براهيم عيسى يكتب :أزمة غزة بين حكمة الرئيس وحكمه
الرئيس مبارك كان مصمماً على أن يضع بصمات الآخرين فوق جثة العروبة النافقة منذ السكوت المخجل عن مجازر إسرائيل وعدوانها أظن أن باب الاتهامات بالمتاجرة باب مفتوح من الاتجاهين ويمكن للجميع أن يتهم به الجميع
كان خطاب الرئيس مبارك فى مؤتمر القم العربية يوم الإثنين الماضى نموذجاً واضحاً يكاد يكون أوضح مما يجب عن وجهة نظر الرئيس وسياسته فيما يخص العالم العربى والقضية الفلسطينية، ولعلى أعتقد أن نفاد الصبر بدا يميز التعبير المصرى الرسمى عن نفسه وأفكاره، فأن ينقل رئيس فرنسى عن مبارك كلاما عن أن الرئيس يوصى بعدم خروج حماس منتصرة من حرب غزة وهو ما نفته الرئاسة المصرية فيما بعد ولم تنفه الرئاسة الفرنسية فهذا يعبر عن ضيق صدر الرئيس بحركة حماس هكذا أمام ضيفه وكأنه يتحدث مع رجال قصره وليس رجل قصر الإليزيه، ثم ما ينقله الدبلوماسيون الغربيون عن آراء مبارك الصريحة والجارحة لبعض من حركات وقيادات المقاومة وما ينقله مفوضو وممثلو حماس وغيرها من الفصائل من تعبيرات غاضبة وخشنة ضد دول عربية وقادتها يدخل كله فى حيز عدم الصبر وفراغ الطاقة والذى يعكس بطبيعة الحال إحساساً بالضغوط الهائلة فضلاً عن البعد الفسيولوجى، فقيادات مصر بلغت من العمر مرحلة لا تحتمل فيها كظم الغيظ أو لجم الغضب، وفى السياق ذاته فإن الخطاب الذى ألقاه مبارك فى القمة كما عكس لهجة البلد الحانق فقد أظهر كذلك روح القيادة التى تعتقد أنها بلغت من الرؤية والحكمة ما لا يجب لأحد أن يناقشها فيها وفيما تفعل وأن الأمور تقتضى طبقا لمنطقها السير وراء مواقفها وحكمتها بالتصفيق والتهليل وليس بالتشويش والمشاغبة، وأن امتلاك هذه القيادة للحقيقة المطلقة والحكمة الخالصة لا يتحمل لماضة من أحد أو معارضة من مجموعة جهولة أو مجهولة أو مراهقة
من هنا أصدق تماماً صدق الرئيس مبارك وإخلاصه فى هذا الخطاب الذى أشم فيه رائحة كتابة دكتور مفيد شهاب «وأكاد أصدق أن فيه شيئا من روح صياغة دكتور أحمد كمال أبوالمجد» فأنا لا أعرف من كتب هذا الخطاب بالضبط ، وكذلك بيان مطالبة إسرائيل بوقف إطلاق النار لكن يد رجل قانونى وسياسى قديم وعميق الصلة بذكريات الشأن الفلسطينى لابد وأنها تقف وراء سطوره، فضلا عن دقة الخطاب فى الإفصاح عن سن رجل وصل لاقتناع راسخ بصحة وحكمة موقفه حتى إنه ضاق ذرعا بنكران البعض لأفضاله
وأعرف أن الكثيرين الماثلين على الساحة السياسية والإعلامية المصرية يحبون أن يسلموا للرئيس مبارك بقدراته على إدارة ملف العلاقة مع إسرائيل والعرب، فإذا انتقدت هذه السياسة أو عارضتها فإنهم يسارعون لسحب الوطنية عنك، وأكثرهم رحمة بنا وشفقة علينا يتأسف على أن معارضتنا للسياسة الداخلية للرئيس أعمتنا عن رؤية حقيقة جدارة سياسته الخارجية، فإننا انطلاقا من معارضتنا له فى الداخل نعارضه لمجرد المعارضة والعناد فيما يتصل بسياسته الخارجية
