYETTE : Debat. Rev.arb. 1990 p. 377
(1) Eric LOQUIN : « compétence arbitrale : introduction générale ». JCL. Pro.civ.Fasc 1030 / JCL. Com.Fasc. 214 p.1 n°2.
(2) قرار نهائي صادر عن محكمة الاستئناف بتونس عدد 31 و32 مؤرخ في 12 جانفي 1998، م ق ت 1999 عدد 5 ص 449
(1) Cass.civ. 9 octobre 1980, Rev.arb. 1991, p. 305. notes : NIDOYET
(2) Emmanuel GAILLARD : « Convention d’arbitrage. Effets. Droit commun, droit conventionnel ». JCL. Dip. Fasc. 586-5 ou JCL.pro.civ.Fasc. 1062 n°26
(3) Eric LOQUIN : art.cit. p.1 n°3
(4) Emmanuel GAILLARD : art.cit. p.8 n°26
(5) Emmanuel GAILLARD : art.cit. p.8 n°26
(6) Henri MOTULSKY : op.cit. p.23
(7) Emmanuel GAILLARD: art.cit. p.8 n°26
(1) Eric LOQUIN : « Compétence arbitrale. Etendue ». JCL.pro.civ.Fasc. 1032 / JCL.com.Fasc.215
(2) قرار تعقيبي مدني عدد 50419 مؤرخ في 22 أكتوبر 1997 ، م ق ت 1999 عدد 5 ص 171
(3) قرار تعقيبي مدني عدد 55988 مؤرخ في 14 ماي 1998، م ق ت 1999 عدد 5 ص 147
(1) الفصلين 84 و83 م م م ت
(2) الفصل 84 م م م ت
(3) الفصول 226 و227 و 228 م م م ت
(1) Eric LOQUIN : art.cit. p.6 n°21
(2) C.A. Paris 25 juin 1983. Rev.arb. 1984 p. 927
(3) GOUBEAUX : « la règle de l’accessoire en droit privé ». LGDJ. 1969 n°23
(4) C.A. Paris 25 juin 1982. Rev.arb. 1983 p. 344
(5) C.A. Paris 13 janvier 1984 .Rev.arb. 1984 p. 513
(1) Cass.com 28 janvier 1958. Rev.arb. 1958 p. 17
(2) Cass.com 30 mars 1949. JCP. 1950. éd. G.II. 6180. note : BASTIN
(3) C.A. Paris 30 mars 1962. JCP. 1963. éd. G.II. 12843
(1) Cass.civ. 16 juin 1976. Rev.arb. 1977. p. 269. note : MEZGER
(1) Cass.com. 9 juillet 1974. Rev.arb. 1976 p.107. note : Philippe FOUCHARD
(2) Cass.com. 13 mars 1978. Rev.arb. 1979 p.330. note : Philippe FOUCHARD
- C.A. Paris 26 novembre 1981. Rev.arb. 1982 p.439. note : MEZGER
- C.A. Paris 11 décembre 1981. Rev.arb. 1982 p.311. note : Jacquelines RUBELLIN-DEVICHI
(1) C.A. Paris 8 décembre 1988. Rev.arb.1990 p.150. note : Charles JARROSSON
(2) C.A. Versaille 7 mars 1988. Rev.arb. 1991 p.316. note : Eric LOQUIN
(3) Tri.com. Boigny 29 mars 1990. Rev.arb. 1992 p.67. note : AYNES
Cass.com. 5 mars 1991. Rev.arb. 1992 p.67. note : AYNES
(4) AYNES : note précédente. Rev.arb.1992 p.70
(5) Jean CARBONNIER : note : JCP. 1958. ed. G.II. 10868
(1) C.A. Paris 5 mai 1989. Rev.arb. 1989 p.723. note : BELLET
(1) C.A. Paris 21 décembre 1964. Gaz.Pal. 1965. 1.p.274
(2) C.A.Paris 25 janvier 1972. Rev.arb. 1973. p.158. note : Philippe FOUCHARD
(3) Cass.com. 28 janvier 1958. RTD.civ. 1958. p.290. observation : HEBRAUD
(4) BARBY : « L’arbitrage dans les sociétés de commerce ». Rev.arb. 1956 p.151
(5) ِCass.com. 17 janvier 1967. JCP. 1967. ed.G.II. 15065. note : LEVEL
(6) Tri.civ. Seine 17 mai 1955. Rev.arb. 1957. p.61
(1) Jacques PELLERIN : note sous C.A. Paris 28 novembre 1991. Rev.arb. 1992 p. 626
(2) Eric LOQUIN : Compétence arbitrale. Etendue ». JCL. Pro.civ. Fasc. 1032 / JCL.com. Fasc.215. n°53
(3) Patrice LEVEL : note sous C.A. Paris 30 mars 1962. JCP. 1962. ed .G. II. 12843. n°3
(1) Cass. civ. 28 avril 1986 . Rev.arb. 1989 p. 218
(2) Cass.civ. 30 juin 1976 . Rev.arb. 1977.p.137. note : Jacquelines RUBELLIN- DEVICHI
(1) Olfa SAYADI : « les temps dans l’instance arbtrale Dans L’arbtrage international ». mémoire D.E.A. faculté de sciences juridiques, politiques et sociales de Tunis II. 1993/1994 p. 106
(2) يراجع الصفحة 14 وما بعدها
(3) لا وجود لأي نص لمجلة التحكيم ينص على إمكانية التدخل القضائي بخصوص مسألة أجل التحكيم.
