الجزء الثاني :
نظام زجر الجريمة
تتميز الجريمة المرتكبة باستعمال خصائص الوظيف، والى جانب خصوصية العناصر المؤثرة في قيامها بخصوصية على مستوى نظام زجرها اعتبارا للاثر المباشر لطبيعة تلك العناصر كظروف تشديد.
ويمكن دراسة خصوصية نظام زجر هذه الجرائم من خلال خصوصية العقوبة المستوجبة ( فصل اول ) ومدى تأثيرها على الطبيعة القانونية للجريمة (فصل ثاني).
الفصل الاول : خصوصية العقوبة المستوجبة
حدد المشرع التونسي ضمن الفصل 114 من المجلة الجنائية العقوبة المستوجبة للجريمة المرتكبة باستعمال خصائص الوظيف، إن حرصا منه على التصدي لمثل هذه الجرائم واسلوب ارتكابها فقد ضبط لها عقوبة مشددة (فرع اول ) يطبقها القاضي كلما اقترف ارتكاب الجريمة باسمال الجاني لخصائص وظيفه، وهو ما يثير اهمية المسألة بالنسبة لسلطة القاضي في تقدير العقوبة( الفرع الثاني ).
الفرع ا لاول . تشديد العقاب
شدد المشرع الجنائي من عقوبة الجريمة المرتكبة باستعمال خصائص الوظيف واعتمد في ذلك اسلوبا خاصا مغاير لاساليب التشديد المعهودة في المجلة الجنائية. ودراسة تشديد العقاب بالنسبة للجرائم موضوع بحثنا هذا تقتضي تحديد اسلوب التشديــد ( فقرة اول ) ثم بيان كيفية تطبيقه على العقوبة ( فقرة ثاني ).
فقرة الاولى : تحديد اسلوب التشديد
يعتمد المشرع عدة اساليب لتشديد العقوبة المقررة للجريمة، فقد ينص ضمن نفس نص التجريم والعقاب على مضاعفة العقوبة اذا توفر احد شروط التشديد المحددة حصرا وقد ينص على تشديد العقوبة ضمن نص مستقل يحدد مقدارها المشدد أما بالنسبة لتشديد العقاب في الجرائم المرتكبة باستعمال خصائص الوظيف، فقد اعتمد المشرع اسلوبا مغايرا، يتمثل في الترفيع الجزئي في مقدار العقوبة الاصلية بزيادة الثلث. اذ حدد المشرع ضمن الفصل 114 من م ج مقدار التشديد، دون ضبط العقوبة المشددة، فترك بذلك للقاضي مسؤولية تطبيق ذلك المقدار كلما توفرت اسباب التشديد التي حددها نفس النص. اذ نص الفصل 114 من م ج على أن الجاني في مثل هذه الجرائم :"......يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها لتلك الجريمة بزيادة الثلث".
فاسلوب تشديد من خلال هذا الفصل يتم عبر زيادة ثلث العقوبة الاصلية لمقدارها المحدد، أي كما لو لم ترتكب باستعمال خصائص الوظيف واعتماد المشرع لهذا الاسلوب يجد تبريره في أن الفصل 114 م ج لا يتضمن جريمة بعينها بل تضمن حكما عاما مشددا، لكل جريمة قد يرتكبها الموظف العمومي أو شبهه باستعمال خصائص أو وسائل وظيفه باستثناء الجرائم الخاصة التي تضمنها القانون الجنائي والتي تمثل صفة الجاني فيها ركنا من اركانها أو سببا لتشديد العقاب . والمشرع من خلال هذا النص وهذا الاسلوب اراد استبعاد اكثر ما يمكن من الجرائم التي قد ترتكب باستعمال خصائص الوظيف فحدد مقدار التشديد بثلث العقاب المقرر للجريمة الاصلية.
وهذا وتجدر الاشارة الى أن بعض القوانين المقارنة كرست هذا الاسلوب في التشديد من ذلك مثلا القانون الجنائي الفرنسي القديم الذي كان ينص ضمن الفصل 459 على تشديد العقاب بالنسبة لحرس الغابات وضباط الشرطة عند ارتكابهم لاحدى الجنح المنصوص عليها بالباب المتعلق بالجرائم التي تنال من حق الملكية (بالفصول 379 و462 – 1 من المجلة الجنائية الفرنسية) وذلك بزيادة الثلث لاقصى عقوبة السجن .
وقد كرس القانون الجنائي الايطالي نفس نسبة الترفيع الجزئي أي بزيادة الثلث، وذلك لتشديد عقوبة بعض الجرائم .
وربما تكون احكام الفصل 114 م ج بخصوص نسبة الترفيع في العقوبة مستلهمة من هذه القوانين الا أن خصوصية النص الجنائي التونسي تتمثل في كونه نص عام ينطبق على عدد هام من الجرائم اضافة الى أن نسبة الترفيع في مقدار العقوبة الاصلية يجب أن تكون بزيادة الثلث ولا يمكن للقاضي النزول تحت تلك النسبة بل يجب أن يطبقها كما هي على مقدار العقوبة الاصلية.
الفقرة الثانية : تطبيق اسلوب التشديد
إن تطبيق اسلوب التشديد الذي كرسه الفصل 114 أي الترفيع الجزئي في مقدار العقوبة الاصلية يقتضي من القاضي ضرورة ضبط تلك العقوبة ثم ترفيع مقدارها بزيادة الثلث، فالمشرع لم يحدد العقوبة الاصلية التي على ضوءها سيتم التشديد بل اكتفى بالاحالة على نص التجريم وهو ما يستنتج من عبارات الفصل 114 ذاتها " يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها لتلك الجريمة بزيادة الثلث ".
والعقوبة الاصلية هي العقوبة المحددة بنص التجريم عادة ، اذا قد ينص المشرع ضمن نفس النص على التجريم والعقاب، وقد يكتفي في بعض الحالات بتجريم الافعال ثم يحيل بالنسبة لعقوبتها على نص اخر، فيعبر عن هذه الحالة بـ" ويعاقب بنفس العقوبات المذكورة ..." وهو ما يقتضي الرجوع الى تلك النصوص لضبط العقوبة المستوجبة والتي على ضوءها سيقع تطبيق الترفيع الجزئي، على انه يجب التنبيه في هذا الاطار على ضرورة التفريق بين العقوبة المحددة للجريمة المجردة من كل ظرف مشدد والعقوبة المقررة للجريمة الموصوفة.
فإذا ارتكب الجاني ( موظف عمومي أو شبهه ) جريمة مجردة باستعمال خصائص وظيفه فان العقوبة الاصلية التي سيقع على ضوئها توظيف الثلث هي عقوبة الجريمة المجردة طبعا.
أما اذا ارتكب ذلك الجاني جريمة موصوفة باستعمال خصائص وظيفه فان العقوبة الاصلية التي سيقع على ضوئها الترفيع في العقوبة المقررة للجريمة الموصوفة ولا يمكن باي حال الرجوع الى عقوبة الجريمة المجردة واعتابرها العقوبة الاصلية التي حددها المشرع للجريمة.