لكننى فيما أعتقد لا أجد أى فارق ولا فرق بين السياسة الداخلية والخارجية للرئيس مبارك على الإطلاق، فيكاد الأمر يكون متوحدا تماما، فهو يتميز بالفردية والانفراد بصناعة القرار بعيداً عن الرجوع للرأى العام ولا الاعتبار للمعارضة فقرار الداخل مخطوف بأغلبية مزورة وقرار الخارج مُصَادر لصالح المصلحة التى يراها الرئيس ويحتكرها دونا عن الآخرين، ومن ملامحه كذلك الاستبعاد والنفى للرأى الآخر فكل من يخالف الرئيس فى سياسته الداخلية عميل مأجور لأمريكا والأمريكان الذين يحركون أذنابهم فى مصر «إلا من استثناه النظام وختمه بخاتم الوطنية» وكل من عارض موقف الرئيس وسياسته الخارجية فهو عميل للقوى الإقليمية ولإيران وهكذا يجد المعارض نفسه عميلاً لجهتين من الصعب أن يعمل لديهما معا إلا عفريت من الجن، فكيف تكون عميلا لأمريكا حين تقول للرئيس أن يجرى إصلاحات سياسية ثم تكون أنت نفسك عميلاً لإيران لو قلت للرئيس افتح المعبر وتوقف عن تصدير الغاز لإسرائيل؟
الثابت أن هناك منهجين فى الرؤية شديدى الاختلاف والتباين فى النظر لإسرائيل، وهو التناقض المركزى والرئيسى بين الرئيس وأنصاره من جهة وبين معارضيه من جهة أخرى وهو ما يحرك الأزمة التى تطاحنت داخليا وعربيا عقب العدوان الإسرائيلى على غزة وما تبعه من مجازر وجرائم حرب وقفت إزاءها مصر الرئيس موقفا بدا لكثيرين داخل مصر أقل مما يجب، بل أقل مما يحتمله أحد، وشهد هجوماً سياسياً عنيفاً ضد مصر فى العالم العربى وكان سهلاً للغاية أن تتهم مصر قطر وسوريا وإيران بالوقوف خلفه، وكأن مصر الرئيس لم تعد تصدق أن هناك من يتخذ موقفاً ضدها وضد سياستها لوجه الله ولأجل اعتقاده وأن مئات الألوف الذين خرجوا فى مظاهرات رفعت شعارات ضد السياسة المصرية تجاه فلسطين والعشرات من المفكرين والإعلاميين والسياسيين الذين انتقدوا وعارضوا موقف مبارك كلهم عملاء وباعة ذمم، ولم تراجع مصر الرئيس نفسها أبداً فى هذا الموقف ولا بدا أنها مستعدة لإعلان خطئها فى القرار وفى التقدير، وهذا ما ظهر بقوة وجلاء فى خطاب الرئيس مبارك فى القمة والذى خلا من أى لحظة مراجعة للذات وخلا تماما كذلك من أى اعتراف بخطأ فى التقدير أو فى الحساب، بل كان خطاباً مكرساً كله فى تحميل الآخرين مسئولية التدهور والانحدار العربى وأنهم جميعا لم يسمعوا الكلام ولم يصدقوا الحكمة ولم يمشوا وراء النبوءة، ومن هنا فقد حصل الملك عبدالله ملك السعودية على حظ من التعاطف الدافئ عقب خطابه رغم أن سياسة مبارك كانت توأم سياسة الملك، لكن الأخير اعترف أو حاول أن يبدو كريما فاعترف بمسئوليته كما كل القادة عما فيه العرب فى هذه اللحظة، بينما الرئيس مبارك كان مصمماً على أن يضع بصمات الآخرين فوق جثة العروبة النافقة منذ السكوت المخجل عن مجازر إسرائيل وعدوانها
العودة ضرورة إذن لخطاب الرئيس مبارك فى القمة العربية وهو الشارح المبين للمفهوم والمنظور المصرى الرسمى لما تعيشه الأمة العربية فى وقتنا الحالى ففى الخطاب
يقول الرئيس «امتحنت هذه المأساة عملنا العربى المشترك فكشفت الكثير من أوجاعه وتناقضاته ومعايبه وأوضحت للأسف انقسام عالمنا العربى واختراقه وتشتته»
