امتحان الفصل الثاني
المادة /القانون الدستوري
المرحلة/ دكتوراه قانون دولي فصل ثاني
2010– 2011 م
السؤال الأول: ناقش
1
- تمتاز المواضيع المتعلقة بدراسة ظاهره السياسة كونها مواضيع قديمة وحديثه. وأن الانظمه السياسية تختلف عن النظام الاجتماعي.يقصد بها أنها مواضيع قديمة لأن السياسة موضوعها قديم، وإن كتب عنه قبل أكثر من أربعة قرون قبل الميلاد، وحديثة لأن الكتب التي تصدر في موضوع السياسة بين الحين والآخر تتطرق لها بلا انقطاع، فكتب أرسطو كتابه الموسوم بالسياسة سنة(382-322ق.م) فهو جامع شامل لنماذج مئة ثمانية وخمسين دستور،استخدم فيه طريقة المقارنة، وبعده ظهر مونيسيكو (1685-1755) كتب كتابه روح القوانين ليغني علم السياسة، فكان بحق هو رائد علم السياسة، فتجه إلى تحليل الظواهر السياسية معتمدا على خطة في بحثه مستند على إظهار تأثير المتغيرات الجو والمحيط جغرافي، والسكان وطريقة العيش والأعراف والتقاليد على الظاهرة السياسية، فكل من كتب في علم السياسة بمنهجية علمية لا يتجاهل هذين العالمين سواء بالسلب أو بالإيجاب.
فعلم السياسة قبل انفصاله فإن بعض الكتّاب أدرجة بأنه علم الدولة وقد تميزت بالتركيز على الدولة و مؤسساتها و دستورها و نظامها القانوني على أساس أن علم السياسة هو علم الدولة، وأن الدولة هي الفاعل السياسي الوحيد داخليا و خارجيا، وآخرين بأنه علم السلطة، فعليه كانت دراسته تنطوي تحت نظريات القانون العام أو الدراسات الاجتماعية العامة، بالإضافة إلى التركيز على نوعية مخصوصة من الدول كدول غرب أوروبا و الإتحاد السوفيتي و قد حملت معظم المؤلفات في حقل السياسة المقارنة في تلك المرحلة لفظ الحكومة أو الحكومات فلا اختلاف بينها إلا في مجال توزيع السلطات من الناحية الكيفية.
فزيادة المعرفة بالمجتمعات الحضارية والبدائية الأخرى ضرورة ملحة في فهم العالم المعاصر مشاكله، وخاصة ما يتعلق بظهور المجتمعات الحديثة والتطورات الحاصلة ضمن المجتمعات الغربية، مما حتم بصورة ملحة وضع صيغ جديدة ومفاهيم حديثة للتشكيك في المفاهيم التقليدية المستعملة في توصيف وتحليل المجتمعات والأنظمة السياسية في العالم كله، وأدى ذلك إلى أفول المفاهيم والمصطلحات الموروثة المستقاة من القانون الروماني والفلسفة السياسية الانكليزية ومن تاريخ الدساتير الفرنسية والأمريكية لحد ما مما جعلها تفقدت مكانتها على شكل نماذج للمفاهيم والقيم العقلانية ذات الصفة العالمية الشاملة، وذلك لصعوبة تطبيق هذه المفاهيم والقيم، وأخذها في صورة حقائق سياسية خارج المحيط الغربي.
فأخذ الاتجاه بخصوص العلوم السياسية لإخراج التحليل المقارن للحكومات من نطاق دراسة الأنظمة الأوربية فقط إلى دراسة موسعة للأنظمة السياسية في العالم الأخر المختلف ثقافيا مع العالم الغربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأكد ذلك ديفيد في دراسة له عام 1965م في دائرة المعارف الدولية للعلوم الاجتماعية، فكانت أول المبادرات الحديثة للأخذ بدراسة النظم السياسية بوجهة نظر جديدة ل روي مكريدس في كتابه الموسوم دراسة الحكومات المقارنة، وتعزيزا لذلك ظهر الكتاب التقليدي لغابريل الموندو وجيمس كولمن "سياسات المناطق النامية" نحى هذا الكتاب منحنى جديدا في بحثه السياسي لأنظمة الشرق الأوسط وفي آسيا الجنوبية والشرقية ودراسة الأوضاع وأحوال جنوبي الصحراء الأفريقية، ودراسة أنظمة أمريكا اللاتينية، ومما يميز كثير من هذه الدول وجود حضارات قديمة وأصول للحكم ذات جذور عميقة في التاريخ كابل، الانكا الاستيك.
فالمنهج الذي تم اتبعه الموند وكولمن المسلك الوظيفي كوسيلة من وسائل البحث في العلوم الاجتماعية وعلم السياسة لمعرفة نظام الحكم في المجتمعات النامية المختلفة، فالهدف منها توحيد المنهج العلمي لدراسة الظواهر السياسية والاجتماعية معا.
وذكر الموند في كتابة الثاني أنه منذ الحرب العالمية الثانية وجود مؤشرات ملموسة برزت في المحيط السياسي من ظهور دول مستقلة عديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا في الأنظمة السياسية مغايرة للأنظمة الغربية، وتضاؤل نفود دول الأطلسي في العالم والنفوذ الإمبراطورية البريطانية والهولندية من مناطق عديدة في العالم، وظهر النظام الاشتراكي كقوة على المسرح العالمي ، مما يدل على أن الأحداث متسارعة ومتزاحمة في عالم متغير.
للتعرف على وجه الاختلاف فيجب التعرف على النظام الاجتماعي الذي يحتوي على كل الجماعات والأفراد الذين يشاركون بالفعاليات العامة كالاعتناء، والبناء، الإنتاج، والتعليم ضمن حدود مجموعة بشرية، فالفعاليات هي التي يتشكل منها النظام وتبين عناصر نشاطه، فعليه فالنظام الاجتماعي عناصره الأشخاص والجماعات، فالعلاقات الاجتماعية كظاهرة تقوم بتفاعل الأشخاص والجماعات في محيطهم الاجتماعي، فعليه فإننا التزمنا بتعريف Haroun Jamous في كتابة سيكولوجية القرارات، وهذا ما أشار إليه العالم الاجتماعي الفرنسي مارسيل فكل ظاهرة اجتماعية هي الأساس لبناء كل أنواع العلاقات وما دور المحلل الاجتماعي إلا ليظهر من هذه العلاقات بواسطة التحليل الأصناف والحلقات والأصول لهذه العلاقات وتظهر الظاهرة بأشكال مختلفة قانونية، اقتصادية، دينية، وجمالية.