وللتوضيح نعرض المثالين التاليين
• المثال الاول بالنسبة للجريمة المجردة
فمثلا اذا ارتكب عون امن جريمة السرقة المجردة باستعمال خصائص وظيفه أو الوسائل التابعة لها، كما لو استعمل صفته الحقيقية من كونه عون امن وادلى ببطاقته المهنية للضحية ثم استولى منه على كيس كان بحوزة هذا الاخير، فان هذه الجريمة تعد سرقة مجردة باستعمال خصائص الوظيف، وبما أن عقوبة السرقة المجردة حددها المشرع بالسجن لمدة خمس سنوات طبق الفصل 258 م ج، وبما أن الجاني استعمل خصائص وظيفة لارتكابها، فتطبيقا للفصل 114 تشدد عقوبة السرقة المجردة ( 5 سنوات سجن ) بزيادة الثلث فتصبح العقوبة المستوجبة مساوية لمجموع الخمس سنوات مع ثلثها أي ستة سنوات وثمانية اشهر .
• المثال الثاني : بالنسبة للجريمة الموصوفة
اذا ارتكب نفس الجاني : عون الامن السرقة الموصوفة باستعمال خصائص الوظيف، كالسرقة من محل مسكون بالخلع واستعمل خصائص وظيفه لإرتكابها ، فان العقوبة الاصلية في هذا المثال والتي ستقع على ضوءها زيادة الثلث هي العقوبة التي ضبطها الفصل 261 من م ج للسرقة من محل مسكون باستعمال الخلع والمحددة بعشرين سنة سجنا لان هذا الفصل هو الذي يضبط العقوبة الاصلية للسرقة من محل مسكون باستعمال الخلع وتصبح العقوبة المستوجبة مساوية لعشرين سنة يضاف لها ثلثها.
وبذلك فان ضبط العقوبة الاصلية يتم بالرجوع الى نص التجريم والعقاب الاصلي، كي يقع على اساسها تطبيق الترفيع الجزئي المحدد بزيادة الثلث ، فتصبح العقوبة المستوجبة تساوي مقدار العقوبة الاصلية التي ضبطها المشرع للجريمة كما لو ارتكبها انسان عادي يزاد لها ثلثها اعتبارا لصفة الجاني واستعماله لخصائص وظيفه أو الوسائل التابعة له في ارتكابها.
هذا وتجدر الاشارة الى أن الترفيع الجزئي المحدد بثلث العقاب ينصب على العقوبة الاصلية طبقا لمقدارها المحدد بنص التجريم والعقاب الاصلي، والامر يكون واضحا اذا كانت هذه العقوبة مضبوطة بحد اقصى فقط كعقوبة السرقة المحددة بالفصل 264 بخمس سنوات سجنا، لكن الامر يصبح بخلاف ذلك اذا كان النص يضبط العقوبة الاصلية بين حدين ادنى واقصى، فهل أن التشديد ينصب على الحدين معا ام على الحد الاقصى فقط. قد يتجه الرأي الى القول بان زيادة الثلث في هذه الصورة تنصب على الحد الاقصى فقط باعتبار أن الامر يتعلق بالتشديد في العقاب وان فلسفة المشرع من وراء الفصل 114 من م ج هي زجر هذا النوع من الجرائم باكثر مدة. الا أن عبارات الفصل 114 جاءت واضحة اذ نص على أن العقوبة تكون بزيادة الثلث للعقوبة المنصوص عليها لتلك الجريمة.
والعقوبة المنصوص عليها للجريمة قد تكون متراوحة بين حدين ادنى واقصى. وهذين الحدين يمثلان العقوبة الاصلية، وهو ما يتجه معه زيادة الثلث على الحدين معا وفي آن واحد فيصبح الحد الادنى للعقوبة بعد تشديدها مساويا للحد الادنى يزاد له ثلثه ويصبح الحد الاقصى بعد تشديده مساويا لمقدار الحد الاقصى يزاد له ثلثه . فتبقى للقاضي سلطة توضيح العقاب بين الحدين الاقصى والادنى.
وتجدر الاشارة ايضا الى أن نطاق التشديد الذي كرسه الفصل 114 م ج ينصب على نوعين من العقوبات الاصلية التي ضبطها المشرع ضمن الفصل 5 من م ج وهي عقوبة السجن لمدة معينة وعقوبة الخطية.
فان اعتمد المشرع احدى هاتين العقوبتين كعقوبة اصلية للجريمة المرتكبة فان الترفيع الجزئي كما سبق بيانه سينصب على مقدارها المحدد بنص التجريم الاصلي.
وإن نص المشرع على العقوبتين معا ضمن نفس النص فان التشديد ينصب عليهما معا. وبصفة الية سواء كان المشرع يوجب تسليطهما معا أو ترك للقاضي الخيار في تطبيق احداهما، باعتبار وان نص التجريح الاصلي حددهما كعقوبة اصلية واحدة سواء بتطبيقها مع أو بالخيار بينهما فيجب أن ينصب الترفيع الجزئي بزيادة الثلث على العقوبتين معا.
كأن ينص المشرع مثلا على أن ارتكاب الجريمة (أ) يستوجب عقابا بالسجن لمدة 5 سنوات وخطية بـ 3 الاف دينارا فان التشديد في هذه الصورة على العقوبتين معا، فيزاد لعقوبة السجن ثلثها، وللخطية ثلثها ايضا. أو كأن ينص المشرع على أن عقوبة الجريمة ( ب ) هي السجن لمدة 5 سنوات أو الخطية بـ 5 الاف دينار، فالتشديد في هذه الصورة ايضا ينصب على العقوبتين في نفس الوقت وبصفة آلية فيزاد لعقوبة السجن المحددة بخمس سنوات سجنا ثلثها، ويزاد للخطية المحددة بخمسة الاف دينار مثلثها ويبقى للقاضي بعد ذلك سلطة الخيار في توقيع احداهما.
وما يجب التذكير به في هذا الاطار هو أن التشديد في العقاب يتم بصورة الية منذ ارتكاب الجريمة واكتمال عناصرها تصبح العقوبة المستوجبة هي عقوبة الجريمة كما لو ارتكبها انسان عادي مع زيادة ثلثها لمقدارها الاصلـــي نتيجة ارتكاب الجاني ( موظف عمومي أو شبه ) لتلك الجريمة باستعمال خصائص الوظيف. فالتشديد لا ينصب على العقوبة في مرحلة توقيع العقاب بل إن هذا التشديد يحدث اثره منذ ارتكاب الجاني لجريمته فتصبح العقوبة المشددة أي المستوجبة هي العقوبة الاصلية لتلك الجريمة المرتكبة باتعمال خصائص الوظيف.
إذا فالترفيع الجزئي في العقوبة الاصلية ينجر عنه إما زيادة في مدة العقوبة اذا تعلق الامر بعقوبة سالبة للحرية أي بالسجن لمدة معينة، أو الزيادة في مقدارهااذا تعلق الامر بعقوبة مالية أي الخطية، مع بقاء تلك العقوبة في نفس درجتها الاصلية أي تبقى عقوبة جنحة أو عقوبة جناية، وقد ينجرّ عن زيادة الثلث تغيّر في طبيعة العقوبة فتتحول من عقوبة مخالفة الى عقوبة جنحة ومن عقوبة جنة الى عقوبة جناية .