ولا أظن كائنًا من كان يختلف مع الرئيس فى توصيفه للحال العربى الراهن، لكن المدهش أن هذا الكلام إن جاء من محلل سياسى أو ضيف فى برنامج تليفزيونى لوافقناه وصفق له بعضنا، لكن أن يصدر من رئيس أكبر دولة عربية فهو الأمر الذى يستدعى التأمل فى فداحة الوصف مع تجاهل أن الرئيس شريك أساسى وأصيل فى صناعة المشهد وأنه لو كان الواقع العربى هكذا وهو هكذا فعلاً فهو كفيل بأن يدفع الحكام العرب المسئولين عن ترديه واهترائه ومبارك منهم وأولهم باعتبارات المكانة والمكان يدفعهم للرحيل، فإما أنه صانع معهم لهذا الوضع وإما أنه عاجز عن تغيير هذا الوضع، وفى الحالتين هذا وضع لابد بعده من ولادة، ومن العجيب أن توصيف الوضع العربى وانقسامه واختراقه وتشتته أمر يشترك فيه بشار الأسد والقذافى وأمير قطر مع رئيس مصر وملك السعودية وعاهل الأردن، فمادام كلا الطرفين يجمعان على سوء الوضع فالأجدر بالطرفين أن يعلنا التنحى ويتركا الساحة للراحة
يقول الرئيس «كان منطق الأمور يملى علينا الوقوف إلى جانب «غزة» بمواقف جادة تعى خطورة العدوان وشراسته وتسعى لإيقافه واحتواء تداعياته الإنسانية بعيداً عن المزايدة والشعارات الجوفاء»
ليس هناك أكثر من الإفراط فى استخدام تعبيرات مثل تلك فى السياسة المصرية هذه الأيام، وحين يستخدمها الرئيس مبارك بنفسه فى خطاب مفصلى فى أزمة مدوية فهو يعنى اعتمادا كاملا مختوما بخاتم النسر من الدولة المصرية لوصف ما عداها من أفعال وأقوال تصدر من دول وجهات وجماعات بالمزايدة والشعارات، وليست الشعارات فقط بل الشعارات الجوفاء، والأمر كله يستحق السؤال الأمين والمخلص عن معنى هذه الأوصاف، فيبدو أنها من كثرة ما ترددت لم يعد أحد معنيا بمعناها، فالمؤكد يا سيدى الرئيس أن الشعارات ليست حاجة وحشة أبدا، فالحرية والإخاء والمساواة شعارات أقامت ثورة وأمة وغيرت العالم حين غيرت فرنسا، و«الدين لله والوطن للجميع» شعار مصرى رائع ربى أفكار الملايين ومازلنا نتمناه ونردده، وشعار «ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة» كان شعاراً حقيقياً وصادقاً ولم يحدث أن أُخذ شىء بالقوة واسْتُرد بالتفاوض وإذا لم تكن هناك قوة حرب أكتوبر التى كنت أحد رجالها يا سيادة الرئيس ما كان السلام الذى كنت كذلك أحد رجاله، بل حرب أكتوبر نفسها شهدت الشعار الأعلى والأنبل وهو «الله أكبر»، وفى كل أحداث التاريخ ورغما عن كل تهكمات المتهكمين وقصور القاصرين فقد صنعت الشعارات أعظم الثورات وغيرت التاريخ وربما لهذا فقط تحفظ الرئيس حين زاد وصف «الجوفاء» على الشعارات حتى لا يصم الشعارات بما لا يجب أن توصم به من رئيس يجلس على مقعد رئاسة بلد علم العالم كيف تكون الشعارات والأحلام مفاتيح للخلود والمجد، ومن هنا نسأل عن معنى جوفاء؟ ومن القادر على معرفة كنه وحقيقة أنها جوفاء «المقصود طبعا بالجوفاء أنها صادرة من الجوف وليس من القلب وأنها لا تتجاوز الصوت وأنها فارغة من المعنى ومن ثم لا تفعل ولا تقدم فعلا ولا تغير أمراً»؟ وأستغرب هذا الصدق الذى يتجلى فى نبرة الرئيس وهو يتهم مقاتلين على خط النار ومقاومين أمام قوات الأعداء يدفعون أعمارهم وحياتهم فداء لوطنهم وأرضهم ودينهم بأنهم يرفعون شعارات جوفاء، هل الموت فى سبيل الله شعار أجوف؟ هل التضحية من أجل تحرير الوطن شعار أجوف؟ هل تسقط إسرائيل شعار أجوف؟ هل لن نستسلم ولن نتنازل عن شبر واحد من أرضنا شعار أجوف؟ هل المرأة الفلسطينية التى تصرخ حزنا على موت ابنها تحت الأنقاض ثم تصرخ بعدها مباشرة «تعيش المقاومة» شعار أجوف؟ هل مليون شهيد فى الجزائر من أجل تحريرها شعار أجوف؟ هل هتاف الملايين من المصريين على مدى السنين «نموت نموت وتحيا مصر» شعار أجوف؟
