كتاب «التطهير العرقي في فلسطين» ... جرائم لا تُنسى
هذا الكتاب ـ «التطهير العرقي في فلسطين» ـ يكشف الجرائم المروعة التي قام بها الصهاينة لتهجير وتصفية الفلسطينيين، فقد ارتكبوا جرائم حرب دمروا خلالها 531 قرية فلسطينية وطردوا 800 الف فلسطيني في عام 1948.
الكتاب يكشف الحقائق التي حاول الصهاينة طمسها خلال الزمن، وعلى الرغم من أن مؤلفه مؤرخ صهيوني وهو "إيلان بابه" إلا أنه نجح في كشف الجرائم الصهيونية التي تمت لتهجير الفلسطينيين، مؤكدا أن هجرة الفلسطينيين إلى الخارج لم تكن طوعا وإنما كانت تحت وطأة الأعمال العسكرية الصهيونية.
ووصف لاجىء فلسطيني من قرية صفورية جرائم الصهاينة الدموية بقوله: «نحن لم نبك ساعة الوداع! فلدينا لم يكن وقت ولا دمع ولم يكن وداع!نحن لم ندرك لحظة الوداع أنه الوداع، فأنّى لنا البكاء؟!"، واعترف ديفيد بن جوريون بالسياسة الصهيونية الخاصة بتهجير الفلسطينيين، مخاطباً اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية في يونيو 1938 قائلا: «أؤيد الترحيل القسري، ولا أرى فيه شيئاً غير أخلاقي".
وقد استعرضت صحيفة "الحياة" اللندنية هذا الكتاب في ثمان حلقات بدأتها في عددها الصادر بتاريخ 19 إبريل 2007، ونؤكد هنا أن الكتاب لو كان مؤلفه عربي أو مسلم لكانت الصورة أشد وضوحا، ولكان التعبير أقوى وأصدق، ولكن حرصا على كشف الحقائق نعرض ما جاء في الكتاب الذي يعد شاهدا من الصهاينة على جرائمهم، وتصدر الطبعة العربية من هذا الكتاب في أواسط شهر مايو المقبل عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
يبدأ المؤلف كتابه بتأكيد أن نزوح الفلسطينيين عن أرضهم كان إجباريا وليس طوعا، كما قدم تعريف موسوعة «هاتشينسون» Hutchinson لمصطلح التطهير العرقي بأنه طرد بالقوة من أجل إيجاد تجانس عرقي في إقليم أوأرض يقطن فيها سكان من أعراق متعددة. وهدف الطرد هو ترحيل أكبر عدد ممكن من السكان بكل الوسائل المتاحة .
المؤامرة
يكشف المؤلف تفاصيل المؤامرة الصهيونية فيروي أن مجموعة من أحد عشر رجلاً، مكونة من قادة صهيونيين قدامى وضابطين عسكريين شابين، وضعت اللمسات الأخيرة على خطة لتطهير فلسطين عرقياً وذلك في مبنى كان يسمى بالبيت الأحمر عصر يوم الأربعاء 10 مارس 1948.
وفي مساء اليوم نفسه ـ والحديث للمؤلف ـ أُرسلت الأوامر إلى الوحدات على الأرض بالاستعداد للقيام بطرد منهجي للفلسطينيين من مناطق واسعة في البلد. وأُرفقت الأوامر بوصف مفصل للأساليب الممكن استخدامها لإخلاء الناس بالقوة: إثارة رعب واسع النطاق، محاصرة وقصف قرى ومراكز سكانية، حرق منازل وأملاك وبضائع، طرد، هدم (بيوت ومنشآت)، وزرع ألغام وسط الأنقاض لمنع السكان المطرودين من العودة إلى منازلهم. وتم تزويد كل وحدة بقائمة تتضمن أسماء القرى والأحياء المحدَّدة كأهداف لها في الخطة الكبرى المرسومة.
وكانت هذه الخطة، التي كان اسمها الرمزي الخطة دالِتْ "الحرف «د» بالعبرية"، هي النسخة الرابعة والنهائية التي كان هدفها تدمير المناطق الفلسطينية الريفية والحضرية على السواء وإجبار الفلسطينيين على الرحيل أو تصفيتهم. كان رسم خرائط القرى من المهمات الرئيسة، لذا تم تجنيد خبير طوبوغرافي واقترح هذا الخبير القيام بمسح فوتوغرافي جوي للقرى وكانت المحصلة النهائية لجهود الطوبوغرافيين والمستشرقين ملفات تفصيلية عن كل قرية من قرى فلسطين.
جرائم حرب
يستعرض المؤلف فظاعة جرائم الصهاينة فيؤكد أنه بعد أن اتخذ قرار التطهير، استغرق تنفيذ المهمة ستة أشهر، ومع اكتمال التنفيذ كان أكثر من نصف سكان فلسطين الأصليين، أي ما يقارب 800.000 نسمة قد اقتُلعوا من أرضهم، و531 قرية دُمرت، و11 حياً مدنياً أُخلي من سكانه، خاصة مع استخدام أسلحة كيماوية وقذائف اللهب، كما قام الصهانية بتلويث القناة التي تصل المياه عبرها إلى عكا بجراثيم التيفوئيد، وحالات الاغتصاب المتعددة . هذه الخطة التي تقرر تطبيقها في 10 مارس 1948، والتي تم تنفيذها بطريقة منهجية في أشهر تالية، تشكل مثالاً واضحاً جداً لعملية تطهير عرقي، وتعتبر اليوم في نظر القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية، كما سبقها جرائم تطهيرية أولية.