وقد استرفقه القضاء على هذا الاتجاه اذ تقول محكمة التعقيب في احد قراراتها " وحيث أن العقوبة المنصوص عليها لجريمة التحيل هي خمسة اعوام سجنا طبق الفصل 291 في القانون الجنائي وباضافة الثلث الوارد بالفصل 114 المذكور يصير العقاب المستوجب لها عقابا جنائيا اقصاه ستة اعوام وثمانية اشهر "
وهنا تبرز خطورة تأثير خصائص الوظيف كطرف تشديد على العقوبة المقررة للجريمة اذ قد تنقلها من درجة الى اخرى اكثر خطورة.
فالترفيع الجزئي في مقدار العقوبة بزيادة الثلث ايضا للفصل 114 من م ج قد يجعل العقوبة المستوجبة مختلفة تماما عن العقوبة المقررة من حيث مقدارها ودرجتها وطبيعتها باعتبار وان هذا التشديد ينتج عنه في بعض الصور تغيرا جوهريا في طبيعة العقوبات كما حددها الفصل 122 من م ج، فالترفيع في العقوبة المقررة لجريمة المخالفة المحددة بالسجن لمدة خمسة عشرة يوما أو بالخطية المحددة بستون دينارا، بزيادة الثلث يحول العقاب من عقاب مخالفة الى عقاب جنحة.
والترفيع في العقوبة المقررة لجريمة ما بخمس سنوات سجنا أو بالخطية بزيادة الثلث يحول العقاب من عقاب جنحة الى عقاب جناية.
ومن هنا تتجلى خطورة تأثير الترفيع الجزئي بزيادة الثلث للعقوبة الاصلية ويتجلى ذلك خاصة من خلال نقل هذه العقوبة الى عقوبة اكثر خطورة وخاصة بتحويل عقوبة الجنحة الى عقوبة جناية ولأهمية هذا التأثير جعلت ظروف التشديد مقيدة بمبدأ " لا تشديد بدون نص " أي أن تشديد العقاب هو من اختصاص المشرع يحدده المشرع بمقتضى نص قانوني سابق الوضع احتراما لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. باعتبار وان العقوبة شخصية ولا تكون الا بمقتضى نص قانوني سابق الوضع.
على انه تجدر الاشارة الى ان تشديد العقاب لا يقتصر على الموظف العمومي او شبهه كفاعل اصلي بل ان هذا التشديد يمتد ايضا الى الشرك تطبيقا لاحكام الفصل 33 م ج المشاركون في جريمة يعاقبون في كل الحالات التي لم ينص القانون على خلافها مثل العقاب الذي ينال فاعليها مالم تطبق عليهم احكام الفصل 53 بحسب مقتضيات الاحوال . وهذه التسوية في العقاب تجد اساسها في مبدأ الاستعارة المطلقة .
وتشديد عقاب الفاعل الاصلي في الجرائم المرتكبة باستعمال خصائص الوظيف ينتج عنه تشديد عقوبته الشريك باعتبار وان تقدير فعلة هذا الاخير يتم على اساس عمل الفاعل الاصلي وفعلته التي تستمد منها مساهمة الشريك القانونية صبغتها الاجرامية بحيث ينعكس عليها كل ما يحيط الفعلة الاصلية والفاعل الاصلي من ظروف وعوامل.
لكن في التطبيق القضائي غالبا ما تتجه المحكمة الى اعمال التخفيف بالنسبة لهذا الاخير تطبيقا للفصل 33 نفسه الذي اثار الى احكام الفصل 53 والتدرج في العقاب بحسب ما تقتضيه الاحوال من الشدة الى اللين .
لكن ماهو الحل اذا كان الشريك هو الموظف العمومي او شبهه واستغل تلك الصفة او خصائص وظيفة والوسائل التابعة له للمشاركة في الجريمة التي نفذها شخص عادي . في هذه الحال تطبق الفصل 33 م ج ومبدأ *المطلقة يجعل هذه الصفة وخصائص الوظيف غير فاعلة كطروف تشديد ، حسب رأينا في هذه الصورة بالذات يجب استبعاد تطبيق الفصل 33 ومبدأ الاسعار المطلقة بحيث يجب ان تشدد عقوبة الشريك الذي استعمل خصائص وظيفه للمشاركة في جريمة باعتباره اساء استغلال وظيفه للمساهمة في الجريمة ، وهو ما يتلائم مع فلسفة المشرع من خلال سن احكام الفصل 114 : التي تهدف الى حماية الوظيفة العمومية وصيانة الثقة في اجهزة الدولة.
وما تجدر ملاحظته هو أن ظروف تشديد العقاب تلزم القاضي متى ثبت اقترانها بارتكاب الجريمة وهي لا تخضع لسلطة القاضي التقديرية من حيث إعمالها أو عدم إعمالها، فمتى ثبت توفر ظرف مشدد كاستعمال الجاني لخصائص وظيفته أو احدى الوسائل التابعة لها يجب على القاضي مراعاة هذه الظروف واحترام مقدار الترفيع بزيادة الثلث كما حدده الفصل 114 من م ج وتطبيقه على مقدار العقوبة الاصلية في الحدود التي ضبطها القانون "اذ لو اجيز للقضاة تخطي العقوبة التي قررها القانون لكان هذا بمثابة رجوع الى نظام التحكم في العقوبة" الا أن ذلك لا يعني غياب كل سلطة تقديرية للقاضي في تقدير العقوبة باعتبار وان لكل قضية ظروفها وملابساتها وخصوصياتها والتي وان خفيت على المشرع عند سنه للنصوص الجنائية أو تجاوزها اعتبارا لصفة التجريد الذي يجب أن تكون عليها القاعدة القانونية: فانها لا يمكن أن تخفى على القاضي المتعهد بالحالات الواقعية.
الفرع الثاني : سلطة القاضي في تقدير العقوبة
لئن كان القاضي عند ثبوت ارتكاب الجاني الجريمة باستعمال خصائص وظيفه بتشديد العقوبة الاصلية المقررة قانونا والترفيع في مقدارها تطبيقا لاحكام الفصل 114 من م ح فان ذلك لا يحول دون سلطته في تقرير التخفيف عند النطق بالعقاب اذا ثبت لديه ما يحمل على التخفيف ( المبحث الاول ) وقد يقرر القاضي وفي نطاق سلطته التقديرية توقيع العقوبات التكميلية اذا اتضح له من معطيات القضية ما يحمل على توقيعها ( المبحث الثاني).
فقرة الاولى : سلطة تقرير التخفيف
قد تتوفر في الجريمة ظروف تشديد العقاب تتعلق بصفة الجاني ( موظف عمومي أو شبهه ) واستعماله لخصائص وظيفه، وبعد ضبطها وتقدير العقاب المستوجب على ضوءها، قد تكون العقوبة التي ينطق بها القاضي لا تعكس العقوبة المستوجب طبق احكام الفصل 114 م ج ونص التجريم الاصلي ومع ذلك ، تكون تلك العقوبة مطابقة للقانون لان القاضي في هذه الحالة عمد الى تطبيق ظروف التخفيف، وهو ما تتضح معه سلطة القاضي في تقدير العقوبة المستوجبة عند النطق بها وهي سلطة مكنه منها المشرع من خلال احكام الفصل 53 من م ج والذي يندرج ضمن القسم الرابع من الباب الرابع تحت عنوان في تطبيق العقوبات . اذ نص هذا الفصل ضمن فقرته الاولى :" اذا اقتضت احوال الفعل الواقع لاجله التتبع ظهور ما يحمل على تخفيف العقاب وكان القانون غير مانع من ذلك فللمجلس مع بيان تلك الاحوال بحكمه أن يحيط العقاب الى ما دون ادناه القانوني بالنزول به الى درجة وحتى درجتين في سلم العقوبات الاصلية الواردة بالفصل 5 وذلك مع مراعاة الاستثناءات الاتي ضبطها."