لعلى مخطئ «وأتمنى ذلك» وألا يكون هذا قصد الرئيس، ربما يقصد ما قاله أمير قطر ورئيس سوريا أو أنه أراد أن يصف كلامهما عن المقاومة بأنها مزايدة وشعارات جوفاء، وربما يكون كذلك وربما لا يكون، لكن اتهامًا من هذا النوع يسمح بمنتهى البساطة أن يصف آخرون كلام الرئيس مبارك عن حق أهل غزة فى الحياة والعيش دون التعرض لإطلاق القذائف وعن أن السلام هو طريق الرخاء والحرية وأن مصر ثابتة فى الدفاع عن الشعب الفلسطينى وهذا الكلام الكثير الذى تردده مصر بأنه شعارات جوفاء كذلك، الحقيقة أن اتهام كل طرف للآخر بالمزايدة وبترديد الشعارات الجوفاء مسألة سهلة وغير مكلفة وتنتهى غالبا بلا غالب ولا مغلوب
يقول الرئيس «من المؤسف أن يعمل البعض على تقسيم العرب إلى «دول الاعتدال» و«دول الممانعة» كأننا لا نتعلم من أخطاء الماضى، ودروس التاريخ القريب وكأننا نعود بالعالم العربى ثلاثين عامًا إلى الوراء هل هى عودة لـ «جبهة الرفض» خلال سبعينيات القرن الماضى؟ أولم نعتمد معا وبالإجماع فى بيروت مبادرة عربية للسلام العادل والشامل؟»
والحقيقة هذه فرصة للسؤال الأكثر مرارة فى حياتنا العربية وهو «مَنْ الذى أخطأ فى الماضى؟ » ربما لا يعرف الرئيس أن هناك من يؤمن عن عقيدة بأن الذى أخطأ فى الماضى هو الرئيس السادات ومصر الرسمية حين عقدت صلحا فرديا مع إسرائيل وقضت على وحدة الموقف العربى أو على احتمالية وحدة الموقف العربى، فالحاصل أن الرئيس يسأل وهو واثق أن الإجابة لا يمكن أن تخرج عما يؤمن به وهو أن الذى أخطأ فى الماضى هى دول الممانعة أو جبهة الرفض وأن الحاضر أثبت أن الرئيس السادات كان صاحب رؤية سابقة لعصره حين تصالح مع إسرائيل، والمفاجأة أن هناك من يعتقد يا سيادة الرئيس فى العكس تماما وكلية، وأن الحاضر أثبت أن إسرائيل كيان عنصرى واستعمارى ونازى وعدوانى ولا يمكن أن يتنازل عن إرهابه وأطماعه التوسعية وأن السلام معه وهم كامل وأنه لابد من هزيمته عسكريا وحضاريا لأجل إقامة دولة فلسطين وتحرير كامل التراب الفلسطينى شعار آخر مما يكرهها الرئيس لكننا نذكره بأن تحرير كامل التراب الفلسطينى شعار يشبه شعار اليهود بالأرض الموعودة وأرض الميعاد وكما تحقق الثانى سيتحقق الأول بإذن الله ويبدو تمسك الرئيس ومن معه بالمبادرة العربية للسلام أمرًا فى غاية الغرابة فهى مبادرة ملقاة على الرصيف وموءدة منذ ميلادها وإسرائيل تتعامل معها بتأفف وتعفف، ومع ذلك فالرئيس يعتبرها مقياسا للفصل بين الممانعة والموالاة، وإذا كان الملك عبدالله ملك السعودية الذى خرجت المبادرة أول ما خرجت باسمه يلوح بسحبها فى نفس جلسة تمسك الرئيس المصرى بها، فلا نكاد نعرف هذا السر الذى يربط مصر بمبادرة مرفوضة ومنبوذة إسرائيليا وأن يحتسبها الرئيس معيارا للتعلم من دروس الماضى فالذى يوافق على الاستمرار فى مبادرة مثل هذه يبقى تعلم الدرس ومن يرفضها ويطالب بسحبها يبقى ناقص علام
