التعويضات في مرحلة التفاوض التعاقدي
تقتصر مسئولية أي من الطرفين في مرحلة التفاوض التعاقدي عن التفاوض بسوء نية على ما يلحق الطرف الآخر من خسائر. وبعبارة أخرى يجوز للطرف الدائن أن يسترد المصروفات التي تحملها في أثناء المفاوضات بالإضافة إلى التعويض عن الأضرار الناجمة عن ضياع فرصة تعاقد آخر كان سيبرمه الدائن مع آخرين (وهو ما يسمي "بمصلحة الارتكان" reliance interest أو (المصلحة السلبية)، لكن لا يجوز للدائن بصفة عامة أن يسترد الأرباح التي كانت ستجني لو أن العقد الأصلي كان قد أبرم. ويُسمى ذلك "بمصلحة التوقع" expectation interest أو (المصلحة الإيجابية).
وترتبط كل من "مصلحة الارتكان" reliance و "مصلحة التوقع" expectation بفكرة التعويض عن خرق العقد. والهدف من التعويض إزالة الضرر الذي لحق بالطرف البريئ وليس عقاب الطرف المخالف. ويثير افتراض أن التعويض انصافي وليس انتقامي السؤال التالي: ما الذي يستحق الطرف المضرور تعويضه عنه؟
مثال توضيحي:
1. علم (أ) بنية (ب) بيع مطعم يملكه. وعلى الرغم من أن (أ) ليست لديه نية شراء المطعم فإنه يدخل في مفاوضات مطولة مع (ب) بغرض وحيد وهو منع (ب) من بيع المطعم إلى (ج) المنافس له. ويوقف (أ) مفاوضاته عندما يعلم أن (ج) اشترى مطعماً آخر.
يُسأل (أ) في مواجهة (ب) - الذي استطاع أخيرا أن يبيع مطعمه بسعر أقل من السعر الذي كان يعرضه (ج) – عن تعويض (ب) عن الفارق في السعر.
ويخضع الحق في قطع المفاوضات أيضا لمبدأ حسن النية وأمانة التعامل. فإذا تم التقدم بإيجاب فلا يجوز الرجوع عنه إلا إذا كان الإيجاب غير قابل للإلغاء. وكذلك فإنه حتى قبل الوصول إلى هذه المرحلة، أو في عملية تفاوض يصعب فيها تحديد توالي الإيجاب والقبول، قد لا يكون لأي طرف أن يوقف المفاوضات بصورة مفاجئة ودون مبرر. ويتوقف تحديد اللحظة التي لا رجعة بعدها على ظروف الحال، وبوجه خاص، أسباب الطرف الآخر في التعويل على نتيجة إيجابية للمفاوض نتيجة لمسلك الطرف الأول، وعلي عدد الموضوعات المرتبطة بالعقد المزمع إبرامه والتي سبق أن توصل الطرفان إلى الاتفاق عليها.
مثال توضيحي:
يؤكد (أ) لـ(ب) أنه سيمنحه حق امتياز تجاري، ويبدأ (ب) في اتخاذ خطوات بهدف كسب الخبرة ويستعد لاستثمار مبلغ كبير. ويقوم (ب) خلال العامين التاليين بعمل استعدادات واسعة بهدف إبرام العقد مع استمرار التأكيد من (أ) على أن (ب) سيحصل على الامتياز. وعندما يصبح كل شيء مهيأً لتوقيع الاتفاق، يخطر (أ) (ب) بضرورة استثمار مبلغ أكبر بكثير.
يحق لـ(ب) إذا رفض، أن يسترد من (أ) المصروفات التي تكبدها بهدف إبرام العقد.
(من كتاب: صياغة العقود وأثر ذلك في كسب الدعاوى، الاستشاري/ محمود صبره)