*في ديسمبر 1947 اختيرت قريتان غير محصنتين: دير أيوب وبيت عفّا. وكان سكان هذه القرية ـ دير أيوب ـ معظمهم من المسلمين، وكانوا قبل الهجوم اليهودي مباشرة يحتفلون بافتتاح مدرسة جديدة بالجهود الذاتية، لكن ابتهاجهم سرعان ما تبدد عندما دخلت سرية مؤلفة من عشرين جندياً يهودياً القرية - التي كانت مثل كثير من القرى في ذلك الوقت لا تمتلك أية آلية للدفاع - وشرعوا في إطلاق النار عشوائياً على البيوت. وقد هوجمت القرية لاحقاً ثلاث مرات قبل أن يجرى إخلاؤها بالقوة في إبريل 1948 ومن ثم تدميرها كلياً. وقامت القوات اليهودية بهجوم مشابه في ديسمبر على بيت عفّا في قطاع غزة.
* في 18 ديسمبر 1947 هاجمت العصابات اليهودية قرية الخصاص ـ وهى قرية صغيرة في موقع طوبوغرافي فريد في القسم الشمالي من سهل الحولة ـ وشرعت في نسف البيوت في سواد الليل، بينما كان سكانها يغطون في النوم. فقُتل جراء ذلك خمسة عشر قروياً، بمن فيهم خمسة أطفال.
* في نهاية سنة 1947 أو منذ اليوم التالي لتبني الأمم المتحدة قرار التقسيم، تعرض 75.000 فلسطيني في مدينة حيفا لحملة إرهابية وتطهيرية اشتركت في شنها الإرغون والهاغاناه. وكان المستوطنون اليهود بنوا مساكنهم في أعالي الجبل، وكان في استطاعتهم أن يقصفوا القرى الفلسطينية ويقتنصوا سكانها بسهولة. وشرعوا في ذلك مراراً وتكراراً منذ أوائل ديسمبر، كما استخدموا وسائل أُخرى لإرهاب السكان: كانت القوات اليهودية تدحرج براميل مملوءة بالمتفجرات وكريات حديدية ضخمة في اتجاه المناطق السكنية العربية، وتصب نفطاً ممزوجاً بالبنزين على الطرقات وتشعله. وعندما كان السكان الفلسطينيون المذعورون يخرجون من بيوتهم راكضين بهدف إطفاء النيران المشتعلة، كان اليهود يحصدونهم بالمدافع الرشاشة. كما كانت الهاغاناه تُحضر إلى الورش الفلسطينية سيارات بحجة إصلاحها، مملوءة بالمتفجرات وأدوات التفجير، ومن ثم تفجرها فتنشر الموت والفوضى.
* 28 ديسمبر 1947 أمطر الصهاينة مقهى قرية لفتا بالرصاص، الذي كان مركزا لتجمع الأهالي، كما أوقف أفراد من عصابة شتيرن حافلة ركاب بالقرب من المكان وبدأوا إطلاق النار عليها عشوائياً.
* في 13 فبراير 1948 بدأت هجمات جديدة وركزت على مناطق عدة. في يافا نُسفت منازل، اختيرت عشوائياً على رؤوس أصحابها، وهوجمت قرية سعسع، وثلاث قرى في جوار قيسارية.
* في 15 فبراير 1948 كانت قيسارية أول قرية تهاجَم، وتم طرد سكانها جميعاً. استغرقت عملية الطرد ساعات قليلة فقط، ونُفذت بصورة منهجية متقنة بحيث أن الجنود تمكنوا من إخلاء وتدمير أربع قرى أُخرى في اليوم نفسه.
* فبراير 1948 محت العصابات اليهودية قرية برة قيسارية، البالغ عدد سكانها آنذاك نحو 1000 نسمة. وقد تم محوها من الوجود بهجوم صاعق وشرس، واليوم تتمدد بلدة أور عكيفا اليهودية فوق كل متر مربع من القرية المدمرة. وعلى نحو مشابه، لا يوجد سوى معلومات غامضة عن القرية المجاورة، خربة البرج. وكانت هذه القرية أصغر من الاثنتين الأُخريين، ولا تزال بقية منها مرئية للعين المدققة.
* في فبراير 1948 وصلت القوات الصهيونية إلى قرية دالية الرَّوْحاء، الواقعة في السهل المطل على وادي الملح الذي يصل الساحل بمرج ابن عامر في شمال فلسطين وقامت بهجوم على الأهالي.
* 14- 15 فبراير 1948 حدثت الغارة على سعسع التي استبدل اسمها بعد الاحتلال بـ "ساسا"، وقد هوجمت القرية في منتصف الليل، ونشرت «نيويورك تايمز»، في عددها الصادر بتاريخ 16 أبريل 1948 أن الوحدة الكبيرة التابعة للقوات الصهيونية لم تواجه أي مقاومة من سكان القرية عندما دخلتها وبدأت بتثبيت أحزمة الديناميت حول البيوت، وأطلقت علي حارس القرية رشقة رصاص». وتقدم المجرمون الصهاينة في الشارع الرئيسي للقرية ونسفوا في شكل منهجي البيوت واحداً تلو الآخر بينما كانت العائلات الفلسطينية لا تزال نائمة. واعترف أحدهم: «خلفنا وراءنا 35 منزلاً مدمراً، و60 - 80 قتيلاً»
* نهاية فبراير 1948: احتلال قرية قيرة في منطقة حيفا وطرد سكانها وكان يقطن فيها يهود وعرب». وكانت قيرة قريبة من قرية أُخرى هى قامون، وكان المستوطنون اليهود بنوا بيوتهم في موقع استراتيجي بينهما. في قيرة وقامون، وعرب الغوارنة في وادي نعمان، وقومْية، ومنصورة الخيط، والحسينية، والعلمانية، وكراد الغنامة، والعبيدية، وجميعها قرى استهدفت.