هنا تجدر الإشارة إلى أننا لا نزكى على مصر جبهة الرفض ولا نرفع من شأن دول الممانعة فهم فى الحقيقة عندنا كما كل الحكام العرب ديكتاتوريون ومستبدون وقامعون لشعوبهم، ولا نحمل مثقال حبة من خردل ثقة فى هؤلاء ولا فى حكمهم ولا أحكامهم، ومن المؤكد أن سجل سوريا فى انتهاك حقوق الإنسان أسوأ وأسود كثيرا من سجل مصر، وأن الأسد الموروث والوارث وصدام غير المأسوف على رحيل حكمه صورتان قاتمتان من نفس الاستبداد والقمع والديكتاتورية الموجودة فى مصر، وإن كانت مصر أرحم كثيرا منهما إلا أنها لا تختلف كثيرا عن منهجيهما، هذا فقط كى يدرك المواطن العربى أن الطرفين الممانع والموالى للمبادرة حليفان فى الاستبداد وتوأمان فى الطغيان توائم غير ملتصقة وغير متشابهة لكن الرحم واحدة والقابلة واحدة
يقول الرئيس «ومن المؤسف أن نسمح باستغلال مأساة غزة لاختراق عالمنا العربى بقوى من خارجه، تتطلع للهيمنة وبسط النفوذ وتتاجر بأرواح الفلسطينيين ودمائهم»
وهنا بالذات تظهر الرؤية المزدوجة فى السياسة المصرية والكيل بمكيالين فى التعامل مع الشأن الفلسطينى، فلا توجد سياسة لأى دولة أو حركة مقاومة أو تنظيم مسلح أو سلمى إلا وتضع فى اعتباراتها الموازين الدولية والقوى المحيطة والدول الحليفة والأنظمة المعادية، فلا أحد يعمل وحيدا وفى الفراغ فى هذا العالم، وأى تحرك داخلى أو خارجى لابد له من أصدقاء وحلفاء، ومن ثم لا يمكن لمصر نفسها أن تتصرف دون حسابات ودون توافقات ودون تنسيق مع آخرين فى الساحة، هذا من حيث المبدأ النظرى المثالى الذى يدرسونه للطلبة فى اقتصاد وعلوم سياسية، لكن أيضا على المستوى العملى العربى كيف يهاجم الرئيس مبارك قوى من خارج العالم العربى باستغلال مأساة غزة ولايهاجم قوى صنعت مأساة غزة؟ ما الأجدى والأجدر أن نتهم أمريكا وإسرائيل أم نتهم إيران؟ ولماذا يعتبر الرئيس إيران فقط هى القوى الخارجية التى تحاول الهيمنة وبسط النفوذ فلماذا لا تكون تركيا مثلا، أو لماذا لا تكون فرنسا وألمانيا اللتين تدخلتا بمنتهى السخافة والنطاعة فى دعم إسرائيل وفرض الهيمنة على القرار الفلسطينى؟ لماذا إيران هى بنت البطة السوداء إذا كانت القضية الفلسطينية هى البئر التى يلقى فيها الجميع بحجارتهم؟ فلماذا يختار الرئيس لمزًا إيران وحدها كقوى إقليمية تحاول الهيمنة ويترك الآخرين وكأنه حلال للدول من كل حدب وصوب حرام بالذات على إيران؟ ثم إن مسألة المتاجرة بدماء الفلسطينيين يمكن لأى عابر سبيل أن يرميها كذلك على المصريين الذين اتهمهم العالم كله بالمشاركة فى حصار شعب واستنزافه وفرض الهيمنة عليه بحكم الجغرافيا والتاريخ والرغبة فى فرض تسوية رغما عن إرادة قطاع كبير من الشعب الفلسطينى لصالح رضا قوى دولية وإمداد إسرائيل بالبترول والغاز الذى يشكل آلة قتل الفلسطينيين واستنزاف دمائهم الغالية، أظن أن باب الاتهامات بالمتاجرة باب مفتوح من الاتجاهين ويمكن للجميع أن يتهم به الجميع
يقول الرئيس «إن العلاقات العربية العربية ليست فى أحسن أحوالها، والعلاقات بين الإخوة الأشقاء لابد أن تقوم على الوضوح والمصارحة، وتطابق الأقوال مع الأفعال لا مجال فى هذه العلاقات للالتواء والتطاول، ولا مجال للتخوين وسوء القول والفعل والتصرف، وكأننا نعود بعالمنا العربى إلى الوراء بدلاً من أن ندفع به معا إلى الأمام لقد كان الموقف المصرى قويا وواضحا منذ اليوم الأول للعدوان على «غزة» برغم مغالطات البعض وتجاهلهم لحقائق معروفة وأخرى غائبة»