(1) Mathieu de BOISSESON : « le droit français de l’arbitrage interne et international ». GLN. JOLY .1990 p. 173 n°209
(1) Patrice LEVEL : art.cit. n°5
(2) C.A. Paris 20 juin 1957. S .1958 p. 273
(3) Patrice LEVEL : art.cit. n°5
(4) Patrice LEVEL: art.cit. n°5
(5) C.A. Paris 30 mars 1962. JCP. ed. G.II.12843. note : Patrice LEVEL
(6) Patrice LEVEL : art.cit. n°6
(1) C.A.Paris 2 octobre 1992. Rev.arb.1992. p.626. note : Jacques PELLERIN
C.A. Paris 14 juillet 1991. Rev.arb.1992 . p.626. note Jacques PELLERIN
(1) Eric LOQUIN : art.cit. p.15 n°61
(2) Patrice LEVEL : art.cit. n°3
(1) Mathieu de BOISSESON : op.cit. p.772 n°766
(2) Olfa SAYADI : op.cit. p.106
(3) Olfa SAYADI : op.cit. p. 107
(4) كالقانون الفرنسي مثلا.
(1) C.A. Versaille 24 janvier 1992. Rev.arb. 1992. p.626. note : Jacques PELLERIN
Eric LOQUIN : art.cit.p.22 n°88
(2) Eric LOQUIN : art.cit. p.22 n°88
(3) Eric LOQUIN : art.cit. p.22 n°88
(4) وذلك بالنظر إلى الشروط التي يستوجبها فيه القانون.
(1) Olfa SAYADI : op.cit. p. 109
(1) Eric LOQUIN : art.cit. p.16 n°65
(2) ُEric LOQUIN : art.cit. p.24 n°97
(1) لمياء كمون : المرجع السابق ص 128
(1) Eric LOQUIN : art.cit. p. 21 n°82
(2) Eric LOQUIN : art.cit. p. 21 n°82
(3) عكس ما قيل بشأن الأطراف إذ بإمكانهم القيام بذلك.
(4) Eric LOQUIN : art.cit. p.21 n°82
(1) هكذا وردت العبارة بالفقرة الثانية من الفصل 20 م ت.
(1) يقابله الفصل 56 م ت في التحكيم الدولي
(1) قرار تعقيبي مدني عدد 28540 مؤرخ في 13 مارس 1993. ذكره الشادلي فارس : "أثر القضاء العدلي في حركية التحكيم". م ق ت 2000 عدد 8 ص 433
(2) « Les tribunaux des Etats contractants saisis d’un litige relatif à un contrat conclu entre personnes visé à l’article premier et comportant un compromis ou une clause compormissoire valable en vertu dudit article et susceptible d’être mis en application, renverront les intéressés au jugement des arbitres ».
(3) « Le tribunal d’un Etat contracant saisi d’un litige sur une question au sujet de laquelle les parties ont conclu une convention au sens du présent article, renverra les parties à l’arbitrage ».