وقد أكد الباحث السياسي الأمريكي روبرت دال في كتابة التحليل السياسي الحديث، بأن الأصل العام في النظم الاجتماعية هو النظام الاجتماعي ينبثق عنه النظم الفرعية الأخرى كالاقتصاد والسياسة، هذه النظم متشابكة مترابطة مع بعضها البعض، فالتحليل الاجتماعي الحديث يقسم المجتمع إلى خمسة أنظمة رئيسية متعايشة مع بعضها تتفرع منها أنظمة ثانوية يتكون منها المجتمع بكاملة، النظام التكاثري هو الذي يدرس الأجيال وشروط تكاثرها ونموها، والنظام الاجتماعي الجغرافي (البيئة المحيطة) يقوم بدراسة علاقة السكان بما يحيطهم من ظروف جغرافية، ومعيشية من موارد طبيعية وكيفية تواجد الجماعات بالصورة المتفرقة والمجتمعة، والنظام الاقتصادي يدرس ما يتعلق بنشاطات السكان في الإنتاج، النظام الثقافي يدرس توزيع وتداول التقنيات المتعارف عليها في المجتمع والتبادل وتوفير الحاجات والخدمات داخل المجتمع من لغة وقيم أخلاقية ودين ومعرفة بين سكان المجتمع.
المرجع:
- الأنظمة السياسية والدستورية المقارنة:د.حسان محمد شفيق العاني، مطبعة جامعة بغداد 1986، ص5-12.
- مبادئ أساسية في صياغة الدساتير والحكم الدستوري:رجا بهلول،الطبعة العربية الأولى، 2005، ص5-10
2- لابد من تحليل مقارن الانظمه السياسية
لأجل التحليل المقارن للأنظمة السياسية يجب معرفة ماهية النظام السياسي، يجب أن يشمل التعريف انطباقه على كل المجتمعات مهما كانت مختلفة، وكذلك رصيد عناصر النظام السياسي داخل كل مجتمع على حده ويفرقه عن بقية عناصر الأنظمة الاجتماعية الأخرى.
فالنظام السياسي هي محصلة الظروف والمبادئ السياسية التي تفرض اتخاذ سلوك وظيفي تعقيبي في اتخاذ القرارات الملزمة بالمجتمع كليا، واعتمادا على نموذج ديفيد استون يعتبر من أول العلماء السياسيين الذين حاولوا استعمال مفهوم النظام في الدراسات السياسية ويعرف استون النظام السياسي بأنه " تلك الظواهر التي تكون في مجموعها نظاما هو في الحقيقة جزء من مجموع النظام الاجتماعي و لكنه تفرع عنه بقصد البحث و التحليل " إذ يرى استون ضرورة استعمال مفهوم النظام كأداة تحليلية لتحديد الأنماط و العلاقات المترابطة و المتداخلة الموجودة ويقوم تحليل ايستون للنظام على أربعة مفاهيم أو أسس رئيسية :
1- النظام :إنه من المفيد أن ننظر إلى الحياة السياسية على أنها نظام سلوكي أو نظام من السلوك، ويمثل النظام وحدة التحليل الرئيسية في اقتراب التحليل النظمي، ويعرف النظام بصفة عامة بأنه مجموعة من العناصر المتفاعلة والمترابطة وظيفياً مع بعضها البعض بشكل منتظم، بما يعنيه ذلك من أن التغير في أحد العناصر المكونة للنظام يؤثر على بقية العناصر. وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم النظام يتولد عنه مفهوم آخر هو مفهوم النظام الفرعي Sub-System، إذ أن النظام قد يعتبر نظاماً في حد ذاته، كما أنه قد يعتبر هو ذاته نظاماً فرعياً في إطار نظام أعلى مستوى منه.
ألا أن الأهم من ذلك هو أن التمييز بين الأنظمة، كالتمييز بين النظام السياسي والنظام الاقتصادي مثلاً، لا وجود له في الواقع العملي، بل لا يعدو أن يكون تمييزاً ذو طبيعة تحليلية. التحليل بإيجاز هو عملية تعريف وتقييم للأجزاء التي يتكون منها الكل بهدف إدراك لهذه الأجزاء كمكونات لكل مركب مع محاولة معرفة الضوابط التي تربط علاقاتها ببعضها البعض من جهة. والقوانين التي تحكم حركة وتطور الكل المركب من جهة أخرى.
وعلى ذلك يعرف النظام السياسي بأنه مجموعة من التفاعلات السياسية التي تحدث داخل أي مجتمع، والتي يتم بمقتضاها صنع السياسات العامة. ويتكون النظام السياسي من أربعة عناصر أساسية هي: المدخلات، التحويل، المخرجات، التغذية العكسية..
2- البيئة المحيطة:إنه من الممكن التفريق بين النظام و بين البيئة التي يعيش فيها يتأثر بها و يؤثر فيها، يشير مفهوم البيئة لدى ايستون بصفة أساسية إلى كل ما هو خارج حدود النظام السياسي، بعبارة أخرى تشكل البيئة كل ما هو خارج إطار النظام السياسي ولا يدخل في مكوناته.
ولما كانت فكرة النظام السياسي لا تعدو أن تكون فكرة تحليلية، فإن الفصل التعسفي بين النظام السياسي والأنظمة الاجتماعية الأخرى لا وجود له، بما يعنيه ذلك من أن النظام السياسي يتأثر ببيئته من خلال مجموعة المدخلات ويؤثر عليها من خلال مجموعة المخرجات.
3- الاستجابة : إن اختلاف و تعدد البني و العمليات داخل أي نظام يمكن تفسيرها بأنها مجموعة من الأنشطة التي يقوم بها النظام من خلال استجابته و مواجهته لمجموع المطالب و الضغوط التي قد يتعرض لها من البيئة المحيطة أو من داخله .
4- الاسترجاع ( التغذية العكسية ):إن قدرة النظام على الاستمرار في مواجهته للضغوط التي يتعرض لها تتأثر بوجود و بفعالية المعلومات و المؤثرات التي تأتي إلى صانعي القرار السياسي من البيئة المحيطة .
ومن هنا حدد ابستون وظائف النظام السياسي حيث يفترض أن كل الأنظمة تقوم بأنشطة و عمليات سياسية و قد تختلف من نظام و آخر باختلاف المكان و الزمان وهما:
- قدرته على اتخاذ القرارات الملائمة و تنفيذها على نطاق المجتمع.
- إلزام المواطنين على قبول تلك القرارات و يكون ذلك بالقوة أو الشعور بشرعية تلك القرارات .
من دون هاتين الوظيفتين لا يمكن القول بوجود حياة سياسية في أي مجتمع و عندما تعجز هاتين الوظيفتين عن القيام بدوريهما نتيجة لضغط القوى على النظام و يصبح غير قادر على اتخاذ القرارات سيؤدي ذلك حتما إلى اندثار النظام لكن هذه الفكرة تبقى نظرية لأن النظام مهما واجه من صعوبات فيمكنه الاستمرار و هذا راجع لقدرته على التأقلم و الاستجابة للتأثيرات و اتخاذ القرارات اللازمة .
