الواجبات التي يفرضها مبدأ حسن النية في مرحلة التفاوض التعاقدي
يفرض مبدأ حسن النية على الطرفين مجموعة من الواجبات في أثناء مرحلة التفاوض، ويمكن تلخيص هذه الواجبات فيما يلي:
1. عدم إفشاء ما قد يدلي به أي طرف من معلومات في أثناء المفاوضات؛ وهو ما يعرف باسم الالتزام بضمان السرية.
2. الامتناع عن القيام بأي تصرف من شأنه إشاعة آمال كاذبة تبعث ثقة زائدة لدى الطرف الآخر في جدية المفاوضات.
3. عدم التفاوض لمجرد التسلية أو الدعاية أو استطلاع السوق دون نية حقيقية في التعاقد.
4. عدم قطع المفاوضات أو الانسحاب منها على نحو مفاجئ بصورة تعسفية خاصة عند اقتراب المفاوضات من مراحلها النهائية.
5. امتناع كل طرف عن إجراء مفاوضات موازية مع الغير بشأن الصفقة ذاتها دون علم الطرف الآخر وعلى نحو يضر به.
ومن الملاحظ أن كل هذه الواجبات لا تقتضي تدخلا إيجابيا بل تعتبر التزامات سلبية. وبعبارة أخرى، تقتصر هذه الواجبات على الامتناع عن القيام بعمل معين لكنها لا تشمل الالتزام بالقيام بعمل معين. ويُثار هنا سؤال مهم؛ هو إذا كان مبدأ حسن النية يقتضي كل ما سبق ذكره، فما جدوى إبرام عقود منفصلة أو إدراج بنود تعاقدية بهذا المعنى بين الطرفين إذن؟
هناك ثلاثة أسباب رئيسة لذلك؛ أولا، في حالة وجود التزام عقدي بالتفاوض، يترتب على عدم مراعاة مبدأ حسن النية نشوء المسئولية العقدية على عكس الوضع في حالة عدم وجود التزام تعاقدي بالتفاوض؛ بمعنى أن عدم بدء المفاوضات أو قطعها تنشأ عنه مسؤولية عقدية، على حين أنه في حالة عدم وجود التزام تعاقدي، لا تكون هناك مسئولية تعاقدية بل مسئولية تقصيرية ما يجعل من الصعب فرض الجزاء عن الإخلال بمبدأ التفاوض بحسن نية. ويُسهل وجود المسئولية العقدية على القاضي استنتاج وجود الخطأ في مواجهة المفاوض المخالف على عكس الوضع في حالة عدم وجود عقد يحدد هذا الالتزام.
ثانيا، إن فكرة حسن النية ترتدي ثوبا أخلاقيا خالصا وهي بذلك تصبح فكرة موضوعية مجردة. وبعبارة أخرى، يعتبر حسن النية مبدأ قانونيا عاما وهو يشكل قاعدة للسلوك أو بالأحرى التزاما عاما. ولما كان هذا المبدأ يتسم بطابع أخلاقي مفرط وتبدو حدوده غامضة للغاية عند ترتيب آثار مباشرة عليه في دائرة القانون الوضعي، لذا فإن من الأفضل إعطاءه مضمونا أكثر تحديدا عن طريق إدراجه في نص تعاقدي من خلال قواعد واضحة ومحددة.
ثالثا، يعتبر الالتزام القانوني بالتفاوض بحسن نية التزاما بالامتناع عن عمل يقتضي من الأطراف تدخلا سلبيا فقط يتمثل في عدم القيام بأي تصرف يتنافي مع حسن النية كقاعدة للسلوك. غير أن الأمر يختلف في حالة العقود التي يتم إبرامها في مرحلة المفاوضات والتي، عادة، ما تفرض تدخلا إيجابيا بالإضافة إلى التدخل السلبي. ومثال ذلك، التزام الأطراف بتقديم مقترحات جادة من شأنها دفع المفاوضات إلى الأمام. ولذلك يرى البعض وبحق أن إضفاء وصف الخطأ على قطع المفاوضات سوف يصبح أيسر ويكون القاضي أكثر ميلا إلى تقريره عند وجود التزام عقدي بالتفاوض منه في حالة عدم وجود هذا الالتزام.
(من كتاب: صياغة العقود وأثر ذلك في كسب الدعاوى، الاستشاري/ محمود صبره)
قناته على اليوتيوب:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]