(1) C.A. Paris 13 décembre 1950. Gaz.Pal. 1951 p.269
Cass.civ. 20 juin 1957. JCP. ed. G.II. 10773
(2) C.A. Paris 12 décembre 1957. D. 1958 p.230. note : BREDIN
C.A. Paris 14 mai 1959. D. 1959 p.437. note : Jean ROBERT
Cass.civ. 17 juin 1975. Rev.arb. 1976. p.189. note : Eric LOQUIN
(1) 1458 NCPC : « La juridiction ne peut relever d’office son incompétence ».
(2) ذكرت هذا القرار لمياء كمون في مذكرتها : المرجع السابق ص 108 مكرر
(3) ذكرت هذا القرار لمياء كمون في مذكرتها : المرجع السابق ص 108
(1) أحمد أبو الوفاء : "التحكيم الاختياري والإجباري".
(2) Cass.civ. 13 mai 1981. Rev.arb. 1983 p.110
(3) Cass.civ. 20 juin 1957. JCP. ed. G.II. 10773
(4) Cass.com. 10 juin 1986. Rev.arb. 1987 p.461. note : BLOCH
(1) Cass.civ. 5 janvier 1959. Bull.cv. III. n°1
(1) Cass.civ. 17 juin 1975. Rev.arb. 1976 p. 189. note : Eric LOQUIN
(2) C.A. Paris 7 juin 1984. Rev.arb. 1984 p.504. note : MEZGER
(3) Cass.civ. 6 juin 1978. Rev.arb. 1979 p.230. note : Patrice LEVEL
(4) هكذا كانت الوقائع التي انبنى عليها القرار.
(5) Eric LOQUIN : « Conflit ente compétence arbitrale et compétence judiciaire ». JCL. Pro.civ.Fasc. 1034 / JCL.com.Fasc. 216.
(1) C.A. Paris 14 janvier 1986. Rev.arb. 1986 p.34. note : Philippe FOUCHARD
(2) Cass.civ. 10 octobre 1990. Rev.arb 1991 p.305. note : NIBOYET
(1) Jean-Louis GOUTAL : « L’arbitrage et les tiers : le droit des contrats ». Rev.arb. 1988 p.439
نجلاء نصير : المرجع السابق. ص 14 وما بعدها.
(1) BOIVIN : Débat. « L’arbitrage et les tiers ». Rev.arb. 1988 p. 526.
(1) C.A. Paris 21 octobre 1983. Rev.arb. 1984 p. 98
C.A. Pau. 26 novembre 1986. Rev.arb. 1988 p. 157
Cass.civ. 25 juin 1991. Rev.arb. 1991 p.453
(2) Hichem MHIRI : op.cit. p.82 et s.
(1) SALANS : Débat. « L’arbitrage et le tiers ». Rev.arb. 1988 p.541
(2) VAN DEN BERG : Débat. « L’arbitrage et les tiers ». Rev.arb. 1988 p.536
(3) Hichem MHIRI : op.cit. p.88 et s.
(1) الفصل 224 م م م ت فقرة 2 : "ويمكن للخصوم أيضا أن يطالبوا بالتداخل الجبري أو بالحضور للحكم الشخص الذي من شأنه له الحق في الخدش فيه بطريق الاعتراض على الحكم الذي سيصدر وذلك ليكون منسحبا عليه معهم".
الفصل 225 م م م ت فقرة 3 : "للمحكمة الأصالة وفي كل حين أن تأمر بإدخال الغير في الدعوى إذا رأت حضوره ضروريا لتقدير النزاع".
(1) لمياء كمون : المرجع السابق ص 115
(1) Eric LOQUIN : « Compétence arbitrale. Conflit entre la compétence arbitrale et la compétence judiciaire ». JCL. Pro.civ.Fasc. 1034 / JCL.com.Fasc. 216 p.21 n°90
(1) Eric LOQUIN : op.cit. p.20 n°89
(1) Mathieu de BOISSESON : op.cit. p82 et s. n°88 et 90 et s.