يتكون نموذج دافيد ايستون في تحليل النظام السياسي من العناصر التالية:
1- المدخلات: تشتمل مدخلات النظام السياسي وفقاً لاقتراب التحليل النظمي على كل ما يتلقاه هذا النظام من بيئته، يلاحظ أن هناك ثمة اختلافات حول هذه المدخلات. وهي تشكل مجموع الضغوط و التأثيرات التي ترد للنظام السياسي و تدفعه للحركية والنشاط تنبع من بيئته المحيطة و تكمن أهميتها في معرفة الأحداث و الظروف البيئية التي تحيط بالنظام السياسي و بدونها سيكون من الصعب التصور الدقيق للوضع الذي تكون عليه قطاعات المجتمع فطبقاً لرأي ايستون(1956 - 1965) تشتمل مدخلات النظام السياسي على عنصرين رئيسيين هما :
أ – المطالب :هي الرغبات الاجتماعية، خاصة تلك المتعلقة منها بكيفية توزيع القيم وتحقيق أهداف المجتمع، وهي في رأيه قد تكون عامة كما قد تكون محددة. وقد يكون التعبير عنها بصورة مباشرة أو غير مباشرة هي ما يتقدم به الأفراد من مطالب تتضمن حاجاتهم التي يتقدمون بها إلى النظام السياسي من أجل قيامه بوظيفته في إصدار القرارات الإلزامية إلى المجتمع و نظرا لكثرة المطالب فلا بد أن تكون هناك قنوات مهمتها توضيح و إيصال تلك المطالب إلى النظام السياسي و تحقيق هذه المطالب يعتمد أساسا على قوة تأثير كل فئة في المجتمع و ليس الحاجة الحقيقية للمطالب لأن النظام السياسي لا يستطيع تلبية كل المطالب لكثرتها.
ب- المساندة :يرى استون أن عنصر التأييد يتكون من نوعين : تأييد محدد وتأييد كامن أو عام، المساندة تشكل حجم الولاء الذي قد يحظى به النظام السياسي لأن استمرارية أي نظام متعلقة بمتغير التأييد و الولاء فكلما نقص حجم التأييد ذهبت مكانة النظام .
وظيفة التعبير عن المصالح، حيث تقوم الجماعات المختلفة داخل النظام بالتعبير عن مصالحها، ويفترض أن يتم ذلك من خلال القنوات الشرعية للتعبير عن المطالب، إلا أنه كثيراً ما يتم التعبير عن هذه المصالح من خلال القنوات غير الشرعية وغالباً ما يتم ذلك باستخدام العنف، الأمر الذي لا شك يؤثر على مدى استقرار النظام.
وظيفة تجميع المصالح: ويقصد بها بلورة المطالب والموالفة بينها وتكتيلها لتقدم في شكل مقترحات تعرض على صانعي القرار. وبديهي أن وجود أبنية تقوم بتجميع المصالح كالأحزاب يخفف كثير من العبء على صانعي القرار، وبالتالي يزيد من القدرة الاستجابة للنظام السياسي.
وظيفة الاتصال السياسي، وهي وظيفة تقوم بها أجهزة الإعلام وجماعات الضغط والمصالح، وتلعب دوراً في توفير الاتصال الفعال الذي يتيح للنظام السياسي القيام بوظائفه المختلفة بصورة أيسر.
أما وليم متشل 1962 في إطار تطويره لنموذج ايستون أضاف عنصراً ثالثاً إلى عنصري المدخلات السابق الإشارة إليها، وهو عنصر الموارد بمختلف أشكالها، والحقيقة أن هذا العنصر يمثل إضافة حقيقية لافتقاد نموذج ايستون له.
2- المخرجات :تمثل استجابة النظام للمطالب السياسية أو القرارات المتعلقة بتوزيع السلطة للموارد وقد تكون ايجابية أو سلبية أو رمزية .
يقدم المدخل النظامي عدد من المميزات لعلم السياسة و من أهم هذه المميزات:
1- أنه عام بدرجة يمكن إدخال عدد كبير من المتغيرات عند تفسير المخرجات و القرارات السياسية .
3- إيستون لم يحدد بدقة كافية العناصر و العلاقات الموجودة داخل النظام السياسي فإنه ( النظام السياسي ) قد يشير إلى أية هيئة , حكومة , ديمقراطية , أرستقراطية , اتحادية أو موحدة , برلمانية أو رئاسية , ذلك لأن إيستون وضع مفاهيمه الأساسية لهذه العلاقات على أعلى درجة من التجديد و العمومية ، و أصبح من الممكن تطبيقها على عدد أكبر من المجتمعات و النظم السياسية .
هذه العناصر أوجدت نقاط ضعف أساسية وأدت إلى توجيه النقد لهذا المدخل من عدة جوانب :
1- إن وضع المفاهيم الأساسية لهذا المدخل على درجة عالية من التجريد و العمومية , أدى إلى أنه من الصعب إيجاد
تعريفات محددة لهذه المفاهيم و أدى إلى عدم إمكانية اختيار الفرضيات الأساسية التي يقدمها المدخل، إيستون يقول أنه إذا لم تتم مواجهة الضغوط على النظام السياسي و الناتجة عن المطالب ستؤدي إلى انهيار ذلك النظام .
4- إن اهتمام إيستون ببقاء و ديمومة النظام السياسي جعلته يغفل جانب الأهداف الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية للنظام, أي كيفية توزيع القيم في المجتمع .
فتحليل إيستون يركز أساسا على المساهمة التي يمكن أن يقدمها الأفراد في أدوارهم المختلفة نحو بقاء النظام واستمرار يته, و يعتبر أن الصراع و الخلاف يمثلان تهديدا لديمومة و استمرارية النظام السياسي .
رغم هذه العيوب فإن حقيقة أساسية و هامة تفرض نفسها و هي أن المدخل النظامي وجّه انتباه المجال السياسي إلى العلاقات المتشابكة و المعقدة بين الحياة السياسية و النظام الاجتماعي العام.
فاستخدام نهج النظم المقارنة تحدد بالنتيجة الطبيعية الحديثة في النظر للمؤسسات الحكومية وعلى أساس أنها ليست فقط واجبات رسمية، إنما وظائف ذات طبيعة اجتماعية، وإعلانها لا يكون بواسطة المؤسسات الرسمية، لأن الحكومة أحد العوامل المتداخلة والمتفاعلة مع عوامل أخرى في تكوين الظاهرة السياسية.
فالنهج المقارن يدعو ويؤكد على فهم كيفيه عمل الأنظمة السياسية في الواقع، لا على ما يجب أن تكون عليه الأنظمة، كما كان متبع في النهج التقليدي الذي يصنف المؤسسات الرسمية بالجمود التي لا تعتني بالعوامل والمؤشرات المحركة التي لها دور في التقدم والتغييرات الحاصلة في الأنظمة السياسية، وهذه التغيرات يتوصل لمعرفتها من خلال ثلاثة معايير تسمح بمتابعة وتحليل عمل النظام السياسي وهي:
- علاقة النظام بمحيطه.
- علاقة النظام بأجزائه المختلفة.
- وظيفة النظام في إدامته وتكيفه ذاتياً.