فقد خول هذا الفصل للقاضي تخفيف العقاب الى حد النزول به الى ما دون ادناه القانوني كي يشترط أن تكون ظروف الجريمة وملابساتها فيها ما يحمل على ذلك التخفيف وان يكون القانون " غير مانع من ذلك ". عندها يجوز للقاضي اعمال التخفيف والنزول بالعقوبة المستوجبة درجة أو درجتين في سلم العقاب الاصلي لكن يجب أن يتضمن حكم المحكمة اسباب التخفيف.
هذه الاسباب التي تتعلق خاصة بماديات العمل الاجرامي في ذاته ويشخص الجاني وبمن وقعت عليه الجريمة وكذلك كل ما احاط ذلك العمل ومرتكبه والمجني عليه من ملابسات وظروف، والتي تختلف باختلاف الواقع وظروفها فهي عموما " كالاسباب المتروكة لتقدير القاضي، خوله حق تخفيظ العقوبة في الحد والتي عينها القانون " وقد كرست جل التشريعات الحديثة تقريبا هذا التوجه باعطاء القاضي وسيلة يجعل العقاب مناسبا لاجرام المتهم من الوجهتين الشخصية والمادية على أن ما يميز تشريعنا الجنائي وانه من خلال الفصل 53 كرس سلطة تقديرية واسعة للقاضي في مجال تطبيق العقوبة وهذا القول يتأكد خاصة من خلال الفقرة الرابعة من الفصل المذكور التي نصت على انه " اذا كان العقاب المستوجب السجن مدة عشرة اعوام فما فوق فالحط من مدته لا يكون باقل من عامين وهذا يعني انه بامكان القاضي الجزائي تسليط عقوبة تقدر بعامين سجنا على الموظف العمومي أو شبهه الذي ارتكب سرقة موصوفة (محل مسكون باستعمال الخلع ) باستعمال خصائص الوظيف، أما اذا كانت الجريمة المرتكبة سرقة مجردة فان اعمال ظروف التخفيف من شأنه أن يؤدي الى تسليط عقاب لا يتجاوز ستة اشهر عملا بالفقرة السادسة من الفصل 53م ج.
الا أن هذا النزول بالعقاب مشروط ببيان اسباب التخفيف وهو ما اكده فقه قضاء محكمة التعقيب اذ تقول محكمة التعقيب "حيث لا تثريب على محكمة الموضوع من اعتماد ظروف التخفيف متى بينت ما حملها على هذه الرأفة دون افراط منها طبق الفصل 53 جنائي "
كما اكدت ايضا أن " لمحكمة الموضوع النزول بالعقاب درجة أو درجتين بشرط بيان ظروف التخفيف التي حملتها على ذلك والا كان حكمها قاصر التسبب"
وتلك الاسباب يستخلصها القاضي من " جسامة العمل الاجرامي ماديا أو مسؤولية مرتكبه شخصياومن تلك الظروف واكثرها شيوعا ماضي المتهم وحداثة سنة والبواعث التي دفعته لارتكاب فعله واستفزاز المحني عليه للجاني " . فالقاضي الجزائي متى ثبت لديه أن الجريمة المرتكبة باستعمال خصائص الوظيف ورغم توفر شروط نشديد العقاب التي حددها الفصل 114،لا يمثل الخطر الكافي الذي يبرر التشديد فانه يطبق الفصل 53 من م ج، وهذا ما استقر عليه عمل المحاكم الجزائية من ذلك مثلا ما ورد باحدى حيثيات الحكم الجنائي الصادر عن الدائرة الثاثة عشر بمحكمة الاستئناف بتونس تحت عدد 28705 بتاريخ 24 جوان 1999 : اذ تقول المحكمة " حيث قام ما يكفي من الالة والقرائن...على ثبوت ادانة المتهمين من اجل ما نسب اليهما السرقة المجردة باستعمال خصائص الوظيف...وهو ما يتعين معه لذلك مؤاخذتها طبق قرار الاحالة والفصلين 264/114 من القانون الجنائي وتسليط عقاب عليها يتناسب والجرم المقترف دون أن يمنع ذلك من التحقيق عليهما اعتبار لنقاوة سوابقهما وظروفهما الاجتماعية وبصفة عامة تكييفا للعقاب بما فيه كفاية للجزاء والردع عمل باحكام الفصل 53 من القانون الجنائي" الا أن اعمال ظروف التخفيف لا يقع الا بعد تشديد العقاب أي بعد تطبيق التشديد على العقوبة الاصلية وترفيع مقدارها بزيادة الثلث ثم على ضوء تلك العقوبة المستوجبة يطبق التخفيف اذا توفرت اسبابه وهذا التمشي في تقدير العقوبة تفرضه طبيعة ظروف التخفيف ذاتها فهي وسيلة لتقليص وتخفيف من شدة العقاب وصرامة القانون لكن دائما في حدود هذا القانون اذا فالمشرع " مهما اوفى من بعد نظر لا يستطيع أن يحيط بكل الاشكال التي يمكن أن يظهر عليها السلوك الضار بالمصالح محل الحماية الجنائية كما لا يمكنه الاحاطة بكل الخطورة الاجرامية في الجاني وهذا هو الذي فرض الاعتراف بالسلطة التقديرية للقاضي حتى في محيط الشرعية المشددة. " الا أن القاضي الجزائي يجب أن لا يتوسع في تطبيق التخفيف حتى لا يفرغ العقوبة المستوجبة من محتواها ودورها، وغاية المشرع من ورائها خاصة في ما يتعلق الامر بهذا النوع من الجرائم التي يسيء فيها الجاني ( موظف عمومي أو شبهه ) استعمال خصائص وظيفه، ليوظفها في غايات شخصية اجرامية وهذا يجب أن لا يغيب عن ذهن القاضي حتى في اعمال ظروف تخفيف حتى تبقى العقوبة محافظة على طابعها الزجري الرادع بل يجوز للقاضي في مثل هذه الجرائم أن يستبعد تطبيق ظروف التحفيف اذا اتضح له من ظروف وملابسات القضية ما يحمل على ذلك باعتبار وان " اعمال تطبيق ظروف التخفيف موكول لاجتهاد محكمة الموضوع ولها أن تطبقها بطلب أو بدونه أو أن تمتنع عن ذلك بدون تعليل كما لا يعاب عليها أن هي اهملت الطلب المتعلق بتطبيقها أو هي اعرضت عن مناقشته ولا سلطان عليها في ذلك من طرف محكمة التعقيب" .
الى جانب سلطة اعمال ظروف التخفيف عند تقدير العفوية المستوجبة يتمتع القاضي ايضا بسلطة تسليط العقوبات التكميلية .