(1) Philippe FOUCHARD : « La coopération du président de tribunal de grand instance à l’arbitrage ». Rev.arb. 1985 p.27
(2) BERTIN : « L’intervention et jurudiction au cours de la procédure arbitrale ». Rev.arb. 1982 p.343
(3) Philippe FOUCHARD : art.cit. p.27
(4) VASSEUR : note sous C.A Paris 14 décembre 1987. Rev.arb. 1989 p.240
(5) Mathieu de BOISSESON : op.cit. n°93 et s
(6) Eric LOQUIN : art.cit. p.23 n°107
(1) Cass.com. 27 juin 1956. Rev.arb. 1957 p.15
(2) L’art. 1466 NCPC : « Si, devant l’arbitre, l’une des parties conteste dans son principe ou son étendu le pouvoir juridictionnel de l’arbitre, il appartient à celui-ci de statuer sur la validité ou les limites de son investiture ».
(3) الفصل 5 من اتفاقية نيويورك لسنة 1958 المتعلق بالاعتراف وتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية – الفصل 186 من القانون الدولي الخاص لسويسرا – الفصل 1697 من المجلة القضائية البلجيكية – الفصل 1052 من قانون المرافعات المدنية الهولندي ....
(1) L’art. 1458 NCPC : « Lorsqu’un litige dont un tribunal arbitral est saisi en vertu d’une convention d’arbitrage est porté devant une juridiction de l’Etat, celle-ci doit se déclarer incompétente ».
(2) مثل أنقلتيرا، النمسا، بلجيكا، هولندا وسويسرا ...
(3) Emmanuel GAILLARD : art.cit. p.14 n°56
(2) محمد الزين : المرجع السابق ص 259 عدد 195.
(1) Philippe FOUCHARD : art.cit.p.28
(2) BERTIN : art.cit. p.343
(3) Eric LOQUIN : art.cit. p.24 n°108
(1) محمد الزين : المرجع السابق ص 259 عدد 195
(2) أساسها فكرة كمال القانون التي لها أسباب تاريخية تعود إلى قانون نابوليون
(3) أشار الأستاذ نور الدين الغزواني إلى الفصول 2 ـ 3 ـ 4 ـ 8 ـ 10 ـ 16 ـ 17 ـ 18 ـ 22 .... المرجع السابق ص 10
(4) Mathieu de BOISSESON : p.329 n°52
(5) خاصة لو تعلق الأمر باتفاق على التحكيم في التحكيم الداخلي. يراجع الفصل 17 م ت .
(1) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 13
(1) نور الدين الغزاوني : المرجع السابق ص 14
(2) نور الدين الغزاوني : المرجع السابق ص 14
(1) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 18 وما بعدها.
(2) ذاك هو عنوان الدراسة والمشار إليها بالمرجع السابق.
(1) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 15
(1) الشادلي فارس : "أثر القضاء العدلي في حركية التحكيم" م ق ت 2000 عدد 8 ص 433
(2) ذكره نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 17
(3) 158 م ا ش : "يمكن للحاكم ترشيد الصغير ترشيدا مقيدا أو مطلقا ..."
(4) 159 م ا ش : "لا يمكن ترشيد الصغير إذا لم يتم الخامسة عشر "
(5) 6م تج :"لا يجوز للقاصر الذي بلغ الثمانية عشر عاما كاملة .. أن يتعاطى التجارة أو أن يعتبر رشيدا.. إذا لم يحصل على ترشيده المطلق".
(6) 153 م ا ش : "وزواج القاصر يرشده إذا تجاوز السابعة عشر من عمره فيما يتعلق بحالته الشخصية ومعاملاته المدنية والتجارية "
(7) نور الدين الغزواني : المرجع السابق ص 17
(Cool صدرت هذه المجلة بموجب القانون عدد 93 لسنة 2000 المؤرخ في 3 نوفمبر 2000
(1) Philippe FOUCHARD : « la cooperation de président de tribunal de grand instance ». Rev. arb.1985 p.7
ترجمة ليوسف الملوح : "التدخل القضائي في تكوين هيئة التحكيم" م ق ت 1999 عـ5ـدد ص 65.

