الوسائل الحمائية وآثارها على الترسيمات بالسجل العقاري:
إشكاليات تطبيقية حول حق الملكية المضمون دستوريا..والقوانين المقيدة له
تحت إشراف وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية نظمت إدارة الملكية العقارية بمشاركة المحكمة العقارية ملتقى علميا يوم السّبت الماضي بنزل المرادي بالحمامات، تحت عنوان " الوسائل الحمائية وآثارها على الترسيمات بالسّجل العقاري "
حضره عدد غفير من إطارات دفترخانة وممثلو الوكالة العقارية الفلاحية وعدد من عدول الإشهاد والمحامين ورجال القانون وبعض المسؤولين ببعض الإدارات التي يهمها الموضوع .
وعند إفتتاح هذا الملتقى ألقى حافظ الملكية العقارية السيّد مصطفى بوعفيف كلمة رحب في مستهلّها بكافة الحاضرين ليؤكّد إثر ذلك أهمّية الموضوع المطروح للنقاش لما تفرضه الوسائل الحمائية على المتعاقدين من واجبات والتزامات تبدو في بعض الأحيان صارمة وما يترتّب عن ممارسة هذه الوسائل من أثار قانونية وواقعية قد تبدو أحيانا قاسية على المتعاقدين داعيا الحضور إلى مزيد التّعمّق في موضوع الملتقى من خلال طرح الإشكاليات ومحاولة إيجاد الحلول.
أمّا السيد فتحي السكري رئيس ديوان وزير أملاك الدّولة والشؤون العقارية فقد اعتبر أن حق الملكية هو من الحقوق المطلقة التي كرّسها الدّستور إلا أنّ المشرّع أدخل بعض القيود على هذا الحق من بينها خاصة شروط سقوط الحق وذلك حماية للأراضي الفلاحية الدّولية مبيّنا أن الهدف من هذا الملتقى هو التّعريف بالقانون المنطبق والتطرّق إلى الإشكاليات التطبيقية قصد إيجاد الحلول الكفيلة بحلّها وإن اقتضى الأمر المطالبة بتنقيح القوانين المعنية.
وإثر ذلك أحيلت الكلمة إلى القاضي السيد رياض الجمل المستشار بمحكمة الاستئناف بمدنين الذي تطرّق لموضوع شروط إسقاط الحق وشرط المحافظة على الصّفة الفلاحية في الأراضي الدّولية.
وبعد التّعريج على ماهية شرط إسقاط الحق من خلال التعرّض لمفهومه وطبيعته القانونية ثم توضيح أن هذا الشّرط هو شرط فسخي تفسخ بموجبه الإدارة العقد المبرم مع معاقدها بصفة انفرادية بسبب إخلاله بالتزاماته وذلك رغم ما أبداه بعض رجال القانون من تحفظ بخصوص هذه المسألة، وقد استند المحاضر لإثبات أن شرط إسقاط الحق هو شرط فسخي على أثار ممارسة إسقاط الحق والمتمثلة أساسا في رجوع الطرفين إلى الحالة التي كانا عليها وقت التعاقد، كما يتدعّم ذلك بالنّهج العقابي الذي سلكه المشرّع عند الإخلال بشروط إسقاط الحق وخاصة شرط عدم تغيير الصفة الفلاحية للعقار. فالإدارة قبل اتخاذ قرار إسقاط الحق تزور العقار وتعاين إخلالات المتعاقد شرط تغيير الصّبغة الفلاحية وتوجيه تنبيه له لتدارك هذه الإخلالات في أجل معقول قبل القيام بزيارة ثانية لمعاينة مدى استجابة المتعاقد لطلبات الإدارة، وعند التأكّد من عدم استجابته لذلك يصدر ضدّه قرار الإسقاط.
تداخل في الاختصاص
ولعل مسألة التشطيب طرحت ولا تنال نقاشا قانونيا لا على المستوى النظري فقط وإنّما على مستوى التطبيق لدى المحاكم. إذ أنّ تعدّد الدّعاوي الرّامية للمنازعة في عملية إحالة العقار لفائدة الدّولة بموجب قرار إداري بين دعاوي تنشر أمام المحكمة الإدارية وأخرى أمام المحكمة الابتدائية وثالثة أمام المحكمة العقارية قد ينتج عنه في بعض الأحيان تداخل في الاختصاص وتضطر جميعها إلى النّظر في مسألة شرعية القرار.
ولعل ما انتهى إليه السيد رياض الجمل هو كون الدّولة بقيت بين مطرقة المصلحة العامة التي تفرض المحافظة على الصبغة الفلاحية وسندان المصلحة الخاصة التي من بين أركانها ضمان حرية الاستقلال والاستعمال والتصرف للأفراد.
وفي تدخل السيد إبراهيم الحامي المدير المكلّف بالتصفية بوزارة أملاك الدّولة والشؤون العقارية تناول موضوع شرط إسقاط الحق بكل دقّة وأتى على أغلب الإشكاليات القانونية التي يثيرها إلاّ أنّها بتميزها لشرط المحافظة على الصبغة الفلاحية على بقية الشروط الفسخية في غير طريقة لأنه واحد منها كما أنّها غفلت عن خصوصيات شهادة رفع اليد إذا تعلق الأمر بعقار دولي فقد صبغته الفلاحية ذلك أن المشرّع أوجب خلاص القيمة الزّائدة العقارية بموجب قانون الملكية لسنة 1985 كما تعلّق الأمر بشاهدة رفع يد عن شروط إسقاط الحق الموظفة على عقار دولي فلاحي فقد صبغته الفلاحية وضبطت مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطّبيعيين والضريبة على الشركات الإجراءات اللازمة في الغرض ووزارة أملاك الدّولة على المستوى العملي تعد شهادة رفع اليد بعد تقديم الوصل المثبت للخلاص.