فقرة ثانية : تسليط العقوبات التكميلية:
اجاز المشرع التونسي ضمن الفصل 115 من م ج "للمحكمة ان تقضي في كل الصور الواردة بهذا الباب باعتماد العقوبات التكميلية او احداها المنصوص عليها بالفصل الخامس من المجلة الجنائية"
من خلال هذا النص يتضح ان المشرع خول للقاضي الجزائي وبعد اعمال ظروف التشديد بالتفريع الجزئي في مقدار العقوبة الأصلية طبق الفصل 114، امكانية تسليط العقوبات التكميلية او احدها، والمنصوص عليها بالفصل 5 س م ج.
فللقاضي طبق احكام الفصل 115 م ج سلطة تقديرية مطلقة في ايقاع العقوبات التكميلية او عدم ايقاعها وسلطة تحديد اجال تلك العقوبات عند اعتمادها ، اذ لم يقيّد المشرع القاضي بآجال محددة بل ترك للقاضي سلطة تقدير تلك الاجال وحدودها واكتفى المشرع بالاشارة على القاضي بامكانية تطبيق احكام الفصل 5 من م ح وتجدر الاشارة الى ان جميع الجرائم المرتكبة باستعمال خصائص الوظيف يجوز للقاضي عند نظرها ان يسلط على مرتكبيها العقوبات التكميلية باعتبار ان الفصل 114 ورد ضمن احكام الباب الثالث وهو يتناول من حيث مجال
تطبيقه عدة جرائم بما يجعل هذه الاخيره داخلة في نطاق احكام الباب الثالث من م ج اذا اقترن ارتكابها بشروط الفصل 114 من م ح .
والعقوبة التكميلية كما تدل على ذلك تسميتها هي عقوبة مكملة تنظاف للعقوبة الأصلية سعيا لضمان ردع الجاني ومعاقبته بعقوبة تتناسب والجرم المقترف.
فالجاني في الجرائم المرتكبة باستعمال خصائص الوظيف هو متهم غير عادي فهو اما موظفا عموميا او شبهه و اسلوب ارتكابه للجريمة ، كذلك اسلوب خطير باعتباره استعمل خصائص وظيفة كوسيلة لتحقيق غاية اجرامية ، لذلك خول المشرع للقاضي بعد تسليط العقوبة المشدد امكانية تسليط العقوبات التكميلية برأينا فان العقوبات التكميلية المناسبة لهذا الصنف من الجناة هي جميع العقوبات المتعلقة بالحرمان من مباشرة الحقوق والامتيازات التي حددتها الفقرة (7) كالوظائف العمومية ... والفقرة (
من الفصل الخامس. باعتبار ان الجاني عند ارتكابه لهذه الجرائم يصبح غير اهل للتمتع بهذه الحقوق والامتيازت على الاقل لمدة معينة .
ومع ذلك فان امر تطبيق هذه العقوبات موكول لسلطة القاضي التقديرية على ضوء ظروف وملابسات كل قضية ، وقد يستبعد القاضي تسليط العقوبات التكميلية اذا ما رأى ان العقوبة المشددة كافية في حد ذاتها لردع الجاني باعتبار ان المشرع ترك له مطلق الحرية في اعتمادها او اهمالها ويتضح ذلك من خلال استعمال المشرع لعبارة "للمحكمة" وهي عبارة تفيد الخيار والحرية في اعمال العقوبات التكميلية . هذا وتجدر الاشارة انه قد يصبح من المتجه تسليط هذه العقوبات اذا كان الجاني عائدا باعتباره اصبح فعلا غير جدير بالوظيف التي ينتمي اليه .
هذا وتجدر الاشارة الى ان المشرع الجنائي الفرنسي فرض على القاضي تطبيق بعض العقوبات التكميلية ضد كل شخص استودع السلطة العمومية او كلف بمهمة متصلة بمرفق عمومي ، عندما يرتكب جريمة السرقة او التحيل اثناء مباشرة او بمناسبة مباشرة الوظيف اذ نص بالفصل 311-14 وبالنسبةلجريمة السرقة " على ان الاشخاص الطبيعين المدانين من اجل احدى الجرائم المحددة بهذا الباب يستوجبون ايضا العقوبات التكميلية التالية :
-الحرمان طبق الصيغ المحددة بالفصل 131/27
-الحرمان من ممارسة وظيفة عمومية او من ممارسة نشاط مهني او اجتماعي ، والذي اثناء مباشرة او بمناسبة مباشرته ارتكبت الجريمة . وهذا الحرمان يكون لمدة خمس سنوات فأكثر في الحالات التي تم ضبطها بالفصول 311-3 الى 311-5".
كما فرض المشرع الفرنسي نفس تلك العقوبات التكميلية لنفس ذلك الصنف من الجناة عند ارتكاب جريمته التحيل والزم القاضي بتطبيقها مع العقوبة الأصلية.
ويبدو ان الحل الذي كرسه المشرع الفرنسي اكثر تلائما مع العقوبة المستوجبة لردع الجاني وزجره بعقوبة تتناسب والجرم الذي اقترفه باستعمال خصائص وظيفة .
هذا وتجدر الاشارة الى ان مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية التونسية حددت بعض العقوبات التكميلية بالفصل 63 وما بعده كالتجريد العسكري والحرمان من الرتب والحق في ارتداء الزي والاقصاء عن الجيش وجميع الوظائف والخدمات العامة والحرمان من مباشرة بعض الحرف مثل محام او طبيب او بيطار وفقدان الرتبة.
ونص الفصل 65 من نفس المجلة ان "الحكم على الذي رتبه عسكرية من اجل جناية او جنحة من الجنح الآتي بيانها يوجب فقدان الرتبة ..السرقة المجردة (الفصل 264)... التحيل (فصل 291) من القانون الجنائي وتجدر الاشارة الى ان المشرع ضمن هذه المجلة استعمل عبارة عقوبات فرعية وذلك للدلالة على العقوبات التكميلية اذ نص الفصل 63 من م م ع ع " في ما يلي العقوبات التكميلية".
فيمكن ان يسلط القاضي العسكري عند تعهده باحدى الجرائم المرتكبة باستعمال خصائص الوظيف احدى هذه العقوبات التكميلية التي تتناسب وصفة الجاني الذي يكون عسكريا اذ نص الفصل 132 من م م ع ع ان المحاكم العسكرية تطبق "فيما يتعلق بالجنايات والجنح الاعتيادية المرتكبة من عسكرين او من غيرهم العقوبات الأصلية والفرعية المنصوص عليها في القوانين الجزائية الخاصة.
وتطبق فيما يتعلق بالعسكريين العقوبات الفرعية المنصوص عليها بهذا القانون".
فنظرا لخصوصية المجال العسكري نص المشرع صراحة على ان العسكريين يخضعون للعقوبات التكميلية العسكرية .
فبمناسبة نظر المحكمة العسكرية لاحدى جرائم المرتبكة باستعمال خصائص الوظيف من عسكري او ضده اثناء مباشرته للخدمة او بمناسبتها، او المرتكبة من عسكري ضد عسكري فيما بينهما حتى خارج الخدمة فانها تطبق قواعد القانون العام فيما يتعلق بالعقوبات الاصلية على المتهم العسكري او المدني ويمكن ان تسلط على المتهم (المدني) غير العسكري العقوبات التكميلية المنصوص عليها بالفصل 115 م ح وتطبق العقوبات التكميلية المنصوص عليها بالفصل 63 وما بعده من م م ع ع على المتهم العسكري.