هذه المعايير لتحليل الأنظمة السياسية ودراستها، فنكون قد حولنا نهج الدراسة الثابت للمؤسسات إلى تصور حركي للمؤسسات السياسية في النظام السياسي الذي يدل على التطور والتقدم في النظام السياسي، ومكريوس أوائل المجدين في دراسة الأنظمة السياسية المقارنة للدول الغربية والنامية، فالتقدم السياسي يتضمن ثلاث عوامل رئيسيه وهي:
- توفير القابلية في التجديد والتعبئة وفي مواصلة الحياة.
- توفير المؤسسات المتعددة الاختصاص في المجتمع السياسي.
- رغبه النظام السياسي في إشاعة المساواة كهدف يرمي النظام للوصول إليها، وذلك بانتقال الثقافة السائدة في المجتمع من ثقافة خاضعين ومذعنين وتابعين إلى ثقافة مشاركة أو مساهمة.
وللتوفيق بين الدراسة الثابتة و المتحركة للنظم السياسية يجب الاعتماد على دراسة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ودراسة المؤشرات المحيطة على عمل المؤسسات، فتتكون صورة أوضح لعمل ووظيفة الأنظمة السياسية في محيطها الاجتماعي.
ولتحليل مقارن للأنظمة السياسية توجد عدة اتجاهات ونماذج حديثة للتحليل والبحث لتعطينا فكرة عن عمل النظام السياسي في محيطة الاجتماعي، وهذه النماذج كما يأتي:
- النهج السيستماني أو السيستمي:ونهج هذا النهج دافيد استين وكارل دوتش، اللذين قدما مفاهيم ونهج تجريدي في دراسة علم السياسة، ويقصد بالسيستم مجموعة العوامل المتداخلة بنائياً بمعنى وجود علاقات متشابكة وثابتة ومجتمعة بصورة دائمة، فالنظام السياسي يعرف بأنه مجموعة التداخلات أو التفاعلات السياسية المستمرة في مجموعة سياسية معينة، فالنظام جزن من كل اجتماعي يدخل في علاقات معقدة مع البناء الاجتماعي الكامل.
- النهج الوظيفي في التحليل النظري: نهج مالينوفسكي وراد كليف براون من أوائل الذي استعملوا اصطلاح الوظيفة في علم الانثروبولجي بشكل متخصص ودقيق، ويعتمد هذا المفهوم على فكرة التداخل والتعاون الموجود بين كل الأجزاء والعناصر المكونة للنظام الاجتماعي حسب بارسون فكل عنصر له دور يقوم بوظيفة أو عدة وظائف مساعدة فيما بينها في سبيل المحافظة على حيوية وإدامة حياة النظام السياسي، قاما الموند وباول بتطوير مفهوم الوظيفة واستعملاه نظريا في دراسة الأنظمة السياسية التي لها دور في المجتمع السياسي من خلال التحديات الأربعة، حيث أن لكل نظام سياسي أربعة أدوار تفسر وتحلل مراحل كل نظام سياسي وهي (بناء الدولة- بناء الأمة – المشاركة – التوزيع أي مرحلة الرفاهية) فإذا اجتاز أي نظام سياسي هذه المراحل بنجاح سيجعله في عداد الدولة القومية المتقدمة بالمعنى الحديث للنظام السياسي.
- نهج التقدم في نظرية التحليل السياسي:اعتمد لوسيان مفاهيم النظرية الوظيفية في السياسية في تحليلاتهم للدراسة العملية لأقطار الدول النامية، مضيفا مفاهيم ومعايير وحلول للتقدم السياسي.
- نهج الوحدات المنظمة في التحليل النظري: أصحاب هذا النهج لا يؤكدون على عمل الدولة فقط، إنما يحاولون تصوير المؤسسات الاجتماعي والسياسية أن كلا منها تشكل وحدة قائمة بذاتها لها قوانينها وسياساتها واختصاصاتها وسلطته من ناحية، وكمنظمة موجود في الدولة من جهة أخرى.
بعد العرض لأهم الاتجاهات الفكرية الحديثة في تحليل الظاهرة الاجتماعية والسياسية، فإن دراسة الأنظمة السياسية ستعتمد على هذه الاتجاهات الحديثة لتعطينا فكرة عن عمل النظام السياسي في محيطة الاجتماعي، فالنظام السياسي جزء من كل تندرج معه دراسة البناء الاقتصادي والاجتماعي والتقاليد التاريخية والاعتبار التاريخي والأيدلوجي السائدة وقيم المجتمع.
المرجع:
- الأنظمة السياسية والدستورية المقارنة:د.حسان محمد شفيق العاني، مطبعة جامعة بغداد 1986، ص12-22.
- أصول النظم السياسية المقارنة :د. كمال المنوفي، (الكويت: شركة الربيعان للنشر والتوزيع، 1987)،ص
- جابرييل الموند، بيغهام باول، السياسة المقارنة. ترجمة أحمد عناني(القاهرة: مكتبة الوعي السائر، نسخة معدلة، 1966)
- د. علي الدين هلال، مدخل في النظم السياسية المقارنة، مجموعة المحاضرات التي ألقيت على طلبة السنة الثانية بقسم العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1975 - 1976
- د. فاروق يوسف أحمد، قواعد المنهج العلمي: المناهج والاقترابات والأدوات المنهجية(القاهرة: مكتبة عين شمس، 1985)
3- الأنظمة السياسية تنقسم لعدد من الأشكال أو الأنواع وفق الفصل بين السلطات، وذلك وفق أسس فكرية لمبدأ الفصل هذا، ولذا نجم عن بعض التطبيقات العملية لمبدأ الفصل بين السلطات، ولكن التقسيم المشار إليه سابقا يأخذ منحنى آخر عند النظر إليه من وجه ممارسة السيادة، وذلك الحال بالنسبة لمصدر الانتخابات، عزز المقارنات السابقة بالنظريات التقليدية في تصنيف النظم السياسية؟
*تقسيم الأنظمة السياسية وفق فكرة الفصل بين السلطات
لم يكن في القديم جدوى من الأخذ بفكرة الفصل بين السلطات، لأن المجتمع السياسي كان صغيرا وحاجاته محدودة حيث أن رئيس العشيرة والمدينة الصغيرة يحل ويفصل في كل الأمور المتعلقة بشؤون رعيته بمساعدة بعض أقربائه وأعوانه، ولكن مع توسع المجتمع السياسي عدداً وتعقد الحياة الاجتماعية أدت إلى أن تتولى عدة هيئات ممارسة واجبات ووظائف لتسير الأمور المتعلقة بالمجتمع السياسي، فالسلطة واحدة ولكن ممارساتها تعدد بوجود عدة هيئات تفصل وتحدد نوعية العلاقات والواجبات بين أفراد المجتمع الواحد.
ولاحظ بعض المفكرين أن تحديد عمل السلطة السياسية في المجتمع يتم من خلال ثلاث وظائف يتم مزاولتها من قبل عدة هيئات أو من قبل هيئة واحدة حسب ما وصل إليه المجتمع من تنظيم وتقسيم للعمل:
أ. الوظيفة التنفيذية:هي الجهة التي تتولى مراقبة مدى تطبيق الأوامر والقواعد والقوانين المتعلقة بالمجتمع السياسي.