(1) رشيد الصباغ : "طرق الطعن في التحكيم الداخلي". م ق ت 195 عـ5ـدد ص 11
(2) قرار استئنافي عـ262ـدد : محكمة الاستئناف قفصة في 15 جوان 1994 م ق ت 1994 عـ10ـدد
- عبد الحميد الفاهم : "الفصل 18 م ت : شرح وتعليق". م ق ت1996 عـ10ـد ص 23
- Ali MEZGHENNI et Kalthoum MEZIOU : art.cit. Rev. arb. 1993 p.93

(1) يوسف الملوح : المرجع السابق ص 65
(1) عبد المجيد الفاهم : المرجع السابق ص 41
(2) عبد المجيد الفاهم : المرجع السابق ص 43
(1) يوسف الملوح : المرجع السابق ص 91
(1) يوسف الملوح : المرجع السابق ص 91 و92
(1) الفصل 21 من م ت : ّ"إذا أصبح المحكم غير قادر بحكم القانون أو بحكم الواقع على أداء مهمته أو تخلف عن القيام بها في أجل ثلاثين يوما فإن هذه المهمة تنتهي بتخليه عنها وإلا كان عرضة للعزل".
الفصل 95-1 م ت : "إذا أصبح المحكم غير قادم بحكم القانون أو بحكم الواقع على أداء مهمته أو تخلف عن القيام بها في أجل ثلاثين يوما فإن هذه المهمة تنتهي بتخليه عنها أو باتفاق الأطراف على إنهائها ...".
(2) الفصل 46 م ت "تنطبق أحكام مجلة المرافعات المدنية والتجارية فيما لا يتخالف مع أحكام هذا الباب وفي الصور التي لم تعترض عليها أحكامه".
(1) Nisaf TNANI : «Les mesures provisoires en matière d’arbitrage international ». mémoire D.E.A. Faculté de droit et des sciences politiques de Tunis III. 1995-1996.
(2) P.COURTEAULT : note sous cass. civ. 3 juillet 1997. Rev.arb. 1980 p. 78
(1)Jacquelines RUBELLIN- DEVICHI : « essai sur la notion d’arbitrage ». p.202 n°289
(2) COUCHEZ : note sous cass.civ. 3 juillet 1979. JCP. 1980. éd. G.II. 19389
(3) Eric LOQUIN : « conflit entre la compétence arbitrale et la compétence judiciaire ». JCL. Pro.civ.Fasc. 1034 p.6 n°18
(4) Eric LOQUIN : art.cit. p.6 n°19
- C.A. Rouen 26 septembre 1985. Rev.arb. 1986 p.233
- C.A. Paris 1 juillet Rev.arb. 1988 p.113
(5) Philippe JASTAZ : « l’urgence et les principes classique de droit civil ». LGDJ. 1968
(1) لمياء كمون، المرجع السابق ص 102
(2) Cass.civ. 14 mars 1984 Rev.arb. 1985 p.69. note : COUCHEZ
(3) C.A. Rouen 7 mai 1986 Rev.arb. 1986 p. 565
(1) Cass.civ. 11 décembre 1985, Rev.arb. 1987 p. 387. note : PELLERIN
(2) لمياء كمون : المرجع السابق ص 104
(3) Mathieu de BOISSESON : op.cit. n°305
FLECHEUX : note sous C.A. Rennes 26 octobre 1984 ; Rev.arb. 1985 p.439
(1) C.A. Limoges 25 novembre 1968 Rev.arb. 1968 p.143
(2) Cass.civ. 18 novembre 1986, Rev.arb. 1987 p.315. note : FLECHEUX
(1) Cass.civ. 18 novembre 1986 Rev.arb. 1987 p.315. notes : FLECHEUX
(2) يراجع الفقرة الأخيرة من الفصل 19 م ت
(3) يراجع الفقرة الثانية من الفصل 62 م ت
(4) Philippe BERTIN : « intervention des juridictions étatiques dans la procédure arbitrale » Rev.arb. 1982 p.345.
(1) الفصل 26 م ت "إذا أثيرت أمام هيئة التحكيم مسألة تتعلق باختصاصها في النزاع المعروض عليها فإن البت فيها يكون من أنظارها بقرار غير قابل للطعن إلا مع الأصل، أما إذا قضت بعدم الاختصاص فإن هذا القرار يكون معللا وقابلا للاستئناف".
- الفصل 61-3 م ت "إذا بثت هيئة التحكيم في أي دفع من الدفوع المشار إليها في الفقرة 2 من هذا الفصل (الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم) بحكم جزئي، يجوز لأي طرف في بحر 30 يوما من تاريخ إعلامه به أن يطلب من محكمة الاستئناف بتونس أن تفصل في الأمر طبقا لأحكام الفصل 78 من هذه المجلة".
