12557 حالة طلاق في السنة القضائية الفارطة و تراجع في عدد القضايا المنتهية بالصلح
تونس-الصباح: تزامنا مع اليوم العالمي للأسرة(الموافق لـ15 ماي من كل سنة) الذي تحتفل به بلادنا مع سائر دول العالم من منطلق ما للأسرة من أهمية في المجتمع كيف لا وهي اللبنة الأولى للمجتمع والنواة الأولى التي تؤثر في نحت مستقبل الأجيال وتلعب دورا رئيسيا في ترسيخ قيم التماسك والاتزان والتواصل بين الأجيال...
آثرنا في خضم هذه المناسبة أن نتناول موضوعا من المواضيع التي تتهدد الأسرة في مجتمعنا من حيث توازنها ووجودها وله انعكاسات سلبية وآثار جانبية اجتماعية ونفسية على جميع أفراد الأسرة لا سيما المرأة والأبناء، وهو موضوع الطلاق. لقد تفاقم الطلاق في السنوات الأخيرة استنادا إلى الأرقام والإحصائيات حول القضايا المنشورة لدى المحاكم وإن تصر المصادر الرسمية على عدم وصفه بالظاهرة إلا أن ما يذهب إليه أهل الاختصاص والمباشرين الميدانيين والمتعاطين عن قرب مع موضوع الطلاق من محامين وأخصائيين اجتماعيين وعينة كبيرة من أفراد المجتمع، ما يؤكد أن الطلاق إشكالية قائمة الذات تتهدد توازن الأسر والمجتمع وتدعو للانكباب على دراستها بأكثر عمق من خلال تحيين المؤشرات الإحصائية للقرب من أسبابها وانعكاساتها الحقيقية ومن ثمة التفكير في صيغ للحد منها والتخفيف من آثارها السلبية إن من خلال تدعيم بعض الآليات الموجودة حاليا أو من خلال إحداث هياكل وبرامج جديدة.
هذه المجالات سنحاول التطرق إليها من خلال الورقة التالية مستندين إلى جملة من المؤشرات والأفكار التي تم طرحها مؤخرا خلال حلقة من حلقات منتدى السكان والصحة الانجابية الذي دأب على تنظيمه ديوان الأسرة والعمران البشري وضم عددا من المختصين في مجال القانون وعلم الاجتماع وعلم النفس تحدثوا وتناولوا موضوع الطلاق من جوانب متعددة.
لغة الأرقام
تشير الإحصائيات الرسمية إلى تطور ملحوظ في عدد قضايا الطلاق المنشورة لدى المحاكم ذلك أن السنة القضائية 2006-2007 سجلت حوالي 12557 حالة طلاق في حين كان العدد في حدود 10 آلاف حالة سنة 2004 وكان قبل ذلك أي خلال السنة القضائية 2000-2001 في حدود 9706 حالة طلاق.
وتسجل أعلى نسبة طلاق في تونس الكبري بأكثر من 60 بالمائة من حالات الطلاق مقارنة ببقية المناطق.
ودائما في باب حديث الأرقام نستند في تحديد أهم أسباب الطلاق إلى دراسة أنجزتها وزارة المرأة والأسرة والطفولة والمسنين سنة 99 والتي بينت نتائجها أن المشاكل الاجتماعية تحتل المرتبة الأولى في الأسباب المؤدية إلى انفصال الأزواج (أكثر من 48 بالمائة) وتضم قائمة المشاكل العائلية العنف والمعاملة السيئة وإدمان الخمر وعدم الشعور بالمسؤولية والإختلاف في المستوى التعليمي نجد كذلك من بين الأسباب المشاكل الجنسية (بنسبة 15 بالمائة) وتتعلق أساسا بالخيانة الزوجية وقلة الثقة والغيرة بين الأزواج إضافة إلى الوضعية المادية(بنسبة 13 بالمائة) ومشاكل البطالة التي تؤدى بدورها إلى الخلافات الزوجية وإلى الطلاق...
وتشير الدراسة من جهة أخرى إلى تغير النسب والأسباب حسب الأوساط المهنية والإجتماعية والمستوى التعليمي وحسب الجهات -وعلى ذكر هذه الدراسة نفتح قوس في هذا السياق لنشير من خلاله إلى أنه حان الوقت للقيام بدراسة علمية أخرى تتناول موضوع الطلاق من حيث تحديد ملامح المطلقين وأسباب الطلاق وانعكاسات الطلاق على الأبناء وغيرها من المجالات التي بحاجة إلى الدرس والتعمق وتوفر المعطيات الإحصائية المحينة حولها لتكون قاعدة لتناول الموضوع من قبل المختصين والباحثين في سياق بحثهم عن الحلول وأعتقد كما يعتقد الكثيرون أن 10 سنوات في عمر مجتمع كالمجتمع التونسي وفي ظل التطورات التي يشهدها كفيلة باحداث الكثير من المتغيرات في مجالات عديدة ومن بينها موضوع الطلاق.
الصلح بين الأزواج
في سياق رصدنا للمؤشرات الإحصائية وإلى جانب التطور في حالات الطلاق لا حظنا أن السنة القضائية الفارطة سجلت تراجعا في مستوى نجاح الجلسات الصلحية في حمل الزوجين على العدول عن الطلاق وذلك بتسجيل 796 حالة صلح إن صح التعبير مقابل 1644 خلال السنة القضائية 2005-2006
ونسجل هذا التراجع في آداء الجلسات الصلحية رغم المساعي المبذولة من المشرع التونسي والهيئات القضائية لإيجاد هياكل وصيغ تضطلع فيما لديها من مهام بمهمة الصلح ومحاولة تفادي حصول الطلاق الذي يبقى دون شك من" أبغض الحلال " على غرار مؤسسة قاضى الأسرة.ونشير في هذا الإطار إلى ما ورد في مداخلة الأستاذة المحامية خديجة المدني خلال منتدى السكان والصحة الانجابية حيث قدمت المحاضرة جملة من الملاحظات تبدو هامة وربما تحمل في طياتها تفسيرا مقنعا بعض الشيء لتراجع نجاعة المساعى الصلحية في المحاكم. فلاحظت مثلا عدم احترام المحاكم لا سيما في تونس الكبرى للمهلة الإضافية ومدتها شهرين التي تقدم للأزواج في حالة وجود أطفال قاصرين - زيادة على الجلسات الصلحية - كفترة إضافية للتفكير قبل انطلاق المرافعات...،لاحظت المحاضرة أيضا عدم إدارة وحضور قاضى الأسرة الجلسات الصلحية وترك الأمر لقضاة آخرين رغم أن إحداث هيكل قاضي الأسرة سنة 93 جاء أساسا في سياق ضمان نجاعة أكبر للجلسات الصلحية،،، تطرقت المحاضرة أيضا إلى ضرورة مزيد النهوض بتكوين قاضي الأسرة وتمكينه من الآليات الضرورية لإنجاح مهامه ...ودعت الأستاذة خديجة المدني من جهة أخرى إلى تقييم هيكل قاضى الأسرة الذي لم يخضع إلى عمل تقيمي منذ 15 سنة...
إحداث هياكل جديدة
يتسبب الطلاق في الكثير من الآثار السلبية نفسيا واجتماعيا لا سيما على الأطفال في ظل تدهور دخل المرأة بعد الطلاق خاصة إذا لم تتوفر النفقة بصفة منتظمة لإعالة الأطفال في كفالتها والإنعكاسات النفسية السيئة من خلال ضعف المردود الدراسي للأطفال والميولات إلى العنف والتشرد والاضطرابات النفسية وتدهور العلاقات مع الاب والأم خاصة إذا ما أقحم الطرفين الأطفال في خلافاتهما خلال طور الطلاق وبعده،وفي هذا السياق دعا الأستاذ مرشد الشابي المختص في علم الإجتماع إلى إحداث هيكل يهتم بمرحلة ما قبل الطلاق لتحسيس المقبلين على اتخاذ قرار الطلاق بالأثار والانعكاسات السلبية والتتبعات القضائية لقرارهم...
كما تمت الدعوة إلى إحداث اختصاصات جديدة من قبيل مختص في المرافقة البيداغوجية بالمؤسسات التربوية للتخفيف من الانعكاسات السلبية للطلاق على الأطفال الذين هم في مرحلة مزاولة التعليم لا سيما في مراحل متقدمة من دراستهم.إلى جانب الدعوة على إحداث خطط كوسيط عائلي والعمل على تدعيم مجال التوفيق العائلي إضافة إلى إحداث مستشار للعلاقات الزوجية والعمل على مزيد تأطير المقبلين على الزواج.