اذا فان كان القاضي الجزائي العدلي او العسكري فان إعمال ظروف التشديد التي حددها المشرع ضمن الفصل 114 من م ج بالترفيع الجزئي في مقدار العقوبة الأصلية بزيادة الثلث قد لا يكون كافيا كعقاب رادع وزاجر بالنظر لخطورة الجريمة التي اوقعها الجاني (موظف عمومي او شبهه) باستعمال خصائص وظيفه والضرر الناتج عنها وخاصة تجاه الوظيفة العمومية وهيبتها والثقة في اجهزة الدولة قد تستلزم من القاضي في نطاق سلطته التقديرية تسليط العقوبات التكميلية المحددة بالفصل 5 من م ج او بالفصول 63 من م م ع ع ، على هذا الصنف من الجناة لدعم العقوبة المستوجبة.
ان اسلوب التشديد الذي اعتمده . المشرع ضمن الفصل 114 من م ج ينتج عنه وكأثر مباشر ترفيع في مقدار العفوية الأصلية بزيادة الثلث وهو ما من شأنه ان ينقل العقوبة الأصلية الى درجة اكثر خطورة فيأثر على وصف الجريمة .
الفصل الثاني :
تأثير التشديد على طبيعة الجريمة :
ان الاثر المباشر لخصائص الوظيف كظرف مشدد للعقوبة المحددة بنص التجريم الاصلي يتمثل في تغيير وصف الجريمة(فرع اول) وما لهذا التغيير من اثار هامة (فرع ثاني).
الفرع الاول : تغيير وصف الجريمة :
تؤثر ظروف التشديد التي ضبطها المشرع ضمن الفصل 114 م ج على العقوبة المقررة بنص التجريم الاصلي فشدد مقدارها بنقلها الى درجة اكثر خطورة وهو ما ينتج عنه تغير في وصف الجريمة ودراسة هذا التغيير تقتضي التعرض ضمن فقرة الاولى الى اساس تغير وصف الجريمة ثم الى مدى سلطة القاضي في تغيير ذلك الوصف (فقرة ثانية ).
فقرة اولى : اساس تغيير وصف الجريمة
تنقسم الجرائم من حيث خطورتها واهميتها الى جنايات وجنح ومخالفات وقد تبنى المشرع التونسي هذا التقسيم ضمن الفصل 122 من م ا ج الذي نص على انه "توصف بالجنايات على معنى هذا القانون الجرائم التي تستوجب عقابا بالقتل او بالسجن لمدة تتجاوز 5 اعوام".
وتوصف بالجنح الجرائم التي "تستوجب عقابا بالسجن تتجاوز مدته خمسة عشر يوما ولا تفوق الخمسة اعوام او بالخطية التي تتجاوز الستين دينار".
" وتوصف بمخالفات الجرائم المستوجبة لعقاب لا يتجاوز خمسة عشر يوما سجنا او ستين دينار خطية " . فهذا التقسيم لا لبس فيه ولا تعقيد اذ يكفي لمعرفة طبيعة أي جريمة ان ينظر الى العقاب المقرر لها كي يمكن حشرها ضمن الجنايات او الجنح او المخالفات والمقصود بالعقوبة المقررة هي العقوبة المحددة قانونا من قبل المشرع لا العقوبة التي ينطق بها القاضي.
الا ان هذا التقسيم الثلاثي للجرائم ليس تقسيما مستقرا بالنظر الى اثار ظروف التشديد التي اذا اقترنت بالجريمة تغير من وصفها باعتبار ان اثرها ينعكس آليا على العقوبة المقررة فينقلها الى درجة اكثر خطورة ، فيتغير تبعا لذلك وصف الجريمة الأصلية فتتحول من مخالفة الى جنحة ومن جنحة الى جناية باعتبار وان العقوبة المشددة هي عقوبة جناية او عقوبة جنحة تم ضبطها مسبقا بنص التجريم والعقاب، او بصفة مستقلة كأن يحدد المشرع شروط تشديد العقاب ومقداره ضمن نص خاص ، فان اقترنت الجريمة بهذه الظروف وكان تأثيرها عميقا ادى الى جعل العقوبة المستوجبة عقوبة جنحة او عقوبة جناية فان وصف الجريمة يتغير تبعا لذلك .
إذا فأثار ظروف التشديد يمكن ان تمتد الى نوع الجريمة فتغيره . والمشرع التونسي لم يتعرض الى هذه المسألة صراحة على خلاف بعض القوانين المقارنة كالقانون المغربي الذي نص صراحة ضمن الفصل 113 من م ج المغربية على انــه " يتغير نوع الجريمة اذا نص القانون على عقوبة متعلقة بنوع اخر من انواع الجرائم بسبب ظروف التشديد".
وربما يرجع غياب مثل هذا النص في القانون الجنائي التونسي الى ان مشرعنا اعتبــر وان المسألة واضحة ومحسومة من خلال التقسيم الثلاث الذي تبناه الفصل 122 م اج بين المخالفات والجنح والجنايات وتعريف كل واحدة منهاعلى اساس العقوبة المقررة لها وبالتالي فان نوع الجريمة يتحدد على ضوء العقوبة المقررة لها سواء كانت هذه العقوبة عادية او مشددة، باعتبار وان تحديد ظروف التشديد وتأثيرها على العقوبة هو من اختصاص المشرع.
وباعتبار وان نوع الجريمة يتحدد على ضوء مقدار العقوبة المقررة لها فان ظروف التشديد تأثر على نوع الجريمة وتنتقلها من قسم الى اخر طبق التقسيم الثلاثي للجرائم الذي حدد المشرع ضمن الفصل 122 من م ا ح من ذلك مثلا ظروف التشديد في جريمة السرقة والتي تعرض لها المشرع بصورة واضحة ضمن الفصول 260 و 261 و 262 من م ج ، من المستقر عليه فقها وقضاء ان هذه الظروف تغير وصف الجريمة وتنقلها من جنحة الى جناية. لكن ماهو الامر بالنسبة لظروف التشديد التي حددها الفصل 114 من م ج ؟ هل تغير من وصف الجريمة ؟
اختلفت الرأي حول هذه المسألة نتيجة الاختلاف في الفهم لاحكام الفصل 114 من المجلة الجنائية، على الرغم من ان فقه القضاء التونسي تبنى موقفا واضحا ومستقرا.