(1) L’art.1504- NCPC : « la sentence arbitrale rendue en France en matière d’arbitrage international peut faire l’objet d’un recours en annulation dans les cas prévus à l’article 1502 ».
(2) Emmanuel GAILLARD : « sentence arbitrale contrôle étatique, droit commun » JCL. Dip.Fasc 586-10 ou JCL. pro.civ.Fasc. 1072 p.10.
(1) Emmanuel GAILLARD : art. Cit. p.9 n°30
(1) مداولات مجلس النواب ، المرجع السابق ص 28
(1) يراجع الفصول : 34 ، 35 ، 36 و 37 و 38 ، 77 م ت
(1) Jean ROBERT : « l’arbitrage en matière internationale » . D.1981 chro. 209
(1) BELLET et MEZGER : « l’arbitrage internationale dans le NCPC ». Rev.cit. Dip 1981 p.611
(2) MEZGER : « dix questions relatives au titre VI et du live IV du NCPC » Rev.arb. 1981 p. 543
(1) C.A. Paris 22 janvier 1988. Rev.arb. 1989 p.251 notes : DERAINS
(1) Emmanuel GAILLARD : art. cit. p.16 n°51
(2) Emmanuel GAILLARD : art. cit. p. 145 n°45
(1) Emmanule GAILLARD : art.cit. p.21 n°71
(2) Cass.civ. 5 février 1991. Bull.civ. I. n°44
(3) C.A. Paris 13 mai 1988. Rev.arb. 1989 p.251 : notes : DERAINS
(1) Emmanuel Gaillard : art.cit p.19 n°64
(2) C.A.Paris 28 juin 1988. Rev.arb. 1989 p.328 : note : PELLERIN
(1) Emmanul GAILLARD : art.cit. p.18 n°61
(2) 1502-3 : « si l’arbitre a statué sans se confirmer à la mission qui lui avait été conféveir »
(3) Mathieu de BOISSESON : op.cit. p.837
(4) Emmanuel GAILLARD: art.cit. p.18 n°61
(1) BELLET et MEZGER : art.cit. p.611
(2) C.A. Paris 21 mars 1986. Rev.arb. 1991 p.350. notes : MOITY et VERGNE
(3) C.A. Paris 12 mars 1985. Rev.arb. 1986 p.299. notes :Eric LOQUIN
(4) C.A. Paris 27 novembre 1987. Rev.arb. 1989 p.62. notes : COUCHEZ
(5) Emmanuel GAILLARD : art.cit. p.23 n°75
(1) notion « d’actualité de l’ordre public » Emmanuel GAILLARD : art.cit. p.23 n°77
(2) Cass.civ 2 juin 1987. Rev.arb. 1988 p.283. notes : MAYER
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.tahalabidi-avocat.fr.gd
 
رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء الأجال في المرافعات الأثار الإجرائية لإتفاقية التحكيم إعــداد : الـملحق القضـائي : منجــي التلـغ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» إثبات النّسب بين م أ ش والقانون عدد75 لسنة 1998 . رسالة تخرّج من المعهد الأعلى للقضاء إعداد الملحق القضائي : أنيس سكمة
» شروط الترشح لمناظرة المعهد الأعلى للقضاء بتونس
» دورة تدريسية من المعهد الأعلى للقضاء حول "الطب الشرعي و القضاء"
» في المعهد الأعلى للمحاماة سمّي الأستاذ الهادي التريكي مديرا للمعهد الأعلى للمحاماة، كما سمّي السيد أحمد بن طالب مديرا للدراسات والتكوين بهذا المعهد.
» أمر حكومي عدد 463 لسنة 2017 مؤرخ في 18 أفريل 2017 يتعلق بإتمام الأمر عدد 1290 لسنة 1999 المؤرخ في 7 جوان 1999 المتعلق بتنظيم المعهد الأعلى للقضاء وضبط نظام الدراسات والامتحانات والنظام الداخلي.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: 1-1- بحوث عامة في القانون التونسي :: دورات و رسائل تخرج من المعهد الأعلى للقضاء Mémoires et colloques de l'institut national de la magistrature-
انتقل الى: