نظم نادي قضاة المغرب أولى ندواته الوطنية لهذه السنة تحت عنوان"ضمانات استقلالية السلطة القضائية من خلال دستور 2011، وهي الندوة التي احتضنت أشغالها قاعة الندوات الكبرى بالمعهد العالي للقضاء يوم السبت 28 أبريل 2012، وقد عرفت تقديم مجموعة من المداخلات من طرف ثلة من القضاة والمحامين والأساتذة الجامعيين وفعاليات حقوقية واسعة.
افتتحت أشغال الندوة بكلمة للسيد رئيس نادي قضاة المغرب الأستاذ ياسين مخلي أكد فيها أن هذه الندوة الوطنية تأتي بعد سلسلة من الندوات التي نظمها نادي قضاة المغرب بكل جهات المملكة في إطار إسهامه في تقديم تصوراته بخصوص واقع وآفاق اصلاح القضاء بالمغرب، وانفتاح القضاء على فعاليات المجتمع المدني في إطار فلسفة جديدة تروم اعتبار القضاء شأنا مجتمعيا.
وحدد في بداية كلمته مفهوم استقلال القضاة والسلطة القضائية على ضوء الميثاق العالمي لحقوق القضاة، كما اعتبر أن الضمانة الملكية تعد محور ضمانات استقلال السلطة القضائية على ضوء الفصل 107 من الدستور، كما تناول الدور الجديد للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في تعزيز ضمانات الاستقلالية خاصة بعد استبعاد وزير العدل من تشكيلته وإقرار حق الطعن في المقررات الخاصة بتدبير الوضعية الفردية الخاصة بالقضاة أمام أعلى هيئة إدارية بمحكمة النقض، مسلطا الضوء على دور الجمعيات المهنية للقضاة في الدفاع عن استقلال القضاة والسلطة القضائية في علاقتها مع مجموعات الضغط السياسية والاجتماعية والإدارة القضائية ووسائل الإعلام..، وشدد التأكيد على أن استقلال قضاة النيابة العامة يشكل إحدى أساسيات استقلال السلطة القضائية، مشيرا في الوقت ذاته إلى دور الإدارة القضائية المواطنة في ثرجمة استقلال القضاة والسلطة القضائية وذلك بضرورة اعتماد معايير مهنية واضحة وشفافة لاختيار المسؤولين القضائيين القادرين على التنزيل الميداني لإصلاح القضاء تنفيذا للخطاب الملكي في هذا الصدد، وملفتا الانتباه إلى أن ممارسة الحقوق الدستورية للقضاة يجب النظر إليها في إطار المرجعية الدولية والتأويل الديمقراطي للدستور بعيدا عن أي خلفيات مسبقة لإفراغ النص الدستوري من محتواه ودلالاته الحقوقية.
واعتبر السيد رئيس نادي قضاة المغرب أن آفاق نجاح الحوار الوطني حول إصلاح العدالة رهين بمدى تكريسه لضمانات استقلال السلطة القضائية وتنزيلها على مستوى النصوص التنظيمية. ليؤكد في الختام على ضرورة الاعتماد على جميع محاور الخطاب الملكي التاريخي لـ 20 غشت 2009 كمنطلق للحوار .
وقدم السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب النقيب عبد السلام البقيوي كلمة عبر فيها عن سعادته البالغة لتنظيم أشغال هذه الندوة الوطنية لنادي قضاة المغرب مؤكدا أن حضور الجمعية لهذا اللقاء تأكيد على أواصر الأخوة والمحبة التي تربط بين جناحي القضاء والمحاماة، واعتبر السيد النقيب في مداخلته أن موضوع الندوة استقلالية السلطة القضائية من خلال دستور 2011 موضوعا شديد الأهمية خاصة خلال المرحلة الحالية التي ستشهد تنزيل المقتضيات الدستورية الجديدة إلى أرض الواقع عن طريق القوانين التنظيمية، مؤكدا أن اصلاح القضاء لم يعد مطلبا مجتمعيا أو تنظيرا فكريا وإنما ضرورة ملحة للانتقال لمرحلة جديدة قوامها الانفتاح والتشبع بمبادئ حقوق الانسان ومواكبة التطورات الحقوقية التي تشهدها الساحة الحقوقية في العالم.
وعرفت الجلسة الأولى تقديم مجموعة من المداخلات:
في البداية قدم الأستاذ ادريس لكريني (أستاذ جامعي بجامعة القاضي عياض بمراكش) مداخلة حول موضوع "دور القضاء في التنمية و الاستثمار"، حيث أكد على أن وجود قضاء مستقل يعد شرطا أساسيا للديمقراطية، مضيفا بأن استقلالية القضاء هي الملاد الأمن للمستثمر "فنزاهة القضاء هي إحدى العناصر والمؤشرات التي تغري المستثمر المحلي والأجنبي لتوظيف رساميله واستثمارها في قطاعات منتجة".