ويمكن تقسيم هذه الآراء الى صنفين :
الرأي الاول : اتجه الى القول بان تشديد العقوبة الأصلية بالترفيع في مقدارها بزيادة الثلث يؤثر على وصف الجريمة فينقلها من مخالفة الى جنحة ومن جنحة الى جناية ، تبعا لتغير مقدار العقوبة ، اذ ان زيادة الثلث الى اقصى عقوبة المخالفة يحولها الى عقوبة جنحة ، وزيادة الثلث الى اقصى عقوبة الجنحة يحولها الى عقوبة جناية. وهذا ما من شأنه ان يغير وصف الجريمة تبعا لتغير طبيعة العقوبة ، ويأسس هذ الرأي موقفه على اساس ان المشرع نفسه قسم الجرائم من حيث خطورتها الى جنايات وجنح ومخالفات ، وعرفها بالعقاب المقررلها . فعقوبة الجريمة المرتكبة باستعمال خصائـص الوظيف حددها المشرع بصفة مسبقة من خلال نص التجريم والعقاب الاصلي ونص الفصل 114 م ج وبالتالي فبمجرد ارتكاب الجاني (موظف عمومي او شبهه لجريمة باستعمال خصائص الوظيف، فان تلك الجريمة تصبح آليا خاضعة لنص تجريمها الاصلي والفصل 114 م ج اللذات يحددان عقوبتها المستوجبة، وبالتالي فان تطبيق الفصل 114 من م ج لا يتعلق بمرحلة النطق بالعقاب بل يتعلق بالعقوبة المستوجبة التي قررها المشرع لهذا الصنف من الجرائم وبالتالي فتشديد العقاب الذي كرسه المشرع ضمن الفصل 114 من م ج بالترفيع الجزئي في مقدار العقوبة بزيادة الثلث يؤثر على وصف الجريمة فينقلها عن مخالفة الى جنحة ومن جنحة الى جناية .
اما الرأي الثاني فقد اتجه الى القول بان تشديد العقوبة بالترفيع في مقدارها بزيادة الثلث ولئن كان بغير من درجة العقوبة وخطورتها فان ذلك الاثر لا يمتدد بأي حال الى وصف الجريمة ولا يغيره ، باعتبار وان العقوبة الأصلية هي عقوبة الجريمة المجردة من ظروف التشديد المحددة بالفصل 114 وهي مقياس تحديد نوع الجريمة ووصفها ، اما الترفيع في مقداها بزيادة الثلث فهو من عمل القاضي بطبقة في مرحلة تسليط العقاب والنطق به .
اذا ولئن قدم الرأي الثاني ما يبرر اتجاهه الا ان الرأي الاول بتطابق مع فلسفة المشرع من تشديد العقاب وكذلك مع بقية ظروف التشديد الخاصة: كظروف تشديد السرقة التي تأثر على العقاب ووصف الجريمة في ان واحد .
وقد كرس فقه القضاء الرأي الاول واخذ به ، باعتباره يتطابق مع اتجاه المشرع الجنائي في تقسيمه للجرائم من حيث جسامتها ومقدار العقاب المقرر لها.
فظروف التشديد هي من اختصاص المشرع وعلى ضوءها يتقرر العقاب ايضا بتحديده بصفة مسبقة ، فان تنج عن تطبيقها تحول العقوبة الأصلية الى درجة اكثر خطورة أي الى عقوبة نوع اخر من الجرائم فان وصف الجريمة يتغير آليا فيصبح الوصف الجديد مقترنا بمقدار العقوبة المستوجبة وزجتها وعلى هذا الاساس فقد استقر فقه القضاء التونسي على اعتبار ظروف التشديد المتعلقة بصفة الجاني واستعماله لخصائص وظيفة في ايقاع الجرائم طبق احكام الفصل 114 من م ج تأثر على العقوبة المقررة قانونا فترفع مقدارها بزيادة الثلث وهو ما من شأنه ان يؤثر على العقوبة الأصلية فيرفعها الى درجة اكثر خطورة، من عقوبة مخالفة الى عقوبة جنحة ومن عقوبة جنحة الى عقوبة جناية وبالتالي تصبح الجريمة المقترنة بتلك الظروف اما جنحة او جناية.
وقد كرست محكمة التعقيب هذا الاتجاه ان تقول في هذا الصدد : "وحيث ان العقوبة المنصوص عليها لجريمة التحيل هي خمسة اعوام سجنا طبق الفصل 291 من القانون الجنائي وباضافة الثلث الوارد به الفصل 114 المذكور يصير العقاب المستوجب لها عقابا جنائيا اقصاه ستة اعوام وثمانية اشهر .
وحيث يترتب على ذلك ان السيد حاكم التحقيق... قد جانب الصواب لما اعتبر الافعال المنسوبة للمتهمين تتكون منها جنحة مهملا صفة الوظيف بالنسبة ل...والعقاب المستوجب من اجلها، وتعين لذلك ابطال قراره" .
اذا فقد رجح فقه القضاء الاتجاه الاول وكرسه باعتبار وان ظروف التشديد التي حددها الفصل 114 من م ج هي ظروف مشددة للعقاب ومؤثرة على وصف الجريمة وتجدر الاشارة هنا الى ان البعض قد يستند الى ظروف التخفيف كمثال للدلالة على ان تغير العقوبة لا يؤثر على وصف الجريمة وبالتالي فان تغير العفوية تطبيقا لاحكام الفصل 114 لا يؤثر كذلك على وصف الجريمة .
ويمكن الرد على هذا الاتجاه اولا بانه لا يجوز القياس في المادة الجنائية، هذا بالاضافة الى ان احكام كل من ظروف التخفيف والتشديد ومختلفة تماما.
فالمشرع الجنائي قسم الجرائم الى جنايات وجنح ومخالفات بحسب العقوبة التي حددها النص واعمال ظروف التخفيف في مرحلة تسليط العقاب ان كان في ملف القضية ما يحمل على تطبيقها يخضع لسلطة القاضي، ومجرد اعمال تلك الظروف ولئن كان يغير ن درجة العقوبة الا انه لا يغير وصف الجريمة باعتبار وان اعمال ظروف التخفيض يبقى مرتبط بنوع الجريمة ووصفها طبق الحالات التي ضبطها المشرع ضمن الفصل 53 م ج فمثلا نص هذا الفصل في الفقرة 6 : اذا كان العقاب المستوجب للسجن مدة تتجاوز خمسة اعوام وتقل عن عشرة فالحط من مدته لا يكون لاقل من ستة اشهر بمعنى ان وصف الجريمة يبقى جناية ولا يجوز للقاضي بالنسبة لهذه الجناية تجاوز الستة اشهر عند اقرار التخفيف ، فحتى في اعمال التخفيف يبقى القاضي مقيد بوصف الجريمة المحدد بالنص.
اما بالنسبة لظروف التشديد وتحديدا ظروف الفصل 114 م ج فانها تغير من وصف الجريمة اذ غيرت من طبيعة العقوبة المقررة باعتبار وان هذا التغيير ناتج عن عمل المشرع وليس من عمل القاضي، وهي تلزم هذا الاخير بتطبيقها في صورة ثبوت اقترانها بالفعل الاجرامي لتحديد العقوبة المستوجبة على ضوءها باعتبار ان توفر تلك الظروف المشددة عند ارتكاب الجريمة يحول العقوبة الأصلية للجريمة المجردة من ظروف التشديد الى العقوبة المستوجبة لتلك الجريمة ذاتها في صورة اقترانها بظروف التشديد ، وهذا التحول يحدث بصورة آلية ومنذ اكتمال عناصر الجريمة بما يجعلها خاضعة في نفس الوقت لنص التجريم الاصلي ونص التشديد . فمثلا اذا ارتكب عون امن جريمة التحيل باستعمال خصائص الوظيف فان عقوبة جريمة التحيل المجرد من تلك الظروف (خصائص الوظيف) وهي 5 سنوا سجنا تقترن بمقدار التشديد المحدد بنص الفصل 114 لتكوّن معه العقوبة المستوجبة لجريمة التحيل باستعمال خصائص الوظيف ويتم ذلك بصورة آلية ، وعندما يتعهد القاضي بهذه الجريمة فانه يتعهد بصورة مباشرة بجميع خصوصيات هذه الجريمة من حيث اركانها القانونية وعناصر تشديدها وعقوبتها الجديدة" المستوجبة وبالتالي وصفها القانوني الناتج عن تأثير التشديد ولا تأثير بعد ذلك على جميع هذه الخصوصيات اذ قرر اعمال ظروف التخفيف، اذ تبقى هذه الجريمة محافظة على خصوصياتها كما حددها المشرع .