ب. الوظيفة التشريعية:هي التي تتيح للسلطة تكوين وإيجاد قواعد الحق الموضوعي إذ أن قواعد القانون هي حكم قاعدة لمتابعة سلوك الأفراد في المجتمع لضمان المصلحة العامة التي يتوخاها النظام السياسي عن طريق الاستقرار والتعامل والمعاملات بين أفراد المجتمع ضمن الدولة.
ت. الوظيفة القضائية:فإن عمل القضاء ينصب في تفسير روح القانون وتطبيق النصوص القانونية في حالات المنازعات الحاصلة بين الأفراد والهيئات الرسمية في المجتمع السياسي رغم من وجود علاقة وطيدة بين الوظيفة التنفيذية والقضائية.
• الأسس الفكرية لمبدأ الفصل بين السلطات:
إن المبادئ الديمقراطية الليبرالية عند ظهورها دعت للحد من السلطة الفردية للملوك، وتأمين حقوق وحريات الأفراد، هذا مما دعا بعض المفكرين إلى صياغة النظريات الفكرية الداعية لضرورة تقسيم السلطات إلى أقسام للحد من كل تداخل السلطات فيما بينها، ولضمان عدم تعسف السلطة على حساب حريات وحقوق الأفراد، ولكن يطرح سؤال كيف يتم منع تعسف كل سلطة على حده؟
بطبيعة الحال الفرد أو الهيئة الواحدة عندما تمتلك جميع أجزاء السلطة فإنها تستطيع وضع القوانين بنفسها، ومن ثم تنفيذ وتفسير ما تراه مناسباً وفق مصلحتها دون رقيب أو مانع من توقيفها، وهذه الحالة كانت موجودة في عهد الملوك الأوربيين ذوي الحكم المطلق أثناء القرن السابع والثامن عشر، مما دعى المفكرين من أمثال لوك ومنتسكيو وروسو إلى الدعوة لإقامة نظام تقوم دعائمه على فكرة الفصل بين السلطات، وتتلخص الفكرة الأساسية التي يقوم عليها مبدأ الفصل بين السلطات في ضرورة توزيع وظائف الحكم الرئيسية : التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها حتى لا تتركز السلطة في يد واحدة فتسيء استعمالها, وتستبد بالمحكومين استبداداً ينتهي بالقضاء على حياة الأفراد وحقوقهم، ويؤكد ذلك رجال الثورة الفرنسية قالوا أن الدولة التي لا تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات تفقد أساسها الدستوري، فأول دستور وضع بعد الثورة الفرنسية في 3 كانون الأول 1972م، يكرس بصورة مطلقة وجود ثلاث سلطات منفصلة ومستقلة الواحدة عن الأخرى، ونص دستور ولاية ماسوشوسيت 1780 على أن لا تمارس الهيئة التشريعية مطلقاً سلطات الهيئتين التنفيذية والقضائية أو إحداها، وأكد منشور الفدراليين في الولايات المتحدة الأمريكية على إقامة الفصل بين السلطات لمنع التعسف المطلق، المؤدي إلى إساءة استعمال كل سلطة على حدة.
أ. عند أرسطو و جون لوك:
ارتبط مبدأ الفصل بين السلطات باسم الفقيه الفرنسي مونتسكيو الذي كان له الفضل في إبرازه كمبدأ أساسي لتنظيم العلاقة بين السلطات العامة في الدولة،و منع الاستبداد بالسلطة.
وإذا كان فضل مونتسكيو في ذلك لا ينكر، إلا أن جذور المبدأ ترجع إلى زمن بعيد قبل القرن الثامن عشر بقرون عديدة، فقد كان لأعلام الفكر السياسي الإغريقي كأفلاطون وأرسطو، دور هام في وضع الأساس الذي قام عليه مبدأ الفصل بين السلطات، إذا أوضح أفلاطون أن وظائف الدولة يجب أن تتوزع على هيئات مختلفة مع إقامة التوازن بينها لكي لا تتفرد إحداهما بالحكم، وما قد يؤدي إله ذلك من و وقوع الاضطرابات و الثورات للتمرد على هذا الاستبداد.
أما أرسطو فقسم وظائف الدولة إلى ثلاث، وظيفة المداولة و الأمر و العدالة، على أن تتولى كل وظيفة منها مستقلة عن الهيئات الأخرى، مع قيام التعاون بينهما جميعا لتحقيق الصالح العام، بحيث لا تتركز الوظائف في يد هيئة واحدة.
و كان جون لوك أول من أبرز أهمية مبدأ الفصل بين السلطات في العصر الحديث في مؤلفه "الحكومة المدنية" الذي صدر سنة 1690 بعد الثورة الجليلة ل 1688 في إنجلترا التي أدت إلى إعلان وثيقة الحقوق سنة 1689 .
و قسم جون لوك سلطات الدولة إلى ثلاث:السلطة التشريعية، و السلطة التنفيذية، و السلطة الاتحادية، و أكد على ضرورة الفصل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، بحيث تتولى كل منها هيئة مستقلة عن الأخرى.
و برر لوك هذا الفصل على أساس طبيعة عمل السلطة التنفيذية بحيث يتطلب وجودها بصفة دائمة، في حين أن الحاجة ليست دائمة إلى وجود السلطة التشريعية من ناحية، كما أن الجمع بينهما في هيئة واحدة سيؤدي حتما إلى الاستبداد و التحكم من ناحية أخرى.
والذي يمكن ملاحظته على أفكار لوك هو أنه لم يعر أهمية للقضاء ولم يتحدث عن استقلاله والسبب في ذلك هو أن القضاة حتى الثورة كانوا يعينون و يعزلون من الملك أما بعد الثورة فكانوا يعينون بواسطة البرلمان لكنهم لم يحصلوا على استقلال في وظائفهم.
و ما يؤخذ على أفكاره هو أنه لم يقدم لنا إلا صورة لما كان سائدا في انجلترا و أنه أيضا لم يقدم لنا سوى تمييزا بين الوظائف.
ب) عند مونتسكيو:
إن مبدأ الفصل بين السلطات لم يأخذ الأهمية الكبيرة التي نالها إلا بعد أن نشر مونتسكيو مؤلفه الشهير "روح القوانين" سنة 1748.
لمعالجة المبدأ ينطلق مونتسكيو من الفكرة التي تقضي بتقسيم وظائف الدولة إلى ثلاث: تشريعية، تنفيذية و قضائية. لكن الفكرة الأساسية التي عالجها في كتابه هي أن قد يسيء استعمال السلطة التي يتمتع به أو حتى لا يساء استعمالها يجب بمقتضى الأمور إقامة توازن بين السلطات من غير أن يكون باستطاعة إحداها شل أعمال الأخرى عندما تمارس عملا له علاقة بأعمال أخرى.
و قد أحسن مونتسكيو بأهمية هذا التعاون، فقال داعيا إلى تنظيم الإجراءات الضرورية لإقامته بين السلطات التي يتوجب عليها إقامة التعاون يتم عن طريق منح كل عضو سلطة faculté d empêcher و سلطة الردع faculté de statuer الحكم أي وسائل العمل التي من شأنها أن تمنع تنفيذ القرارات الخاطئة الصادرة عن السلطة الأخرى للوصول إلى إقامة التوازن و التعاون بين السلطات.
ومن هنا يمكننا القول أن نظرية مونتسكيو تضمنت النقاط التالية:
أ- قسم السلطات العامة في الدولة إلى ثلاث، التشريعية، التنفيذية و القضائية و بين المهام الأساسية التي تضطلع بها كل سلطة.
ب- أكد على توزيع السلطات و فصلها بهذه الصورة أمر ضروري لأنها لو تجمعت في يد هيئة واحدة لأدى إلى الاستبداد.
ج- لم يتوقف مونتسكيو عند حد الفصل فقط و إنما استلزم قيام كل سلطة بمراقبة السلطات الأخرى لوقفها عند الحدود المقررة لها إذا اقتضى الأمر حتى لا تتجاوزها إلى الاعتداء على السلطات الأخرى.
تقسيمات الأنظمة السياسية حسب ممارسة السيادة
فالسيادة هي قدرة استعمال السلطة المادية في الإقناع أو في القهر داخل المجتمع السياسي لتنظيم شئونه المختلفة و توجد ثلاث نماذج على وجود التصويت كمعيار تعتمد عليه النظم لتيسير شئونها:
1- نظام الحكم السياسي المباشر – الديمقراطية المباشرة .
2- النظام التمثيلي – الديمقراطية النيابية .
3- النظام شبه المباشر – الديمقراطية شبه المباشرة.
و توجد كذلك أنواع أخرى من الأنظمة السياسية التي تعتمد أصلا في نشوئها أو ممارستها على الانتخابات و التي يفترض قيامها لأسباب مختلفة و من هذه الأنظمة:
1- النظام الفردي : ترتكز السلطة بيد الفرد سواء ملكا أو رئيسا.
2- نظام حكم القلة : نظام وسطي بين حكم الفرد و الجماعة.
3- النظام الثوري و الانقلابي : هذا النظام يحصل على السلطة من خلال الانقلاب و الثورة .
4- النظام المختلط: يتكون من هيئتين هيئة سياسية منتخبة و هيئة سياسية غير منتخبة يعملان جنبا إلى جنب.
خصائص هذه الأنظمة:
1- عدم الاعتماد في اتخاذ الانتخابات أساسا لممارسة هذه النظم لسيادتها وقتية أو دائمة.
2- اقترنت أكثر هذه الأنظمة بظهور السلطة المتسلطة و الفردية كنتيجة للظروف الخاصة للمجتمع.
* التطبيقات العملية لمبدأ الفصل بين السلطات:
إن تفسير مبدأ الفصل بين السلطات أدى إلى نشأة نظامين متوازنين ومختلفين النظام الأول مستوحى من الفصل المطلق بين السلطات وهو النظام الرئاسي، والنظام الثاني هو تطبيق الفصل المرن بين السلطات وهو النظام البرلماني، وسنعرض لكل من هذين النظامين وخصائصهما وأهم تطبيقاتهما في العالم المعاصر ونظام حكومة الجمعية أو النظام المجلسي.
أ. النظام الرئاسي
تأثر واضعو الدستور الأمريكي 1787 بكتابات لوك ومونتسكيو، وكان تفسيرهم لمبدأ الفصل بين السلطات على أنه يعني الفصل المطلق بين السلطات وعلى ذلك أرسى الدستور الأمريكي مبدأين : مبدأ الاستقلال العضوي لكل سلطة، ومبدأ التخصص الوظيفي.
ويقصد بالاستقلال العضوي أن تكون كل سلطة من سلطات الدولة الثلاث، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، مستقلة عن السلطتين الأخريين، وخاصة في مجال التكوين والحل. فرئيس الولايات المتحدة ينتخب بواسطة الشعب ولا يمكن مساءلته أمام البرلمان. والكونجرس يتم اختيار أعضائه من الشعب ولا يملك الرئيس الأمريكي حل البرلمان.
أما التخصص الوظيفي فيقصد به أن تختص كل سلطة من السلطات الثلاث بوظيفة معينة بذاتها. فلا يجوز لأي سلطة أن تجاوز وظيفتها إلى غيرها مما يدخل في اختصاص سلطة أخرى.
إن الاستقلال العضوي والتخصص الوظيفي لا يعني عدم التعاون في أداء الوظائف، فكل سلطة تتعاون مع الأخرى في أداء الوظيفة المعهود بها إليها وقد نما هذا التعاون مستقلاً عن النصوص القليلة الموجودة في دستور سنة 1787، والتي لم تشتمل إلا على عناصر ضئيلة متعلقة بالتعاون الوظيفي.
خصائص النظام الرئاسي:
1. وحدة السلطة التنفيذية: يعهد بالسلطة التنفيذية إلى شخص واحد هو الرئيس الأمريكي الذي يجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ويساعد الرئيس عدة من السكرتيرين، وهم يقابلون الوزراء في النظام البرلماني، إلا أنهم لا يملكون سلطة في إصدار القرارات. ويستمد الرئيس سلطاته من كونه منتخباً من الشعب في مجموعه، ونتيجة لذلك فهو يتمتع بمركز قوي. وهو مستقل عن الكونجرس الذي لا سلطة له في اختياره، كما أنه لا يملك مساءلته سياسياً.
2- يعين الرئيس السكرتيرين ويعزلهم، كما أن السكرتيرين لا يكونون مجلس وزراء مستقل عن الرئيس. ومن ناحية أخرى ليس للسكرتيرين حق أن يكونوا أعضاء بالكونجرس؛ إذ لا يجوز الجمع بين سكرتارية الوزراء وعضوية البرلمان أي الكونجرس بمجلسيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
3- للرئيس أن يقترح قانوناً وخاصة في رسالته السنوية التي يوجهها إلى الكونجرس، والتي تعتبر بمثابة برنامج تشريعي للسنة التالية، ولكن البرلمان يستطيع أن يرفض اقتراح الرئيس حتى لو تعلق الأمر بالميزانية، ولا يملك الرئيس وسيلة لإجبار الكونجرس على الموافقة على اقتراحاته.
4- لا يملك الكونجرس أن يحرك مسئولية الرئيس السياسية أو مسئولية أي من الوزراء أي السكرتيرين. وفي مقابل ذلك لا يملك الرئيس حل الكونجرس.
5- تتخصص كل سلطة في الوظيفة المعهود بها إليها: فالسلطة التنفيذية يتولاها الرئيس. وكل المهام التشريعية يتولاها الكونجرس، أي أن التخصص الوظيفي هو المبدأ العام. هذا مع مراعاة أن هناك استثناءات على هذا المبدأ وهذه الاستثناءات بعضها تجد مصدرها في الدستور نفسه مثل حق الفيتو الممنوح للرئيس في مواجهة القوانين التي وافق عليها الكونجرس وحق مجلس الشيوخ في الاعتراض على تعيين كبار الموظفين الفيدراليين. وهناك استثناءات نبعت من التطبيق العملي مثل حق الرئيس في اقتراح التشريعات عن طريق رسائل يبعث بها إلى الكونجرس.
ب. النظام البرلماني:
يقوم النظام البرلماني على أساس الفصل المرن بين السلطات مع وجود تعاون وتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ويوجد بالنظام البرلماني رئيس دولة وإلى جانبه رئيس للوزارة: رئيس الدولة يسود ولا يحكم أما رئيس الوزارة فيتولى مسئولية الحكم. ويتكون البرلمان عادة من مجلسين.
وتتميز العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بالتعاون والرقابة المتبادلة مما يجعل النظام متسماً بالتوازن. ويبدو التعاون في إمكان مساهمة السلطة التنفيذية في عملية التشريع. إذ بينما يحظر على الرئيس الأمريكي اقتراح القوانين، يجوز للحكومة في ظل النظام البرلماني أن تقدم مشروعات قوانين البرلمان، بل إن أكثر من 90% من التشريعات في النظم البرلمانية ذات أصل حكومي.
أما الرقابة المتبادلة فتظهر في حق الحكومة في حل البرلمان، وإمكان مساءلة الحكومة أمام البرلمان عن طريق السؤال والاستجواب وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها.
ويوجد في العالم اليوم عديد من الدول التي تتبنى النظام البرلماني أهمها: في أوربا: بريطانيا وجمهورية ألمانيا الاتحادية والنمسا وإيطاليا ولوكسمبورج وأيرلندا وبلجيكا وهولندا والسويد والنرويج وإيسكلندا والدانمارك. وفي آسيا: اليابان والهند. وفي أستراليا: أستراليا ونيوزلندة وفي أمريكا الشمالية كندا.
خصائص النظام البرلماني:
1. ثنائية السلطة التنفيذية: من خصائص النظام البرلماني ثنائية السلطة التنفيذية، إذ يوجد رئيس دولة، سواء أكان ملكاً أم رئيس جمهورية، يسود ولا يحكم وإلى جواره يوجد رئيس وزراء يتولى مسئولية الحكم ويكون مسئولاً أمام البرلمان.
2. مسئولية الوزارة: تسأل الوزارة أمام البرلمان مسئولية جماعية تضامنية ومسئولية فردية. وتعتبر المسئولية التضامنية عن السياسة العامة للحكومة هي أهم ما يميز النظام البرلماني.
3. البرلمان مكون من مجلسين غالباً: ففي إنجلترا يوجد مجلس اللوردات ومجلس العموم وكذلك الحال في أغلب الدول البرلمانية المعاصرة التي أوردنا تعداداً لها فيما سبق. غير أن وجود مجلسين بالبرلمان ليس أمراً ضرورياً لكي يعتبر النظام برلمانياً.
4. التوازن النظري بين السلطات: وهذا التوازن هو نتيجة المساواة بين السلطتين، كما أنه نتيجة لتبادل المعلومات وللتعاون ولتبادل الرقابة والتأثير. فالسلطة التنفيذية لا تتدخل في اختيار أعضاء البرلمان أو في تنظيمه الداخلي ولكن للسلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للانعقاد وحق فض دورات انعقاده. ومن ناحية أخرى للبرلمان مساءلة الحكومة عن طريق الأسئلة والاستجوابات وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها. وفي مقابل ذلك لرئيس الوزراء أو لرئيس الدولة حسب الأحوال حق حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.
هذه هي المعالم الرئيسية للنظام البرلماني الذي ازدهر في القرن التاسع عشر وكان موضع إعجاب الكثير من الكتاب الأوربيين التقليديين الذين لا يزالون يحلمون بعودة هذا النظام باعتباره نظاماً متوازناً.
غير أن هذا التوازن النظري بين السلطة لم يكن مطبقاً من الناحية العملية بشكل جامد ويمكن من الناحية التاريخية أن نقول أن البرلمانية مرت بمراحل ثلاث:
مرحلة البرلمانية المزدوجة المتوازنة ثم مرحلة البرلمانية التي يغلب فيها البرلمان مصحوباً بمسئولية الحكومة أمامه وأخيراً المرحلة المعاصرة وهي البرلمانية التي تسود الآن في إنجلترا ولا يمكن أن تثور في ظلها مسئولية الوزارة أمام البرلمان بسبب تكوين الحكومة الإنجليزية ودور الحزبيين السياسيين في إنجلترا.
1. أما عن البرلمانية المزدوجة المتوازنة فهي تلك التي سادت في ظل الملكيات غير المطلقة كان الحكم مقسماً بين قطبين سياسيين هامين هما رئيس الدولة والبرلمان، وكان التوازن هو السمة الغالبة على العلاقة بين هذين القطبين وهذه هي البرلمانية التي سادت في إنجلترا قبل حكم الملكة فيكتوريا وفي ظل ملكية يوليوز في فرنسا.
2. وأما عن البرلمانية المطبوعة بالمسئولية الوزارية فهي تلك التي تحددت معالمها بعد الحرب العالمية الأولى وفي ظل هذه البرلمانية كانت السلطة مركزة في يد البرلمان الذي كان يلعب أهم دور في الحياة السياسية وهذا الدور يكتسب أهمية من أن الحكومة كانت نابعة من البرلمان. فالأغلبية البرلمانية هي التي تكون تشكيل الحكومة ومن هنا كانت الحكومة مجرد لجنة منبثقة عن البرلمان.
ولا يمكن أن تستمر الحكومة في تولي مهام السلطة التنفيذية إلا إذا كانت محل رضاء البرلمان لأنها مسئولة أمامه. أي أن المسئولية الوزارية أمام البرلمان كانت هي المعيار الكافي للحكم على النظام بأنه برلماني وإذا ما فقدت الحكومة ثقة البرلمان فإنها من الناحية القانونية تكون مرغمة على تقديم استقالتها.
3- البرلمانية المعاصرة: في وقتنا الحاضر تعدت البرلمانية هاتين المرحلتين. والمثال الواضح على ذلك هو النظام الإنجليزي، فلم تعد المسئولية الوزارية أو التوازن بين السلطات هي معيار الحكم على النظام بأنه برلماني. ذلك أن نظام الحزبين في إنجلترا غير الوضع فالحكومة الإنجليزية هي لجنة مكونة من حزب الأغلبية داخل مجلس العموم البريطاني. ولذا فإن الحزب الحاكم يسيطر على كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما يجعل هاتين السلطتين هيئة واحدة من الناحية العضوية كما أن المسئولية الوزارية أمام مجلس العموم لا تنعقد من الناحية العملية، لأن الحزب الحاكم لن يخاطر بسحب الثقة من الحكومة حتى لا يضر بمصالح الحزب، والآن حل محل هذه المسئولية أمام البرلمان أن يحتكم رئيس الوزراء إلى الشعب بحل البرلمان في وقت مبكر وإجراء انتخابات جديدة بحيث تصبح مساءلة الحكومة مباشرة أمام هيئة الناخبين لا أمام البرلمان.
وإذا كانت النظم البرلمانية تختلف في كثير من معالمها فإن المعيار أو الجامع بينها من الناحية القانونية هو مسئولية الوزراء السياسية أمام البرلمان فيما عدا هذا العنصر المشترك بين النظم البرلمانية هناك عدة نظم برلمانية تبعاً لعدد الأحزاب السائدة في الدولة.
فإذا كان هناك حزبان سياسيان يسيطران على الحياة السياسية كما هو الحال في إنجلترا أو حزب واحد مسيطر كما هو الحال في الهند فإن الحكومة تقوم بممارسة مهمة الحكم والقيادة وهي تتمتع بقدر من الثبات ولا تكون عرضة للتهديد من جانب البرلمان الذي يتحول إلى مجلس لتسجيل الأحداث والمناقشات، أما إذا كانت هناك عدة أحزاب ليس من بينها حزب حائز على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان فإن الحكومة ستتكون من ائتلاف بين عناصر غير متناسقة وغير ثابتة، ويرجع عدم الثبات إلى كثرة مساءلة الوزارة من جانب البرلمان وسحب الثقة منها، وهنا يبدو على العكس من الصورة السابقة أن البرلمان هو الجهاز المسيطر على الحياة السياسية. والمثال على هذا نظام الجمهورية الرابعة في فرنسا.
ج- النظام المجلسي : حكومة الجمعية
يقوم هذا النظام على تركيز السلطتين التشريعية و التنفيذية استنادا إلى فكرة وحدة السيادة في الدولة.
و يمكن حصر خصائص هذا النظام في ناحيتين :
1- تبعية الهيئة التنفيذية للسلطة التشريعية :باعتبار هذه الأخيرة ممثلة الشعب، و نظرا لصعوبة مباشرتها مهام السلطة التنفيذية بنفسها فإنها تختار لجنة تنفيذية من بين أعضائها، لهذا الغرض و بالتالي فإن الهيئة التنفيذية تكون خاضعة للجمعية النيابية تعمل تحت إشرافها ورقابتها و هي مسؤولة أمامها.
2- عدم تأثير الهيئة التنفيذية على السلطة التشريعية :مادامت الهيئة التنفيذية بنفسها تابعة للسلطة التشريعية فإنها لا تملك نحوها أية حقوق كحق حل البرلمان أو دعوته للانعقاد أو تأجيل اجتماعه.
و في الوقت الحالي يمكن القول أن نظام حكومة الجمعية له تطبيق وحيد في الديمقراطيات الغربية هو النظام السياسي في سويسرا.
النظام السياسي في سويسرا
سويسرا : دولة اتحادية مكوّنة من 7 مقاطعات و 30 نصف مقاطعة، و تقرر هذا الإتحاد بصفة رسمية 1848، بعد انتهاء الحرب الأهلية التي دامت سنتين تغلب فيها الأنصار الذين كرّسوا أفكارهم في دستور 1848، و تعتمد سويسرا مبدأ الحياد الدّائم.
و تتميّز سويسرا بأنها تطبق الديمقراطية شبه المباشرة، بشكل واسع مع تطبيق بقايا الديمقراطية المباشرة في 3 مقاطعات صغيرة. و في المجال السياسي تأخذ بنظام حكومة الجمعية الاتحادية (الفدرالية)، و المجلس الاتحادي أو الفدرالي.
1- الجمعية الاتحادية : (الفدرالية): البرلمان:
تتكوّن من مجلسين هما :
أ- المجلس الوطني :
يمثل شعب الإتحاد على أساس نائب واحد لكل 25 ألف مواطن، و ينتخب هذا المجلس لمدة 4 سنوات وفقا لنظام التمثيل النسبي و يبلغ عدد أعضائه 200 نائبا.
أ- مجلس المقاطعات أو الولايات أو الدويلات :
يمثل هذا المجلس المقاطعات بمعدل نائبين لكل مقاطعة و نائب واحد لكل نصف مقاطعات و هذا بغض النظر عن الكثافة السكانية.
- اختصاصات الجمعية العامة:
يتولّى بالإضافة إلى سن القوانين المهام الآتية :
1- انتخاب المجلس الفدرالي
2- انتخاب رئيس الإتحاد.
3- تعيين أعضاء المحكمة الفدرالية.
4- تعيين قائد الجيش.
5- حل الخلافات المتعلقة باختصاصات السلطات الاتحادية.
2- المجلس الاتحادي : الفدرالي
يتولى هذا المجلس مهام السلطة التنفيذية و هو يتألف من 7 أعضاء تنتخبهم الجمعية الاتحادية بالأغلبية المطلقة لمدة 4 سنوات كما تنتخب من بينهم رئيسا للإتحاد لمدة سنة فقط غير قابلة للتجديد مباشرة يقوم رئيس المجلس الاتحادي بوظيفة رئيس الدولة إلاّ أن سلطاته شرفية فقط فهو لا يتميّز عن بقية أعضاء المجلس الفدرالي.
- صلاحيات المجلس الاتحادي:
أ. يمارس هذا المجلس السلطة الحكومية بصفة جماعية و لا يستطيع الاجتماع إلاّ بحضور 4 من أعضائه و يتولّى كل عضو وزارة من الوزارات.
ب. بإمكان المجلس تقديم مشاريع قوانين و كذلك تقديم تقارير بناءا على طلب من الجمعية الاتحادية.
ج. نشير إلى أن الجمعية الاتحادية لها الحق في توجيه الأسئلة و الاستجواب إلى أعضاء المجلس الاتحادي و في حالة سحب الثقة منه فإنه لا يقدم استقالته و لكن هو ملزم بأن يعدّل سياسته طبقا لرغبة الجمعية الاتحادية.
التقسيم من جهة ممارسة السيادة:
السيادة هي قدرة استعمال السلطة المادية في الإقناع أو القهر داخل المجتمع السياسي لتنظيم شئونه المختلفة، ويندرج تحت هذا النوع أنظمة عديدة من الحكومات التي عرفت قديما وحديثا على شكل ملكية كانت أم جمهورية ذات مضمون ليبرالي أو كلي، بشكل مؤقت أو دائم، فتوجد أربع نماذج رئيسية حيث مصدر سلطتها غير الانتخابات وهي:
نظام الحكم الفردي: يقصد به تركيز السلطة أو السيادة في هذا النظام بيد الفرد ملكاً كان أو رئيس جمهورية مكرس سلطته في وثيقة أم لا، فالسيادة تعود للفرد الواحد يمارسها حسب مشيئته، وهذا النوع من النظام عرف سابقا حيث أن سلطة المل