أما الأستاذ الحبيب الصلعاني المحامي لدى الاستئناف فقد ألقى مداخلة بعنوان "الشروط المقيّدة وحق التصرّف في العقارات المسجّلة" أبرز الواقع التشريعي والعملي صنفا من الشروط تتضمنها عقود التفويت في العقارات المسجلة تتضمن تقيد الحق المشتري للتصرف في العقار.
والمداخلة التي ألقاها السيد البشير محمود مدير عام بإدارة الملكية العقارية تعرّض في بدايتها إلى الإطار التشريعي لهذه العقود، موضحا مقتضيات القانون المؤرّخ في 14 أفريل 1973 مع الأخذ بعين الاعتبار أحكام مجلة التهيئة الترابية والتعمير المحدثة لصنفين من مناطق التدخل وهي دوائر تدخل عقاري ودوائر مدخرات عقارية ومبيّنا الآليات القانونية لممارسة نشاط الهياكل المستفيدة والمتمثلة في الانتزاع وحق الأولويّة في الشّراء.
لكن هذا المنحى القانوني لممارسة حق الأولوية غير مطلق ومحدود زمنيا بـ4 سنوات قابلة للتمديد مرّة واحدة لمدّة سنتين داخل مناطق التدخل و6 سنوات قابلة للتمديد مرّة واحدة بنفس المدّة داخل مناطق المدّخرات العقارية وقد حاول المشرّع إيجاد آليات لإقرار الحماية لممارسة الهياكل لحق الأولوية تمثل في إقرار إشهار حق الأولوية بالسجل، وإشهار مؤسسة القيد الاحتياطي وهي العناصر التي تناولها المحاضر بالدّرس بالصّوت والصّورة والتحميض من خلال بيان ضوابط إشهار القيد الاحتياطي لحق الأولوية والأثر الحمائي لهذا القيد.
موانع الترسيم
ولعلّ أهمّية الملتقى والمواضيع المطروحة نتج عنها نقاش ثري تركز أساسا حول اعتبار شرط سقوط الحق مانعا من موانع الترسيم أم لا؟ وهل أن حكم التبتيت يطهر العقار من جميع التحمّلات أم لا؟ وتساءل ممثل الوكالة العقارية الفلاحية في خصوص شرط عدم التقسيم تحت الحدّ الأدنى هل يعيبه شرط من الشروط المقيّدة لحق التصرّف في الأراضي الفلاحية الكائنة بمناطق تدخل الوكالة العقارية الفلاحية؟ وهل يمكن اعتبار الشّروط التي حدّدها قانون الإصلاح الزراعي من بين الشروط الفسخية عمّا تم التساؤل حول إمكانية تحرير كتب بيع عقار مسجل وقع التفويت فيه قبل ذلك كتب البيع سند ملكية البائع؟ وهل أن الحصول على شهادة رفع اليد بصفة متأخرة يجعل من ذلك العقد الذي يعد باطلا قانونا عقدا صحيحا منتجا لآثاره؟ وهل أن هذه العقود باطلة بطلانا مطلقا أم نسبيا؟ أم هي موقوفة؟
وفي هذا الإطار اعتبر الأستاذ الحبيب الشطي المحامي أن حكم التبتيت لا يطهر العقار من جميع التحمّلات بل يقتصر دوره على الدّيون ولا يمتد الأمر لشروط سقوط الحق نظرا لطبيعته الفسخية.
أمّا بالنسبة لاعتبار شرط سقوط الحق مانعا من موانع الترسيم أم لا؟
فقد أكد محمد المنصف الزين رئيس المحكمة العقارية أنّه وعلى عكس ما يذهب إليه البعض فإنّه لا يعتبر مانعا من موانع الترسيم على عكس الإنذار القائم مقام عقلة عقارية أو التنصيص على مطلب التحيين.
ملاحظا بأن الملكية العقارية دأبت عند نظرها في هذه المسألة على التفريق بين حالتين: حالة إبرام كتب المقدّم للترسيم خلال مدّة التحيين وخارج مدّة التحيين، فبالنسبة للحالة الأولى فإن هذا الكتب هو باطل بالقانون ولا ينتج أثره وبالتالي لا يقع ترسيمه، أمّا بالنسبة للحالة الثانية التي يكون فيها الكتب مبرما بعد فترة التحيين فإنّه لا مانع من ترسيمه من طرف قاضي السجل العقاري أو دائرة تحيين الرسوم المجمدة كل في حدود اختصاصه وذلك بعد القيام بالأبحاث اللازمة بغاية تخليص الرّسم من حالة الجمود مؤكّدا في الإشهار أمّا مسألة التشطيب على شرط سقوط الحق والشروط المختلفة هي من اختصاص محاكم الحق العام وليس المحكمة العقارية وأن كلمة التشطيب المذكورة صلب الفصل 6 من قانون 10/04/2001 المتعلق بتحيين الرّسوم العقارية وتخليصها من الجمود القصد منها التشطيب على حقوق انتهى وزال مفعولها كالرهن مثلا.
وفي اختتام الملتقى القى السيد جعفر الربعاوي وكيل رئيس المحكمة العقارية ببنزرت التقرير الختامي.