اذا ولئن اقر فقه القضاء بصورة واضحة كما سبق بيانه تأثير ظروف التشديد التي حددها الفصل 114 ن م ج على درجة العقوبة وعلى وصف الجريمة الا ان اختلاف الاراء بخصوص هذا الفصل لا زال قائمة وربما يكون تدخل المشرع في هذا المجال امر حتمي لحسم هذا الاختلاف ولتكريس اتجاه فقه القضاء بصورة ثابتة كأن يتبنى مثلا الحل الذي كرسه المشرع الجنائي المغربي ضمن الفصل 113 والذي نص على انه "يتغير نوع الجريمة اذا نص القانون على عقوبة متعلقة بنوع اخر من انواع الجرائم بسبب تشديد"
فقرة ثانية :
مدى سلطة القاضي في تغيير وصف الجريمة :
ان تأثير ظروف التشديد بصفة عامة والظروف التي حددها الفصل 114 م ج بصفة خاصة على درجة العقوبة ووصفت الجريمة امر ثابت طبق ما استقر عليه فقه القضاء، بحيث ان هذه الظروف تشدد العقوبة فتنقلها الى درجة اكثر خطورة من الدرجة التي تكون عليها في صورة غياب تلك الظروف، وهو ما من شأنه ان يغير وصف الجريمة ويكون القاضي مبدئيا ملزما بذلك الوصف الجديد الذي تضفيه عناصر التشديد على الجريمة الا ان ذلك لا يعني غياب كل سلطة تقديرية للقاضي في تكيف الجريمة ومدى توفر اركانها وعناصرها المشددة وتقدير الادلة باعتبار وان القضاء الجزائي يقوم "على اساس حرية القاضي في تقدير الادلة المعروفة عليه لقيام الجريمة وتوافر اركانها".
ومتى انتهى القاضي الى اثبات توفر اركان الجريمة وتوفر ما يحمل على تشديدها كثبوت اركان جريمة السرقة في جانب الجاني وثبوت استعمال هذا الاخير لخصائص وظيفه في ارتكبها فان القاضي يكون في هذه الصورة "مقيدا بالاوضاع التي وقعت فيها هذه الجريمة متى توصل هو نفسه الى اثباتها " فمتى انتهى القاضي الى ابراز ظروف التشديد التي ضبطها المشرع ضمن الفصل 114 م ج فانه يكون ملزما بتغير الوصف القانوني للجريمة اذا كان تأثير تلك الظروف على الجريمة يغير وصفها.
غير انه قد تكون الظروف المشددة المحيطة بالجريمة المرتكبة باستعمال خصائص الوظيف لا تعكس خطورة الجاني والجريمة ، وفي هذه الحالة قد يعمد القاضي الى تجاوز تلك الظروف المشددة وبالتالي يغير وصف الجريمة من جنحة الى جناية أي يجنحا.
والتجنيح واذ كرسته بعض القوانين المقارنة فانه في القانون التونسي مازال بين اخذ ورد خاصة وان هذا القانون لم يشر الى التجنيح الا بمناسبة صدور مجلة حماية الطفل ضمن فصلها 69 الذي نص على انه : "يمكن تجنيح كل الجنايات ما عدا جرائم القتل..." وهذه تقريبا الصورة الوحيدة للتجنح القانوني الا انه جرى عمل النيابة العمومية ومحاكم التحقيق ودائرة الاتهام احيانا على قلب وصف الجريمة من جناية الى جنحة واحالة مرتكبها على المحكمة الجناحية لمحاكمته لديها عوض المحكمة الجنائية صاحبة الاختصاص الحقيقي الذي لا تتجاوز في عقابه الحد الجناحي.
ويتم التجنيح باهمال ظروف التشديد التي ترفع الجريمة الى مرتبة الجناية وغض النظ ر عمدا عن عنصر من عناصر التشديد مثل تجاوز صفة الجاني، واستعماله لخصائص وظيفة في ايقاع جريمته واحالة المتهم نتيجة لذلك على المحكمة الجناحية وذلك مثلا اما لتفاهمة المسروق او حداثة الجاني في الميدان الاجرامي، وعدم خطورته مما يدعو الى اجتناب الشدة والصرامة.
وتجدر الاشارة هنا الى ان عديد القضاة ينتقدون هذه الاسباب التي قد تعتمد في التجنيح ويعتبرونها غير قانونية وتعكس فهما خاطئا لمدلول التجنيح واسبابه، اذ يعتبر اصحاب هذا الرأي انه ولئن لم ينص المشرع صراحة على استثناء التجنيح الا ان بعض الفصول م ا ج تكرسه بصفة ضمنية من ذلك مثلا الفصل 106 م ا ج الذي نص في فقرته الرابعة على انه "اذا رأى (قاضي التحقيق) ان الافعال تشكل جنحة تستوجب عقابا بالسجن فانه يحيل المظنون فيه على قاضي الناحية او المحكمة الجناحية حسب الاحوال"
فهذا الفصل يكرس التجنيح بصورة ضمنية ويتضح ذلك من خلال عبارات النص ذاتها "اذ رأى ان الافعال تشكل جنحة..."
ويكون ذلك مثلا عندما يكون هناك شك حول استعمال الجاني مثلا لخصائص وظيفة او الوسائل التابعة لها في جرمة التحيل المحال من اجلها على التحقيق . وبما ان الشك ينتفع به المتهم فان قاضي التحقيق في هذه الصورة يستبعد ظروف التشديد ويجنح الجريمة بقلب وصفها من جناية الى جنحة.
ولكن الا يعتبر في هذه الصورة عدم ثبوت استعمال خصائص الوظيف في حد ذاته سبب قانون اصلي ينفي وصفه الجناية عن الجريمة ويرجعها الى صفتها الأصلية أي جنحة اذ ان التجنيح يفرض سلطة القاضي في تغير وصف الجريمة من جناية الى جنحة رغم تظافر كل الادلة والقرائن على انها جناية .
ومهما يكن من امر فان اسباب التجنيح التي يعتمدها القاضي كثيرة وتختلف باختلاف ظروف وملابسات كل قضية خاصة وان التجنيح في تونس هو عملا قضائيا صرفا جرى به العمل في التطبيق القضائي ولا يستند في الواقع الا لمنشور السيد الوكيل العام للجمهورة عدد 1957 المؤرخ في غرة جويلية 1960:
اذ جاء به على الخصوص :
"...لاخلاف في انه م