حرب النماذج "نظرية الطلقة الأخيرة" battle of forms
من الشائع في المعاملات التجارية أن يحيل كل من الموجب، عند عرض إيجابه، ومن وُجه إليه الإيجاب عند قبوله له، إلى الشروط النموذجية الخاصة به. وعند عدم وجود موافقة صريحة من الموجب على الشروط النموذجية الخاصة بمن وجه إليه الإيجاب، تثور مشكلة عند تحديد ما إذا كان العقد قد انعقد أصلا، وإذا كان قد انعقد فما هي مجموعة الشروط النموذجية التي يتعين ترجيحها من بين المجموعتين المتعارضتين إن كان لهما محل في التطبيق.
وتنشأ هذه المعركة الاقتراضية عندما يقدم (أ)، مثلا، عرضا على نموذج مطبوع خاص به يحتوى على شروط معينة، ويقبل (ب) هذا العرض على نموذج مطبوع، خاص به أيضا ولكنه، يحتوى على شروط تتعارض مع بعض الشروط الواردة في النموذج المقدم من (أ). وفي هذه الحالة، قد ينشأ عقد يستدل عليه من سلوك الطرفين by conduct ، ولكن ما الشروط التي ينشأ على أساسها هذا العقد؟ إن الإجابة، غالبا، هي أن الطرف الذي يطلق آخر طلقة هو الذي يكسب. ولكن هناك استثناءات لهذا الوضع.
وفي قضيةButler v Ex-Cell-O corp. (1979) ، عرض البائع "شركة باتلر" بيع ماكينة على المشترى، وتم تقديم عرض البائع على نموذج مطبوع للبائع تضمن على ظهره الشروط النموذجية التي يطبقها في أعماله، ومن بينها بند ينص على تعديل السعر حسب القيمة السوقية وقت التسليم، وآخر ينص على أن "الغلبة تكون لشروط البائع على أي بنود وشروط في طلب الشراء المقدم من المشترى". وأرسل المشترى طلبا لشراء الماكينة على النموذج الخاص به والذي نص ضمن شروطه على أن سعر الماكينة ثابت. كما تضمن صيغة إقرار من البائع ينص على ما يلي "نحن البائع نقبل طلبكم وفقا للبنود والشروط الموضحة فيه". وطلب المشتري في طلبه أن يوقع البائع على الإقرار ويعيده إليه. ووقع البائع الإقرار وأعاد الإيصال إلى المشترى مع خطاب نص على ما يلي "تم قبول هذا الطلب وفقا لعرض الأسعار المُرسل منا في 23 من مايو للتسليم خلال فترة من 10 إلى 11 شهراً".
وعند تسليم الماكينة، أدعى البائع أن السعر زاد بحوالي ثلاثة آلاف جنيه إسترليني، لكن المشترى رفض دفع الزيادة في السعر، ومن ثم، رفع البائع دعوى للمطالبة بالزيادة بموجب بند تعديل السعر الوارد ضمن الشروط النموذجية المدونة على ظهر نموذج العرض المقدم منه إلى المشترى وكذلك استناداً إلى الخطاب الذي أرسله إلى المشتري والذي جاء فيه أن سينفذ الطلب وفقاً للبنود الواردة في نموذجه. بينما جادل المشترى بأن البائع وقع الإقرار الوارد في نموذج المشتري والذي تضمن أن السعر ثابت، ومن ثم، يكون العقد قد انعقد وفقاً للشروط الواردة في نموذج المشتري.
وقد اعتبر قاضيان من هيئة المحكمة المشكلة من ثلاثة قضاة أن طلب الشراء على نموذج المشترى كان بمثابة عرض مضاد counter offer قبله البائع عندما عبأ الإقرار وأعاده إلى المشترى. وقضت المحكمة بأن نموذج الشراء المُرسل من المشترى لا يمكن تفسيره على أنه قبول لعرض البائع لأنه لا يطابق نفس الشروط الواردة في عرض البائع، وبالتالي يعتبر عرضاً مضاداً. وبتوقيع الإقرار، يكون البائع قد قبل هذا العرض. أما الخطاب، فلم يكن عرضاً مضاداً لأن تعبير "تم قبول هذا الطلب وفقا لعرض الأسعار المرسل منا" لم يكن القصد منه هو توجيه عرض مضاد بل الإشارة إلى عرض السعر والثمن ووصف الماكينة، ومن ثم، لا يترتب عليه تضمين العقد الشروط المكتوبة بحروف صغيرة على ظهر عرض الأسعار المقدم من البائع.
(من كتاب: صياغة العقود وأثر ذلك في كسب الدعاوى، الاستشاري/ محمود صبره)