وقدم ذ عبد اللطيف الحاتمي (رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء) مداخلة حول موضوع "ضمانات القاضي من خلال المسطرة التأديبية :العزل نموذجا" اعتبر فيها أن مسطرة تأديب القضاة لا ينبغي أن يتم اللجوء إليها كأداة للعقاب إلا بعد استنفاذ كافة الأدوات المتعلقة بالتدبير و التقييم و التخليق أو في الحالة التي لا توجد فيها أي وسيلة بديلة للتغلب على الخلل المنسوب للقاضي، مؤكدا أن الفصل 113 من الدستور الجديد أسند للمجلس الأعلى للسلطة القضائية كافة الاختصاصات المرتبطة بالحياة المهنية للقضاة بدون استثناء وذلك من أجل تكريس استقلالية السلطة القضائية.
كما شهدت الندوة أيضا تقديم مداخلة للأستاذ جعفر حسون (المستشار القانوني لوزارة العلاقة مع البرلمان و المجتمع المدني) حول موضوع "ضمانات استقلال السلطة القضائية و الحراك القضائي" حيث أكد بداية أن اختياره لهذا الموضوع جاء من وحي الذكرى السنوية الأولى لتأسيس نادي قضاة المغرب ليتساءل هل سبق للمغرب أن عرف حراكا قضائيا من قبل، وأشار في هذا الصدد لبعض التجارب التي عرفتها الساحة القضائية من خلال رابطة القضاة، ومن بعدها تجربة الودادية الحسنية حيث أكد بأن تحرك الودادية الحسنية في مجال التضامن لم يكن تحركا واعيا بقدرما كان تحركا انتقائيا إذ أن عملها على العموم غلب عليه الطابع الاجتماعي والمناسباتي، ولم يكن عملا مهنيا، الشيء الذي تغير جدريا مع مجيء نادي قضاة المغرب كجمعية مهنية حيث بدأت تتجلى أولى معالم الحراك القضائي المهني.
وتواصلت أشغال الندوة بتقديم عدد من المداخلات خلال الجلسة الثانية
حيث قدم الأستاذ ادريس فجر(رئيس غرفة بمحكمة النقض) مداخلة حول "قواعد تخليق الحياة العامة: القضاء نموذجا"، أكد من خلالها على أهمية ودور التخليق في تكريس استقلالية السلطة القضائية.
كما قدم الأستاذ عبد العزيز العتيقي (أستاذ جامعي بجامعة محمد بن عبد الله بفاس) مداخلة حول "الحق النقابي للقضاة : سؤال الشرعية" . أسس من خلالها لحق القضاة في تأسيس نقابات اعتمادا على الاتفاقيات الدولية وتقارير لجنة الحريات النقابية والتأويل الديمقراطي والحقوقي للدستور الجديد.
وشهدت الندوة حضورا واسعا من طرف عدد كبير من القضاة من جميع أنحاء المملكة، فضلا عن فعاليات حقوقية ومجتمعية واسعة حيت ركزت المناقشات على الضمانات والآليات الكفيلة بتكريس استقلالية السلطة القضائية، وأهمية التنزيل المسؤول للنصوص التنظيمية الضامنة للاستقلالية المنشودة، وتم التطرق بالمناسبة
إلى ضمان حق القضاة في تأسيس نقابات خاصة بهم، ومشروعية حقهم في ممارسة الاضراب وغيره من أشكال الاحتجاج الممكنة بما يتلاءم مع اعتبار القضاة ضامنين لحقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي ومع المرجعيات والتجارب الدولية.
وعرفت الندوة غيابا لافتا لوزارة العدل رغم أن برنامج الندوة كان يتضمن كلمة لوزير العدل والحريات، في المقابل تميزت أشغال الندوة الوطنية الأولى لنادي قضاة المغرب بحضور عدد كبير من القضاة من جميع أنحاء المملكة، إلى جانب السيد المدير العام للمعهد العالي للقضاء، وعدد كبير من المحامين وأطر كتابة الضبط، والطلبة والباحثين وفعاليات واسعة من المجتمع المدني.
وتأتي الندوة الوطنية الأولى لنادي قضاة المغرب بعد سلسلة من الندوات الجهوية التي نظمها النادي بكل من تازة، مكناس، تطوان، الحسيمة، آسفي وبني ملال، وقبيل أسبوع فقط من افتتاح أشغال الدورة الثانية للمجلس الوطني لنادي قضاة المغرب والتي سيشهدها المعهد العالي للقضاء يوم 05/05/2012 حيث تمت دعوة جميع قضاة المملكة لحضور الجلسة التواصلية المفتوحة في أول سابقة تشهدها المملكة وذلك لتدارس الأشكال الاحتجاجية المزمع خوضها ابتداء من 15 ماي 2012 للمطالبة باستقلالية السلطة القضائية.